٤/ الاكتساب المهاري: لا تخلو مرحلة من مراحلك العمرية من اكتساب مهارات جديدة، وصنائع أنت جاهل بها، وتفرضها الحياة المعاصرة بتطوراتها المختلفة نحو : • كمبيوتر أو برامج نوعية فيه. • لغة جديدة • دورات تنمية بشرية • الكتابة والرسم • التصوير والعلاقات الجيدة. • ولذلك تعرف المهارة: ( التمكن من إنجاز مهمة معينة بكيفية محددة، وبدقة متناهية وسرعة في التنفيذ ) . • والحمد لله أن كثيرا من الجامعات المحلية باتت حديثة البرامج، وتقدم دورات مجانية لأبنائنا الطلاب، وهذا عامل محفز قوي لهم . • وهو مما يسهم في توفير فرص عمل، لأن الأجهزة الحكومية حاليا، لا تهتم بالشهادات فحسب، بل تسأل عن الجانب التدريبي والمهاري لدى المتقدم، والمحروز من خلال تلكم الدورات واللقاءات . • وأعتقد أن موسم الإجازات الصيفية فترة خصيبة للتعلم المهاري والاكتساب الذاتي، والذي يعلي من قيمة الإنسان،أيا كان ذكرا أو أنثى ..! • والمهارات منها ما هو ذاتي تطويري، أو علمي وعقلي، أو اجتماعي ونفسي، ولا أقلها من أن تبدأ من بالوضعية النفسية لك، نحو: • الاستيقاظ مبكرا- ترك السهر والتدخين- ترك تسويف الأعمال- تقليل الكلام والثرثرة- ترك العادات السيئة عموما- طرد الخجل والخوف-تقليل التلفاز والتقنية-رتب غرفتك الخاصة- تكلم مع زملائك بلباقة-اصحب الجادين واترك الكسالى- كن اجتماعيا مختلفا -بحسن الخلق- وروعة المشاعر-وفن التلاقي- ولطف الحديث-والتبسم الدائم-وحسن الخدمة.... • وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم(( إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق ))رواه أحمد والترمذي وهو صحيح . • واعتياد مثل ذلك ومجاهدة النفس والسلوك يغيره للأفضل وصح في الحديث(( الخير عادة والشر لجاجة )). ٥/ الشخصية الملتهبة: والتي تملأ الوقت جدا وعملا وإحسانا وتفاعلا، (وكان صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه ). ومن صفاتها: • استثمار الوقت وفي الحديث الصحيح «اغتنم خمساً قبل خمس، وعد منها وشبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك» ..) • عدم الزهد في الحسنات • مفارقة الكسل والتراخي والتسويف، وقالوا( سوف أخت الشيطان) • واشتهر عن أبي مسلم الخولاني رحمه الله اذكر الله حتى يَحسِبك الناس مجنونا )!! • وكان الخطيب البغدادي رحمه الله لا يمشي إلا وفي يده جزء من كتاب يطالع ويستفيد . • وابن عقيل الحنبلي صاحب الفنون يقول( إني لا يحل أن أضيع ساعة من عمري ). • والمجد ابن تيمية جد شيخ الإسلام يأمر قارئا يقرأ عليه وقت قضاء الحاجة...! • وحفيده العلامة الفذ ابن تيمية، يطالع أثناء اعتلال صحته وينهاه الطبيب فلا يلتفت لكلامه. • والجاحظ ما وقعت يده على كتاب إلا قرأه واستكمله..! • وهولاء جديرون بقول القائل : أولئك قوم شيّد الله فخرهم// فما فوقه فخر ولو عظُم الفخرُ والنفس الطموحة تكسر الصعب، وتتحدى المستحيل، وتتجاوز العوائق، وتخترق الحُجب، وكما قال سقراط الفيلسوف ( لا شيئ صعب بالنسبة للشباب )! ليس الحظوظُ من الجُسوم وشكلها، السرُّ كلّ السرّ في الأرواح! لما تملكه تلك المرحلة العمرية من توهج وقوة ونشاط وفتوة، وهو ما نص عليه القرآن الكريم (( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة، ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة )) سورة الروم. • يقول توملس أديسون ( العبقرية ١٪ بالمائة إلهام، و٩٩٪ عرق جبين. • فيكتور هوجو يقول: (سر العبقرية هو أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة، ما يعني عدم فقدان الحماس أبدا). • وكان الإمام البخاري رحمه الله يستيقظ في الليلة الواحدة قرابة العشرين مرة، يوقد السراج، ويكتب الخاطرة الحديثية، وأنتج ذلك السهر كتابا فذا، وفقها عجيبا، ورسوخا لا نظير له . • تريدين لقيان المعالي رخيصةً// ولابد دون الشَّهد من إبَر النحلِ • ومع ذاك الالتهاب والجد إلا أن المرء قد يتعثر ويصدم في المراحل الأولى، والواجب المحتم عدم اليأس، وأن تكون الصدمة محفّزا وعاملا دافعا للصبر والإصرار، وكما قال بعضهم (سقوط الإنسان ليس فشلاً ، و لكن الفشل أن يبقى حيث سقط)... فقم وانهض واستكمل الطريق، ونوّع وراوح، لا أن تحبط وتترك العمل، فتلك خسارة كبرى تنافي العبقرية والمواصلة وطلب المعالي...! • فما هي إلا مدة ومحاولات حتى يُخترق الكسل، ويشق الطريق، وتتذلل المصاعب... • إذا اعتادَ الفَتى خوْضَ المَنايا// فأهْوَنُ ما يَمُرّ بهِ الوُحُولُ • ٦/ الخيال الفسيح: وهو من ثمرات القراءة المتينة، وحسن التخطيط وبناء الاستراتيجيات وحلقات التفكير والتأمل المركز، وفحص القضايا والمشكلات.... • قال الشافعي رحمه الله: ( استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر ). • وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: ( الفكرة مخ العقل ) • ولسقراط ( بالفكر يستطيع الإنسان أن يجعل عالمه من الورد أو من الشوك ). والانهماك في التدبر القراني يصنع خيالا، ويوسع مناحي الفكر. ولذا يوصف الخيال بأنه توقع للحاضر واسترجاع للماضي وابتكار للمستقبل، من خلال الذكريات السابقة، والمعارف المستفادة والمستلهمة في الشعور، الغارق في الانهماك العقلي، وهو غالبا مقدمة للتفكير الإبداعي . • ٧/ المبادرة الواثقة : العبقري غالبا ما يكون شخصا مبادرا، لا يعرف الخجل أو الخوف والتردد، وفي القرآن (( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم )) سورة آل عمران. • وقال تعالى(( وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى)) سورة القصص. انطلق وتحرك وحذر موسى الاغتيال وهو مؤمن آل فرعون ، ولم يقل لا أملك جيشا ولا منَعة..! • وتعرف بأنها( حماس داخلي ينتج عنه مشاركة فعلية أو قولية أو فكرية تسهم في العمل والبناء وحفز الآخرين ) • أنشتاين يقول: ( يستطيع أي أحمقٍ جعل الأشياء تبدو أكبر و أعقد ، لكنك تحتاج إلى عبقري شجاع لجعلها تبدو عكس ذلك). والحديث فيه (( بادروا بالأعمال )). وعندنا مصعب بن عُمير وجهده الدعوي في المدينة وهو نموذج في (العبقرية الدعوية)، وما صنعه نُعيم بن مسعود الغطفاني في الأحزاب، خلخل وأضعف وخذل، وهي مبادرة نتجت عنها (عبقرية عسكرية) أسهمت في الانتصار، ونكوص الأحزاب. ورسولنا الكريم علم أمته المبادرة في مواقف مثيرة، منها: حينما قال في السائل المجهود(( من يُضيف هذا الليلة )) وأضافه الرجل الأنصاري، وفي الصحيحين فزع أهل المدينة من صوتٍ فانطلق قبلهم وقال(( لم تُراعوا لم تراعوا )) أي لا خوف عليكم !! وتأتيه الجارية من نساء المدينة فيقضي حاجتها. وهذه المبادرات قد تكلف تحركا و قوة ومخاطر أحيانا، ولكنها محل انشراح وتقبل لدى الجاد العبقري، وتتوق روحه لها،، وكما قيل: إذا غامرتَ في شرفٍ أمر مَرومِ// فلا تقنع بما دون النجومِ يرى الجبناءُ أن العجز حزمٌ//وتلك خديعة ُالطبع اللئيمِ!! ونوع من العقل الاجتماعي لا يكتسب إلا بالممارسة والمبادرة وقالوا( العقل بالتجارب ).( واسأل مجربا ولا تسال طبيبا). ومن المبادرات المستحسنة الرائعة في السيرة النبوية : • موقف علي في استقبال أبي ذَر الغفاري والحفاوة به حتى أسلم. • دعوة أبي بكر لستة من الصحابة أسلموا بعد أن قذف الله النور في قلبه . • تفطن سعد بن معاذ في غزوة بدر لمراد رسول الله(( « أشيروا علي أيها الناس» )) ومسارعته في تطوير بنود بيعة العقبة وجعلها تشمل النصرة داخل المدينة وخارجها. • صلاة عمرو بن سلمة الجرمي بقومه وهو ابن ٧ سنوات ولم يخف أو يتردد. • شراء عثمان بئر رومة من اليهود وتجهيز جيش العسرة في موقف سخائي نادر . • إحياء الفاروق لصلاة التراويح في رمضان، وقد قال علي رضي الله عنه( نوّر الله قبرك يا ابن الخطاب كما نورت مساجد المسلمين ). • وأمتنا في الظروف الحالية تحتاج إلى مبادرات وتحركات جادة وموضوعية على شتى المستويات والفئات، فنحن أشبه ما نكون بحالة الحصار، ويطوقنا الهوان من كل جهة، وينادي عليك الاحباط لا تتحرك، لا تتكلم...!! • وتخيلها كحال أصحاب الغار، آواهم المبيت أو المطر كما في الصحيحين، فتدحرجت صخرة عظيمة وأغلقت باب الغار عليهم،،! فماذا حصل،،؟! حضر الموت وضاقت الأنفاس، ولكنهم لم يستسلموا وفكروا بطريقة إيجابية ومارسوا التشاور، فقال بعضهم: إنه لا ينجيكم إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، وهنا: تجرد ولجء للواحد الأحد، واستحضار محاسن الأعمال، والتي فُعلت بنفسية عالية وخالصة، وكان منها بر بالوالدين، وإيثارهم على الأبناء، وعفة وتباعد عن الفواحش، ثم أمانة وحفظ لحقوق الناس، وهي عوامل للنجاح والتوفيق من الحي الْقَيُّوم،،،! • فَلَو استسلم هؤلاء لكان مصيرهم الهلكة والضياع، وكذلك أمتنا بحاجة ماسة لكل مبادر ومثابر ومتقدم، وهو العنصر الفعّال اللماح، والراحلة النجيبة المنتجة، مضحيا ومحتملا كل التبعات (( « الناس كإبل مائة لا تكاد تجد فيها راحلة» )). أخرجاه . وكما قال المتنبي :ولو أن الحياةَ تَبْقَىْ لحيٍ// لعدَدنا أضَلَّنا الشُّجعانا • وإِذا لم يكنْ من الموتِ بدٌ// فمن العجزِ أن تموتَ جبانا.! • وفي المفهوم الدعوي الاسلامي ديننا دين المبادرة والمسابقة(( { فاستبقوا الخيرات} )) [سورة البقرة والمائدة] . ويحض على العلم والجد والتعلم والمنفعة خشية الموت والنزول منازل الافلاس، وكما قال أبو العتاهية : • إذَا المرءُ لمْ يلبسْ ثياباً من التُّقَى//تقلَّبَ عُرياناً وإنْ كانَ كاسِيَا والتنظير والمقترحات التي تجود بها العقول رائعة ،وما أحسننا في التنظير ومن الأذكياء خصوصا، ولكن تنقصها العمل والعزيمة، قال تعالى(( {فاذا عزمت فتوكل على الله} )) [سورة ال عمران.] إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمةٍ// فإن فساد الرأي أن تترددا ٨/ البيئة المتفتحة : ونعني بها المناخ الحاضن لك....أصدقاؤك،، بيتك، خواص الطعام والشراب، مشاهداتك الالكترونية،،،،! قراءاتك المتنوعة...! تأثير الأبوين وحسن التعليم والإدارة المنزلية ..! كل هذه من المحيط الذي يكتنفك، ويؤثر فيك وفي الحديث (( المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل )) ولا أعظم من تأثير الأصدقاء في الحياة الاجتماعية، وقد قال سقراط تقريبا: قل لي مع من تمشي؟! أقل لك من أنت..؟! وقد ينغص عليك في المسارات الاجتماعية منغصون، ويبدو محطمون، فلا تلتفت لهم، وابتعد عن مقولاتهم، فمثل هؤلاء حجر عثرة، ومأزق اجتماعي وثقافي،،،! ولروعة العباقرة وافاداتهم يضيق بهم هؤلاء، وربما حسدوهم، أو اتهموهم....! فالحكمة التطنيش وعدم الاكتراث : لا تَلْقَ دَهْرَكَ إلاّ غَيرَ مُكتَرِثٍ ما دامَ يَصْحَبُ فيهِ رُوحَكَ البَدنُ فما يدومُ سرورٌ ما سُررتَ به// ولا يردُّ عليك الفائتَ الحزنُ
حمزة بن فايع الفتحي رئيس قسم الشريعة بجامعة الملك خالد فرع تهامة، وخطيب جامع الفهد بمحايل عسير