منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   الحضارة في الإسلام (http://forum.islamstory.com/f83.html)
-   -   التواصل الحضاري العماني في شبه القارة الهندية (http://forum.islamstory.com/116954-%C7%E1%CA%E6%C7%D5%E1-%C7%E1%CD%D6%C7%D1%ED-%C7%E1%DA%E3%C7%E4%ED-%DD%ED-%D4%C8%E5-%C7%E1%DE%C7%D1%C9-%C7%E1%E5%E4%CF%ED%C9.html)

المراقب العام 24-06-2018 05:45 AM

التواصل الحضاري العماني في شبه القارة الهندية
 
https://islamstory.com/images/upload...asol-omany.jpg

ارتبطت عمان بحكم موقعها الجغرافي واشتغال أهلها بالبحر بعلاقات تجاريَّة وحضاريَّة منذ عصور تاريخيَّة مبكِّرة مع العديد من شعوب العالم الموجودة آنذاك، وكانت الهند بحكم قربها الجغرافي من أوائل البلدان التي وصل إليها الملَّاحون والتجَّار العمانيُّون، مؤسِّسين لعلاقات تجاريَّة وتواصل حضاري استمرَّ على مدى العصور التاريخية في إطار مناخ يسوده الأمن والاستقرار، ويُحافظ على صيرورته إرث ثقافي مشترك في بعض جوانبه تولَّد عن تأثيرات حضاريَّة متبادلة بين الطرفين عبر الزمان، ومن هذا المنطلق تنبثق أهميَّة دراسة موضوع التواصل الحضاري بين عمان والهند.

استعرضت الدراسة -في محاولة منها لإعطاء صورةٍ عامَّةٍ وشاملة- موضوع التواصل الحضاري العماني الهندي، منذ البدايات المبكرة لنشأته في عصور ما قبل التاريخ عندما اضطلع التجار العمانيُّون بدور الوساطة التجاريَّة بين بلاد الهند وبلاد الرافدين والجزيرة العربيَّة، مرورًا بإسهام التجار العمانيِّين في نشر الإسلام في بلاد الهند وما نتج عنه من تأثُّر هندي بالحضارة العربيَّة الإسلاميَّة، وصولًا إلى الازدهار الذي شهدته العلاقات العمانيَّة الهنديَّة خلال العصور الحديثة بلغ ذروته بتولِّي السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في عمان بتاريخ 23 من يوليو 1970م، وما نتج عنه من زيادة التواصل الحضاري بين الطرفين على كافة الأصعدة الرسميَّة والشعبيَّة، وأوردت الدراسة في ختامها بعض مظاهر التواصل الحضاري بين عمان والهند في المجالات السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة.

أهمية موقع عمان في التواصل الحضاري العالمي:

تقع عمان في أقصى جنوب الجزيرة العربيَّة، ويحدُّها البحر من ثلاث جهات؛ فمن الشرق خليج عمان ومن الجنوب بحر العرب ومن الشمال الخليج العربي، ممَّا دفع بالعمانيِّين للاشتغال بالبحر وصناعة السفن من خشب النارجيل وخشب الساج الذي كانوا يجلبونه من الهند، أو يذهبون إلى الهند لتصنيع سفنهم.
ارتبطت عمان بحكم موقعها الجغرافي بعلاقات تجاريَّة وثقافيَّة مع العديد من شعوب وبلدان العالم منذ عصورٍ تاريخيَّة مبكِّرة، نتج عنها تأثُّر العمانيِّين بتلك الحضارات وتأثيرهم فيها، وإسهامهم في نشوء العديد من الثقافات في حوض المحيط الهندي كالثقافة السواحيليَّة والثقافة الأرديَّة، اللَّتين تجمع بينهما العديد من السمات المشتركة بفضل الدور العماني، واضطلاع العمانيِّين بدور الوسيط التجاري بين موانئ الخليج والجزيرة العربيَّة وموانئ المحيط الهندي وموانئ البحر الأحمر (بحر القلزم)، ممَّا أدَّى إلى ازدهار العديد من الموانئ العمانيَّة، مثل: ميناء سمهرم وميناء عمانا، حيث أصبحا مراكز هامَّة لتجارة العبور (الترانزيت) وتخزين السلع المنقولة بالبحر عبر هذه الموانئ.
وثَّقت المصادر الكلاسيكيَّة للعديد من مظاهر النشاط التجاري بين عمان والعالم الخارجي، حيث أشارت النصوص السومريَّة من عصر سلالة أور الثالثة (2112-2004 ق.م) إلى بلاد مجان كمموِّل ومصدر رئيس للعديد من السلع، التي أتى في مقدِّمتها: النحاس وأنواع من الأحجار الكريمة، كما أكَّدت النصوص السومريَّة على ممارسة بلاد مجان للوساطة التجاريَّة بين الهند وبلاد الرافدين -وذلك نظرًا إلى اقتصار تجارة بلاد الهند في التعامل مع دلمون ومجان فقط في أواخر الألفيَّة الثالثة قبل الميلاد كما تُشير إلى ذلك النصوص التاريخيَّة- فكانت سفن مجان هي التي تقوم بمهمَّة نقل وتوفير ما تحتاجه بلاد الرافدين من منتجات وسلع مجان ووادي السند، حيث تولَّى أهل مجان مهمَّة الوساطة التجاريَّة بين وادي السند وبلاد الرافدين.

إسهام العمانيين في نشر الحضارة العربية الإسلامية في شبه القارة الهندية:

نشطت العلاقات العمانيَّة الهنديَّة بعد ظهور الإسلام؛ حيث كان للتجَّار العمانيِّين الذين ارتادوا الموانئ الهنديَّة الفضل الأوَّل في نشر أخبار البعثة المحمديَّة في تلك الأصقاع، ممَّا دفع أهل الهند للرغبة في التعرُّف على الدين الجديد الذي ظهر في الجزيرة العربيَّة والتواصل مع الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أرسل أحد ملوك ساحل المليبار هديَّةً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، عبارة عن جرَّةٍ فيها زنجبيل، فأكل منها صلى الله عليه وسلم، ووزَّع بعضًا منها على صحابته.
اضطلع العمانيُّون بدورٍ رياديٍّ في حركة الفتوحات الإسلامية ونشر الإسلام في بلاد الهند، فمن عمان انطلقت الحملات البحريَّة لفتح إقليم السند في سنة (15هـ=636م)، حيث أرسل عثمان بن أبي العاص -الذي ولَّاه عمر بن الخطاب رضي الله عنه على عمان والبحرين- أخاه الحكم بن أبي العاص على رأس حملة بحريَّة انطلقت من عمان، ووصلت إلى الساحل الغربي من بلاد السند، وهاجمت مرسى صغير يُدعى تانه (بالقرب من جهان آباد) إحدى مدن بومباي فعادت مظفَّرة، وسجَّل التاريخ أسماء بعض الشخصيَّات العمانيَّة التي شاركت في فتوحات الهند، نذكر من بينهم: راشد بن عمرو الجديدي، وعبد الله بن سوار العبدي، وعمرو بن مسلم الباهلي.
وكان لآل المهلَّب العمانيُّون إسهامٌ واضحٌ في حركة الفتوحات الإسلاميَّة في بلاد الهند، حيث اشترك أبو صفرة العتكي في فتح بلاد الهند عام (15هـ=636م)، وشارك ابنه المهلب بن أبي صفرة في غزو كابل عام (41هـ=661م) بقيادة عبد الرحمن بن سمرة، ولفتت الشجاعة التي أبداها المهلَّب في الغزو -وكانت سببًا في انتصار المسلمين- نظر الخليفة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فعيَّنه واليًا على ثغر الهند عام (44هـ=664م) مكافأةً له على جهوده، وتمكَّن المهلَّب أثناء ولايته ثغر الهند من فتح بلاد القيقان وقندابيل التي كانت عاصمة إقليم كاتشي ببلوشستان الإسلاميَّة، كما فتح إقليم لاهور وإقليم بنه، التي أورد الشاعر الأزدي أبياتًا في فتحها، حيث يقول:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْأُزْدَ لَيْلَةَ بَيَّتُوا بِبِنَةَ *** كَانُوا خَيْرَ جَيْشِ الْمُهَلَّبِ

ممَّا يدلُّ على أنَّ معظم جيش المهلب بن أبي صفرة كان من قبائل الأزد العمانيَّة، واقترن المهلَّب بإحدى النساء الهنديَّات فأنجبت له ولده وخليفته يزيد بن المهلَّب، وهذا ما يُؤكِّد عمق الصلات الحضاريَّة بين عمان وبلاد الهند في مختلف الجوانب السياسيَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة.
شاركت القبائل العمانيَّة في الفتح الإسلامي لبلاد السند على يد محمد بن القاسم الثقفي عام (93هـ=710م)، وعيَّن داود بن نصر بن الوليد العماني حاكمًا على بلاد الملتان، ووضع معه قوَّةً من الجند كان أغلبهم من العمانيِّين، وقد استقلَّ داود بالحكم لنفسه وورثه أبناؤه من بعده، وشهدت بلاد الملتان في مدَّة حكمهم -الواقعة في الفترة بين عام (94هـ=711م) إلى عام (279هـ=892م)- استقرارًا سياسيًّا، فلم يُسجَّل وقوع أيِّ انقلابٍ أو فوضى سياسيَّة خلال هذه الفترة، وظلَّ الأمر على هذا الحال بعد أن استقلَّ بنو سامة بن لؤي بحكم الملتان للفترة منذ عام (279هـ=892م) وحتى عام (375هـ=985م).
استقرَّ العديد من العمانيِّين في بلاد الهند بعد حركة الفتوحات الإسلاميَّة، شجَّعهم على ذلك الهجرات المتبادلة بين شعوب المنطقتين منذ العصور القديمة ممَّا أدى إلى زيادة التواصل الحضاري بينهما؛ خاصَّةً وأنَّ الإسلام دينٌ يدعو إلى التَّسامح والتعاون بين البشريَّة جمعاء، ممَّا دفع الجانبان إلى الرغبة في توسيع التواصل الحضاري بينهم، وخلق علاقات تخدم مصالح شعوب البلدين اللذين جمع بينهما العديد من القواسم المشتركة، مثل: طبيعتهما البحريَّة، وموقعهما الجغرافي الاستراتيجي، ووجود نوعٍ من التكامل الاقتصادي بينهما؛ حيث من الممكن اعتبارهما سلَّة غذاء مكمِّلة لبعضها وفقًا للمفاهيم الاقتصاديَّة الحديثة المتعلِّقة بالاقتصاد الزراعي والأمن الغذائي.
وذكر المسعودي أنَّه شاهد عند زيارته لمدينة صيمور الهندية سنة (304هـ=916م) خليطًا من الأجناس ذات الأصول العربيَّة؛ من عمانيِّين، وسيرافيِّين، وبصريِّين، وبغداديِّين، اختلطوا وتزاوجوا مع أهالي البلاد الأصليِّين، سواءٌ من عامَّة الناس أو من ملوكهم، حيث تذكر المصادر أنَّ كعب الراسبي -أحد أفراد حاشية الخليفة الوليد بن عبد الملك- تزوَّج بإحدى بنات أخت ملك الهند داهر، كما تُشير المصادر إلى استقرار العمانيِّين -أيضًا- في مناطق الديبل ومنجرور وساحل المليبار وبلاد الملتان، وسمح للجاليات العربيَّة المقيمة بالهند بما فيهم الجالية العمانيَّة أن يحكموا أنفسهم حكمًا ذاتيًّا فيما عُرِف بنظام الهزمة؛ بحيث يُخوَّل لأحد أفراد الجالية رئاستهم وتسيير شئونهم التي استمدَّت روحها من مبادئ الشريعة الإسلاميَّة.
وطبَّقت المجتمعات العربيَّة الإسلاميَّة التي وُجِدت في بلاد الهند نظم الحكم التي كانت سائدة في بلدان العالم الإسلامي؛ عن طريق وجود أميرٍ على رأس الجهاز يكون هو المسئول عن كافَّة الجوانب السياسيَّة والعسكريَّة يُساعده الوزراء، ووجود قاضٍ يُشارك في تطبيق الشريعة الإسلاميَّة ويُشرف على شئون الأوقاف الإسلاميَّة، كما انتشرت الدواوين الموجودة في العالم الإسلامي، مثل: ديوان الحسبة، وديوان الخراج، وديوان البريد، وغيرها.
وهكذا يتَّضح لنا مدى إسهام الفتوحات الإسلاميَّة لبلاد الهند في تفعيل التواصل الحضاري العماني الهندي، حيث كان أغلب أفراد تلك القوَّات الفاتحة من الأزد العمانيِّين، بالإضافة إلى إسهام التجَّار العمانيِّين في نشر الإسلام ببلاد الهند بفضل التزامهم بمبادئ الشريعة الإسلاميَّة في تعاملاتهم التجاريَّة، الأمر الذي كان مثار الإعجاب ممَّن تعامل معهم من الهنود ودفعهم إلى اعتناق الدين الإسلامي، والدور الإعلامي والتوعوي الذي قام به رجال الدين العمانيُّون الذين انتشروا في بعض المدن الهندية كقضاة وخطباء ومعلِّمين، وأسهموا في نشر الإسلام بدرجة لفتت نظر الرحَّالة العرب، فمثلًا نجد ابن بطوطة يُورد أسماء العديد من العلماء والدُّعاة العمانيِّين الذين استقرُّوا في الهند، من أمثال: قطب الدين حيدر العلوي، وبدر الدين المعبري، وغيرهما.

التواصل الحضاري العماني مع الهند في العصور الحديثة:

نشط التواصل الحضاري العماني الهندي مع مطلع العصور الحديثة، وأصبح لأفراد الجالية الهنديَّة نشاط تجاري في العديد من الموانئ العمانيَّة، مثل: مسقط ومطرح وقلهات، حيث وجد التجار الهنود في ميناء قلهات قبل غزو البوكيرك لهذا الميناء في عام (1507م=912هـ).
تدفَّق عددٌ كبيرٌ من الهنود على عمان في عهد دولة اليعاربة التي استجلبت العديد من الأمم كالهنود والفرس للعمل كصناع وأصحاب أعمال فاستوطنوا عمان، التي تمتَّعت في تلك الآونة بالأمن والاستقرار ويسر العيش، وذلك على خلاف ما كانوا يُعانونه في بلادهم من انعدام الأمن وصعوبة الظروف المعيشيَّة وعدم توافر الاستقرار الاجتماعي، وتعاون أبناء الجالية الهنديَّة مع اليعاربة لتخليص البلاد من السيطرة البرتغاليَّة، كما يتَّضح من مساعدة نروتم الهندي للإمام سلطان بن سيف اليعربي عند حصاره البرتغاليِّين بمسقط، وما نتج عنه من قيام أئمَّة اليعاربة بمنح بعض الامتيازات للتجَّار الهنود، مثل: إعفائهم من دفع الجزية، والتصريح لهم ببناء معبدٍ خاصٍّ بهم، وقيام الإمام سلطان بن سيف -بعد تحريره عمان من السيطرة البرتغاليَّة- بشنِّ غارات على المعاقل البرتغاليَّة في بومباي وديو وباسين ومناطق غرب المحيط الهندي، ممَّا أدَّى إلى تحرير الهند من السيطرة البرتغاليَّة.
ازدادات العلاقات العمانيَّة الهنديَّة في عهد الدولة البوسعيدية؛ حيث تعاون الإمام أحمد بن سعيد مع السلطات الهنديَّة للقضاء على القرصنة في المحيط الهندي، وذلك نظرًا إلى ما شكَّلته تلك الظاهرة من خطرٍ على قوافل الأرز القادمة من بلاد الهند إلى مسقط، ونتج عن ذلك التعاون إرسال حاكم مانجلور موفد من قبله إلى الإمام أحمد بن سعيد عام (1776م=1180م)، وعقد معاهدة تعهَّد فيها حاكم الهند بالوقوف إلى جانب الإمام ضدَّ أعدائه وإمداده بالمال والرجال والسلاح، وأهدى الإمام أحمد بن سعيد لحاكم المغول أرضًا في مسقط أُقيم عليها المبنى الذي عُرِف باسم مبنى وكيل تيبو سلطان.
حظى أبناء الجالية الهنديَّة المقيمة في مسقط بمكانةٍ اجتماعيَّةٍ متميِّزة؛ حيث يذكر ابن رزيق في كتاب "الفتح المبين" أنَّ الإمام أحمد بن سعيد كان إذا نزل مطرح يكون في مقدِّمة مستقبليه الأعيان ثم الحيدرباديَّة، ثم بقايا الناس، كما سمح الإمام أحمد بن سعيد للهنود الهندوس (البانيان) بإقامة معابد لهم في مسقط، ممَّا أدى إلى زيادة المعابد الهنديَّة في مسقط ليُصبح عددها أربعة معابد بعد أن كانت معبدًا واحدًا في عهد دولة اليعاربة.
توثَّقت العلاقات العمانيَّة الهنديَّة في عهد خلفاء الإمام أحمد بن سعيد، حيث نجد التَّاجر الهندي رام شاندار رادجي Ram Chander Raadji يقترح على الإمام سعيد بن أحمد بن سعيد الانتقال إلى مسقط، التي انتقل إليها ابنه حمد بن سعيد عام 1789م متَّخذًا منها مركزًا لإدارة شئون البلاد، ممَّا أدَّى إلى انفتاح عمان على العالم الخارجي وزيادة أواصر العلاقات العمانيَّة الهنديَّة، التي تُوِّجت بتوقيع السيِّد سلطان بن أحمد بن سعيد لاتفاقيَّة الصداقة مع شركة الهند الشرقيَّة البريطانيَّة عام 1798م، التي كانت في مصلحة العلاقات العمانيَّة الهنديَّة، وأدَّت إلى زيادة نشاط التبادل التجاري بين الطرفين.
نشط التجَّار الهنود في عهد السيد سعيد بن سلطان الذي كان انتقاله إلى زنجبار في عام 1832م بمثابة الصفقة التجاريَّة الرابحة بالنسبَّة إلى التجَّار الهنود، الذين أسهموا في تمويل تجارة الرقيق والبهارات، وجنوا من ورائها الأرباح الباهظة، واستفادوا من الفراغ التجاري الذي حدث في مسقط نتيجةً لانتقال السيِّد سعيد إلى زنجبار، فتدفَّقوا على مسقط حتى وصل عددهم إلى ألفي نسمة في عام 1840م، كما اصطحب السيد سعيد بن سلطان معه إلى زنجبار عددًا من التجَّار الهنود الذين تولُّوا إدارة الجمارك بموانئها حتى نهاية القرن التاسع عشر الميلادي، وامتدَّ نفوذهم في شرق إفريقيا إلى موزمبيق ومدغشقر وجزر القمر.
تدخلت حكومة الهند البريطانيَّة في حلِّ النزاع الذي حدث بين أبناء السيِّد سعيد بن سلطان حول من يتولَّى شئون عمان بعد وفاة أبيهم، فصدر تحكيم كاننج عام 1861م الذي قسَّم الإمبراطوريَّة العمانيَّة التي أسَّسها السيد سعيد بن سلطان إلى قسمين: بحيث يتولَّى السلطان ثويني بن سعيد حكم عمان وتوابعها، ويتولَّى السلطان ماجد بن سعيد حكم زنجبار وملحقاتها من الشقِّ الإفريقي، على أن يدفع سلطان زنجبار أربعين ألف دولار نمساوي سنويًّا إلى سلطان مسقط، وأصبحت الهند منذ تلك الفترة مقرًّا للإقامة ومنفى لكثيرٍ من المغضوب عليهم سياسيًّا، مثل: تركي بن سعيد، وسالم بن ثويني الذي تُوفِّي في الهند عام 1876م، وعبد العزيز بن سعيد الذي تُوفِّي بالهند عام 1907م.
استغلَّ التجَّار الهنود انشغال السيد ثويني بن سعيد بالقضاء على النزاعات القبليَّة ومحاولة كسب المزيد من النفوذ السياسي، في توسيع نشاطهم التجاري وتولِّي إدارة الجمارك التي جنوا من ورائها الأرباح الباهظة؛ حيث كان يعهد بإدارة الجمارك وجمع الضرائب الجمركيَّة على أساس التعاقد السنوي مع أحد التجَّار الهنود نظير أن يدفع مبلغًا معيَّنًا إلى خزينة الدولة، ممَّا شجع التجَّار الهنود على تدويل التجارة العمانيَّة مستغلِّين في تحقيق ذلك صلتهم بشبه القارَّة الهنديَّة، وعلاقاتهم بالعديد من المؤسَّسات التجاريَّة العالميَّة التي فضلت أن يكون وكيلها هنديًّا بحكم درايته بالمنطقة، وتمتُّعهم بالتسهيلات الممنوحة للرعايا البريطانيِّين، وتقديمهم القروض للتجَّار العرب والتي تتراوح فائدتها بين 1,5-3% في الشهر، واستغلالهم للفرص التي أتاحتها لهم الثورة الصناعيَّة وظهور السفن البخاريَّة، في الوقت الذي اقتصر فيه نشاط التجَّار العمانيِّين على تجارة التوزيع.
هجر التجار البانيان الموانئ العمانيَّة في عهد الإمام عزان بن قيس (1868-1871م) بسبب سياسة التزمُّت الديني وعدم السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينيَّة، ممَّا أدَّى إلى تضاؤل عددهم في مسقط حتى وصل إلى مائتين وخمسون نسمة في عام 1870م.
عاد التجَّار الهنود إلى مسقط بعد تولِّي السلطان تركي بن سعيد الحكم في البلاد عام 1871م، وحرص السلطان تركي على توفير الحماية للتجَّار الهنود ممَّا شجعهم على ممارسة نشاطهم التجاري، الذي ازدهر في عهد السلطان فيصل بن تركي بعد توقيعه في عام 1891م على اتفاقيَّة الصداقة والتجارة مع بريطانيا، تضمَّنت العديد من البنود التي كانت في مصلحة الرعايا الهنود المشمولين بالحماية البريطانيَّة؛ حيث أتاحت لهم التمتُّع بالامتيازات نفسها الممنوحة للرعايا البريطانيِّين في مسقط، كما منحتهم حريَّة امتلاك الأراضي والعقارات فامتلكوا معظم العقارات في مسقط ومطرح، وسمح لهم بحريَّة ممارسة شعائرهم الدينيَّة في جوٍّ يسوده الأمن والسلام واحترام حقوق التجَّار الهنود، ممَّا جعلهم يضطلعون بتدويل تجارة مسقط التي امتدَّت إلى ما وراء حدود حوض المحيط الهندي، حيث صدَّروا البضائع العمانيَّة إلى الأسواق العالميَّة، واستوردوا بضائع تلك البلدان إلى عمان، وتزايد وجود التجَّار الهنود في عمان حيث وصل عددهم في عام 1900م إلى ما يُقارب الألف نسمة في مسقط ومطرح فقط، بالإضافة إلى انتشارهم في مناطق ساحل الباطنة وصور ومرباط التي وُجِد فيها بعض الهنود العاملين بتجارة البخور.
وبرز العديد من التجَّار الهنود في مسقط في القرن العشرين، مثل: راتنسي برشوتم Ratansi Purshottam الذي أدار جمارك مسقط لسنوات عديدة، وأسَّس شركة تاجرت في مجموعة متنوِّعة من البضائع، مثل: القمح والقهوة والأقمشة والتمور، التي صدَّرتها إلى الولايات المتحدة الأميركيَّة عن طريق شركة نيويورك أوف ويليام هيلز New York firm of William Hills، واشترى معظم الأراضي الواقعة على ساحل مسقط، وباع لحكومة الهند البريطانيَّة إحدى هذه الأراضي في عام 1901م بخمسين ألف روبيَّة، أُقِيم عليها بيت لطبيب الوكالة البريطانيَّة في مسقط، ومساكن لكتبة الوكالة وموظفي التلغراف.
بالإضافة إلى التاجر جوسان براهمان Gosain Brahman الذي امتلك العديد من المحلَّات التجاريَّة في مسقط، وفيرجي راتنسي Virji Ratansi أحد أهم المصرفيِّين، ودمودار درامسي Damodar Dharamsi الذي قام بتسيير أمور الضرائب في بعض الأحيان، وكيمجي رامداس ،Khimji Ramdas وجوبالجي والجي Gopalji Walji، وغيرهم.
استوطن مسقط بالإضافة إلى التجَّار البانيان العديد من التجَّار المسلمين ذوي الأصول الهنديَّة (الخوجا)، الذين احتكروا تجارة السمك المجفَّف، ومارسوا العديد من الصناعات التي تحتاج إلى خبرة ومهارة عالية، مثل: النجارة وبناء السفن، وكان أبرز التجَّار الخوجا بمسقط الحاج محمد فاضل، الذي امتلك في عام 1906م شركة دبليو جي تاول W.J.Towell التي تأسَّست عام 1866م، وأسهمت في تصدير المنتجات الزراعيَّة إلى البلدان المختلفة وخاصَّةً التمور العمانيَّة التي تُصدَّر إلى الهند والولايات المتحدة الأميركيَّة، حتى أصبحت أهمَّ منتجٍ تُصدِّره عمان للخارج ومصدرًا للعملة الأجنبيَّة.
استقرَّ السلطان تيمور بن فيصل في الهند بعد تنازله عن العرش لابنه السلطان سعيد بن تيمور عام 1932م، وواصلت العلاقات العمانيَّة الهنديَّة ازدهارها بعد استقلال الهند عن بريطانيا بتاريخ 15 من أغسطس 1947م، في كافَّة المجالات وانتشرت الروبيَّة الهنديَّة التي سكت خصيصًا للتعامل بها في الخليج، على نطاقٍ واسع في مناطق عمان في عقدي الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن المنصرم، ووقعت عمان اتفاقيَّة صداقة وملاحة وتجارة مع الهند عام 1953م تضمَّنت العديد من مجالات التعاون السياسي والعسكري، ونتج عنها إنشاء قنصليَّة هنديَّة في مسقط عام 1956م كان لها دورها الملموس في تعزيز أواصر التواصل الحضاري بين عمان والهند في مختلف المجالات.
____________________
* ورقة ألقيت في ندوة "الدور العماني في شرق آسيا والهند"، في النادي الثقافي بسلطنة عمان. موقع الوطن العماني، أكتوبر 2016م.

قائمة المصادر والمراجع:

- السيرافي، الحسن بن اليزيد: رحلة السيرافي إلى الهند والصين سنة 237هـ، مطبعة دار الحديث، بغداد، 1961م.
- الاصطخري، إبراهيم بن محمد الفارسي: المسالك والممالك، تحقيق: محمد جابر عبد العال، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2004م.
- المسعودي، علي بن الحسين: مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد. القاهرة، 1964م.
- المقدسي، شمس الدين: أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1991م.
- البلاذري، أحمد بن يحيى: فتوح البلدان، تحقيق: عبدالله أنيس الطباع، دار الكتب العلمية، بيروت، 1978م.
- ابن حوقل، أبو القاسم: صورة الأرض، مطبعة برايل، ليدن، 1938م.
- ابن رزيق، حميد بن محمد: الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين، تحقيق: عبد المنعم عامر ومحمد مرسي، الفردوس للطباعة، صحار، 2001م.
- البنك المركزي العماني: تاريخ النقود في سلطنة عمان، مسقط، 1990م
- أبو العلا، محمود: جغرافية إقليم عمان، مكتبة الفلاح، الكويت، 1988م.
- جامعة السلطان قابوس: الندوة الدولية عمان والهند آفاق وحضارة، مطبعة الألوان الحديثة، مسقط، 2011م
- جودة، صادق أحمد: مدينة المنصورة في ظل الدولة الهبارية ببلاد السند، دلر أمية، الرياض، 1415هـ.
- الحارثي، محمد بن عبدالله: موسوعة عمان الوثائق السرية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2007م.
- الزدجالي، إسماعيل بن أحمد: تجارة عمان الخارجية في عهد السلطان فيصل بن تركي البوسعيدي، مؤسسة الإنتشار العربي، بيروت، 2014م.
- الزيدي، مفيد: بدايات النهضة الثقافية في منطقة الخليج العربي في النصف الأول من القرن العشرين، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإسترتيجية، أبوظبي، 1998م.
- السيابي، سالم بن حمود: العنوان عن تاريخ عمان، بدون تاريخ ودار نشر.
- شاخت، كليفورد: تراث الإسلام، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1988م.
- عبد الحليم، رجب محمد: العمانيون والملاحة والتجارة ونشر الإسلام منذ ظهوره إلى قدوم البرتغاليين. مكتبة العلوم، مسقط، 1983م.
- عبد الله، طيبه خلف: العلاقات العمانية الأمريكية 1930-1958م، رسالة دكتوراه. جامعة البصرة، 1996م.
- العلي، عفاف السيد: تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين عمان والهند، مركز الراية للنشر والإعلام، القاهرة، 2012م.
- فيليبس، وندل: تاريخ عمان، ترجمة: محمد أمين عبد الله. مطابع سجل العرب، القاهرة، 1983م.
- القاسمي، سلطان بن محمد: تقسيم الإمبراطورية العمانية، مؤسسة البيان للصحافة والطباعة والنشر، دبي، 1989م.
- القاسمي، نوره بنت محمد: الوجود الهندي في الخليج العربي 1820-1947م، منشورات دائرة الثقافة والإعلام، الشارقة، 1996م.
- لاندن، روبرت جيران: عمان منذ 1856م مسيرا ومصيرا، ترجمة: محمد أمين عبد الله. وزارة التراث والثقافة، مسقط، 1989م.
- اللواتي، جواد بن جعفر: الأدوار العمانية في القارة الهندية، دار النبلاء، بيروت، 2001م
- اللواتي، علي بن حسن: تاريخ عمان الحضاري من القرن الرابع حتى السادس للهجرة، جامعة السلطان قابوس، مسقط، 2011م.
- المباركبوري: رجال السند والهند إلى القرن السابع، دار الأنصار، بومباي، 1978م
- مركز الدراسات والوثائق بإمارة رأس الخيمة، ندوة رأس الخيمة التاريخية الثالثة: العلاقات التاريخية بين الخليج العربي وشبه القارة الهندية، راس الخيمة، 2001م.
- النعيم، نوره عبد الله: الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية في الفترة من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى القرن الثالث الميلادي، دار الشواف للنشر والتوزيع، الرياض، 1992م.
- وزارة الإعلام: عمان في التاريخ، دار أميل للنشر، لندن، 1995م.


الساعة الآن 06:43 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام