/التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم ومشرعية ذلك في الكتاب الكريم والأحاديث والسنة الشريفة /
المراد بالتوسل هنا أنْ يتخذ العبدُ وسيلةً -أي واسطة – الى الله تعالى في دعائه أو رجائه لما ثبت لتلك الواسطة عند الله تعالى من الفضل أو الحق أو الحياةِ أو المنزلة وإجابة الدعاءِ , وجميع ذلك جائزٌ شرعا لما دلَّ عليه الكتابُ وسنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة الكرام رضوانُ الله عليهم وإجماع الأمةِ .
أمَّا أدلة ذلك من الكتاب المجيد فقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة:35.فقد أمر الله تعالى عباده في هذه الآية أن يتقوه بترك المحرمات والمنهيات وأن يبتغوا إليه الوسيلةَ بالأعمال الصالحة المقربة إليه سبحانه وتعالى, وقد شرع التوسل بالأعمال الصالحة رجاءَ الثواب وإجابة الدعاء قال الله عز وجلَّ :{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} آل عمران:193.فقد توسلوا الى الله تعالى بإمانهم أن يغفرالله تبارك و تعالى لهم . وعلى التأكيد ذكر العلامةُ البغوي القولَ بالعموم في الآية الكريمة في قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}الاسراء:57
ونسب ذلك الى العباس رضي الله تعالى عنه وقد ردإطلاق الوسيلة الى الذوات الفاضلة ففي فتح الباري صفحة /413/ الجزء الثاني أن الزبير بن بكار روى بإسناده عن عمربن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إستسقى عمر عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فذكر الحديث وفيه:وهو كما في الستدرك على الصحيحين للحاكم قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا الحسن بن علي بن نصر ثنا الزبير بن بكار حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني عن داود بن عطاء المدني عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه قال (( استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا فما برحوا حتى سقاهم الله قال : فخطب عمر الناس فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه و يفخمه و يبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم في عمه العباس و اتخذوه وسيلة إلى الله عز و جل فيما نزل بكم )) المستدرك على الصحيحين للمؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري.
فكان العباس وسيلتهم إلى الله تعالى , حتى أنه صرح بذلك لما استسقى لهم العباس حيث قال سيدنا العباس رضي الله تعالى عنه اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم ينكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث؛ فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض" أخرجه الزبير بن بكار في الأنساب، وأخرجه أيضاً من حديث ابن عمر أن عمر استسقى بالعباس عام الرمادة وذكر الحديث، وذكر الباذري أن عام الرمادة كان سنة ثماني عشرة،
والرمادة بفتح الراء وتخفيف الميم، سمي العام بها لما حصل من شدة الجدب فاغبرت الأرض جداً من عدم المطر.
وفي هذه القصة دليل على الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وبيت النبوة.
وفيه فضيلة العباس وتواضع عمر ومعرفته لحق أهل البيت رضي الله عنهم.فقد صرح العباس أنَّ الناسَ قد جعلوه وسيلتهم إلى الله تعالى .
ومن الأدلة على مشروعية التوسل من الكتاب قول الله تعالى :{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً}النساء:64 . فليتأمل العاقل سرقوله تعالى جاؤك وسرقوله واستغفر لهم الرسول يفهم من ذلك صريح مشروعية أتخاذه صلى الله عليه و سلم وسيلة الى الله تعالى,ولولا ذلك فما الفائدةُ من قوله جاءوك وهذا القول عام ٌ في حياته وبعد انتقاله الى الرفق الأعلى صلى الله عليه و سلم.
أما الأحاديث النبوية الدالةُ على مشروعية التوسل به صلى الله عليه و سلم فكثيرة نذكر بعضاً منها :
عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ادع الله أن يعافني فقال : إن شئت أخرت ذلك و هو خير و إن شئت دعوت قال : فادعه قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه و يصلي ركعتين و يدعو بهذا الدعاء فيقول : اللهم إنس أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في و شفعني فيه قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ
)) أخرجه أحمد (4/138 ، رقم 17279) ، والترمذى (5/569 ، رقم 3578) وقال : حسن صحيح غريب . وابن ماجه (1/441 ، رقم 1385) ، والحاكم (1/458 ، رقم 1180) وقال : صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي.. وأخرجه أيضًا : عبد بن حميد (ص 147 ، رقم 379) وعلق عليه الشيخ شعيب الأرنؤوط فقال: إسناده صحيح رجاله ثقات .
فهذا الحديث يدل على مشروعية التوسل بذات النبي صلى الله عليه و سلم فإنَّ الضرير هو الذي دعا وتوجه الى الله تعالى برسوله سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم .
وفي السنة الشريفة ما يثبت إثباتَ التوسلَ بالذاتِ الفاضلةِ ,فقد توسل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه بالعباس عمِّ النبي صلى الله عليه و سلم وأمر الناسَ أن يتخذوا العباس رضي الله تعالى عنه وسيلةً الى الله تعالى في سقياهم فقد روى البخاري وغيره عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - : «أن عمرَ بنَ الخطاب رضي الله تعالى عنه كان إِذا قَحَطوا استسقى بالعباس، فقال : اللهم إِنا كُنا نَتوسَّلُ إِليكَ بنبيِّكَ فَتَسْقِيَنا ، وإِنا نتوسَّلُ إِليكَ بِعَمِّ نبيِّك -صلى الله عليه وسلم- فاسْقِنا فيُسْقَوْن». أَخرجه البخاري.وابن خزيمة .
فهذا صريحٌ في التوسل بالذواتِ الفاضلةِ , وقد يقول قائلٌ: إنَّ هذا التوسلَ بدعاءِ العباسِ رَضِيَ اللهُ تعالى عَنهُ قلنا : لوكان المقصودُ الدعاءَ لدعاه عمر رضي الله تعالى عنه , ولكنَّ المقصودَ الداعي وهو العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه عم النبي سيدا محمد صلى الله عليه وسلم باعتبار نسبه من النبي الكريم والسند الرحيم صلى الله عليه وسلم. وجاء في صحيح مسلم عن أنس قال : ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه ، وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل ) . وجاء في صحيح البخاري في حديث صلح الحديبية أن عروة بن مسعود قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (( فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه ... ) .وهذا للتبرك والإستشفاء بشعره وبرقه صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث القدسي الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:إِنَّ اللهَ عَزَّوَجَلَّ قَالَ:مَنْ عَادَى لِيْ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِيْ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ ِإِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبَّ ِإِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ يَتَقَرَّبُ ِإِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِيْ يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِيْ يَمْشِيْ بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِيْ لَأَعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِيْ لَأُعِيْذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِيْ عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِن يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ.رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
أن في هذا الحديثِ دلالة على شرفِ أولياء الله تعالى ورفعة منـزلتِهِم عند الله تعالى حتى لو تأتى أنه تعالى لايذقهم الموتَ الذي حتمه على عباده لَفَعَلَ فخاطب الله تعالى الخلق على حسب مايعرفون ودلـهم به على شرف الولي عنده ورفعة درجته. فكيف الأنبياءُ والرسلُ وخاصةً حبيبُ الله محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ شرفهم عند الله عظيمٌ ومن جاء إلى الله تعالى خاشعاً متوسلاً بمن أحبَّ الله ويحبه الله تعالى لاشك أنَّ الله تعالى لايرده خائباً, فإنَّ التوسلَ جائزٌ شرعاً ومن أراد عير ذلك فليأت بالدليل .ورحم الله تعالى الإمام البوصيري حيث قال في القصيدة المحمدية :
محمد أشرف الأعراب والعجم
محمد خيـــــــر من يمشي على قــــدم
محمــد باسط المعروف جامعه
محمـــــد صاحب الإحســان والكــــرم
محمــد تاج رسل الله قاطبــــة
محمـــــــد صــــــادق الأقوال والكلـــم
محمــــــد ثابت الميثاق حافظــه
محمـــــــد طيــب الأخــلاق والشيــــم
محمـــد رُوِيَت بالنور طينتُــــهُ
محمــــد لم يــــزل نــــــوراً من القِدم
محمــــد حاكم بالعدل ذو شرفٍ محمـــــد معــــدن الأنعام والحكــــــم
محمد خير خلق الله من مضـــــر
محمــــد خيـــر رســـــل الله كلهـــــم
محمــــــد دينه حـــق نديـــن بـــه
محمــــــــد مجمــــلاً حقاً على علــــم
محمـــد ذكـــره روح لأنفسنــــــــا
محمد شكره فــــرض على الأمــــم
محمد زينة الدنيا وبهجتهـــــــــــا
محمــــــــد كاشــــــف الغمات والظلم
محمــــد سيـــــــد طابت مناقبـــــهُ
محمــــد صاغه الرحمــــــن بالنعـــــم
محمــــد صفـــوة الباري وخيرتـــــه
محمــــد طاهـــــــر من سائر التهـــم
محمـــد ضاحــــك للضيف مكرمــــه
محمـــــــــد جـــــــاره والله لم يضـــم
محمــــد طابـــــت الدنيــــا ببعثتــــه
محمـــــد جـــاء بالآيـــات والحكـــــــم
محمــــد يـــوم بعث النــــاس شافعنــــا
محمـــــــد نوره الهــــادي من الظلــــم
محمــــــــد قائـــــــــــم لله ذو همـــــــــم
محمـــــــد خاتـــــــم للرســــــل كلهــــم
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}الفتح:29. {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}الأحزاب:40{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ}آل عمران:144
قال ابن حجر رحمه الله تعالى المتوفى سنة 852هجرية.
