منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   الشريعة و الحياة (http://forum.islamstory.com/f99.html)
-   -   خطبة ماذا بعد رمضان (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) (http://forum.islamstory.com/123056-%CE%D8%C8%C9-%E3%C7%D0%C7-%C8%DA%CF-%D1%E3%D6%C7%E4-%E6%E1%C7-%CA%DF%E6%E4%E6%C7-%DF%C7%E1%CA%ED-%E4%DE%D6%CA-%DB%D2%E1%E5%C7-%E3%E4-%C8%DA%CF-%DE%E6%C9-%C3%E4%DF%C7%CB%C7.html)

امانى يسرى محمد 23-05-2020 07:22 PM

خطبة ماذا بعد رمضان (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا)
 
كنا في شهر الخبر والبركة، نصوم نهاره ونقوم من ليله، وتقربنا إلى الله بالطاعات والقربات، طمعاً في ثواب الله تعالى، وخوفاً من عقابه، ثم انتهت تلك الأيام وانقضت، وقطعت مرحلة من الحياة ولن تعود أبداً، ولم يبق فيها إلا ما أودع فيها من الأعمال، فإن خيراً فخير، وإن شرًّا فشر، وهكذا سائر أيام العمر، مراحل نقطعها يوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنة بعد سنة، حتى ينتهي ذلك الأجل، ﴿ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36].

تمر بنا الأيام تترا وإنما ***نساق إلى الآجال والعين تنظر

فاعتبروا – أيها الأخوة الكرام – بمرور الأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، وما ذلك إلا نقصان من الأعمار، ولن تجدوا في قبوركم وأخراكم إلا ما قدمتم في دنياكم ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [البقرة: 200 - 202].

عباد الله: لقد جاء الأمر الإلهي بمواصلة العبادة حتى الموت، قال تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99] أي الموت، فليس انتهاء رمضان يعني أن يدخل الإنسان في إجازة عن العبادة والقربات، حتى يأتي رمضان المقبل، فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله... ) فأخبر أن الموت هو قاطع العمل، وليس انتهاء رمضان كما يفعله كثير من الناس.

ولأجل أن عمل الإنسان لا ينقطع إلا بموته – أيها الإخوة الكرام – كان طول عمر المؤمن خيرا له، ليتزود من الطاعات، ويكتسب المزيد من الحسنات، ولهذا يكره في حق المؤمن أن يتمنى الموت، أو أن يدعو به على نفسه، كما روي في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: " لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيراً ".

أيها الموحدون: هذا ما أثر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا يعقله إلا أهل اليقظة، أما أهل الغفلة فلا يعرفون نعمة بقائهم في الدنيا، فيظنون أنهم بقوا للتمتع بالشهوات، ولجمع الحطام، وللتكاثر من الأموال والأولاد، مع التفريط في عمل الآخرة.

فاحذروا يا – عباد الله – أن تكونوا من عباد المواسم، فقد ذم السلف هذا الصنف من الناس، فقد قيل لبشر: ( إن قوما يجتهدون ويتعبدون في رمضان، فقال: بئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان، إن الصالح يجتهد ويتعبد السنة كلها )، وسئل آخر: أيهما أفضل رجب أو شعبان، فقال: كن ربانيًّا ولا تكن شعبانيًّا، فرب رمضان هو رب الشهور كلها.

عباد الله: يقول تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21] فالرسول – صلى الله عليه وسلم – هو أسوتنا وقدوتنا، فإن اقتدينا به أفلحنا، وإن خالفناه خبنا وخسرنا، ولهذا لما سئلت السيدة عائشة – رضي الله عنها – " هل كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يخص شيئا من الأيام ؟ فقالت: "لا بل كان عمله ديمة" أي كان دائماً مستمراً على الطاعات.

واعلموا يا - عباد الله – أن الدوام على العمل الصالح محبب إلى الله، حتى وإن قل هذا العمل، وقد جاء في الحديث: " أحب الإعمال إلى الله أدومها وإن قل".

وللدوام على العمل فوائد عظيمة، منها:
1 – أنه اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد قالت السيدة عائشة – رضي الله عنها – كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا عمل عملاً أثبته".
2 – ومنها أنها تجعل الإنسان دائماً متصلاً قلبه بالله.
3 – ومنها أنها تروض النفس على لزوم الخير والطاعة، حتى يصبح العمل سهل على النفس وجزء منها.
4 – ومنها أنها تعرض المسلم لمحبة الله تعالى، وفي الحديث: "وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه...".

أيها الأحبة الكرام: بعد أن عرفنا أثر العبادة، وذقنا طعم الإيمان، وحلاوة الطاعة، ولذة المناجاة، علينا أن نحافظ على هذه المكاسب، وعلى تلك المنجزات، ولنحذر أن نكون كالتي ضرب الله بها المثل، تلك المرأة الخرقاء، التي قال الله فيها، محذرا إيانا أن نسلك سبيلها، أو أن نمتثل طريقها ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92] وقد قيل إنها امرأة من مكة كانت تبرم غزلها أول النهار، ثم تنقضه آخر النهار، فمن استقام ثم حاد، فحاله شبيه بحال هذه المرأة، فاحذروا يا عباد الله أن تحلقوا رؤوس أعمالكم بالذنوب، فإنها حالقة الدين، فإنه يقبح بمن نمى إيمانه في رمضان، وجمله وزينه بالأعمال والقربات، ثم إذا ما انقضى الشهر عاد وهدم ما بنى، وقد كان من دعاء الصالحين: اللهم إنا نسألك العمل الصالح وحفظه.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه يغفر لكم.


أيها المؤمنون بالله: جاء في الحديث القدسي: "قال الله: أنا عند ظن عبدي بي" فأحسنوا الظن بربكم أن قبل أعمالكم، وغفر ذنوبكم، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل".

وفي نفس الوقت أيها الإخوة الكرام يجب على المسلم أن لا يغتر بعبادته، وأن يكون دائم الاتهام لنفسه بالتقصير في جنب الله تعالى، وهذا كله بجانب رجائه القبول من الله، كما كان حال السلف الصالح، يجتهدون في إتمام العمل ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من رده وإبطاله، قال أحد السلف: (لأن أكون أعلم أن الله قد قبل مني مثقال حبة من خردل أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأن الله تعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾.

فالهلاك يكون من العجب كما يكون بالقنوط، يقول ابن مسعود: " الهلاك في اثنتين: القنوط والعجب" فارجوا الله عباد الله وخافوه، ولا تعجبوا بأعمالكم.

واعلموا يا عباد الله أن الإنسان في أثناء سيره إلى الله تعالى، لا بد له من تقصير في الاستقامة، ومن نقص في الطاعة، ولهذا يقول تعالى: ﴿ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ﴾ [فصلت: 6] فطلب منا الاستغفار بعد الاستقامة، لعلمه بحال البشر، ولأن الاستغفار يجبر الخلل ويسد النقص.

روي في الحديث: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ)، وصححه الألباني في " صحيح سنن الترمذي "

ومن النوافل التي حث عليها الشرع، ورغب بها، صيام ست من شوال، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: " من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال، فكأنما صام الدهر كله"

وهذه الأيام يجوز صيامها متتابعة أو متفرقة، ويجوز على الراجح تقديمها على القضاء خوفاً من فوات الشهر أو عدم القدرة على الجمع بين الست من شوال والقضاء، والله تعالى اجل وأعلم.

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه فقد بدأ بنفسه وثنى بملائكة قدسه وأمر عباده فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].


محمد فقهاء
شبكة الالوكة



الساعة الآن 07:41 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام