font="arial"]1- حديث"المرأة عورة" لا يفيد أن المرأة كلها عورة، بل يفيد علي أهمية أن تستر المرأة عورتها إذا خرجت من بيتها، ومثله "الحج عرفه"، وليس الحج كله عرفة، فإن من وقف بعرفة وحدها دون أداء باقي مناسك الحج لا يُعد حجه تاماً، فالمقصود أن الركن الأعظم في الحج هو الوقوف بعرفة. ومثله "الدين النصيحة" أي الركن الأعظم في الدين هو النصيحة. ومثله "التوبة الندم" أي الركن الأعظم في التوبة هو الندم، وهكذا.
وإطلاق اللفظ العام وإرادة الأغلب أو وصف الجزء بالكل للدلالة على أهمية هذا الجزء أسلوب مشهور من أساليب العرب.
2- سورة الأحزاب حيث آية الجلاليب نزلت قبل سورة النور حيث آية الزينة، وآية تحريم تعاطي الإماء غير المتزوجات للبغاء. والجلباب هو ما يلبس فوق الثياب، وليس لباسا ضروريا لستر العورة، لأن التستّر في أدنى صوره كان حاصلا بالدرع والخمار، وإنما كان الجلباب زيا إضافيا لتمييز الحرائر عن الإماء، فلا يطمع فيهن أحد تحت عنوان البغاء العلني المسكوت عنه في الشرع في ذلك الوقت، وهو ما دلت عليه الروايات وتتابع عليه المفسرون.
• روي جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: كان لعبد الله بن أبي سلول جارية يقال لها "مسيكة"، وأخرى يقال لها "أميمة"؛ فكان يكرههما على الزنا، فشكت ذلك إلى النبي صلي الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}. رواه مسلم
• عن قتادة قوله: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلْمُؤْمِنِينَ} أخذ الله عليهن إذا خرجن أن يقنعن على الحواجب ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وقد كانت المملوكة إذا مرت تناولوها بالإيذاء فنهي الله الحرائر أن يتشبهن بالإماء.
• قال الإمام السرخسي في "المبسوط": وقد كانت الممازحة مع إماء الغير عادة في العرب فأمر الله تعالى الحرائر باتخاذ الجلباب ليعرفن به من الإماء فدل أن الإماء لا تتخذ الجلباب.
• تفسير الطبري: وَقَوْله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} يقول تعالى: إدناؤهن جلابيبهن إذا أدنينها عليهن أقرب وأحري أن يعرفن ممن ممرن به، ويعلموا أنهن لسن بإماء , فيتنكبوا عن أذاهن بقول مكروه، أو تعرض بريبة.
• تفسير ابن كثير: وَقَوْله {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} أي إذا فعلن ذلك عرفن أنهن حرائر لسن بإماء ولا عواهر.
• تفسير القرطبي: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ} أي الحرائر، حتى لا يختلطن بالإماء...وليس المعني أن تعرف المرأة حتي تعلم من هى.
وفي هذا العصر فإن علة تشريع الجلباب قد زالت تماما بزوال نظام الرق، فلم يعد يوجد إماء، وبهذا تكون المسلمات غير مطالبات شرعا بالجلباب، وعلى فرض استمرار حكم الآية فيحمل لبس الجلباب على أى لباس بما يتفق مع ما قررته آية النور من أن المراد بالزينة الظاهرة الوجه والكفان، والأوصاف التي شرعها النبي صلي الله عليه وسلم للباس المرأة.
وقد أرجع الإمام ابن عاشور هذه الآية إلى أصل في الشريعة روعي فيه عوائد الأمم والشعوب، وهو بذلك يأخذ وصف المرونة والتغيير؛ وهو على خلاف أصل التشريع الإلزامي العام، ولذلك اعتبر الجلباب خاصا بما كان عليه العرب من عادة لبسه، فقال: «فهذا شرع روعيت فيه عادة العرب، فالأقوام الذين لا يتخذون الجلابيب لا ينالهم من هذا التشريع نصيب»
وقال الشيخ القرضاوي : إن القرآن الكريم قد ينص على بعض الوسائل، لأنها هي القائمة والمعمول بها في وقت نزوله، لا ليتعبّدنا باتخاذها أبد الدهر، فإذا وجد ما هو مثلها أو خير منها فلا حرج في تركها واتخاذه، ويكفي أن أضرب مثلاً قول الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}، فإنما نص على رباط الخيل لأنه إحدى الوسائل القوية المعروفة في ذلك الوقت، ولا حرج على المسلمين في عصرنا، وقبل عصرنا، إذا ما أعدوا بدل رباط الخيل، رباط الدبابات والمدرعات وغيرها، ما دامت تحقق الهدف الذي أومأت إليه الآية الكريمة، وهو إرهاب أعداء الله وأعداء المسلمين.
ومثل هذا يقال في لبس الجلباب فيمكن أن يستبدل به أي لباس آخر ما دام يحقق الهدف الذي أشارت إليه الآية كذلك في قوله تعالى: {ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ}.
3- جاء تفسير الزينة الظاهرة عن السلف - بأسانيد صحيحة - علي أقوال:
الأول: أنها الثياب، وهو المروي عن ابن مسعود، من الصحابة. وإبراهيم النخعي، وعبيدة السلماني، وأبي الأحوص، وأبي إسحاق، من التابعين.
الثاني: أنها الوجه والكفان، وهو المروي عن ابن عباس، وابن عمر، من الصحابة. وعطاء، والأوزاعي، ومكحول، من التابعين.
الثالث: أنها الكحل والخاتم، وهو المروي عن أنس، والمسور بن مخرمة، من الصحابة. وعن قتادة، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم (أضاف الخضاب)، من التابعين. ويلزم من ذلك جواز كشف مواقعها من بدن المرأة، أي كشف الوجه والكفين.
الرابع: أنها السوار والخاتم، وهو المروي عن عائشة، وأبي هريرة، من الصحابة.
الخامس: أنها الثياب والوجه، وهو المروي عن الحسن البصري، وعن الشعبي (الكحل والثياب)، وعكرمة (ثيابها وكحلها وخضابها) ، من التابعين.
وعن ابن مسعود في قوله ولا يبدين زينتهن قال: الزينة السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة إلا ما ظهر منها قال: الثياب والجلباب. فقد اقتصر في الزينة الخفية على ذكر السوار والدملج والخلخال والقرط والقلادة، ولم يذكر معها الوجه والكفين. والظاهر أنها لو كانت عنده مما لا يجوز كشفها لذكرها مع ما ذكر. إذاً لا يوجد تعارض بين تفسير ابن عباس وابن عمر وبين تفسير ابن مسعود، وأنه لا يُقوَّل ابن مسعود ما اشتُهر فهمه عنه من أن الوجه والكفين عورة، فالتفسير الأول كان للزينة الخَلقية والثانى كان للزينة الخارجة عن الخلقة.
قال أبو الطيب الطبري الشافعي (ت:450 هـ) في شرح المزني: (ودليلنا قوله تعالي {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال ابن عباس: أراد الوجه والكفان. فإن قيل يعارض هذا بما ورد عن ابن مسعود في تفسير هذه الآية قال: الزينة الثياب والقرط والقلادة والدملج والخلخال. قلنا: لا ينافي هذا تفسير ابن عباس، وذلك أن ابن عباس ذكر زينة البدن، وابن مسعود ذكر زينة الثياب والحلي).
فالثياب من الزينة الظاهرة والوجه من الزينة الظاهرة واليدان من الزينة الظاهرة والكحل والخاتم والخضاب من الزينة الظاهرة.
[/font]
توقيع : محمد رفقي
الشريعة الإسلامية في تقريرها لمعالم لباس المرأة وزينتها
إنما تبتغي تكريم المرأة المسلمة وصيانتها