يا سيـــد الـــرسل الـــــذي آياتُــــــــــــهُ **** لاتـَنـــــقضي أبداً ولا تَــتَصَـــــرَمُ
ماذايـــــــــقولُ المـادحـــونَ ومـــدحُــكُمْ **** فضلاً بِهِ نَـــطَقَ الكتــــــــابُ المحكمُ
المـعجــــزُ البـــاقي وإن طــــالَ المــد **** ولأبـلــــــغِِ البـــــــــلغاءِ فهو المُعجِمُ
الأمــــــرُ أعظــــــمُ من مــقــالةِ قائـــلٍ **** إن رَقَـــــــــقَ الفصحاءُ أو إن فخموا
من بعدِ ما أُوتيتَ خمسَ خــــصائــــصٍ**** لــم يُُـــــــعطًها الــرُسلُ الذين تقدموا
1- جُعِلَتْ لــكَ الأرضُ البسيطةُ مسجدا ً**** طُهــــراً فصلى النَّاسُ أو فتيــــمموا
2-و نُصِرتَ بالرُعبِ المروعِ قلـــبَ من **** عــاداكَ من شهــرٍ فأَصبَحَ يُهـــزَمُ
3-وأُعِيدَتِ الأنفــالُ حِـــــــلاً بــعــــد أن **** كـــــانت محــــرمـــةً فطابَ المغنمُ
4-وبُـــــعِثْتَ للثقلــــــــينِ تُــرشِدُهُم إلى **** الدِّينِ القــــويمِ وسيفُ دينِكَ قَيمُ
5- وخُصِصْتَ فضلاً بالشفاعةِ في غــــدٍ **** فالمسلمونَ بِفضلـِها قد عُمِّمُـــــوا
ومقامُكَ المحمودُ في يـــــومِ الـــــــقضا **** حيـــثُ السعيدُ رجا هُ نَفْسٌ تَسلمُ
يَحبُوك رَبُكَ من مَحامـــــــــدِهِ التـــــــي **** تُـــــعطى بـها مـا تَـرتجيِهِ وتَـغنمُ
ويَقولُ قُلْ يُسمعْ وسَلْ تُعـــــطَ المُنـــــى **** واشفعْ تُشفَعْ في العُصاةِ ليُرحموا
صلى عليـــــك وسَلَــــــمَ اللهُ الـــــــــذي **** أعــلاك ما لبَّى الحَجيجُ وأحرموا
وعلى قرابتِكَ المقـــــــــــررُ فضلُــــــهم **** وعلـــــى صحابتِــكَ الذين هُمْ هُمُ
اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك وحب أنبيائك وحب اوليائك وحب الصالحين من عبادك اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته الى يوم الدين {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}يونس:10)
شيخنا الفاضل جزاك الله خيرا ولكن اسمح لي ان أخالفك في هذا الموضوع وأبين أن هناك أمور في مقالتكم ينبغي أن تبين للقارىء حتى نكون على بصيرة وبينة وأرجو أن يتسع صدرك كما تعودنا عليك لما سأذكره :
النقطة الأولى :
لا ننكر أن مسألة التوسل بالنبي عليه الصلاة والسلام بعد وفاته خاصة ، فيها خلاف بين أهل العلم كما سأبين أقوال أهل العلم بالموضوع .
النقطة الثانية :
اقتباس:
وجميع ذلك جائزٌ شرعا لما دلَّ عليه الكتابُ وسنة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وآثار الصحابة الكرام رضوانُ الله عليهم وإجماع الأمةِ .
نود منكم شيخنا أن تذكر لنا أين الإجماع في المسألة ومعلوم الخلاف فيه كما سأذكر .
النقطة الثالثة:
بالنسبة للأدلة التي ذكرتها شيخنا الفاضل أولا بالنسبة للآيات :
اقتباس:
على التأكيد ذكر العلامةُ البغوي القولَ بالعموم في الآية الكريمة في قوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً}الاسراء:57
قال البغوي : { أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ } يعني الذين يدعونهم المشركون آلهة يعبدونهم. قال ابن عباس ومجاهد: وهم عيسى وأمه وعزير والملائكة والشمس والقمر والنجوم "يبتغون" أي يطلبون إلى ربهم "الوسيلة" أي القربة. وقيل: الوسيلة الدرجة العليا أي: يتضرعون إلى الله في طلب الدرجة العليا.
وقيل: الوسيلة كل ما يتقرب به إلى الله تعالى.
وقوله: { أَيُّهُمْ أَقْرَبُ } معناه: ينظرون أيهم أقرب إلى الله فيتوسلون به وقال الزجاج: أيهم أقرب يبتغي الوسيلة إلى الله تعالى ويتقرب إليه بالعمل الصالح { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } جنته { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا } أي يطلب منه الحذر.
وقال عبد الله بن مسعود: نزلت الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفرا من الجن فأسلم الجنيون ولم يعلم الإنس الذين كانوا يعبدونهم بإسلامهم فتمسكوا بعبادتهم فعيرهم الله وأنزل هذه الآية .كما في صحيح البخاري.
هذا كلام الإمام البغوي في التفسير عن هذه الآية ......
أما آية :
اقتباس:
فقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري :
"وابتغوا إليه الوسيلة"، يقول: واطلبوا القربة إليه بالعمل بما يرضيه.
قال القرطبي :
الوسيلة هي القربة عن أبي وائل والحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير.
قال ابن كثير :
وقد قال بعدها: { وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ } قال سفيان الثوري، حدثنا أبي، عن طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس: أي القربة. وكذا قال مجاهد وعطاء وأبو وائل، والحسن، وقتادة، وعبد الله بن كثير، والسدي، وابن زيد.
وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه.وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لا خلاف بين المفسرين فيه.
إذا شيخنا الفاضل لا أعلم أن أحدا من المفسرين ذكر التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم .
وأما آية :
وقد شرع التوسل بالأعمال الصالحة رجاءَ الثواب وإجابة الدعاء.
اقتباس:
قال الله عز وجلَّ :{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} آل عمران:193.
هذه الآية تدل على التوسل بالأعمال الصالحة وهذا الأمر مما لا خلاف فيه بين أهل العلم قاطبة .
أما الأحاديث :
الحديث الأول :
اقتباس:
هو كما في الستدرك على الصحيحين للحاكم قال: أخبرنا أبو زكريا يحيى بن محمد العنبري ثنا الحسن بن علي بن نصر ثنا الزبير بن بكار حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني عن داود بن عطاء المدني عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه قال (( استسقى عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس بن عبد المطلب فقال : اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه إليك به فاسقنا فما برحوا حتى سقاهم الله قال : فخطب عمر الناس فقال : أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده يعظمه و يفخمه و يبر قسمه فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه و سلم في عمه العباس و اتخذوه وسيلة إلى الله عز و جل فيما نزل بكم )) المستدرك على الصحيحين للمؤلف : محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري
هذا الحديث سكت عنه الحاكم ، وكأنه لضعفه الشديد ؛ فقد تعقبه الذهبي بقوله : داود بن عطاء المدني ؛ متروك" .
ومعلوم أن المتروك حديثه ضعيف جدا لا تحل روايته فضلا عن الإستدلال به .
فقصة عمر في توسله بالعباس - رضي الله عنهما - لا تدل بحال أنه كان توسلاً بجاهه، بل هو على اليقين توسلاً بدعائه جرياً على ما كانوا يفعلونه مع النبي صلى الله عليه وسلم، من التوسل بدعائه.
أما الرواية الصحيحة الثابتة في موضوع العباس والاستسقاء :
و إن من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية أن النصوص الشرعية يفسر بعضها بعضا ولا يفهم شيء منها في موضوع ما بمعزل عن بقية النصوص الواردة فيه . وبناء على ذلك لقد فسرت بعض روايات الحديث الصحيحة كلام عمر المذكور وقصده إذ نقلت دعاء العباس رضي الله عنه استجابة لطلب عمر رضي الله عنه فمن ذلك ما نقله الحافظ العسقلاني رحمه الله في الفتح حيث قال : ( قد بين الزبير بن بكار في ( الأنساب ) صفة ما دعا به العباس في هذه الواقعة والوقت الذي وقع فيه ذلك فأخرج بإسناد له أن العباس لما استسقى به عمر قال : ( اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث ) قال : فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس )
وفي هذا الحديث : أولا : التوسل بدعاء العباس رضي الله عنه لا بذاته كما بينه الزبير بن بكار وغيره وفي هذا رد واضح على الذين يزعمون أن توسل عمر كان بذات العباس لا بدعائه إذ لو كان الأمر كذلك لما كان ثمة حاجة ليقوم العباس فيدعو بعد عمر دعاء جديدا .
* أما أن توسلهم به صلى الله عليه و سلم إنما كان توسلا بدعائه فالدليل على ذلك صريح رواية الإسماعيلي في مستخرجه على الصحيح لهذا الحديث بلفظ : ( كانوا إذا قحطوا على عهد النبي صلى الله عليه و سلم استسقوا به فيستسقي لهم فيسقون فلما كان في إمارة عمر . . ) فذكر الحديث نقلته من ( الفتح 2 / 399 ) فقوله : ( فيستسقي لهم ) صريح في أنه صلى الله عليه و سلم كان يطلب لهم السقيا من الله تعالى ففي ( النهاية ) لابن الأثير : ( الاستسقاء استفعال من طلب السقيا إي إنزال الغيث على البلاد والعباد يقال : سقى الله عباده الغيث وأسقاهم والاسم السقيا بالضم واستسقيت فلانا إذا طلبت منه أن يسقيك ) . والله أعلم .
أما الحديث الثاني :
اقتباس:
عن عثمان بن حنيف : أن رجلا ضريرا أتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : ادع الله أن يعافني فقال : إن شئت أخرت ذلك و هو خير و إن شئت دعوت قال : فادعه قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه و يصلي ركعتين و يدعو بهذا الدعاء فيقول : اللهم إنس أسألك و أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى لي اللهم شفعه في و شفعني فيه قَالَ فَفَعَلَ الرَّجُلُ فَبَرَأَ
أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه و سلم إياه أن يقول : ( اللهم فشفعه في ) وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه و سلم أو جاهه أو حقه إذ أن المعنى : اللهم أقبل شفاعته صلى الله عليه و سلم في أي اقبل دعاءه في أن ترد علي بصري والشفاعة لغة الدعاء وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه و سلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرا فيكون أحدهما شفيعا للآخر بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره قال في ( لسان العرب ) :
( الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره والشافع الطالب لغيره يتشفع به إلى المطلوب يقال تشفعت بفلان إلى فلان فشفعني فيه )
فثبت بهذا الوجه أيضا أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه و سلم لا بذاته .
وأيضا :
إن مما علم النبي صلى الله عليه و سلم الأعمى أن يقوله : ( وشفعني فيه ) أي اقبل شفاعتي أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه و سلم أي دعاءه في أن ترد علي بصري . هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد لأنها تنسف بنيانهم من القواعد وتجتثه من الجذور وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه . ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه و سلم في الأعمى مفهومة ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه و سلم كيف تكون ؟ لا جواب لذلك عندهم البتة ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها فيقول في دعائه مثلا : اللهم شفع في نبيك وشفعني فيه .
إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه و سلم ودعائه المستجاب . وما أظهر الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات فإنه بدعائه صلى الله عليه و سلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره ولذلك رواه المصنفون في ( دلائل النبوة ) كالبيهقي وغيره فهذا يدل على أن السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه و سلم ويؤيده أنه لو كان السر هو في دعاء الأعمى وحده دون دعائه صلى الله عليه و سلم لكان كل من دعا به من العميان مخلصا إليه تعالى منيبا إليه قد عوفي بل على الأقل لعوفي واحد منهم وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبدا
كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه و سلم وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه و سلم بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين وكل الأولياء والشهداء والصالحين وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة .
وأيضا :
يتبين له أن قول الأعمى في دعائه : ( اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه و سلم ) إنما المراد به : أتوسل إليك بدعاء نبيك أي : على حذف المضاف وهذا أمر معروف في اللغة . كقوله تعالى : { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } أي أهل القرية وأصحاب العير .والله أعلم.
النقطة الثالثة:
اقتباس:
وجاء في صحيح مسلم عن أنس قال : ( لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه ، وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلا في يد رجل ) . وجاء في صحيح البخاري في حديث صلح الحديبية أن عروة بن مسعود قال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (( فوالله ما تنخم رسول الله نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه ... ) .وهذا للتبرك والإستشفاء بشعره وبرقه صلى الله عليه وسلم.
هذا خارج محل النزاع فالخلاف في التوسل بجاه النبي وذاته بعد موته عليه الصلاة والسلام.
ولا خلاف بجواز التبرك بالنبي وآثاره عليه الصلاة والسلام .
وإذا قيل بالقياس فلا يخفى أن هذا قياس مع الفارق ولا يحتاج إلى طول بيان.
النقطة الرابعة:
*
اقتباس:
أحتى لو تأتى أنه تعالى لايذقهم الموتَ الذي حتمه على عباده لَفَعَلَ فخاطب الله تعالى الخلق على حسب مايعرفون ودلـهم به على شرف الولي عنده ورفعة درجته.
من قال هذا القول من أهل العلم في شرح هذا الحديث ؟.
النقطة الخامسة :
اقتباس:
لاشك أنَّ الله تعالى لايرده خائباً, فإنَّ التوسلَ جائزٌ شرعاً ومن أراد عير ذلك فليأت بالدليل
لو كان خيرا لسبقنا إليه من هو خير منا ونحن متبعون في ذلك لعلماء لهم وزنهم في العلم وهذا الذي أردت نقله في بداية الرد عن العلماء الذين منعوا التوسل :
فقد جاء في ( الدر المختار - 2 / 630 ) - وهو من أشهر كتب الحنفية - ما نصه : ( عن أبي حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى : { ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها }.
ونحوه في الفتاوى الهندية ( 5 / 280 ) . وقال القدوري الحنفي في كتابه الكبير في الفقه المسمى بشرح الكرخي في ( باب الكراهة ) :
( قال بشر بن الوليد حدثنا أبو يوسف قال أبو حنيفة : لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به وأكره أن يقول : بمعاقد العز من عرشك أو بحق خلقك وهو قول أبي يوسف قال أبو يوسف : معقد العز من عرشه وهو الله فلا أكره هذا وأكره أن يقول : بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام قال القدوري : المسألة بخلقه لا تجوز لأنه لا حق للخلق على الخالق فلا تجوز وفاقا ).
قال ابن أبي العز الحنفي في شرحه على الطحاوية (1 / 229): ولهذا قال أبو حنيفة وصاحباه رضي الله عنهم : يكره أن يقول الداعي : أسألك بحق فلان أو بحق أنبيائك ورسلك وبحق البيت الحرام والمشعر الحرام ونحو ذلك وتارة يقول : بجاه فلان عندك يقول : نتوسل إليك بأنبيائك ورسلك وأوليائك ومراده أن فلانا عندك ذو وجاهة وشرف ومنزلة فأجب دعاءنا وهذا أيضا محذور فإنه لو كان هذا هو التوسل الذي كان الصحابة يفعلونه في حياة النبي صلى الله عليه و سلم لفعلوه بعد موته.
( مع التنبيه أن الكراهة إذا أطلقت عند الأحناف فالمراد بها الكراهة التحريمية أي ما يرادف الحرام عند الجمهور ).
قال شيخ الإسلام في كتابه قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة :
فلفظ التوسل يراد به ثلاثة معان:
أحدهما: التوسل بطاعته، فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به.
والثاني: التوسل بدعائه وشفاعته، وهذا كان في حياته ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته.
والثالث: التوسل به بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته، فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه، لا في حياته ولا بعد مماته، لا عند قبره ولا غير قبره، ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية المشهورة بينهم.
النقطة الأخيرة :
القصيدة الأولى :
هل لك شيخنا أن تذكر لنا الدليل على هذا الكلام :
اقتباس:
محمــــد لم يــــزل نــــــوراً من القِدم
وفي الختام طالما أن المسألة خلافية بين أهل العلم ( أقصد التوسل فقط بالنبي بعد موته ) فمن قائل بعدم الجواز ومن قائل بالجواز فالأولى بالمسلم وطالب العلم أن يخرج من الخلاف ويبرىء الذمة وعلماؤنا رحمه الله استحبوا الخروج من الخلاف في مسائل أبسط من هذه في الوضوء والطهارة والله أعلم بالصواب .
بارك الله بك شيخنا الكريم ووفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى وإن كنا نحن تلاميذ عند أمثالكم ولكن هذا ما تعلمناه من أهل العلم.
هذا وما كان من صواب فمن الله وحده وما كان من خطأ أو سهو أو تقصير فمني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان .
توقيع : الأرقم
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان