رد: من روائـــــــــــــع القرآن (الشيخ صالح بن عبد الله التركي)
الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد
قال تعالى (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت) يقول الله جل شأنه (حتى يلج الجمل في سم الخياط) وقال عز وجل (كأنه جمالة صفر) وقال تعالى (فعقروا الناقة ..) وقال تعالى (ونزداد كيل بعير) وقال تقدس اسمه (ولما فصلت العير) فجاءت هذه الآيات بألفاظ (الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير) فما الفرق بين هذه الألفاظ في سياق القرآن الكريم وهل تتساوى في التعبير القرآني و تتكافأ ، بالتأمل لكتاب الله تعالى نجد أن التعبير القرآني يزاوج بين هذه الألفاظ ، ويضع كل لفظة في مكانها المناسب ، فدعونا نتحاكم لبلاغة كتاب الله عز وجل بداية التعبير القرآني جاء موافقا لقواعد اللغة العربية وسننها ونظامها ، فالقرآن الكريم يحدث العرب ويكلمهم بما يعرفون ويشاهدون في بيئتهم ، وهذه سنة القرآن الكريم في خطابه للعرب ، وثمة أمر آخر وهو لا بد من معرفة سياق الآية المعنية بالتدبر والتأمل والرجوع لأقوال أهل التفسير فيها ، ومن هنا يتجلى شيء من لطائف الآية المعنية بالتدبر
الإبل : اسم جامع لكل أصناف هذا المخلوق فالجمل والناقة والبعير والعير وغيرها كل هذه من الإبل ، والإبل من حيث اللغة اسم جنس يشمل الجميع لا واحدة له من لفظة ، حيث دعا الله عز وجل للتفكر والنظر في خلق الإبل وعظم هيئتها وطريقة عيشها وتكاثرها وما أعطاها الله من مميزات في تأقلمها مع الصحاري والقفار وغير ذلك فقال (أفلا ينظرون إلى الإبل)
والجمل : بفتح الجيم والميم هو الفحل والذكر من الإبل ولا يطلق عليه جملا إلا إذا كان عظيم الهيئة والخلقة مهيبًا في خلقة وحجمه معدًا للتلقيح ، والله عز وجل علق دخول الكفار الجنة بولوج هذا الجمل المهيب الخلقة في سم الخياط وهذا تيئيس للكفار بدخول الجنة فقال (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط) وجاء تفسير الجمل في الآية بالحيوان المعروف وهو قول أكثر اهل التفسير واختاره ابن جرير رحمه الله ، وهذا التفسير موافقا لحال العرب وفهمهم ومنسجم مع لغتهم ، ذلك أن القرآن يخاطبهم بما يرون في بيئتهم ويشاهدون ، وجاءت قراءة عن ابن عباس (الجُمَّل) وهو الحبل الغليظ الذي تشد به السفن
والجمالة : هي جمع جمل كحجر حجارة كما عند أهل اللغة ، وقرئت (جمالات) جمع جمال ، فقول الله تعالى(كأنه جمالة صفر) جمع جمل قاله مجاهد والحسن وقتادة والضحاك واختاره ابن جرير ، وهذا الوصف والتشبيه يبين الله فيه عظمة وهول نار جهنم ا
الناقة : هي أنثى الإبل ، والله عز وجل جعلها آية لثمود (وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها) (هذه ناقة الله لكم آية) وكانت عظمية الخلق والهيئة (لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) وهلكت ثمود بالصيحة لما عقروها وذبحوها
البعير : مفرد جمعه أباعر وبعران ، والبعير هو ما يحمل عليه المتاع والحاجة ويكون مذللا للركوب فيسمى عندها بعيرا وذلك إذا استكمل أربع سنين ويكون من الجمل والناقة ، يقول تعالى (ونزداد كيل بعير)( ولمن جاء به حمل بعير) فالمعدّ للحمل والركوب تطلق عليه العرب لفظ بعير
العير : هي القافلة من الأباعر المحملة بالبضائع والأثقال والميرة (ولما فصلت العير) أي خرجت من مصر باتجاه فلسطين وهي عير أخوة يوسف (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها) وعند القرطبي رحمه الله : العير ما أُمتير عليه من الحمير والإبل والبغال وصفوة الكلام أحبتي هو أن كتاب الله تعالى لا يخلط بين هذه الألفاظ ولا غيرها ولا يمكن أن تقوم كلمة مكان أخرى ، فظاهر هذه الألفاظ الترادف وباطنها الاختلاف كما نرى ، وقد شاع عند بعض الناس الخلط بين معاني هذه الألفاظ وصرفت على غير مرادها وغير معناها أسأل الله تعالى بمنه وكرمه أن يجعلنا هداة مهتدين وصلى الله على نبينا محمد
كتبه : د. صالح بن عبدالله التركي
من روائع القرآن الكريم
- الفرق بين الإبل – الجمل - الجمالة - الناقة - البعير - العير -
رد: من روائـــــــــــــع القرآن (الشيخ صالح بن عبد الله التركي)
من روائع القرآن الكريم
إضافة اسم التفضيل إلى الاسم الظاهر أو الضمير في القرآن (أكثر الناس - أكثرهم)
د. صالح بن عبد الله التركي
تفريغ سمر الأرناؤوط
يقول الله تبارك وتعالى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ )
في حين يقول الله تبارك وتعالى (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ )
فقال الله عز وجلّ في الآية الأولى (ولكن أكثر الناس) وقال في الآية الثانية (ولكن أكثرهم)
فأضاف اسم التفضيل في الآية الأولى إلى الاسم الظاهر وقال (ولكن أكثر الناس) في حين أنه أضاف اسم التفضيل في الآية الثانية إلى الضمير وقال (ولكن أكثرهم)
ومن قواعد العربية أن الإضافة إلى الاسم الظاهر تعني السعة والشمول والعموم والإحاطة في حين أن الإضافة إلى الضمير تعني الإيجاز والاختزال وكتاب ربنا شاهد على هذا وماثل على هذا. فإذا ولّينا أنظارنا إلى هذه الآية وغيرها وجدنا أن الله تبارك وتعالى قال في آية سورة البقرة (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) كلمة (ألوف) جمع كثرة أي هو عدد كبير وشريحة من الناس كبيرة جدا فقال الله عز وجلّ (وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) لم يقل ولكن أكثرهم لأن الآية تتحدث عن ألوف من الناس وعن شريحة وجموع كثيرة حتى قال بعضهم أكثر من ثلاثين ألف، إذن قال في الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) عندما تحدث عن عموم الناس وعن فئام كثيرة من الناس.
ويقول الله عز وجلّ في سورة غافر نظيرة لهذه الآية (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) هذا الأمر يخص جميع الناس فقال الله عز وجلّ (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) وهذا أمر يخص جميع الخلق وجميع الناس. ثم قال الله عز وجلّ بعدها (إِنَّ السَّاعَةَ لَآَتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ ) لم يقل (ولكن أكثرهم) لأن الساعة تخص جميع الناس فقال الله عز وجلّ في ختام الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)
في حين أن الله عز وجلّ يقول في سورة الأنعام (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) فأضاف اسم التفضيل إلى الضمير فقال (ولكن أكثرهم) وهذه الإضافة تدل على الإيجاز والاختزال ذلك أن هذه الآية تعني بمجموعة وطائفة من الناس وهم كفار مكة القائلين لهذا القول (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) كما جاء عند البغوي في معالم التنزيل وعند غيره. إذن قال الله عز وجلّ في نهاية الآية (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) لأن الآية تخاطب وتعني طائفة من الناس ليست بكثيرة.
وقال الله عز وجلّ نظير هذه الآية في سورة الحجرات (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) وهذه الآية نزلت في وفد تميم وهم وفد من الأعراب من نجد جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد اخرج إلينا فإن حمدنا زين وذمّنا شين فقال صلى الله عليه وسلم ذلك الله فأنزل الله تبارك وتعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) لم يقل أكثر الناس لأن الآية تعني بطائفة من الناس حضروا عند النبي صلى الله عليه وسلم وشريحة ونزر بسيط فقال الله عز وجلّ في معرض الآية (إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فأضاف اسم التفضيل للضمير لأن الآية تعني بطائفة بسيطة ونزر قليل من الناس.
وخلاصة هذه الوقفة أن اسم التفضيل في القرآن الكريم إذا أضيف للاسم الظاهر فإنه يعني السعة والعموم والإحاطة والشمول وإذا أضيف للضمير فإنه يعني بطائفة قليلة من الناس وشريحة بسيطة من الناس تعرض لها السياق القرآني وذكرها والله أعلم بمراده.
من جملة ما زعمت اليهود في كتاب الله عز وجلّ ما جاء في كتاب الله عز وجلّ في سورة البقرة (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) على حين أن الله عز وجلّ يقول في آي عمران (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) فاختلفت اليهود في هذا الزعم فطائفة تقول أياما معدودة وطائفة تقول أياما معدودات فما الفرق بين القولين؟
وهل يتساوى القولان في كتاب الله عز وجلّ من حيث التعبير القرآني ومن حيث الدلالة البيانية والله العربية؟
أولًا عندنا قاعدة في اللغة تقول أن وصف ما لا يعقل بالمفرد أكثر منه بالجمع فقول الله عز وجلّ أيام معدودة أكثر بالعدد من أيام معدودات كما تقول طريق معبّدة أكثر من طرق معبّدات.
وجاء عند ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن قتاده قال عند قوله تعالى (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً)
قال ذلك طائفة من اليهود: نعذّب بعدد الأيام التي ذهب فيها موسى إلى ربه والأيام التي عبدنا فيها العجل وهي أربعون يومًا. وجاء في فتح القدير عن الشوكاني عن مجاهد عن قوله تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ) قال ذلك طائفة من اليهود نُعذّب بعدد أيام الدنيا يعنون أيام الأسبوع.
وقال ابن جماعه رحمه الله كما نقل السيوطي في الاتقان: قال ذلك طائفتان من اليهود فزعمت الطائفة الأولى أنهم يعذبون بالنار بعدد الأيام التي عبدوا فيها العجل يعنون أربعون يوما وهذا القول ينزّل على آية البقرة والطائفة الأخرى تقول نعذّب بالنار بعدد أيام الدنيا يعنون أيام الأسبوع وهذا القول ينزّل على آية آل عمران فلا تضاد في كتاب الله عز وجلّ ولا تنافر بين آيات الله تبارك وتعالى والله عز وجلّ يقول (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ( النساء)
يقول الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف (فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) الأعراف) في حين أن الله عز وجلّ يقول فيها أيضًا (إِنَّ هَٰؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) الأعراف) والآية الأولى في شأن قصة موسى مع السحرة والآية الثانية في شأن بني إسرائيل لما عبروا البحر وعكفوا على أصنام لهم فقال الله تبارك وتعالى في الآية الأولى بصيغة الفعل (وبطل) وقال في الآية الثانية بصيغة الاسم (وباطل) فما السر البياني في اختلاف هاتين الصيغتين في هذه الآيات.
قاعدة لغوية: التعبير بالفعل يدل على التجدد والحدوث والانقطاع وأن التعبير بالاسم يدل على الثبوت والدوام والاستقرار. فلما كانت الحالة انتهت وتلاشت واضمحلت وهي هزيمة السحرة من موسى عليه السلام عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل الذي يدل على الانقطاع وعلى التجدد وقال تعالى (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة دائمة مستمرة ثابتة وهي حال القوم الذين يعكفون على أصنام لهم عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذ أن هؤلاء القوم معتكفون مقيمون على عبادة الأصنام كما قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير الواحدي. فلما كانت الحالة ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الاسم وقال (وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولما كانت الحالة منقطعة غير ثابتة عبّر القرآن الكريم بصيغة الفعل وقال (وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وذلك في هزيمة السحرة. وبهذا تتجلى هذه الألفاظ وهذا المعاني الربانية
يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) على حين أن الله عز وجلّ يقول في سورة المائدة (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) كلتا هاتين الآيتين في شأن الكفار، ذمّ الله عز وجلّ الكفار في الآية الأولى بعدم العقل وذمّهم في الثانية بعدم العلم. فما السر البياني في اختلاف هذا الذم بين هاتين الآيتين؟
بالتدبر والنظر في سياق الآيتين نجد أن الله تبارك وتعالى دعا الكفار في الآية الأولى إلى اتباع ما أنزل (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) ففضلوا ما ألفوا عليه آباءهم واتبعوا ضلال آبائهم بما أنزل الله عز وجلّ من النور والهدى والبينات فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.
أمر آخر أن الله عز وجلّ يقول في سياق الآية (قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) وألفى في القرآن واللغة لا تأتي إلا في سياق الذم فذمّهم الله عز وجلّ بعدم العقل.
وثمة أمر ثالث أن الله عز وجلّ شبه أولئك الكفار بقطيع الأغنام التي لا تفقه ما يقول راعيها كما قال الله تبارك وتعالى (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً) [البقرة: 171) فشبههم الله عز وجلّ بقطيع الأغنام ويكفي من هذا عدم عقل منهم فقال الله عز وجلّ في ذلك (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) فذمهم الله عز وجلّ بعدم العقل في سياق هذه الآيات.
أما في آية المائدة فإن الله عز وجلّ دعا الكفار إلى ما أنزل الله والرسول (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) فقولهم (حسبنا) يعني يكفينا فاكتفوا بما عند آبائهم من العلم فبيّن الله عز وجلّ أنه ليس عند آبائهم شيء من العلم وذمّهم الله عز وجلّ بعدم العلم أصلًا وقال (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فلما اكتفوا بما عند آبائهم من العلم بيّن الله عز وجلّ أنه ليس عندهم أصلًا شيء من العلم وقال الله عز وجلّ في ذلك (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) فذمّ الله عز وجلّ الكفار في هاتين الآيتين بعدم العقل وعدم العلم ولا ريب أن الذم بعدم العقل أشد قبحًا من الذمّ بعدم العلم لأن الذي لا يعقل لن يعلم ولن يفهم شيئا وهذا جمع للآيتين الكريمتين والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.