منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   المنتدى العام والهادف (http://forum.islamstory.com/f104.html)
-   -   خطبة عن الانتحار (http://forum.islamstory.com/124952-%CE%D8%C8%C9-%DA%E4-%C7%E1%C7%E4%CA%CD%C7%D1.html)

امانى يسرى محمد 26-07-2020 02:01 PM

خطبة عن الانتحار
 
كثيرٌ من الناس قد يقع في ضائقة، وتتكالب عليه الهموم، وتتكاثر عليه الديون، ويفكر في مخرج، ولكن البعض بدل أن يتوجه إلى السماء بالدعاء إلى من يملك مفاتح الفرج والرزق؛ ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ ﴾ [الذاريات: 22، 23] - يفكر في أمور أخرى، فيسد ديونه بالغش والسرقة، أو بالربا، يريد أن يتخلص من الهموم بالانتحار، والتخلص من هذه الدنيا بأكملها، لا يفكر في التوجه إلى العزيز الغفار، غفار الذنوب، وكافي الهموم، الذي يرفع عنك ما لا تتصوره لو توجهت إليه صادقًا، لو توجهت إليه خالصًا.



نَجَمَ ذلك من ضعف في الإيمان، وضعف في التوجه إلى الرحمن، نتج ذلك من جهل في أن الدعاء كالماء للعطشان، وكالدواء للمريض، الدعاء وذكر الله والاستغفار والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم الإكثار منها يكفي الهموم ويغفر الذنوب.



يا من تفكر في أن تتوجه إلى نفسك بقتلها، فتسقط من فوق عمارة، أو من فوق شجرة، أو من فوق جبل، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؟ يا من تتحسَّى السُّمَّ، وتشرب الأدوية الكثيرة؛ لتتخلص من هذه الحياة التي هي خير لك إذا أطعتَ الله فيها، خيرٌ لك من الموت، فالفرج قريب، والفرج قد جاء إن شاء الله، والكرب يزول بأمر الله سبحانه وتعالى - ألم تتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن تحسَّى سُمًّا فقتل نفسه، فسُمُّهُ في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؟ يا من توجهت إلى حديدة أو إلى مسمار أو شفرة صغيرة، فقطعت بها وريدك، أو وجأتَ بها في بطنك، ألم تعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا))؛ [متفق عليه: (خ) (5778)، (م) 175 - (109)].



والرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحكي لنا عمن كان من قبلنا؛ فقد ورد عن الحسن: حدثنا جندب رضي الله عنه في هذا الـمسجد فما نسينا، وما نخاف أن يكذب جندب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان برجل جراح، فقتل نفسه، فقال الله: بدرني عبدي بنفسه؛ حرمت عليه الجنة))؛ [رواه البخاري: (خ) (1364)].



وفي رواية: ((كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزِع، فأخذ سكينًا فحزَّ بها يده - لم يصبر عليها - فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني - سبقني - عبدي بنفسه؛ حرمت عليه الجنة))؛ [رواه البخاري: (خ) (3463)]، وفي رواية: ((إن رجلًا ممن كان قبلكم خرجت به قُرْحَة، فلما آذته انتزع سهمًا من كنانته فَنَكَأَها - يريد أن يتخلص من هذه الحياة - فلم يرقأ الدم حتى مات، قال ربكم: قد حرمت عليه الجنة))؛ [(م) 180 - (113)].



فلا تيأس من روح الله، ولا من رحمة الله، فالذين تسببوا لك بهذه الهموم سيحاسبهم الله في الدنيا قبل الآخرة إن كانوا ظالمين، من تسبب في إدخال المسلمين في الهموم والغموم مهما كان سيأخذ عقابه عاجلًا أم آجلًا، لكن أنت لا تتوجه إلى ما حرم الله، فتلاقي الله وهو عليك غضبان، إياك يا عبدالله، لا ينفعك ذلك عند الله سبحانه وتعالى.



أكبر من ذلك؛ ربما بعض الناس لا يقصد أن يقتل نفسه، لكن يتسبب في قتلها، كإنسان في هذا الوقت، وفي هذا الجو شديد الحرارة، ينام على سطح البيت، لكن هذا السطح ليس عليه ما يحمي من السقوط يمنة ولا يسرة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن علي - يعني: ابن شيبان - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من بات على ظهر بيت ليس له حِجارٌ - لا يوجد هناك حائط - فقد برئت منه الذمة))؛ [رواه أبو داود: (د) (5041)، صحيح الجامع: (6113)، صحيح الترغيب: (3076)]، والـحِجار هو الستر والحجاب الذي يكون على السطح، يمنع الإنسان من التردي والسقوط؛ [عون المعبود ج: 11، ص: 82].



وفي رواية: ((من بات فوق بيت ليس حوله شيء يرد قدميه، فوقع فمات، فقد برئت منه الذمة، ومن ركب البحر بعدما يرتجُّ فمات، فقد برئت منه الذمة))؛ [الحديث بزوائده: رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد: (حم) (20749)، (22333)، (خد) (1192)، (1194)، انظر الصحيحة: (828)، صحيح الترغيب: (3078)]، ((برئت منه الذمة)): قال في فتح الودود: "يريد أنه إن مات، فلا يؤاخذ بدمه"، وقيل: "إن لكلٍّ من الناس عهدًا من الله تعالى بالحفظ والسلامة، فإذا ألقى بيده إلى التهلكة، انقطع عنه"؛ [عون المعبود (11/ 82)]، ويرتج: أي: هاج الموج وارتفع.



إذًا هو ما قتل نفسه لكنه تسبب في قتل نفسه، لماذا؟ لم يأخذ بالاحتياطات والاحترازات التي تحفظه وتحميه من الهلاك، وقد يدخل في ذلك من قاد سيارةً، وأسرع فيها سرعة عالية جدًّا غير مسموح بها، فوقع له حادث، ومَن تعاطَى المحرمات كالدخان والأفيون والحشيش والمسكرات، فمات بسبب ذلك، ومن رأى البحر هائجًا ودخل فيه، فغرق، وذمة الله لخلقه أن يحفظهم ما داموا يحفظون حدوده، فإذا تركوا حِفْظَ حدوده ترك حفظهم، وبرئت منهم الذمة.



روى مسلم في صحيحه عن الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه عندما جاء إلى مكة المكرمة إلى سوق عكاظ، يبيع ويشتري، حذره الناس من أن يستمع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسحر الناس، فوضع الكرسف - أي: القطن - في أذنيه؛ حتى لا يسمع رسول الله، لكنه قال: أنا رجل عاقل، لِمَ لا أسمع؟ فإن كان خيرًا أخذت، وإن كان غير ذلك تركت، فاستمع فأعجبه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن لا يعجبه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أولئك المنافقون والكفار، لكن من أراد الله به الخير فيعجبه كلام العزيز الغفار، فقال: يا رسول الله - وذلك بمكة المكرمة قبل الهجرة - ما رأيك لو ذهبت معي إلى حصن حصين منيعة؟ يعني: أمنعك من هؤلاء الكفار أقاربك كانوا يعذبونك، وهو يرى عذاب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يريد منه أن يهاجر إلى اليمن، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِما ادخر الله للأنصار من الخير، الله ادخر للأنصار خيرًا كثيرًا، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجاء الطفيل بن عمرو الدوسي مهاجرًا ومعه صاحب له، تغير جوُّ المدينة، حولها وباء، فاجتوى المدينة، أصاب في جوفه الجوى، أصاب صاحبه، فماذا فعل صاحبه الذي جاء معه مهاجرًا؟



ورد عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: ((أتى الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومَنْعَة؟ قال: حصن كان لدَوْسٍ في الجاهلية - أي: جماعة يمنعونك ممن يقصدك بمكروه؛ [النووي (1/ 230)] - فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتَوَوا المدينة - أي: كرِهوا المقام بها لضجرٍ ونوع من سقم، قال الخطابي: وأصله من الجوى، وهو داء يصيب الجوف؛ [شرح النووي (1/ 230)] - فمرِض، فجزِع - أي: لم يصبر - فأخذ مشاقصَ له - المشاقص: جمع مشقص، وهو سهم فيه نصل عريض؛ [النووي (1/ 230)] أخرج سكينًا له فحزَّ بها يده - فقطع بها براجِمَهُ - البراجم: العقد التي في ظهور الأصابع، يجتمع فيها الوسخ، الواحدة: برجمة؛ [النهاية (ج: 1، ص: 291] - فَشَخَبَتْ - أي: سال دمهما - يداه حتى مات - قتل نفسه، فلم يصبر على الوباء، وتغير الجو - فرآه الطفيل بن عمرو في منامه - رأى صاحبه المنتحر - فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيًا يديه - أي: في الجنة - فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطيًا يديك؟ كأن اليد المعطوبة مغطاة فاسدة، قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم ولِيَدَيْهِ فاغفر))؛ [رواه مسلم وأحمد: (م) 184 - (116)، (حم) (14982)].



من هذه الأحاديث يتبين لنا ما قاله العلماء فيمن قتل نفسه بالحديدة، أو بالتردي من الجبل، أو بشرب السم ونحو ذلك، خالدًا مخلدًا في النار أبدًا، ما معناها؟ وهذا الرجل في الجنة ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم: ((وليديه فاغفر)).



الخلاصة: ما عليه العلماء أن من قتل نفسه يأسًا وقنوطًا من رحمة الله سبحانه وتعالى، واستحلالًا للانتحار، وعدم إيمان برحمة الله - فقد كَفَرَ، وخرج من الملة، إلى جهنم أبدا خالدًا مخلدًا فيها أبدًا.

أما من قتل نفسه لما احتوشحته الظروف من أمور معينة، لكن قصر ولم يستطع أن يمنع نفسه، مات مؤمنًا مسلمًا، هذا إلى الله سبحانه وتعالى، فقد يطول بقاؤه في النار، لكن لا يخلد في جهنم؛ لأن جهنم لا يخلد فيها إلا من مات على الشرك دائمًا أبدًا، فحييَ ومات على الشرك بالله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].



فلنلجأ إلى الله عز وجل في كل أمورنا التي تسبب لنا الضيق والضنك، والكرب والشدة، الشدة التي حول المسلمين في هذا الزمان عمومًا، وعندنا هنا خاصة، نتوجه إلى الله بالدعاء، ونتوجه إلى الله بذكر الله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي صلى الله عليه في كتابه، وأمر الملائكة أن يصلوا عليه؛ فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].



اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.



اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.



اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.



اللهم لا تَدَعْ لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرجته، ولا دَينًا إلا قضيته، ولا مريضًا إلا شفيته، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا إلا رددته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.



اللهم اقضِ الدين عن المدينين، ونفِّس كرب المكروبين برحمتك يا أرحم الراحمين.



﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].


الشيخ فؤاد بن يوسف أبو سعيد
شبكة الالوكة


الساعة الآن 10:04 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام