تعتبر الأخلاق أهم الدعائم والأسس التي يقوم عليها نظام الحياة البشرية، ومما لاشك فيه أن المستوى الأخلاقي للأمة مقياس حضارتها وأساس بناء مجتمعها.
وتعتبر مكارم الأخلاق علامةً لكمال الإيمان وسمة من سمات المؤمن ومقصدًا لرسالته ومهمته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: «إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا وألطفهم بأهله»، وروي عنه صلى الله عليه وسلم « لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» .
وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه: «وخالق الناس بخلق حسن» معنى ذلك أن الرسول جاء بالإسلام منفتحًا على الآخر بقوله «وخالق الناس» وليس المسلم فقط، وهذا لعلّ وعسى أن يراك الآخر متحلّيًا بالأخلاق الحميدة، فيكون سببًا في هدايته للإسلام.
إن خيرية الرجل لا تقاس بصلاته وصيامه فحسب بل لا بد من النظر في أخلاقه وشيمه فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ًولا متفحشاً وكان يقول: (خياركم أحاسنكم أخلاقاً).
وقد بيّن ابن مبارك حسن الخلق فقال: هو طلاقة الوجه وبذل المعروف وكف الأذى .
وعرف القزويني: معنى حسن الخلق: سلامة النفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات الله تعالى، وقد يكون فيما بين الناس.
وقال الإمام الغزالي: إن الألفة ثمرة حسن الخلق، والتفرق ثمرة سوء الخلق، فحسن الخلق يوجب التحابب، والتآلف، والتوافق، وسوء الخلق يثمر التباغض، والتحاسد، والتدابر.
وقد قيل قديمًا: اتباع الهوى يفرق كما أن الحب والإخاء يجمع وإن الاتحاد قوة، والتفرق وهن وضعف، وإن سبيل الله واحد، وسبل الشيطان متفرقة، فمن تبعها فقد ضل وغوى.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.
فمكارم الأخلاق أشد حاجة للافراد والمجتمع البشري، وغاية من أسمى الغايات الإنسانية، ومن أعظم المقومات للحضارة الإنسانية، لا يمكن الاستغناء عنها لأي نوع من الأنواع البشرية ولا لأي مجتمع من المجتمعات الإنسانية، من أجل ذلك منذ أول وجود المجتمع الإنساني كانت المهمة الأخلاقية من أحسن المهمات لسائر الأديان والمذاهب .
وحسن الخلق من أفضل ما يقرب العبد إلى الله تعالى، وإذا أحسن العبد خلقه مع الناس أحبّه الله والناس، وحسن الخلق يألف الناس ويألفه، حسن الخلق يدل على سماحة النفس وكرم الطبع، وحسن الخلق يرفع الدرجات وعلو الهمم، وحسن الخلق يحول العدو إلى الصديق .
كما أن حسن الخلق أمر مطلوب وواجب على المؤمن، فتجنب أخلاق السوء أمر لازم مؤكد؛ لأن سوء الخلق باب من أبواب الإثم، وينفر الناس مما اتصف به، ولذلك قيل: من ساء خلقه قل صديقه.
فهذه المبادئ الأخلاقية ضرورة في بناء المجتمعات سياسيًا واجتماعيًا ودينيًا وثقافيًا، كما هي محاور فكرية متباينة مستنيرة ترسي دعائم قيام المجتمع الإنساني، كما يريد خالق البشر، ويشعر الإنسان من خلالها أنه خليفة الله في الأرض بما ناله من تكريم إلهي يحيا من خلاله حياة آدمية كما ينبغي أن تكون.