منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com/f83.html)
-   -   الآثار الحضارية لدولة بني حماد في الجزائر (http://forum.islamstory.com/106829-%C7%E1%C2%CB%C7%D1-%C7%E1%CD%D6%C7%D1%ED%C9-%E1%CF%E6%E1%C9-%C8%E4%ED-%CD%E3%C7%CF-%DD%ED-%C7%E1%CC%D2%C7%C6%D1.html)

المراقب العام 06-11-2016 12:17 PM

الآثار الحضارية لدولة بني حماد في الجزائر
 
http://islamstory.com/sites/default/.../44/Hammad.gif

قلعة بني حماد




دولة بني حماد أو الدولة الحمادية (398 - 547هـ/1007 - 1152م) إحدى دول البربر في المغرب الأوسط، وتمثل أول دولة بربرية مستقلة تحكم الجزائر في العصر الإسلامي. أقامها حماد بن بلكين الزيري، وتنسب إليه. يبدأ تاريخها الحقيقي حين اختط حماد القلعة، وتعاقب على حكم هذه الدولة تسعة أمراء، اختلفوا قوةً وضعفًا وأسلوب حكم، وكان آخرهم يحيى بن العزيز الحمّادي، كما تركت منشآت عمرانية ومعالم حضارية بارزة إلى الآن.

دور بني حماد في مجال التعليم:
كانت قلعة بني حماد عامرة بكتاتيب تعليم الصبيان، وكان من معلميها البارزين أبو حفص العديري، ووُجِد لونٌ من التعليم الجامعي في المدن الكبرى، لا سيما بجاية. وأنشأ الناصر علناس (454 - 481هـ/1062 - 1088م) في بجاية معهد سيدي التواتي، الذي كان يضم ثلاثة آلاف طالب، وتدرَّس فيه كل المواد بما في ذلك العلوم الفلكية، وعرف علماء الجزائر يومذاك منزلة الاختصاص. كما عرفت المكتبات العامة.
وكان بجامع المنار بالقلعة مكتبة مليئة بالكتب المجلوبة من أقطار المغرب، والمتلقاة عن أساتذة الجامعة. وكان يحاضر في جامعة سيدي التواتي علماء من الأندلس ومن إفريقيا والشرق خلال عهد العزيز بن المنصور بن الناصر علناس (498هـ - 515هـ/1105 - 1121م). وغصت بجاية بطلاب العلم والعلماء.
وكان عصر الحمادييبن عصر إنشاء وترقية في جميع مناحي الحياة المدنية، فضربوا في العلم والأدب بسهم، ونشطوا أهلهما بالجوائز والصلات، فارتحل إليهم أمثال ابن حمديس الصقلي من الأدباء وأبي الفضل بن النحوي التوزري من العلماء وكان يشبه بأبي حامد الغزالي. فغصة عواصمهم بطلاب المعارف وناشريها. وكان العلماء يتناظرون في مجالس بني حماد ويؤلفون لهم الكتب. وذكر ابن الأبار في التكملة أن حماد بن إبراهم المخزومي ألف كتابا في التاريخ للعزيز.
وبرز الفقهاء والشعراء والمؤرخون والأطباء والرياضيون وغيرهم ببجاية والقلعة وطبنة والزاب والمسيلة بروزًا لم تعهده الجزائر من قبل. وقد أورد الغبريني في كتابه "عنوان الدراية في علماء المائة السابعة ببجاية"، ما ينيف على مائة وثلاثين ترجمة، ثم اعتذر بقوله: "وقد بقي خلق كثير من أهل المائة السادسة ممن لهم جلال وكمال، ولكن شرط الكتاب منع ذكرهم". ونقل لنا قول الشيخ أبي علي المسيلي: "أدركت ببجاية ما ينيف على تسعين مفتيًا ما منهم من يعرفني، فإذا كان المفتون تسعين، فكم يكون عدد المحدثين والنحاة والأدباء وغيرهم؟!
ولم يخل مسجد من الطلاب والمدرسين، واشتملت بجاية وحدها على 73 مسجدًا. وكان لبعض علماء هذه الدولة شهرة واسعة على امتداد العالم الإسلامي، أمثال مروان بن علي الأسدي وموسى بن حماد الصنهاجي.


الاهتمام بعلوم الدين والعربية:
وكانت لعلوم الدين المنزلة الأولى ويليها علوم العربية. وينسب إلى القلعة وبجاية فما دونهما من ممالك الدولة الحمادية علماء كثيرون تجد نبذا من أخبارهم متفرقة في الدواوين. ولكي تتصور إجمالا مبلغ الحركة العلمية بهذا العصر ننقل كلمة لياقوت الحموي ذكرها لما ذكر ريغة وأنها قرب القلعة. قال: "قال أبو طاهر بن سكينة: سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن يوسف الزناتي الضرير بالثغر يقول: حضرت هارون بن النضر الريغي بالريغ في قراءة كتاب البخاري والموطأ وغيرهما عليه وكان يتكلّم على معاني الحديث وهو أميٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ورأيته يقرأ كتاب التلقين لعبد الوهاب البغدادي في مذهب مالك من حفظه كما يقرأ الإنسان فاتحة الكتاب، ويحضر عنده دوين مائة طالب لقراءة المدوّنة وغيرها من كتب المذهب عليه" اهـ.
ولتقدم العلوم العربية في هذا الدور ظهر من اليهرد الذين دأبهم مسايرة الوسط نبغاء طار صيتهم في الآفاق وكانوا من بلغاء الكتاب العربيين. وكانت العربية هي اللسان الرسمي للدولة. وجاء الهلاليون بلغتهم القريبة يومئذ جدا من الفصحى فنشروها بين سائر الطبقات وسهلوا على الخاصة تعلم العربية وعلى العامة تعلم دينها.
ولم يبق كبير حاجة إلى التدريس أو التأليف باللسان البربري في الجزائر كما كان الأمر في أيام الرستميين، حيث تقهقرت البربرية من الميدان العلمي والأدبي، وزاحمتها العربية في المجالس العامة فاستعرب كثير من البربر. ولم يبق للبربرية موطن إلا جبال أوراس وتيطري وجرجرة ونحوها حيث لم يختلط البربر بالعرب.
والذي دعا البربر إلى هذا الاستعراب والدولة دولتهم والحكومة حكومتهم ما يعتقدونه من شرف العربية وغناها وكونها لغة الدين. فصاروا يتشرفون بإجادة النطق بها. وهكذا تأثير الأديان في رفع الفوارق الجنسية.


عناية بني حماد بالعلوم التجريبية:
عرف في عصر بني حماد كثير من المهتمين بالعلوم التجريبية إلى جانب اهتمامهم بالعلوم الإسلامية، وعرف متخصصون في العلوم التجريبية، كابن أبي المليح الطبيب المشهور، وابن النباش البجائي، الطبيب الذي ألم بالعلوم الطبيعية والفلسفية، وعمر بن البيدوخ القلعي، الذي كان خبيرًا في الأدوية المركبة والمفردة، وعارفًا بالأمراض وعلاجها، وقد صنف كثيرًا من الكتب مثل حواش على كتاب القانون لابن سينا، وشرح الفصول لأبقراط، ومحمد بن أبي بكر المنصور القلعي نسبة إلى القلعة عاصمة بني حمّاد الأولى، الذي نبغ في الطب والرياضيات والفرائض، واشتهر في علم الفلك علي بن أبي الرجال التاهرتي، وله كتاب البارع في أحكام النجوم، الذي نقل إلى الأسبانية واللاتينية العلوم عند العرب والمسلمين.


الحياة الاقتصادية في الدولة الحمادية:
كانت مملكة الدولة الحمادية تشتمل على أرض طيبة وجبال جالبة للأمطار وأودية حافظة لها، وعني الحماديون بحفظ الأمن واستخراج خيرات المملكة، فلم ينوا في إطفاء الثورات الداخلية وصد الهجومات الخارجية وتنظيم البريد وتأمين السبل.
نشطت الفلاحة فأحيي موات الأرضين وازينت البوادي وضواحي المدن والقرى بالمزارع على اختلاف أنواعها، ونصبت الأرحاء على أرجاء الأودية والجداول، وغرست البساتين الجامعة لأنواع الأشجار والأزهار.
ونفقت الأسواق بمختلف البضائع. فكانت الطرق البرية غاصة بالقوافل والبحار والأودية الكبار تشقها أسراب السفن التجارية غادية رائحة. وتعددت الصنائع والحرف من خشابة ونجارة وخراطة وحدادة وحياكة صوف وقطن وكتان وحرير، واستخرجت المعادن من مختلف الجهات.


