"البيمارستان" لفظة فارسية الأصل مُركّبة من كلمة "بيمار" وتعني مريض أو مُصاب، و"ستان" وتعني دارًا. وبهذا يكون معنى "بيمارستان" "دار المرضى"، واختُصِرَت في ما بعد في الإستعمال فأصبحت تُلفَظ "مارستان". وأُطلِقَت هذه اللفظة على المستشفيات في العصور الإسلامية وأخذت أحيانًا تسمية أخرى، هي "دار الشفاء".
يُعتَقَد أنّ أوّل مَن أقامها كان الوليد بن عبد الملك عام 707م. وأقدم هذه البيمارستانات يعود إلى عهد المماليك بمُخطّطٍ شبيه بطراز المدرسة ذات الصحن والإيوانات، وكانت هذه المؤسسات ذات وظيفة صحية إنسانية وتعليمية في وقتٍ واحدٍ، وتلحق بها حمامّات للرجال وأخرى للنساء، وقاعات متعددة الإستعمالات ومصلى ومرافق أخرى.
كان يتمّ التّطبيب والمعالجة لمرضى كل الطوائف بلا تفريق، ويتقاضى العاملون أتعابهم من ميزانية توقف على المارستان. وقد يلتحق بالكبير منها طلاب يتدرّبون على أيدي أطباء مُتخصّصين، يتلقّون الدروس النظرية والعملية. وكان لكلّ مرض جناح أو بناء مستقلٍ، حتى إنّ الأمراض العصبية كانت لها مارستاناتها المُنفصلة.
بعد تطوّر مفهوم المستشفى وشكلها، فَقَدَت اللفظة الأولى مدلولها الأصلي واقتصر إطلاقها على مصحّ الأمراض العقلية الذي عُرِفَ في العصور المتأخرة باللهجة العامية بـ"المرستان".
كانت كلّ الحواضر الإسلامية قد عرفت ذلك النّوع من الأبنية الطّبية من خوارزم إلى دمشق إلى مصر إلى تونس وغرناطة. حتى إنّ الأقاليم كانت لها مارستاناتها هي الأخرى. وقد عرفت استنبول وحدها خلال خمسة قرون من التاريخ قيام سبعين مارستانًا. أمّا أوّل مارستان عثماني فقد أقيم في بروسه عام 1326م ولم تكن قد عرفت هذا النوع من المؤسّسات.
من أقدم المارستانات وأجملها في دمشقالبيمارستان النوري الذي شُيّد في القرن السادس للهجرة/الثاني عشر للميلاد، وشُيّد البيمارستان القميري في القرن الثامن للهجرة/الرابع عشر للميلاد. وقد تميّز هذان البيمارستانان بالصّحن المركزي والأواوين الأربعة وبالبوابة العالية والقبة، وكانت كلّها مزخرفة بالمُقرنصات. وقد قام المهندس إيكوشار بترميم مدخل القميري ولا سيّما متدلّياته في القرن العشرين.
وقد ورد في كتاب "الطب عند العرب": كانت البيمارستانات في العصور الوسطى على نوعين: ثابتة، وقد بنيت في أماكن معينة وهي البيمارستانات العامة والبيرمارستانات الخاصة، والمحمولة وهي التي تنقل على الحيوانات من مكان إلى آخر كلما دعت الحاجة إليها.
وقد أبدى العرب اهتماماً كبيراً بانشاء البيمارستانات. وأول ما شيد منها كان في دمشق زمن الأمويين، بيد أنها تطورت وتكاثرت في العصر العباسي، فشيد عدد كبير منها في بغداد والقاهرة ودمشق وغيرها من العواصم الاسلامية والمدن الكبرى. وكانوا يبالغون في عنايتهم، باختيار المكان الصحي والملائم الذي يصلح لاقامة بيمارستانات عليه. وكانت لهم سياسة طبية مرسومة يتبعونها في انشائها. وكانت البيمارستانات مدارس للتعليم وأمكنة للاستشفاء وتمرين الطلاب.
جمعت البيمارستانات بين تعليم الطب وتطبيب المرضى. وقد كان حول المسجد الأموي ثلاثة بيمارستانات يمر الماشي عليها جميعاً في دقيقتين. وكان لكل هذه االمؤسسات أوقاف يصرف عليها منها، وأنيطت ادارتها بالمديرين المنتخبين من أمراء البلاد أو من قواد الجيش، وأوكل أمر التطبيب فيها إلى أطباء انتخبوا، بعد الامتحان، عن جدارة وكفاءة وعين لكل منها طبيب وجراح وكحال وفاصد، وخدم عديدون لتأمين راحة المرضى. وكان يعطى لكل طبيب بعد الامتحان اجازة تخوله العمل في دائرة اختصاصه. وتوافرت في بيمارستانات الخلفاء والسلاطين كل أسباب الراحة والرفاهية أحياناً من اسرّة وثيرة ناعمة وحمامات فخمة. ومن المعلوم أن هذه البيمارستانات، على غناها ورفاهيتها، كانت تفتح أبوابها للفقراء ولكل أبناء الشعب مجاناً دون تمييز. وكان انشاؤها مسألة دنيوية بحتة. وكان الخلفاء وكبار موظفي الدولة هم الذين يدفعون أجور الأطباء والصيادلة وحاجيات المرضى في البيمارستانات التي أنشؤوها وذلك بحبس الأوقاف عليها.
1- البيمارستانات العامة
أما مؤسس البيمارستان، فإن بعض المؤرخين يعتبرون أبقراط مؤسساً للبيمارستانات. وذلك بأنه أقام بالقرب من داره في موضع من بستان كان له، موضعاً مفرداً للمرضى وجعل فيه خدماً يقومون بمداواتهم، وسماه "اخسندوكين"، أي مجمع المرضى.
ويعتبر المؤرخون المسلمون نواة هذه البيمارستانات في الاسلام تلك الخيمة التي أمر النبي باقامتها في غزوة الخندق وذلك لما أصيب سعد بن معاذ في تلك الموقعة، فضرب النبي خيمة في المسجد ليعوده.
وفي رواية أخرى أن رسول الله قد جعل ابن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى. وبذلك يكون النبي أول من أمر بالبيمارستان الحربي المتنقل. ويجمعون على أن الوليد بن عبد الملك منشئ أول بيمارستان بمعناه الصحيح في الاسلام في سنة 88هـ / 706م، ودار المرضى، فجعل فيه الأطباء وأجرى لهم الأرزاق وأمر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا، وأجرى عليهم، وعلى العميان الأرزاق. قال محمد بن جرير الطبري في تاريخ الرسل والملوك: "كان الوليد بن عبد الملك عند أهل الشام أفضل خلائفهم، بنى المساجد: مسجد دمشق ومسجد المدينة، ووضع المنابر وأعطى الناس المجذومين وقال: "لا تسألوا الناس" وأعطى كل مقعد خادماً وكل ضرير قائداً". ثم أنشء زمن الأمويين أيضاً بيمارستاناً آخر في مصر في زقاق القناديل.
ومما لا شك فيه أن البيمارستانات العربية كانت في بدايتها بسيطة ولكنها، بمرور الأيام، توسعت وأخذت شكلها المتكامل، بعد أن أدخل عليها الكثير من الاضافات والتحسينات، وبلغت ذروتها زمن العباسيين. وعلى سبيل المثال عن العناية والترفيه التي نعمت بها البيمارستانات زمن العباسيين وما أعد من وسائل الراحة في البيمارستان العضدي. مع العلم أنه لم يكن من بيمارستانات الدرجة الأولى.
لذلك نرى أن البيمارستانات الحقيقية لم تظهر إلا بعد قيام الدولة العباسية. وقد قيل أن الخليفة المنصور كان أول من حدد النهج لمن أتى بعده في تشييد البيمارستانات ثم تابع هذا العمل خلفاؤه من بعده، فأسس الرشيد والبرامكة ما أسسه المنصور في هذا الصدد. وزادت البيمارستانات فيما بعد في بغداد زيادة كبيرة في سنة 307/920 م، خمسة منها تقلدها الطبيب سنان بن ثابت.
وبنى المأمون مأوى للأيتام والنساء والعاجزات. وانتشرت البيمارستانات المتنقلة كالبيمارستان السيار في معسكر الأفشين قائد جيوش المعتصم.
وبيمارستان محمد بن ملكشاه الذي كان يصحب المعسكر أينما ذهب، وكان ينقل على أربعين جملاً باشراف الطبيب عبيد الله بن المظفر. وقد سبق العباسيون غيرهم، في ما يسمى اليوم، ببعثة الحج الطبية، حين خرج من بغداد في سنة 1178 م محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر الوزير طالباً الحج. فقد عزز سفره بجهاز طبي واشترى ستمائة جمل لحمل المنقطعين وأمتعتهم. ولم تقتصر البيمارستانات على بغداد فقط بل انتشرت في مختلف البلاد الاسلامية. فقد كتب طاهر بن الحسين الى ابنه عبد الله يقول له: "وانصب لمرضى المسلمين دوراً تقيهم، وقواماً يرفقون بهم، وأطباء يعالجون اسقامهم".
ولقد عني العباسيون في بغداد بالاضافة الى دور المرضى، بانشاء دور للمجانين والمحرورين، وقد تطورت هذه الدور حتى أصبحت بيمارستانات كبيرة تضم الى جانب ردهات المرضى ومخازن الأدوية والأتربة ومكتبات وقاعات لتدريس الطب، أصبحت فيما بعد مدارس للطب كان لها فضل كبير على العالم.
وأكبر بيمارستانات العصر العباسي وأهمها كانت ثلاثة وهي البيمارستان العضدي في بغداد، البيمارستان النوري في دمشق، والبيمارستان المنصوري في القاهرة. وإلى جانب هذه المؤسسات الكبرى، اشتهرت بيمارستانات أخرى، خصوصاً في بغداد، فكان يتسابق على انشائها الخلفاء ونساؤهم، ووزراء الدولة، كما اشتهرت نخبة ممتازة من الأطباء الذين تركوا تراثاً طبياً أسدت به بغداد خدمات جليلة للانسانية.
البناء وأقسام البيمارستان
كان في كل مدينة كبيرة من الامبراطورية العباسية بيمارستان عام واحد على الأقل للعناية بالمرضى، وهي مؤسسة حكومية يشيدها ويقوم بنفقاتها أحد الخلفاء أو أحد كبار الأمراء. وكان التشابه كبيراً بين هذه البيمارستانات في كل شيء: البناء والادارة والشعب. وقد بني بعضها تبعاً لتصميم موضوع ليكون بيمارستاناً وخطط على نمط مشابه للبيمارستان العضدي في بغداد والبيمارستان النوري في دمشق. وبعضها الآخر كان في الأصل قصوراً حولت إلى بيمارستانات بعد أن أجريت عليها بعض الترميمات، كالبيمارستان الناصري.
وكان الناصري، قاعة بناها العزيز بن المعز في سنة 384هـ/994م في أحد القصور، ولما ملك صلاح الدين الأيوبي مصر سنة 567هـ/1171م، استولى على القصر الفاطمي وحول هذه القاعة إلى بيمارستان وهو البيمارستان العتيق داخل القصر. وكان الثاني قاعة للسيدة ست الملك ابنة العزيز بالله نزار بن المعز، وقد كلف الأمير علم الدين سنجر الشجاعي مدير الممالك بتحويلها إلى بيمارستان. وقال المقريزي: "وكان سبب بنائه أن الملك المنصور لما توجه وهو أمير إلى غزو الروم في أيام الظاهر بيبرس سنة 675هـ/1276م أصابه بدمشق قولنج عظيم، فعالجه الأطباء بأدوية أخذت له من بيمارستان نور الدين الشهيد، فبرئ، ثم زار المارستان فأعجب به ونذر أن أتاه الله الملك أن يبني مارستاناً. فما تسلطن أخذ في عمل ذلك فوقع الاختيار على الدار القطبية، وعوض أهلها عنها قصر الزمرد، وولى الأمير علم الدين سنجر الشجاعي أمر عمارته".
لم تذكر المراجع وصف أي بيمارستان سابق للبيمارستان العضدي، ولكن نلاحظ أن بيمارستانات العصر العباسي، كان بوجه عام مقسمة إلى جناحين: جناح للذكور وآخر للإناث. يحتوي كل منهما على عدة قاعات لمختلف الأمراض، فقاعة للأمراض الداخلية، وقاعدة للجراحة، وقاعة للكحالة، وقاعة للتجبير، وقاعة للأمراض النفسية، وقاعات لكل نوع من الأمراض المعدية السريعة الانتشار.
وكانت قاعة الأمراض الداخلية مقسمة إلى أقسام أخرى، قسم للمحمومين، وهم المصابون بالحمى وقسم للممرورين وهو لمن بهم المرض المسمى (مانيا) وهو الجنون السبعي، وقسم للمبرودين (المتخومين) ولمن به اسهال قاعة. وكان كل جناح بأقسامه مجهزاً بما يحتاجه من آلات ومعدات وخدم وفراشين من الرجال والنساء وقوام ومشرفين.
مواقع البيمارستانات
كانت البيمارستانات تقام في أحسن الأماكن موقعاً، على الربوات أو بجوار الأنهار. وكانت قاعات البيمارستانات واسعة حسنة البناء تجري فيها المياه. ولاختيار المواقع كانوا يعلقون في كل ناحية من نواحي المدينة التي يرغبون في اشادة البيمارستان فيها قطع لحم على أن تعتبر التي لم تتغير ولم يسهك فيها اللحم سريعاً، وكانوا يختارون قصوراً لا نمل فيها لتحويلها إلى بيمارستان. والجدير بالذكر أن هذه المؤسسات كانت تقوم بالقرب من جامع ويقام بجوار الجامع حمام وتكية وهي لا تختلف في فخامة أثاثها على أي من قصور الأمراء، ولكل مريض سرير مستقل. وقد قيل أن البيمارستان العضدي كان أشبه بالقصر لاتساع أجنحته وعدد غرفه وفخامة أثاثه.
الادارة
كان لكل بيمارستان رئيس للأطباء يسمى ساعور البيمارستان، ولكل قسم من أقسامه رئيس. فكان فيه رئيس للأمراض الباطنية، ورئيس للجراحين، ورئيس للكحالين. أما عدد الأطباء في البيمارستان فكان يتوقف على سعة البيمارستان فيصل في بعض الأحيان إلى أربعة وعشرين طبيباً.
وكان النظر على البيمارستان معدوداً من الوظائف الديوانية العظيمة وكانت ألقاب أرباب الوظائف على الشكل التالي:
1- رئيس الأطباء وهو الذي يحكم على طائفة الأطباء ويأذن لهم في التطبيب ونحو ذلك.
2- رئيس الكحالين وحكمه في الكلام على طائفة الكحالة حكم رئيس الأطباء في طائفة الأطباء.
3- رئيس الجرائحية، وحكمه في الكلام على طائفة الجرائحية والمجبرين كالرئيس المتقدم.
ونظراً لأهمية منصب نظارة البيمارستان فقد كان يتولاه أحد الأمراء أو أحد الأشراف ويتصف المديرون بالقدرة والثقافة العالية، ويتصلون بقصر الخليفة كأحد الوزراء، ولهم الادارة التامة والمراقبة وحفظ المؤن والأدوية والأثاث، وفي بعض الأحيان ادارة الوقف، ويلي المدير المراقب ثم الأمناء والخدم، وتحت يده ناظر الوقف الذي يشرف على أوقاف البيمارستان، ويقدم ميزانية الواردات والمصروفات لرئيس البيرمارستان الذي يبت فيما يرى في صالح البيمارستان وراحة المرضى.
وكان يعاون رئيس الأطباء، رؤساء مختلف الشعب ويعاون هؤلاء معاونوهم وتلاميذهم. وكان رؤساء الشعب ذوي مقدرة فائقة ومعرفة عميقة، يترأسون الشعب ويراقبون المرضى يومياً، ويستشير بعضهم بعضاً، ويعطون الوصفات اللازمة شفهياً وأحياناً خطياً، وتشمل الوصفات الأغذية والأدوية. وكثيراً ما كانت تعقد الاستشارات والملاحظات اليومية مما ييسر للطبيب متابعة حالة المريض بدقة وعناية، وكانوا يكتبون تاريخ المرضى في سجلات تحفظ في البيمارستان.
مساعدات البيمارستان
لكل من البيمارستانات أوقاف تعولها وكانوا يسجلون الوقف في حجج مكتوبة، ينقشون بعض ما فيها على الحجارة، ويبينون فيها أن الغاية هي تشييد البيمارستان والاعتناء بالمرضى، وكانت عائدات الأوقاف، المداخيل الأساسية التي تفي بحاجات البيمارستان من طعام ولباس ومحروقات وأدوية ورواتب الأطباء والممرضين وبقية العاملين في المؤسسة.
ومن أقسام البيمارستان: خزانة الشراب والمكتبة.
خزانة الشراب
هي الصيدلية الملحقة بالبيمارستان، وقد عرفها أبو العباس القلقشندي على الشكل التالي: "هي الخزانة المعبر عنها في زماننا، زمن القلقشندي، بالشرابخانة، وكان فيها من أنواع الأشربة والمعاجين النفيسة والمربيات الفاخرة وأصناف الأدوية، والعطريات الفائقة التي لا توجد إلا فيها. وفيها من الآلات النفيسة والآنية الصيني من الزبادي والبراني والأزيار ما لا يقدر عليه غير الملوك". وكان للشرابخانة رئيس يسمى رئيس صيدلاني البيمارستان.
كانت الصيدلية في بادئ الأمر تابعة لعلم الطب، غير مستقلة عنه اذ كان الطبيب في الوقت نفسه صيدلانياً. وكان له أعوان يساعدونه في عمله، فيجمعون له الأعشاب الطبيعية. وكان ثمة تجار يتعاطون تجارة العقاقير والمواد الطبية، كما كانوا يتعاطون تجارة البخور والتوابل وغير ذلك، وكان الطبيب على رأس هذه الشبكة، يتولى صنع الدواء وتركيبه في دكانه، ثم يقدمه للمريض ويقبض ثمنه.
المكتبات
كانت البيمارستانات مزودة بمكتبات تضم المفيد من مخطوطات أبقراط وجالينوس وأطباء العرب، يجتمع فيها الأساتذة والطلاب بعد جولات الصباح، وكانت الكتب كثيرة ومتوافرة. يقول ابن أبي أصيبعة: "كان السلطان نور الدين محمود بن زنكي قد وقف على البيمارستان النوري جملة كبيرة من الكتب الطبية، وكانت في الخرستانين (الخزانتين) اللذين في صدر الايوان".
2- البيمارستانات الخاصة
اشتهر منها المجاذم ودور المجانين ودور العجزة والمكفوفين وطبابة المدارس ودور الحضانة.
المجاذم
أنشأ الخلفاء ومن سار على خطاهم ملاجئ خاصة للمجذومين تقوم الدولة برعايتهم ومعالجتهم، وقد ذكر أن أول بيمارستان للمجذومين في الاسلام اقامة الوليد ابن عبد الملك، وقد بنى المأمون من الخلفاء العباسيين بيوتاً للمجذومين ومن سار على نهجه معظم الخلفاء والحكام. وذلك نظراً لخطورة المرض وحماية للناس، وقد أمر الخليفة المستضيء بإخراج المجذومين من بغداد وحصرهم في أماكن خاصة بعيدة عن الأصحاء.
دور المجانين
تأسست هذه الملاجئ في أوائل التاريخ الاسلامي خصوصاً في عهد الدولة الأموية، لأن العرب كانوا يعتبرون المعتوهي معدمين وعلة على الدولة، ولأن إصابتهم بقضاء الله وقدره، فقد تحملت الدولة أعباء حاجاتهم وعاملتهم برفق، فعينوا لهم الأطباء لخدمتهم والسهر على راحتهم. وقد وجد أحد هذه الملاجئ في دير حزقايل بين واسط وبغداد وكان المبرد يتفقده طوال مدة حكم الخليفة المتوكل.
وقد كانوا يفردون بيوتاً خاصة في المستشفيات الكبرى لهؤلاء المرضى، وكانت نوافذ أكثر الغرف مشبكة بالحديد. وما يروى عن أحمد بن طولون أنه كان كل يوم جمعة يركب بنفسه ويتفقد خزائن البيمارستان المعروف باسمه (بيمارستان ابن طولون)، وما فيها من الأطباء، وينظر إلى المرضى والمحبوسين من المجانين فناداه أحد المجانين المكبلين بالسلاسل يوماً وطلب أن يؤتى له برمانة، فأمر بها ففرح ثم غافل أحمد بن طولون ورماه في صدره، فنضحت على ثيابه دون أن تتمكن منه ولم يعاود بعد ذلك النظر في البيمارستان.
دور العجزة والمكفوفين
شيدت هذه الدور خصيصاً للمقعدين والعاجزين وإطعامهم واكسائهم، ويصرف على هذه الدور من الأوقاف التي كانوا يوقفونها لها.
طبابة المدارس
لما توسعت دور العلم وانتشرت، وأقبل الناس على تلقي العلوم، وأصبحت تحوي في جنباتها الكثير من طلاب المعرفة، صار من الضروري تخصيص طبيب يشرف على الطلاب والمدرسين والخدم، فمثلاً كان في المدرسة المستنصرية ببغداد طبيب يقوم بفحص المرضى ووصف الأدوية من الصيدلية الخاصة بالمدرسة.
3- البيمارستانات المتنقلة
كان لهذا النوع من البيمارستانات معروفاً لدى خلفاء الاسلام وملوكهم وسلاطينهم وأطبائهم، ومن الراجح أن يكونوا هم أول من أنشأه، وهو عبارة عن بيمارستان مجهز بجميع ما يلزم للمرضى والمداواة من أدوية، وأدوات، وأطعمة وأشربة، وملابس، وأطباء، وصيادلة، وكل ما يعني على ترقية الحال على المرضى والعجزة والمزمنين والمسجونين. وينقل من بلد إلى آخر من البلدان الخالية من بيمارستانات ثابتة والتي يظهر فيها وباء، وهذه البيمارستانات على أنواع وهي ما نسميه اليوم بالمستوصفات السيارة منها:
طبابة السجون
لم تقتصر عناية الدولة العباسية على قطاع معين بل شملت الجميع حتى المساجين، فإنهم لم يرضوا لهم أن يبقوا محرومين من الرعاية الطبية، بينما ينالها من هم خارج السجن ولذا ولأول مرة في التاريخ لاحظ علي بن عيسى الجراح وزير الخليفة المقتدر في القرن الثالث/ التاسع ضرورة ذلك وكلف بهذه المهمة الطبيب سنان بن ثابت الذي قام بتعيين شلة من الأطباء تقوم بزيارة السجون وتحمل إلى المساجين الأدوية والأشربة ويطوفون في سائر الحبوس ويعالجون فيها المرضى، وبذلك سجل التاريخ انشاء أول بيمارستان خاص للسجون.
البيمارستان الحربي
كان للجيش أطباء وصيادلة مختصون عدا أطباء الخليفة والقواد والأمراء للعناية بالجرحى والمرضى والجنود. وكانت هذه البيمارستانات ترافق الجيش في السلم والحرب متنقلة على ظهور الجمال والبغال بمحامل مريحة واسعة لنقل المرضى. وكانوا يعهدون بالجرحى إلى النساء لتمريضهم. ويذكر بين البيمارستانات المتنقلة التي كان يستعملها السلاطين في تنقلاتهم وحروبهم كما روى ابن خلكان وابن القفطي حيث قالا:
” ان أبا الحكم المغربي عبد الله ابن المظفر بن عبد الله المرسي نزيل دمشق كان طبيب بيمارستان متنقل يحمله أربعون جملاً. وكان القاضي السديد أبو الوفا يحيى بن سعيد بن يحيى بن المظفر المعروف بابن المرخم، الذي صار قاضي القضاة ببغداد، في أيام المقتضى، فاصداً وطبيباً في هذا البيمارستان المحمول وكان أبو الحكم يشاركه ويعاني اصلاح مفرداته في التركيب والاختبار.
بيمارستان السبيل
هي البعثات التي كانت ترافق الحجاج أو التجار فكانت تجهز بمواد الاسعاف والأدوية، وتحمل في صناديق خاصة وبرفقة طبيب وممرضين يعالجون من في القافلة أو من تمر بهم القافلة في الطريق. وأول من قام بهذا العمل من البيمارستانات هو معاوية بن أبي سفيان في أيام خلافته.
محطات الاسعاف
كانت هذه البيمارستانات تقام في الأماكن التي يكثر فيها اجتماع الناس في أماكن مختلفة كالجوامع وقت صلاة الجمعة والمهرجانات والأعياد والمواسم. وهناك يقوم الأطباء والصيادلة بمعالجة المرضى والمصابين بالحوادث. ويقال أن أول من أنشأ هذه المحطات هو أحمد بن طولون.