*ما الوسائل التي تساعدك على الخطابة أو التحدث أمام جمع من الناس؟
ليس المهم ما تقوله المهم كيف تقوله ولقد أبان ديل كارينجي عن دعائم الخطاب الجيد الذي يجذب المستمعين إليه من خلال مجموعة من المهارات يتم التدريب عليها وهي كالآتي:
1- حطم قوقعة خجلك.
2- لا تحاول تقليد الآخرين وكن نفسك.
3- تحدث مع الجمهور. إن الجمهور سواء كان خمسة عشر شخصًا أو ألف شخصًا يريد من المتحدث أن يتكلم مباشرة كما لو كان في دردشة وبنفس الأسلوب العام الذي سيستخدمه معهم في المحادثة العادية لكن بمزيد من القوة أو الطاقة والطريق الوحيد لاكتساب البراعة في هذا الأسلوب الطبيعي – أي: نبرات فصاحتك الطبيعية مع التوسع فيها قليلاً- هو الممارسة وإذا وجدت نفسك تتحدث بأسلوب متكلف فتوقف ثم تخيل ذهنيًا فردًا من الجمهور يجلس في المؤخرة أو أقل الناس انتباهًا لك، انس وجود أي شخص آخر غير هذا الرجل وتخيل أنه وجه إليك سؤالاً وأنت تجيب عليه وأنك الشخص الوحيد الذي يمكنه الإجابة فهذه العملية ستجعل فورًا وحقًّا حديثك تلقائي وطبيعي ومباشر بدرجة كبيرة لدرجة ألا يخطر ببال جمهورك أبدًا أنك تلقيت تدريبًا رسميًا في فن الخطابة. كما أن طريقة الإجابة على أسئلة في منتصف حديثك مثل أن تقول: أنتم تتساءلون ما دليلي على هذا الإدعاء؟ أنا أمتلك الدليل الكافي وها هو... هذه الطريقة إذا تمت بصورة طبيعية تكسر الرتابة المملة لطريقة المرء في الإلقاء وتجعلها مباشرة وطريفة وتلقائية.
4- ركز حماستك في حديثك: الصدق والحماسة والجدية الشديدة سوف تساعدك أيضًا فعندما يكون الإنسان واقعًا تحت تأثير مشاعره فإن ذاته الحقيقية تطفو إلى السطح وتتساقط الحواجز فقد أحرقت حرارة عواطفه كل العوائق فتراه يتصرف بعفوية ويتحدث بعفوية فهو طبيعي وعن أهمية هذا العامل في التأثير على الجمهور المستمع لحديثك يذكر ديل كارينجي أن "أدموند بورك" كتب أحاديث رائعة في التفكير المنطقي والإنشاء لدرجة أنها تدرَّس اليوم كنماذج تراثية للخطابة في جامعات العالم ومع ذلك فقد كان بورك مشهورًا بفشله كمتحدث فلم تكن لديه المقدرة على إلقاء جواهره وجعلها مشوقة وقوية فعندما يقف ليتحدث يسعل الآخرون ويتململون إما ينامون أو يخرجوا زمرًا.
5- تمرس على جعل صوتك قويًّا ومرنا: يقول ديل كارينجي:"بإيجاز نحن نفقد نشاط وتلقائية المحادثة الحقيقية فربما نعتاد المحادثة ببطء أو بسرعة شديدة وأسلوبنا – إن لم نراقبه بعناية- قد تعتريه الخشونة واللامبالاة ويمكن أن نقيِّم أنفسنا بمساعدة جهاز تسجيل والاستعانة بالأصدقاء أو تحصل على نصيحة خبير،فعندما تكون أمام الجمهور كن بكل جوارحك في الكلمة، ركز كل كيانك على إحداث أثر ذهني ووجداني في الجمهور وسوف تتحدث بنسبة تسعين بالمائة بقدر من التوكيد والقوة أكثر مما يمكنك الحصول عليه أبدًا من الكتب"([68]).
- صفة كلام الرسول (ص):
1- فعن الإيجاز في القول "روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله r كان يحدث حديثًا لوعدَّه العاد لأحصاه"([69]).
2-عدم الاستعجال في الحديث فعن السيدة عائشة قالت: "ألا أعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث، عن رسول الله r يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سُبحتي ولو أدركته لرددت عليه: إن رسول الله r لم يكن يسرد الحديث كسردكم"([70]).
وعن ابن عمر قال كان في كلام النبي r ترتيل أو ترسيل([71]) (لم يعجل) ومن صور عدم الاستعجال في الحديث عند الرسول r أنه كان يكرر الكلمة ثلاثًا "فعن أنس t أن النبي r كان إذا تكلم تكلم ثلاثًا وكان يستأذن ثلاثًا" وفي رواية أخرى أن رسول الله r كان إذا تكلم بكلمة رددها ثلاثًا وإذا أتى قومًا يسلم عليهم سلم ثلاثًا"([72]). وعن عمرو بن العاص t قال: كان رسول الله r يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك فكان يقبل بوجهه وحديثه عليَّ حتى ظننت أني خير القوم فقلت: يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر t فقال: أبو بكر فقلت: يا رسول الله أنا خير أم عمر t؟ فقال: عمر، فقلت: يا رسول الله أنا خير أم عثمان t، فقال: عثمان، فلما سألت رسول الله r فصدقني فلوددت أني لم أكن سألته"([73]).
3- كان كلام النبي r سهلاً يفهمه كل أحد. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان كلام النبي r فصلاً يفهمه كل أحد لم يكن يسرد سردًا"([74]).
4- الرفق واللين في كلامه r حتى لمن يعارضه: وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر أدب الحوار بين رسول الله r والسيدة عائشة حين عارضته فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت فراش رسول الله r عباءة مثنية فرجعت إلى منزلها فبعثت إليّ بفراش حشوه الصوف فدخل عليَّ رسول الله r فقال: ما هذا فقلت: فلانة الأنصارية دخلت عليَّ فرأت فراشك فبعثت إلي بهذا، فقال رديه فلم أرده وأعجبني أن يكون في بيتي حتى قال لي ذلك ثلاث مرات، فقال يا عائشة رديه فوالله لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة فرددته([75]).
- صفة الكلام الذي يلقيه المتكلم وآدابه عند علماء الإسلام:
فعن كيفية إنتاج الخطاب ذي الكلام الحسن البسيط السهل المنتقى بعناية مع البعد عن الحشو والتكلف والمبالغة أبدع علماء الإسلام في دراسة هذا الموضوع من شتى جوانبه وذلك نظرًا لما يمثله من أهمية بالغة في إظهار الملكات الإنسانية وتجلياتها في شتى المواطن وتدعيم وتقوية أواصر الترابط مع الآخرين ووضع أسس للحوار الجيد المثمر التي باتباعها يسلم المتكلم من الوقوع في الزلل وعبقرية علماء الإسلام في تناول التفصيلات الدقيقة لآداب المتكلم والمستمع يقتضينا إبراز أفكارهم في هذا الصدد نظرًا لفائدتها الجليلة في إقامة دعائم التواصل مع عالم يعج بالمخاصمات والمشاحنات وتتغلب لغة الحروب وفوهة المدافع على لغة الكلام وحكمة القول وحسن الخطاب فلقد خصص السهروردي في كتابه "آداب المريدين" فصلاً أسماه آداب المحاورة، فمن تلك الآداب التي ذكرها:
1- أن يقصد بالكلام النصح والإرشاد ونفع الكل. 2- كلام الناس على قدر عقولهم وعلى قدر السائل. 3- عدم الحديث فيما لا يسأل فيه. 4- ألا يتكلم العبد أمام من هو أعلم منه وألا يتكلم في العلم قبل أوانه. 5- ألا يتطلب الجاه والمنزل بعلمه. 6- محاولة استعمال ما سمعه وتعلمه حتى يصير ذلك العلم حكمة في قلبه ولا ينساه([76]). وفي هذا الصدد أيضًا يذكر الماوردي شروطًا للحوار على المتكلم العمل بها كلية دون إخلال بواحد منها وهي: 1- أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في اجتلاب نفع أو دفع ضرر. 2- أن يأتي به في موضعه. 3- أن يقتصر منه على قدر الحاجة وكما قال بعض الحكماء إذا قلت فأوجز فإذا بلغت حاجتك فلا تتكلف. 4- أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به([77]).
ومن آداب الحوار عنده والتي يدل بها الإنسان على محاسن فضله وأدبه:
1- ألا يتجاوز في مدح ولا يسرف في ذم(وعند ابن حزم أن أهل الفضل يمسكون عن المدح والذم في المشاهدة ويثنون بالخير في المغيب أو يمسكون عن الذم).
2- ألا تبعثه الرغبة والرهبة على الاسترسال في وعد أو وعيد يعجز عنهما ولا يقدر على الوفاء بهما. 3- إن قال قولاً حققه بفعله وإذا تكلم بكلام صدقه بعمله فإن إرسال القول اختيار والعمل به اضطرار ولأن يفعل ما لم يقل أجمل من أن يقول ما لا يفعل.
4- أن يراعي مخارج كلامه فإن كان ترغيبًا قرنه باللين واللطف وإن كان ترهيبًا خلطه بالخشونة والعنف فإن لين اللفظ في الترهيب وخشونته في الترغيب خروج عن موضعهما وتعطيل للمقصود بهما فيصير الكلام لغوًّا والغرض من المقصود لهوًا وقد قال أبو الأسود الدؤلي لابنه: يا بني إن كنت في قوم فلا تتكلم بكلام من هو فوقك فيمقتوك ولا بكلام من هو دونك فيزدروك. 5- ألا يرفع بكلامه صوتًا مستكرهًا ولا ينزعج له انزعاجًا مستهجنًا وليكف عن كثرة الحركة التي تكون طيشًا؛ فإن نقص الطيش أكثر من فضل البلاغة وقد حُكي أن الحجاج قال لأعرابي: أخطيب أنا؟ قال: نعم لولا أنك تكثر الرد وتشير باليد وتقول أما بعد.
6- أن يتجافى هجر القول ومستقبح الكلام وليعدل إلى الكناية ليبلغ غرضه ولسانه نزه وأدبه مصون وقد قال محمد بن علي في قوله تعالى: ﴿ وإذا مروا باللغو مروا كرامًا﴾ قال: كانوا إذا ذكروا الفروج كفوا عنها.
7- كما يصون لسانه فهكذا يصون سمعه فلا يسمع خِنًا ولا يصغي إلى فحش فإن سماع الفحش داع إلى إظهاره. 8- أن يجتنب أمثال العامة الغوغاء ويتخصص بأمثال العلماء الأدباء والإنسان لكثرة ما يطرق سمعه من مخالطة الأراذل قد يتأثر بهم في أقواله كالذي حكى عن الأصمعي أن الرشيد سأله يومًا عن أنساب بعض العرب فقال: على الخير سقطت يا أمير المؤمنين، فقال له الفضل بن الربيع أسقط الله جنبيك أتخاطب أمير المؤمنين بمثل هذا الخطاب؟ فكان الفضل بن الربيع مع قلة علمه أعلم بما يستعمل من الكلام في محاورة الخلفاء من الأصمعي الذي هو واحد عصره. وللأمثال من الكلام موقع في الأسماع وتأثير في القلوب لا يبلغ الكلام المرسل مبلغها"([78]) وهذه أمور تتعلق بطبيعة الرسالة اللغوية المرسلة من المتكلم للمستمع أي اللغة.
وفي أرجوزة ابن مكانس إسهاب لصفة الكلام الذي تتحدث به بقوله : "اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزًا فصيحًا في معنى مهم أو مستحسن... ولا تجعله مهملاً ككلام الجمهور بل رفِّعه عنهم ولا تباعده عليهم جدًّا. أي المقصود اجعل كلامك سهلاً بحيث يفهمه كل الناس على اختلافهم. 2- وإياك وكثرة الكلام وتبتير الكلام بل اجعل كلامك سردًا بسكون ووقار بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه وأنه عن خبرة سابقة ونظر متقدم أي لا تكثر كلامك ولا تقطعه فجأة بحيث لا يفهم السامع ما المقصود وتكلم في موضوع تكون متمكن فيه ومعرفتك به واسعة وليست سطحية. 3- إياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويعدم حلاوته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلاً سكوته أشهى إلى السامع من كلامه ويثير النفوس على معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته.
4- "أجب من حيث تعقل لا من حيث تعتاد وتألف "وذلك لأن الإنسان قد يألف طريقة في الحديث هي مستهجنة فالواجب أن يكون متعقلاً في حديثه فلا يخاطب الناس كلهم بطريقة واحدة لاختلاف العقول فلا تخاطب العامي بأسلوب مخاطبة العالم فتكون سبيلاً لقطع علاقته بك أو ما شابه.
5- "لا تترفع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحيث تستخس وتستحقر"([79]). أي لا تأنف من الحديث مع أي شخص مهما كانت منزلته ولا تقبل بحديثك على ما لا يريده وإلا عرَّضت نفسك للإهانة منه .
6- تجنب الوقيعة في الناس وثلب الملوك والغلظة على المعاشر وكثرة الغضب وتجاوز الحد فيه وكما يقول ابن المقفع "واعلم أن خفض الصوت وسكون الريح.... من دواعي المودة([80]).
7- اجعل كلامك لاهوتيًا في الغالب لا ينفك من خبر أو قول حكيم أو بيت نادر أو مثل سائر واستكثر من حفظ الأشعار المثالية والنوادر الحكمية والمعاني المستغربة وانتزح عن عادات الصبا وتجرد عن مألوفات الطبيعة. وكمثال لذلك الحديث اللاهوتي والذي حث عليه الصالحون: قول عبد الله بن عمر لجلسائه "ساعة للدنيا وساعة للآخرة وقولوا خلال الحديث اللهم اغفر لنا". وكان عيسى u يوصي الحواريين لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله U فتقسوا قلوبكم وإن القاسي قلبه بعيد من الله U ولكن لا يعلم"([81]). "وكان الربيع بن خثيم يقول: لا خير في كلام إلا في تهليل الله وتحميد وتسبيح الله وسؤالك من الخير وتعوذك من الشر وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر وقراءتك القرآن"([82]).
* صفة الحديث وآدابه عند أبي بكر المرادي الحضرمي
- فبالنسبة للمتكلم:
لقد أوضح المرادي الحضرمي صفة وآداب التي ينبغي اتباعها سواء في الأحاديث العامة أو أمام جمهور من الناس منها قوله : 1- تدبر الأمر قبل النطق به ولا تكن كالأحمق يقول الشيء قبل تدبيره وتكلم حين تُصيخ (تتجه وتقبل) الأسماع إلى كلامك. 2- انظر من كلامك في ضره ونفعه ووقته وموضعه وفصاحته ووزنه فإذا تم العقل نقص اللفظ 3- ليكن كلامك مترسلاً سهلاً قليلا لأهل الفضل مبسوطًا لأهل الجهل متوسطا لأهل التوسط كل كلمة منه متعلقة بفائدة متضمنة لمنفعة. 4- ليكن صوتك به بين الجهر والخفوت وإيراداك له على الاعتدال من توالي الحروف. 5- اهجر الكلام السوقي الذي ابتذلته العامة والغريب الوحشي الذي تستثقله الخاصة. 6- لا تصل بكلامك الحشو الذي لا يفيد شيئًا كقولهم: اسمع وافهم وحاشاك وما أشبه ذلك من كلام الضعفاء والمنتقصين. 7- ولا تكثر في أثنائه من السعال والبصاق والتثاؤب ولا تمزجه بالأيمان وإن كنت صادقًا؛ فإن ذلك مما يزري بفصاحتك ويؤذن المخاطب بتهمتك. 8- إذا تكلمت فلا تعجب بكلامك ولا تدع سامعه إلى الإعجاب به ولا تهزأن بالجد ولا بما يقع موقعه من النفس؛ فإن ذلك يثير الأحقاد ويمحو الوداد. 9- إذا تعرضك إنسان بنقص؛ فإن استطعت أن تجعل جوابه جدًّا بألفاظ الهزل فافعل والتزم مع ذلك رحب الذرع (سعة الصدر كناية عن قوة التحمل والحلم) وطلاقة الوجه والأحوال التي يجري عليها صاحب المزح بغير أمر يؤلم النفس؛ فإن ذلك أردع لقوله وأشد للاستخفاف بحقه. 10- إن استطعت أن تفعل أفعالك كلها دون الوعد بها فافعل فإن فعلك لما لم تقل أجمل من قولك لما لم تفعل. 11- وعن إيثار الصمت في بعض المواطن عن الكلام يقول أبو بكر المرادي: "وإن غُلبت على الكلام فلا تُغلبن على الصمت؛ فإنه أزين في بعض المحافل وأحسن في كثير من المواطن وفيه جزء من الوقار وظل من الأمن من سقطات الكلام، وقد قيل: أحسن البلاغة الصمت حين لا يحُسن الكلام. 12- لا تقطع كلامك بعد ابتدائه ثم تعد المستمعين بإتمامه كأنك رويت فيه فرأيت أن الصمت خير من إتمامه ولتكن رويتك فيه من قبل إنشائه (أي كان يجب أن تراعي تلك الأمور قبل التحدث لكن مادمت بدأت الحديث فلا تقطعه). 13- لا تكثرن التحدث عن بلد بعينه ولا ضرب من ضروب الرأي ولا رجل من أصناف الناس حتى يغلب ذلك على كلامك فإن ذلك مؤذن بنقصك ولا تكثر التحدث بفضل والدك ولا ولدك وامرأتك ولا دارك ولا دابتك.
* أدب استماع الحديث عند أبي بكر المرادي الحضرمي :
1- إذا سُئلت فأجب على قدر مسألتك ولا تخلط ما لم تُسأل عنه بكلامك وإذا سُئل غيرك فلا تكن أنت مجيبًا وإن كنت بالمسئول عنه عالمًا وإن كان السؤال عامًا فلا تبتدر بالإجابة؛ فإن الحضور معك يتبعون كلامك بالتأمل ويجتهدون لجوابك في التنقص ويكون لهم عليك الخيار. وابن المقفع يتفق مع أبي بكر المرادي الحضرمي في ذلك حيث يقول في "الأدب الكبير": إذا سأل الوالي غيرك فلا تكونن أنت المجيب عنه؛ فإن استلابك الكلام خفة بك واستخفاف منك بالمسئول والسائل، وما أنت قائل إن قال لك السائل: ما إياك سألت؟ أو قال لك المسئول عند المسألة يعاد بها: دونك فأجب؟ فإن لم يخص السائل في المسألة رجلاً واحدًا وعم جماعة من عنده فلا تبادر بالجواب ولا تسابق الجلساء تواثب الكلام؛ فإن ذلك مع شين التكلف والخفة إنك إذا سبقت القوم إلى الكلام صاروا لكلامك خصماء فيتعقبونه بالعيب والطعن وإذا أنت لم تعجل بالجواب وخليته للقوم اعترضت أقاويلهم على عينك(تفحصتها) ثم تدبرتها وفكرت فيما عندك ثم هيأت من تفكيرك ومحاسن ما سمعت جوابًا رضيًا واستدبرت به أقاويلهم حتى تُصيخ إليك الأسماع ويهدأ عنك الخصوم([83]).
وهذا شبيه برأي أبي بكر المرادي الحضرمي والذي يتضح مدى تأثره بابن المقفع ويظهر ذلك في قول أبي بكر المرادي الحضرمي: " إذا تأخر جوابك كان لك أن تعمل بهم ذلك (أي التأمل لكلام سابقك وتدبره والاستفادة منه ) مع ما تضيفه إلى رأيك من آرائهم وتزيده في جوابك من إبطال أقوالهم " ومن الآداب الأخرى لمستمع الحديث والتي أشار إليها أبو بكر المرادي قوله :
2- إذا اكتفى بصواب غيرك ولم يصل القول إليك فلا يؤثرن ذلك في نفسك فإن الحكماء قد قالوا: إن صيانة القول خير من وضعه في غير موضعه؛ كما أن كلام العجلة من قبل الروية موكل به الزلل ومصروف إليه الخطأ أو الخطل.
3- إذا جالست أهل العلم فأرهم أنك على استماع كلامهم أحرص منك على كلامك.
4- إذا أصغيت إلى كلام فلا تظهرن العجب به([84]).
* عوائق التخاطب:
1- الخجل
وهنا نتساءل عن أسباب الخجل وعلاجه؟ كيف يمكن التعامل مع الخجولين؟ ما هي المهارات التي بمعرفتها والتدريب عليها يستطيع الإنسان أن يحطم قوقعة خجله بل أن يكون خطيبًا مفوهًا ومتحدثًا جيدًا؟
1- ففيما يتعلق بالسؤال الأول: وهو أسباب الخجل وعلاجه؛ فإن المتخصصين يعرفون الخجل منذ بدايته الأولى "بأنه انكماش الولد وانطواؤه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين، وهو يبدأ في الإنسان منذ صغره فأماراته تبدأ في سن أربعة أشهر وبعد سنة يدير الطفل وجهه أو يغمض عينيه أو يغطي وجهه بكفيه إن تحدث شخص غريب إليه([85]). وتلعب الوراثة والبيئة دورًا كبيرًا في ازدياد الخجل أو تعديله فالأطفال الذين يخالطون ويجتمعون معهم يكونون أقل خجلاً من الأطفال الذين لا يخالطون ولا يجتمعون ، والمعالجة لا تتم إلا بأن نعوِّد الأولاد على الاجتماع بالناس سواء بجلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم أو مصاحبتهم لآبائهم في زيارة الأصدقاء والأقارب أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المُتَحدث إليهم كبارًا أو صغارًا كما كان أبناء السلف يتربون على التحرر التام من ظاهرة الخجل ومن بوادر الانكماش والانطوائية وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم في حضور المجالس العامة وزيارة الأصدقاء وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار ثم دفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء ثم استشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء كما كان عمر ابن الخطاب يفعل ذلك مع عبد الله بن عباس وهو دون الحلم فيدخله مع أشياخ بدر يسأله فيصيب في إجابته ويخطئون هم.
ويُذكر أيضًا أنه دخل على عمر ابن عبد العزيز t في أول خلافته وفود المهنئين من كل جهة فتقدم من وفد الحجازيين غلام صغير السن لم تبلغ سنه إحدى عشرة سنة فقال له عمر ارجع أنت وليتقدم من هو أسن منك!! فقال الغلام: أيد الله أمير المؤمنين،المرء بأصغريه: قلبه ولسانه فإذا منح الله العبد لسانًا لافظًا وقلبًا حافظًا فقد استحق الكلام.
ويعلق د/ عبد الله علوان على ذلك بقوله : "وبهذا الأسلوب في تعامل الأولاد منذ صغرهم نستطيع تربيتهم على الجرأة والشجاعة والتحرر من الخجل والخوف والانطوائية ثم يختم دكتور عبد الله علوان دراسة هذا الموضوع بنصيحة هامة تزيل اللبس عن الأفهام التي قد ترتبط عندها الجرأة بالوقاحة قائلاً: فما على المربين اليوم ولاسيما الآباء إلا أن يأخذوا بقواعد هذه التربية الفاضلة حتى ينشأ الأولاد على الصراحة التامة والجرأة الكاملة ضمن حدود الأدب والاحترام ومراعاة شعور الآخرين وإنزال الناس منازلهم وإلا فإن الجرأة ستنقلب إلى وقاحة والصراحة إلى قلة أدب مع الآخرين([86]).
المراجع :
([68]) طريقة سهلة وسريعة للحديث الفعال، ديل كارينجي ص248- 264.
([69]) رواه البخاري، ج 3/1307.
([70]) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، ورواه البخاري بلفظه أو فلان 3/3374.
([71]) أخرجه أحمد، 6/157.
([72]) أخرجه أحمد، 3/213.
([73]) أخرجه الترمذي في الشمائل، ص25 كما قاله الهيثمي.
([74]) أخرجه أحمد، 6/157، حياة الصحابة ص78- 79.
([75]) الزهد، ص20
([76]) آداب المريدين السهروردي، عرض د/أسامة سعد علم النفس في التراث الإسلامي، ج 2/261.
([77]) أدب الدنيا والدين، للماوردي ص203، مجاني الأدب، ج 3/115.
([78]) أدب الدنيا والدين، ص208- 211.
([79]) مجاني الأدب،ج 2/95- 96 بتصرف.
([80]) الأدب الصغير والأدب الكبير، ص128.
([81]) الزهد، ص266، 73.
([82]) المرجع السابق، ص400.
([83]) الأدب الصغير والأدب الكبير، ص131- 132.
([84]) السياسة أو الإشارة في تدبير الإمارة، ص119- 122
([85]) تربية الأولاد في الإسلام، ج 1/232، نقلاً عن المشكلات السلوكية عند الأطفال د/ نبيه الغبرة ص153.
([86]) المرجع السابق، ج 1/232- 236.