العمران والفنون:
وزاد الحركة العمرانية نموا فرار الناس من إفريقية إلى الحماديين أمام الهجوم الهلالي ومن صقلية أمام استيلاء النورمان ومن الأندلس أمام استيلاء المرابطين. ووطد أركان هذه الحركة بسط المرابطين لنفوذهم الفعلي على عواصم القوة الزناتية غربا التي كانت أكبر شاغل للحماديين.
وساعد هذا العمران على إنشاء حضارة من أرقى الحضارات من نقش وتزويق وغناء وبناء، وقد عثر على أوان من الخزف المطلي فيها كتابات عربية بارزة، وقارورات وبعض أدوات من الزجاج. وكلها تدل على صناعة خزفية وزجاجية راقية. وذكر ياقوت الحموي القلعة، فقال: "ويتخذ بها لبابيد الطيلقان جيدة غاية، وبها الأكسية القلعية الصفيقة النسج الحسنة المطرّزة بالذهب، ولصوفها من النعومة والبصيص بحيث ينزّل مع الذهب بمنزلة الإبريسم" اهـ. وقال جورج مارصي: "وحوالي سنة 457هـ / 1065م صارت القلعة مدينة تجارية عظيمة وارفة الخيرات، وقصدها أرباب الصنائع من المشرق وإفريقية، ويظهر أن صناعة الفخار يومئذ بلغت بها مبلغا عظيما ويظهر عليها تأثير الفرس ومصر فنا وعملا، وجد بها من ذلك آثار كثيرة، ثم ترقَّت الصناعة وتطورت حسب تطور الدولة في العظمة" اهـ.
وكانت موسيقى الجزائر الحمادية متأثرة بالموسيقى الإفريقية والأندلسية، ينشطها الملوك والأمراء، فيتخذون بمجالستهم المغنين والمغنيات. وعاش إلى جنبها أغاني العرب في باديتهم والبربر في جبالهم. فكان للحاضرين أغانيهم الفنية القابلة للتهذيب والرقي، وللبادين أغانيهم الموروثة عن أسلافهم المتعاصية عن التطور.
وعنى الحماديون بالخط والحفر والرسم والنقش والنحت والزخرفة. وخلفوا نماذج متعددة ومتنوعة من فنونهم الصناعية، كالرخام والخشب المنحوت والرسوم الزخرفية والبرونز والزجاج والخزف الصيني. وعرفوا هندسة تخطيط المدن التي تتوافر فيها الخدمات الأساسية مثل مياه الشرب عن طريق العيون الجارية إليها، وتخصيص أماكن للأسواق والبساتين والجداول والأنهار التي تخترق المدينة.
ولم تخل مدنهم من الفنادق وأماكن الاحتفالات والمعارض، وكان قصر البحر الذي تعاون الناصر والمنصور في إنشائه بالقلعة، يمتاز بتخطيطه الذي أصبح فيما بعد مثالاً يحتذيه المعماريون في صقلية، وغرناطة وغيرهما. وكان برج المنار واحدًا من أبرز معالم الإبداع الهندسي الحمّادي في القلعة. وكان الجامع الكبير بقسنطينة من أكبر الآثار المعمارية الإسلامية التي خلفها الحماديون، وكان لحضارة الحمّاديين الأثر البارز في المغرب والأندلس وأوروبا.
وقد أنشأ الحماديون القصور في مختلف المدن والمساجد والجوامع والحدائق والمنابر والأسواق والأسوار والقناطر، وأصلحوا ما تداعى من إنشاء من قبلهم وأسسوا المدينتين العظيمتين القلعة وبجاية، وبنوا حولهما القصور الشاهقة والمباني الجميلة، لذا قال الشاعر
همم الملوك اذا أرادوا ذكرها *** من بعدهم فبألسن البنيان
وقد بنى الناصر علناس حول القلعة قصورا شامخة مسماة بعدة أسماء، قال ابن خلدون: "وبني ببجاية قصر اللؤلؤة، وكان من أعجب قصور الدنيا" اهـ. قال أبو راس: "وكان بناؤه حوالي سنة 470هـ" اهـ. والمنصور بن الناصر (481 - 498هـ/ 1088 - 1104م) قال ابن خلدون: "هو الذي حضَّر ملك بني حماد وصيَّر بجاية فدار المملكة، وجدد قصورها وشيد جامعها وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين، فبنى في القلعة قصر المنار والملك والكوكب وقصر السلام وفي بجاية قصر اللؤلوة وقصر أميمون" ا.هـ.
قال صاحب الاستبصار: "وفي بجاية موضع يسمى اللؤلؤة، وهو أنف جبل داخل في البحر متصل بالمدينة، فيه قصور من بناء ملوك صنهاجة لم ير الراءون أحسن منها بناء ولا أنزه موضعا. فيها طاقات مشرفة على البحر عليها شبابيك الحديد، ومجالسها مبنية حيطانها بالرخام الأبيض من أعلاها إلى أسفلها، قد نقشت أحسن نقش، وأنزلت بالذهب، وصورت فيها الصور الحسنة، فجاءت من أحسن القصور" ا.هـ.
وقال أحد المستشرقين: "إن الحضارة الحمادية تظهر تحت تأثير المشرق. وآثارها لا نظير لها ببقية وطن البربر، وهي شاهد قوي على رقي الحضارة الإسلامية المغروسة بالجزائر".
وكان النورمانديون مغرمين بحضارة بني حماد، فوضعوا قصور بلرم على شكل قصور بجاية، وكان قصرا زيزة وكوبة ببلرم شديدي الشبه بقصور اللؤلوة والكوكب وأميمون.
وقد ذكر المقري في نفح الطيب قصيدة لعبد الجبار بن حمديس الشاعر الصقلي يصف بها دارا بناها الملك المنصور ببجاية، ولدقة وصفها وحسن تصويرها للحضارة الحمادية نورد من مطلعها:


أعمر بقصـــــــــر الملك ناديك الذي *** أضــــــــحى بجدك بيته معمورا
قصـــــــــر لو أنك قدكحلت بنوره *** أعمى لعاد إلى المقام بصيرا
واشتق من معنى الجنان نسيمه *** فيكاد يحدث بالعظام نشورا

ومن ختامها:


يا مالك الأرض الذي أضحى له *** ملك السماء على العداة نصيرا
كم من قصور للملوك تقدمت *** واستوجبت بقصورك التأخيـرا
فعمرتها وملكت كل رياسـة *** منها ودمـرت العــدا تدميرا

قال المقري: "ولم أر لهذه القصيدة في لفظها ومعناها من نظير غير أن فيها عندي عيبا واحدا هو ختمها بلفظ التدمير" ا.هـ. واخترنا هذا البيت لختام هذا الكلام من أجل لفظ التدمير الذي تحقق في العمران والحضارة الحماديين كما هو الشأن في آثار كل الدول سنة الله قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا.

المصادر والمراجع:
- ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون (مؤسسة الأعلمي، بيروت).
- مبارك الميلي: تاريخ الجزائر في القديم والحديث، تقديم: محمد الميلي، الناشر: المؤسسة الوطنيّة للكتاب بالجزائر، عام النشر: 1406هـ / 1986م.
- عبد الحليم عويس: دولة بني حماد صفحة رائعة من التاريخ الجزائري، ط2، دار الصحوة، القاهرة، 1991م.
- إسماعيل العربي: دولة بني حماد ملوك القلعة و بجاية، الشركة الوطنية للنشر و التوزيع، 1980م.
- L.Goluir, Le Magribe Central de lépoque des Zirides.
- موقع الموسوعة الإلكتروني.


الساعة الآن 10:28 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام