" التاريخ السياسي "
التاريخ السياسي: أخبار عن حوادث وحقائق تجسدت بالماضي وعن تفسيرها تتصل بالقوى السياسية والمجتمع.
والتاريخ السياسي هو نوع من أنواع الأخبار, التي تحتمل كل مواصفات الخبر والمُخبر عنه, وما لهذه الأخبار من قيمة وتأثير, سواء أكان التأثير سلبياً أم إيجابياً, مضراً أم نافعاً.
والتاريخ السياسي يشمل نوعين من الأخبار:-
الأول: أخبار عن الحوادث التاريخية وتفسيرها. الثاني: أخبار عن حقائق التاريخ وتفسيرها.
أما بالنسبة للنوع الأول, فإن أخبار الحوادث التاريخية هي أخبار عن الأعمال والتصريحات والمواقف التاريخية للقوى السياسية, وأما أخبار تفسير هذه الحوادث, فهي الأخبار التي تبرز الدوافع والغايات من هذه الأحداث, وعليه فالنوع الأول من الأخبار يشمل أموراً متباينة, فالحدث قد يكون أمراً قد وقع بالفعل, وقد يكون أمراً متخيلاً لا واقع له, ولهذا لا بد من التحقق من وقوع الحدث عن طريق معرفة حال المُخبر عن الخبر وحال الخبر نفسه, فإن ثبت الحدث فلا بد من التثبت من تفسيره وحال المُفسر, لأن التفسير لا يتأتى إلا لفئة قليلة عاصرت الحدث, ولديها الصفات اللازمة التي تؤهلها لتفسير الأحداث, كالوعي الفكري والسياسي والإخلاص الخالص والصدق والأمانة والفراسة في سبر مكنون القوى السياسية ومعرفة ظواهرها وبواطنها دون انخداع, فهذه الصفات نادر اجتماعها في كثير من البشر, وهي لازمة لمن يفسر الأحداث. وعليه فقد يثبت الحدث ويكون التفسير في غير محله الصحيح, لأن صفات ناقل خبر الحدث تختلف عن صفات ناقل تفسيره, ومما لا بد من لفت النظر إليه أن هذا النوع من الأخبار التاريخية لا يتأتى الحكم عليها, وجوداً أو عدماً, صحة أو بطلاناً, صواباً أو خطأ عن طريق العقل, لأنها أمور لا يقع الحس عليها ولا على ظروفها وملابساتها وأحوالها, ومن هنا كانت هذه الأخبار تستند إلى النقل المحض وحال المُخبر عنها وصفاته, ولما كان أغلب هذه الأخبار لا تستند إلى الطريقة النقلية الصحيحة في معرفة الخبر والمخبر عنه, لهذا سهل على كل خبّ وخبيث ومنافق ومخطئ أن يروج ما يشاء من الأخبار الكاذبة والخاطئة عن القوى السياسية, واستغلت الدول الكبرى التي تتحكم بالعالم هذا الواقع, وأخذت على عاتقها بالتعاون مع الخونة والعملاء مهمة صياغة التاريخ السياسي للقوى السياسية والمجتمعات وفق مفاهيمها السياسية وبحسب مصالحها وأهدافها الاستعمارية, وتحكمت بإصدار الكتب السياسية والتاريخية, والأبحاث السياسية والتاريخية, تحت شعارات البحث العلمي لتاريخ القوى السياسية والمجتمات, واستخدمت لغتها السياسية المتأثرة بثقافتها وحضارتها, وعمدت إلى طمس الحقائق التاريخية, وأبرزت الأحداث المؤلمة والمظلمة في تاريخ القوى السياسية وعممتها وضخمتها وقاست الحاضر المظلم للقوى السياسية التي نتج بسببها وكأنه واقع قديم وهو _أي الحاضر_ امتداد للواقع القديم الذي أخذ دور العراقة والتركيز, وسعت هذه الدول الاستعمارية الحاقدة الخبيثة الماكرة إلى إخفاء الأحداث المشرقة في تاريخ القوى السياسية, والأحداث التي لم تتمكن من إخفائها عمدت إلى تفسيرها بأسلوب خبيث يضفي الخبث والمكر على القوى السياسية التي قامت بهذه الأحدث العظيمة, كل ذلك وغيره من أجل أن تبقى هذه القوى السياسية الحاضرة_ الشعوب والدول والأحزاب_ تحت هيمنتها وسيطرتها الغاشمة, وفي الوقت نفسه قامت بصياغة تاريخها بصورة مضيئة تبرز فيها العظمة والمجد والقوة والعزة وحسن الخلق, وعمدت إلى طمس الحقائق التاريخية التي تشكل خطراً قاتلاً عليها.
فتاريخ القوى السياسية في العالم أجمع ومنه العالم الإسلامي, في معظمه تاريخ لا يطمئن المرء إليه, فتاريخ اليابان وألمانيا وأمريكا الجنوبية والوسطى مثلاً هو تاريخ تم صياغته عن طريق أمريكا وعملائها, وتاريخ العالم الإسلامي قد تم صياغته عن طريق الانجليز والأمريكان وعملائهم, والشيوعية قبل موتها قامت بتفسير التاريخ بأوهام وخيالات وافتراضات لا واقع لها, بل تفسير ينسجم مع نظرتها الخيالية الجدلية للوجود والفكر والطبيعة.
ومما يعجب له المرء كيف يقبل الساسة والمفكرون والعلماء المخلصون تفسير وتحليل الدول الكبرى للأحداث التاريخية؟؟؟ فالتفسير والتحليل لهذه الأحداث لا يتأتى للقوى السياسية الحاضرة التي لم تشاهد هذه الأحداث, ولم تتحسس ظروفها وملابساتها, ولم تتعرف على ظواهر وبواطن القوى السياسية الماضية وأحوالها. فمعلوم بداهة أن الحدث الواحد كالزيارة مثلاً له عشرات التفاسير والتحاليل, وله أسباب عديدة تتحكم فيه, تبعاً لنوع الحدث وصفته, فالتعميم والتجريد والقياس في تفسير الأحداث ومعرفة أسبابها أمر غير صحيح, هذا في الحدث المحسوس, فكيف الأمر بالنسبة للحدث التاريخي الذي لا يقع الحس عليه؟؟؟
وكيف يقبل هؤلاء المؤثرون في شعوبهم تفسير الدول الكبرى وتحليلها للأحداث بصورة كاذبة خادعة حاقدة؟؟؟
والقوى السياسية المؤثرة لا تتأثر بهذا النموذج من ناحية عملية أو بهذ