الحمد لله معز من أطاعه واتقاه وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الإيمان نعمة من الله يمن بها على من يشاء من عباده { بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَان }، فأشكروا الله على هذه النعمة أن جعلكم مؤمنين ولكن الإيمان ليس بالدعوى الإيمان له حقيقة قال الله جل وعلا: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا }، ولما سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه غيرك قال: " قل آمنت بالله ثم استقم "، يستقيم على الإيمان ولا يكتفي بالقول وذلك بأن يعتقده في قلبه ويعمل به في جوارحه ويكون الإيمان ظاهراً عليه في تصرفاته وفي أفعاله وأقواله كما هو أيضا في قلبه ونيته وعقيدته هذا هو الإيمان ولهذا قال سبحانه وتعالى: { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }، الإيمان له أركان ستة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله لما سأله جبريل عليه السلام بحضرة أصحابه قال: " أخبرني عن الإيمان "، قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، هذه أركان الإيمان الذي لا بد منها فإذا فقد واحد منها فالإنسان ليس بمؤمن ولو قال بلسانه إنه مؤمن أو آمنت بالله والإيمان له شعب تزيد على الستين أو السبعين ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان بضع وسبعون شعبة "، وفي رواية: " بضع وستون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان "، وهذا الحديث يدل على أن الإيمان قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح وأنه يزيد وينقص فالإيمان له أحكام عظيمة أعلاها قول لا إله إلا الله هذا قول باللسان واعتقاد بالقلب لا بد أن يقولها بلسانه ولا بد أن يعرف معناها ويعتقده في قلبه ولا بد أن يعمل بمقتضاها وليس المراد أن يقول لا إله إلا الله بلسانه لا بد أن يعرف معناها ولا بد أن يعمل بمقتضاها حتى يكون من أهل لا إله إلا الله أما من يقولها بلسانه دون قلبه فهذا منافق في الدرك الأسفل من النار وإن كان يقول لا إله إلا الله في لسان ولهذا يقول الحسن البصري رحمه الله ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال هذا هو الإيمان قول لا إله إلا الله هذا رأس الإيمان وأدناه إماطة الأذى عن الطريق طريق المسلمين هذي شعبة من شعب الإيمان فالذي يزيل الأذى والمؤذيات والمعوقات عن طريق المسلمين هذا دليل على إيمانه أما الذي يضع العراقيل والحفر والشوك والحديد ويضع أشياء تعوق السير فهذا دليل على ضعف إيمانه أو على عدم إيمانه فطريق المسلمين لا بد أن يهيأ ولا بد أن يكف الأذى عنه حتى يسلكه الناس والدواب لأنه طريق لا يجوز أن يلقى فيه ما يعوق السائرين ولهذا عدّ النبي صلى الله عليه وسلم من الملاعن التي يلعن عليها قضاء الحاجة في الطريق بأن يتبول في الطريق أو يتغوط في الطريق فهذا ملعون بنص الحديث وكذلك في الوقت الحاضر أصحاب السيارات الذين يوقفون سياراتهم في الطريق ويعوقون المارة أو يوقفونها في الشوارع التي يمر الناس منها والسكك والأسواق يعوقون السير فهؤلاء ليس عندهم إيمان على المطلوب عندهم إيمان ضعيف ولكن ليس عندهم إيمان كامل وضع العراقيل في الطريق يدل على نقص الإيمان في القلب وقد يدل على زوال الإيمان بالكلية فلا بد أن تهيأ الطرقات وكذلك أصحاب السيارات الذين يسرعون سرعة زائدة عن المطلوب يعرضون أنفسهم ويعرضون غيرهم بالخطر والموت يتحملون في ذلك آثامًا عظيمة ويروعون المسلمين وكذلك الذين يقطعون الإشارات المجعولة لأجل ضبط السير وتأمين الخطر هؤلاء أيضا مخالفون لما يقتضيه الإيمان من حفظ دماء المسلمين وحفظ مصالح المسلمين كل هذا يدل على ضعف إيمانهم أو على عدم إيمانهم فالإيمان يظهر في تصرفات الإنسان على لسانه وعلى جوارحه وتصرفاته هذا هو المؤمن إزالة الأذى عن الطريق وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يتقلب في الجنة أو سئل هذا الرجل في الجنة ما سبب دخولك الجنة قال شوك أزلته عن طريق المسلمين أو شجرة أزلتها عن طريق المسلمين فدخل الجنة بذلك إذا فالذي يضع العراقيل في طرق المسلمين ويعرض المسلمين للخطر هذا معرض نفسه للنار والعياذ بالله ومعرض نفسه لدعوات المسلمين ولو مات ناس بسببه أو ناس لسببه كان متحملا لدمائهم فليتق الله هؤلاء وليتأدبوا بآداب الطريق وإماطة الأذى عن الطريق ثم قال صلى الله عليه وسلم: " والحياء شعبة من الإيمان "، الحياء الذي يكف الإنسان عما لا يليق يكفه عن الأخلاق السيئة يكفه عن الكلام السيء يكفه عن التصرفات السيئة هذا هو الحياء المحمود الذي يكف الإنسان عما لا يليق فالذي لا يكف أذاه عن الناس هذا ليس فيه حياء ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "، فالذي لا يستحي يصنع ما شاء من السخافات ومن المعاصي والمنكرات لأنه ليس عنده حياء لا من الله ولا من خلقه فالحياء خصلة عظيمة من توفرت فيه فقد رزق خير كثيرا وكفته عن شر كثير فالحياء له أهمية عظيمة والنبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر في هذا الحديث أنه لا يكف الإنسان عن الأذى وعما لا يليق إلا الحياء إذا لم تستحي فاصنع ما شئت وأما الحياء الذي يمنع الإنسان من تعلم العلم ومن السؤال عما أشكل عليه من أمور دينه هذا خجل وليس حياء وهذا جبن وهذا حياء مذموم لا حياء في الدين فالحياء الذي يمنع الإنسان من الخير هذا ضعف وخور وهذا مذموم أما الحياء الذي يمنع الإنسان من الشر ومن أذى الناس ومما لا يليق فهذا هو الحياء المحمود وهو منة يمن الله بها على من يشاء من عباده وهو شعبة من شعب الإيمان فهذا حديث عظيم يدل على أن الإيمان لا يقتصر على الأركان الستة بل هو يتمدد إلى بضع وسبعين أو بضع وستين شعبة شعب كثيرة كلها من الإيمان كل أعمال الخير كلها من الإيمان وكل أعمال الشر كلها من النفاق فعلى المسلم أن يتأدب بالإيمان الذي من الله به عليه وجعله من المؤمنين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليماً كثيراً، أما بعد، عباد الله، فإن الإيمان له صفات يتصف بها المسلم من ذلك المحبة بين المؤمنين المؤمنون إخوة كما قال الله جل وعلا فمقتضى الأخوة المحبة فيما بينهم قال صلى الله عليه وسلم: " لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم "، فإفشاء السلام بين المؤمنين يورث المحبة بينهم وترك السلام يحدث النفرة بينهم والإدبار بعضهم عن بعض فالسلام علامة عظيمة من علامات الإيمان إذا انتشر بين المسلمين أفشوا يعني أكثروا السلام بينكم ومما يدل على ضعف الإيمان أن يؤذي الإنسان جاره، قال صلى الله عليه وسلم : " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن "، قالوا خاب وخسر يا رسول الله منه قال: " الذي لا يأمن جاره بوائقه "، أي غدراته وآذاه هذا يدل على عدم إيمانه ولا حول ولا قوة إلا بالله وكذلك الإيمان يكف الإنسان عن الجرائم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن فهذا الإيمان العظيم يكف الإنسان عن الجرائم الخطيرة التي تكون بين الإنسان وبين ربه أو بين الإنسان وبين خلقه فالإيمان نعمة عظيمة من الله عز وجل يمن بها على من يشاء من عباده ولكن ينبغي للمسلمين أن يتصفوا بهذا الإيمان في جميع أحوالهم وفي جميع تصرفاتهم وقال صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا "، فمن مقتضى الإيمان النصيحة وعدم الغش بالبيع والشراء وفي الكلام وفي المشورة قال صلى الله عليه وسلم: " من حق المسلم على أخيه المسلم إذا استنصحك فأنصح له "، إذا استنصحك المسلم وشاورك تدله على الطريق الصحيح ولا تكتم عنه ذلك لأن هذا من مقتضى الإيمان فالإيمان تعامل بين الناس يتعاملون بموجب الإيمان ومقتضى الإيمان كما هو تعامل مع الله عز وجل بالأعمال الصالحة وترك الأعمال السيئة فالإيمان له ظل عظيم يستظل به المؤمنون في الدنيا والآخرة الجنة للمؤمنين والنار للكافرين كما أخبر الله سبحانه وتعالى فالإيمان هو حصن المؤمن في الدنيا وفي الآخرة في الدنيا حصنه من الأخلاق السيئة والأعمال القبيحة وفي الآخرة حصنه من النار ودخوله في الجنة نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للإيمان وأن يمن علينا وعليكم بالإيمان وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان وأن يتوفانا وإياكم على الإيمان وأن يلحقنا بالمؤمنين الصالحين.
واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن تحول عافيتك، ومن جميع سخطك، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهددين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أجمع كلمة المسلمين على الدين، وكفهم شر أعدائهم يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أكفنا شر أعدائنا من الكفار والمشركين والمنافقين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفنا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وجعل ولينا فيمن خافك وتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
الحمد لله رب العالمين، أمر بالصلاح والإصلاح، ونهى عن الفساد والإفساد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وعدا من أطاعه واتقاه بجزيل النصر والإسعاد، وتوعد من عصاه وخالف أمره بعظيم الوعيد والإيعاد، وأشهد أنْ محمداً عبده ورسوله، وخيرته من العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأمجاد، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها النَّاس، اتقوا الله تعالى، قال الله سبحانه وتعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } نعم ظهر الفساد في البر بما يحدث فيه من الحوادث من حبس الأمطار، وغور الآبار، وثوران الغبار، وموت الزروع والأشجار، وغلاء الأسعار كل ذلك حدث في البر، ويحدث في البحر من الفيضان، ومن الهيجان، ومن تدمير المراكب، ومن أنواع العقوبات البحرية التي تسمعون عنها في كل يوم ما يحدث في البر والبحر من العقوبات الشنيعة التي تزعج القلوب من تسليط الظلمة والجبابرة والطغاة على عباد الله يقتلونهم ويشردونهم ويخربون ديارهم كل ذلك من العقوبات العاجلة مصداقاً لقوله: { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي يتوبون إلى الله عز وجل من ذنوبهم، فهذه حكمته سبحانه وتعالى وهذه رحمته بعباده.
فاتقوا الله، عباد الله، وأصلحوا في الأرض، فإن الله أصلح الأرض لإرسال الرسل وإنزال الكتب وأمر العباد بطاعته وإتباع رُسُله ليصلح الله لهم أحوالهم ونهى عن الفساد في الأرض { وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا } الله أصلحها بإنزال كتبه، وإرسال رسوله، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أفسد فيها بعد ذلك فإنه قد أفسد في الأرضِ بعد إصلاحها، والله جلَّ وعلا قال: { وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ } نعم إنهم دعاة السوء، ودعاة الضلال، ودعاة الإباحية إنهم هم الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون فلا تدعوا لهم مجالاً بينكم ضايقوهم، حذروا منهم، قفوا في وجوههم { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }، إن صلاح الأرض وإصلاح الأرض ليس بالمشاريع الضخمة وبناء العمارات الفارهة والشوارع الواسعة ليس هذا هو الإصلاح المقصود، وإنما إصلاحها بطاعة الله عز وجل وإلا بإصلاحها بالتعمير لم ينفع إرم ذات العماد أهلكها الله سبحانه وتعالى { الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ } لم ينفع ثمود { الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ } فكانوا ينحتون الجبال بيوتا منقوشةً فأهلكهم الله سبحانه وبقية ديارهم عبرة للمعتبرين { فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا }، لم ينفع الفراعنة ما شيدوه في مصر { وَفِرْعَوْنُ ذُو الأَوْتَادِ } لم ينفعهم ما شيدوه في مصر من الأهرامات الباقية التي ترونها شاهدةً على عبثهم وطغيانهم ما نفعتهم كل هذه الأمور، إنما يعمر الأرض تعمر الأرض بطاعة الله سبحانه وتعالى وإتباع أوامره والسير على منهاج رُسُله عليهم الصلاة والسلام بهذا تعمر الأرض قال صلى الله عليه وسلم: " لحَدٌّ يُقَامُ فِي الأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُمْطَرَ أَرْبَعِينَ صَبَاحاً " الحد الواحد إذا أقيم في الأرض هو الذي يعمر الأرض ويصلح الأرض نعم لا مانع من بناء المساكن ولا مانع من شق الشوارع لمصالح العباد، لكن لا يقال هذا هو الإصلاح مع تعطيل الإصلاح الديني لابد من الأمرين ولا يغني الإصلاح الدنيوي عن الإصلاح الديني أبداً بل هو مطغ لأهله كما حصل للأمم السابقة، إنما تعمر الأرض بإقامة هذا الدين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تعمر الأرض بطاعة الله سبحانه وتعالى بإقامة الحدود التي أمر الله بإقامتها { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بهذا تعمر الأرض ويستقيم أحوال العباد، أما تعطيل أوامر الله ورسوله وتمكين أهل الفساد من إظهار فسادهم فهذا هو خراب الأرض، قالت أم سلمة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ، قَالَ: " نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخُبْثَ " والله جل وعلا قال: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } ولم يقل صالحون بل مصلحون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وما لعن الله بني إسرائيل على شيءٍ أشد مما لعنهم على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإشادتهم المساجد على القبور التي هي معاهد الشرك بالله عز وجل قال جلَّ وعلا: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } ، { لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ }، ولما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات قال: " كَلاَّ وَاللَّهِ يخاطب أمته لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَي السفيه وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا أو ليَضْربنَّ اللهُ قُلوب بعضكم ببعض ثم يَلْعنَّكُم كما لَعَنهم على ألسن أنبيائهم " قال صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ عُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِ من عنده "، { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } فهذا هو السبب الذي أهلك الأمم ظهور الفساد في الأرض في البر والبحر بأفعالهم القبيحة، كثير من أبناء المسلمين من يتخلف عن الصلاة ويخذل عنها ويذهب إلى المسارحِ وإلى الملاعبِ والمباريات ويبقى فيها الوقت الطويل ولا يأتي إلى المسجد بضع دقائق لأداء الصلاة، بل منهم من يقول إن صلاة الجماعة غير واجبة يُسقط صلاة الجماعة وبهذا لا فائدة من بناء المساجد إذا كانت صلاة الجماعة غير واجبة، لماذا يتكلف الناس ببناء المساجد والإنفاق عليها وإقامة المؤذنين؟ إلا لأجل أن تعمر بطاعة الله { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ } ، إن الناس إذا تخلفوا عن صلاة الجماعة تعطلت المساجد وصار لا فائدة من بناءه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إذا تركوا صلاة الجماعة نقلهم الشيطان إلى ترك الصلاة نهائياً فتركوها نهائياً وقالوا الصلاة غير واجبة، ومنهم من يقول الدين ليس بالصلاة ليس صلاةً الدين ليس صلاةً مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " الصلاة عمود الإسلام " والله جعلها الركن الثاني في الإسلام بعد الشهادتين قال جلَّ وعلا: { وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ } ومن إقامة الصلاة أداءها في المساجد مع جماعة المسلمين، ومن إقامتها أداءها في وقتها الذي حدده الله لها لا ينام عنها ولا يغفل عنها في وقتها، فإذا ضيعت الصلاة، ماذا يبقى من الدين؟ إن ترك الصلاة وترك صلاة الجماعة يدرج الإنسان إلى ما هو أعظم من ذلك، أما إذا حافظ على الصلاة وحفظها فإنها تدله على الخير { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ - أي الصلاة - إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ }، ومن المنكرات الظاهرة ترك الحبل على الغارب للنساء يتبرجنَّ ويخرجنَّ للحفلات لمعارض الكتاب لمعارض كذا وكذا للنوادي والندوات يجلسن إلى جانب الرجال متعطرات متجملات يشاركنَّ في المؤتمرات كاسيات عاريات والناس ينظرون إليهن، بناتكم أخواتكم لا أحد يغار ولا ينكر على هذه الأمور، ولو أن كل مسلم قام على نسائه على بناته وأخواته ومن في بيته فألزمهن بطاعة الله ومنعهن عن محارم الله لصلحت الأمور، ولكن إذ كان أهل البيوت مهملين لنسائهم والقائمون على الأسر يهملون نسائهم ولا يسألون عنهن فهذا هو هلاك المجتمع قال صلى الله عليه وسلم: " وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ " قال عليه الصلاة والسلام: " مَا تَرَكْتُ بَعْدِى فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ".
فاتقوا الله، عباد الله، وقال في حجة الوادع في خطبة عرفة " وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا " بعض الناس يظن أن الاستيصاء خير أن تعطي حريتها وأن تعطى ما تريد ولو كان فيه هلاكها وهلاك المجتمع هذا من الاستيصاء بالنساء خيرا لا والله هذا من الاستيصاء بالنساء شراً الاستيصاء بالنساء خيرا أن تضبط أن تحفظ أن تصان أن تكرم أن تمنع ما يضرها ويضر مجتمعها هذا هو الاستيصاء بالنساء خيرا.
فاتقوا الله، عباد الله، { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن كل واحد منكم مكلفٌ بأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بحسب استطاعته ومقدرته قال صلى الله عليه وسلم: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ, فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ولَيْسَ وَرَاء ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل " فالذي لا ينكر المنكر لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه ليس فيه إيمان، ولا حبة خردل من الإيمان، إنه لابد من إنكار المنكر كل بحسب استطاعته، صاحب البيت له اليد على أهل بيته والسلطة على أهل بيته يأمر ويغير المنكر بيده ويضرب ويؤدب في بيته ومن ولاه الله عليهم، ولا ينتظر أن الحكومة أو الحسبة يأتون إلى بيته ويدخلون ويغيرون المنكر الذي في بيته لا بل هو الله جعله قيماً على أهل بيته، هل القوامة معناها أن يوفر لهم الطعام والشراب والشهوات؟ القوامة في الدرجة الأولى هي القوامة الدينية { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } فأهل البيوت لو قاموا بواجبهم على من في بيوتهم لصلح المجتمع، فيبقى ما في الشوارع هذا لولاة الأمور ولولاة الحسبة ولكن أيضا عليك أن تنكر في الشوارع بلسانك بالتذكير بالوعظ بالنصيحة بالتبليغ عن المنكرات إلى من يغيرها، لا تسكت يا أخي وأنت يمكنك أن تتكلم لا تسكت ولكن تكلم بحسب ما تستطيع فإذا لم يكن عندك إنكار باليد ولا باللسان لا تقدر على هذا فتنكر المنكر بقلبك وتبتعد عنه ولا تجالس أهله ولا تخالطهم وأنت تراهم على المنكر.
فاتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللَّهُمَّ من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ كف عنا { بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا } فأنت { أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }، اللَّهُمَّ لا تسلطهم علينا بذنوبنا ومعاصينا، اللَّهُمَّ كفنا شرهم بما شئت إنك على كل شيء قدير، اللَّهُمَّ واسقنا الغيث، اللَّهُمَّ اسقنا الغيث، اللَّهُمَّ اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، غيثاً عاجلا مباركا يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أسقي عبادك وبلادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت يا سميع الدعاء، { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.
الحمد لله رب العالمين أغنانا بحلاله عن حرامه وكفانا بفضله عما سواه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثير أما بعد
أيها الناس { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }. عباد الله، سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الكسب أطيب قال: " عمل الرجل بيده وبيع المبرور "، رواه البزار وصححه الحاكم عمل الرجل بيده هذا أطيب المكاسب كون الرجل يشتغل بيده ينتج يحتطب يبني، ينتج أشياء ويبيعها على الناس هذا أطيب المكاسب، وكان نبي الله داوود عليه السلام كان يأكل من عمل يده كان يصنع الدروع من الحديد ويبيعها ويأكل من ثمنها فهذا أطيب المكاسب والنوع الثاني البيع المبرور، الذي لا يدخله غش ولا كذب ولا خديعة بيع مبني على النصيحة وعدم الكتمان وعدم الغش قال صلى الله عليه وسلم: " فإن صدقا وبينا بورك لهما فيه بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما "، فالبيع لا يكون أطيب المكاسب إلا إذا خلا من الكذب من الأيمان الكاذبة فالذي ينفق سلعته بالأيمان، ويجعل الله سلعته لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه هو اللذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، كثير من الناس يتخذ الغش والخديعة والمكر والتدليس يتخذه من الحذق في البيع، يتخذ الكذب والغش من الحذق في البيع ويثني عليه الناس بأنه ماهر وأنه وأنه، وهو كذاب غاش مخادع وبيعه من أخدع المكاسب ولا حول ولا قوة إلا بالله فعلى المسلم أن يكون صادقا في بيعه وشراءه بيع المسلم للمسلم لا غش ولا خديعة، ولا تدليس ولا كذب بيع المسلم للمسلم، فكما أنك لا ترضى أن يغشك أحد وأن يبيع عليك أحد سلعة فيها غش فكيف ترضاه لأخيك تستعمل معه هذه المعاملة فاتقوا الله عباد الله وكذلك لا بد أن يكون المبيع مملوك للبائع أو موكلا على بيعه فلا يجوز له أن يبيع شيئا وهو لا يملكه ثم يمضي ويشتريه ويحضره للمشتري، سأل حكيم بن حزام رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يأتينا الرجل فيسألني البيع ليس عندي ثم أمضي فأشتريه قال صلى الله عليه وسلم: " لا تبع ما ليس عندك "، وكذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة نهى عن بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام وزجر عن ثمن الكلب والسنور كل هذه الأشياء لا يجوز للإنسان أن يبيعها، الميتة وهي ما ماتت بغير ذكاة شرعية أو ماتت يعني ماتت بذكاة غير شرعية أو ماتت حتف أنفها بدون سبب هذه هي الميتة قد حرمها الله بنص القرآن حرم أكلها بنص القرآن { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ }، فلا يجوز له أن يبيعها على الناس لا يجوز له أن يبيع لحوم من الميتة على الناس على أنها مذكاة وعلى أنها طيبة وهي خبيثة ومحرمة لا يجوز له ذلك والناس لا يعلمون إنما يشترون من المعروض للبيع ولا يدرون عن أصله لأن الأصل فيما يباع في بلاد المسلمين أنه حلال فإذا اندس بين المسلمين من يغش في اللحوم ويبيع لحوم محرمة فالناس لا يعلمون ذلك ولكن يجب على من علم ذلك أن ينكر عليه وأن يرفع بشأنه للجهات المسؤولة ليمنعوا تصرفه هذا ويكف شره عن الناس، نهى عن بيع الميتة والخمر وهو ما أسكر فلا يجوز بيع المسكرات والمخدرات على أي صفة كانت سائلة أو حبوب أو غير ذلك، حرام حرام حرام، لا يجوز أن يبيعها ولا أن يروجها ولا أن يستوردها وقد صدر من هيئة كبار العلماء قرار بوجوب قتل من يروج المخدرات من يروجها أو يستوردها إلى بلاد المسلمين وقد نفذ هذا القرار فقتل ويقتل كثير من مروجي المخدرات ومن علم عنهم فلا يجوز له أن يسكت ولا أن يكتم خبرهم بل عليه أن يبلغ لأن هؤلاء رجس هؤلاء يدمرون المجتمع ويفسدون المجتمع خصوصا الشباب فعلى من علم بمن يبيع الخمر أو يصنع الخمر أو يستورد الخمر أو يستورد المخدرات والمسكرات ويبيعها على المسلمين أن ينكروا عليه وأن يبلغوا عنه لتخلوا بلاد المسلمين من هذا الرجس هذا المفسد هذا مفسد في الأرض والعياذ بالله ويلتحق بذلك من يبيع الدخان لأنه مخدر وأشد من الدخان بيع القات لأنه أشد تخديرا من الدخان وخبيث وضار ومورث للأمراض الخبيثة فلا يجوز السكوت عن هؤلاء والخمر والخنزير، الخنزير حرمه الله بنص القرآن لأنه رجس { أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ } ، يعني نجس فالخنزير حرام بإجماع الكتب السماوية وإنما استحلته النصارى من عند أنفسهم ولم يحله الله لهم قبحهم الله فلا يجوز بيع الخنزير ومشتقات الخنزير، وكذلك بيع الكلب زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ونهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي فلا يجوز بيع الكلاب وإن كان يجوز استعمالها لحراسة أو لصيد لكن لا يجوز بيعها ، بيعها لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ذلك وزجر عنه مما يدل على أنه لا يجوز بيع الكلاب والقطط والسنانير لأنها خبيثة فلا يجوز بيعها ولا أكل ثمنها والأصنام وهي الصور لا يجوز بيع الصور لا المنقوشة على الورق والملتقطة بالألة الفوتوغرافية ولا المنحوتة والتماثيل لا يجوز بيع الصور بجميع أشكالها لأنها من الأصنام لأن الأصنام هي الصور، كانوا يعبدون الصور صور الصالحين وصور الأولياء، كما حصل من قوم نوح لما صوروا صور الصالحين ونصبوها ثم بعد ذلك عبدوها من دون الله لأن نصبها وبيعها وتروجيها وسيلة لعبادتها ولو بعد حين، فالشيطان غير غافل يتدرج مع الناس شيئا فشيئا فلا يجوز بيع الصور ولا أكل ثمنها سواء كانت مجسمة أو غير مجسمة وهي داخلة في بيع الأصنام فإذا كانت تعبد من دون الله فبيعها أشد ولو كانت ما تعبد لكن هي وسيلة إلى عبادتها ولو بعد حين فلا يجوز بيع الصور بجميع أشكالها وكذلك لا يجوز البيع الذي يشغل عن الصلاة عن صلاة الجمعة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، وكذلك البيع الذي يشغل عن صلاة الجماعة في المساجد قال الله جل وعلا: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ }، فلا يجوز البيع والشراء والاشتغال بذلك في وقت صلاة الجمعة ولا في وقت صلاة الجماعة بل يجب إغلاق الدكاكين والحوانيت كما كان سلف هذه الأمة وإلى عهد قريب كانوا يغلقون المحلات ويقبلون على الصلاة امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى فالواجب على المسلم أن يتقيد بما شرع الله سبحانه وتعالى ولا يعتدي ولا ينشغل عن طاعة الله وذكر الله وفرائض الله بالبيع والشراء فإن هذه خسارة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ }، وإن كانوا يظنون أنهم يربحون وأنهم يبيعون لكنهم خاسرون وبيعهم وشراءهم يؤول إلى البوار لأنه غير مبارك وغير مأذون فيه شرعا. فاتقوا الله عباد الله وتعاملوا بالبر والتقوى والصدق والإيمان والنقاء والنصيحة لعلكم تفلحون.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشهد أن لا إله الله وحدهُ لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد:
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واطلبوا الرزق الحلال من وجوهه ومن حله يبارك لكم فيه، فلا تكسلوا فبعض الناس وخصوصا الشباب والدارسين ينتظرون الوظائف ويعطلون الأعمال ولم ينظروا إلى أن الله نوع المطالب للرزق وأبواب الرزق فهم يقفون عند الوظائف وهذا كسل وعجز فعليهم أن يطلبوا الرزق ولا يكسلوا بالبيع والشراء بالاحتراف بالإنتاج بغير ذلك من المهن الشريفة المباحة ولتكن الوظائف هي آخر شيء أول شيء أن الإنسان يكتسب بيده أن يكتسب ببيعه وشراءه واشتغاله التجارة النزيهة هذا أحسن له من الوظيفة إنما يلجأ إلى الوظيفة من لم يفتح له باب من أبواب الرزق أو هو أغلق على نفسه أبواب الرزق وجلس ينتظر الوظيفة فعليكم أن تتقوا الله عز وجل ولا تكسلوا عن طلب الرزق لأنه عون على طاعة الله { فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ }، فهو يعين على عبادة الله عز وجل إذا كان رزق حلالا ومكسبا حلال.
فاتقوا الله عباد الله واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار. { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } ، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمناً رخاءًا سخاءًا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا واجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ول علينا وعلى المسلمين في كل مكان ول علينا خيارنا واكفنا شرارنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم أصلح ولي أمرنا، اللهم اهده إلى ما فيه الخير للأمة، اللهم اهده إلى ما فيه الصلاح والإصلاح، اللهم وفقه لكل خير، اللهم جنب عنه كل شر، اللهم أبعد عنه بطانة السوء والمفسدين، يا رب العالمين، { ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم }.
الحمد لله الذي له ما في السماوات ومافي الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير وأشهد ألا إله إلا الله { خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ } وأشهد أن محمد عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير وصلى الله على آله وأصحابه أهل الجد والتشمير وسلم تسليماً كثير أما بعد
أيها الناس اتقوا الله تعالى،
قال الله سبحانه وتعالى: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ }، بين سبحانه وتعالى الحكمة من خلق الموت والحياة وأنها الابتلاء والامتحان لبني آدم أيهم يحسن العمل لآخرته والله جل وعلا لم يقل أيكم أكثر عملا وإنما قال: { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }، فالعبرة بالعمل الحسن لا بالعمل الكثير الذي ليس بحسن، ولا يكون العمل حسن إلا إذا توفر فيه شرطان الشرط الأول الإخلاص لله جل وعلا فيه فلا يكون فيه شرك ولا يكون فيه رياء ولا سمعة ولا قصد لوجه الله ولا قصد لطمع الدنيا والشرط الثاني أن يكون صوابًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم موافقا لما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يكون فيه بدعة ومحدثات فإن العمل الأول وهو الذي خالطه شرك مردود على صاحبه لا يقبل وهو حابط وباطل وأما الذي فقد الشرط الثاني وهو المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم فإنه أيضا باطل ومردود على صاحبه قال صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد "، وفي رواية: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "، أي مردود على صاحبه سواء هو الذي أحدث البدعة أو أحدثها غيره وعمل بها تقليداً له فإن البدع مردودة كلها مهما كلف صاحبها نفسه فيها لأن الله أمرنا بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }، ولم يأمرنا بالاقتداء بغيره ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " والله سبحانه وتعالى جعل لنا دوراً ثلاثا نمر بها الدار الأولى الدار الدنيا وهي دار العمل وهي يختلط فيها الخير والشر والمؤمن والكافر والمنافق يختلطون في هذه الدنيا تختلط الأعمال وتختلط الأشخاص في هذه الدنيا والدار الثانية دار القبور دار البرزخ وهي محطة انتظار بين الدنيا والآخرة وفي القبر إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار والعياذ بالله على حسب ما مات عليه من إيمان أو نفاق أو كفر وشرك فإنه يأتيه في قبره من جزاء الآخرة ، { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }، فيأتيه من الجنة إن كان مؤمناً ويأتيه من النار إن كان منافقًا أو كافر أو مشرك والدار الثالثة دار الآخرة وهي دار القرار التي لا رحيل منها دار القرار أي الاستقرار الذي لا رحيل منها وهي دار الجزاء وينقسم الناس فيها إلى فريقين لا ثالث لهما فريق في الجنة وفريق في السعير فالمؤمنون في الجنة والكفار والمشركون والمنافقون في النار والعياذ بالله ولا رحيل منها ولا موت ولا انتقال هذه هي الدار الآخرة وكلها نمر بها لكن أين من يعتبر وأين من يتعظ قال الله سبحانه وتعالى لنا: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }، الأمر واضح ليس فيه لبس وما ترك الله لنا معذرة أو حجة بل أقام لنا البراهين والدلائل ووضح لنا كل شيء لا يخفى علينا شيء مما كان أو يكون اعلموا أيها الناس تيقنوا أنما الحياة الدنيا لعب، لعب في الأبدان ولهو في القلوب وزينة في المظاهر لعب في الأبدان بعض الناس مهنته لعب ويسمى لاعبًا طول حياته وهو من اللاعبين ويفتخر بذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله كأنه خلق للعب واللعب إذا كان في حدود وفيه فائدة للبدن ولا يترتب عليه محاذير فإنه مباح لكن بحدود ولا يسمى الإنسان لاعبًا أو تكون مهنته اللعب دائما وأبد هذا شأن الكفار أما المؤمن فإنه يعد لآخرته ويسعى لآخرته لم يخلق هذه الدنيا ولهو في القلوب لاهية { لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ }، يكون القلب منصرفاً عن الآخرة ومشغولا بالدنيا ومشغولا بما لا فائدة له منه وزينة في المظاهر من الملابس والمراكب والمساكن زينة الزينة لها حدود زينة مباحة { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ }، والله أمرنا بالتزين والتجمل في لباسنا وفي هيئاتنا ولكن ذلك لا يشغلنا عن زينة القلب يعني نزين الظواهر ولا نزين البواطن نزين القلوب لطاعة الله ونزين الأبدان بما أباح الله سبحانه وتعالى وتفاخر بينكم تفاخر بين الناس في الأنساب وفي الأحساب وفي الوظائف كل واحد يفتخر على الآخر والفخر إنما هو بطاعة الله عز وجل العمل الصالح هذا هو الفخر وأما الفخر بغير ذلك فإنه فخر باطل خصوصا الفخر الذي يحمل على احتقار الناس وازدراء الناس الفخر الذي يحمل على التكبر والأشر والبطر تفاخر بينكم { وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ }، كل واحد يقول أنا أكثر من فلان ثروة أنا أكثر من فلان مالاً ويفني ليله ونهاره بطلب المال ويكدسه ويرصده في البنوك ويقول أنا أكثر من فلان مالا { أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً }، يفتخر على صاحبه قال له: { إِنْ تُرَنِي أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً }، فإن الله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الأموال وإنما ينظر إلى الأعمال والقلوب كما قال صلى الله عليه وسلم :" إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم "، فتكاثر بالأموال { أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ }، { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ }، قال الله جل وعلا: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }، فالله لا ينظر إلى الأموال والأولاد وإنما ينظر إلى القلوب وإلى الأعمال فعلى المسلم أن ينشغل بذلك ثم ضرب لهذه الدنيا مثلا فقال: { كَمَثَلِ غَيْثٍ } يعني مطر { كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ } أعجب الكفار أي الزراع الذين يزرعون إذا جاد الزرع أعجبوا به ويراد به هنا يراد بالزراع هنا الكفار هم الذين يعجبون بالدنيا فهذا من باب ضرب المثل الكفار يعجبون بالدنيا وينسون الآخرة { وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ }، فعلى المسلم أن يحذر من ذلك { وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ }، هذه عاقبة الدنيا { ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً }، هكذا الإنسان يكون شاباً نظراً قوياً ثم يكون يافعًا متوسطاً ويأخذ بالنقص ثم يكون شيخا هرم إذا أطال الله في عمره ثم يموت وينتهي أجله ومقامه في هذه الدنيا { تَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً }، هذا مثال لبني آدم ضربه الله سبحانه وتعالى { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ }، فعلى كل حال علينا جميعا أن نتبصر في أمورنا وأن نتبصر في دنيانا وآخرتنا وأن نتمسك بديننا وأن نحسن العمل لأنه ليس لنا من هذه الدنيا إلا العمل مهما كثرت الأموال والأولاد فإنه لا يخرج من هذه الدنيا إلى بالكفن بخرقة قيمتها بضعة دراهم ولو كانت عنده المليارات والملايين فإنها لغيره إلا ما قدم لنفسه منها لآخرته أو انتفع به في دنياه فيما أباح الله سبحانه وتعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيانِ والذكرِ الحكيم، أقولٌ قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أنَّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنَّه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا أما بعد
أيُّها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن ذم الدنيا لا يرجع إلى ذاتها فهي خلقها الله جل وعلا لمنافع الناس فهي خير لمن استعملها لطاعة الله وهي شر على من استعملها في سخط الله عز وجل فالذي يذم في هذه الدنيا إنما هي أعمال الإنسان هذا هو الذي يذم أعمال الإنسان في هذه الدنيا وتصرفه فيها الذم يرجع إلى هذا ولا يرجع إلى الدنيا فلا نظن الذم يرجع إلى الدنيا ونرخص الدنيا ونتركها لا لكن الذم يرجع إلى تصرفاتنا وأعمالنا فالدنيا نعم العون على طاعة الله لمن استغلها في ذلك فهي لا تذم لذاتها لأنها منافع وأرزاق خلقها الله جل وعلا لمصالحنا ومنافعنا ونستعين بها على طاعته سبحانه وتعالى ولنعتبر بها نعتبر بسرعة زوالها ونعتبر بتقلباتها وتغيراتها نعتبر بهذا فإذا لم نقم بهذا فالذم يرجع إلى أعمالنا وتصرفاتنا.
فاتقوا الله عباد الله، وعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكُلَ بدعةٍ ضلالة.
وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةَ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.
اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وجعل هذا البلد آمناً مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، ومن فجاءة نقمتك، ومن تحول عافيتك، ومن جميع سخطك، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، وجعلهم هداة مهددين غير ضالين ولا مضلين، اللَّهُمَّ أصلح بطانتهم، وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين، اللَّهُمَّ أجمع كلمة المسلمين على الدين، وكفهم شر أعدائهم يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أكفنا شر أعدائنا من الكفار والمشركين والمنافقين، اللَّهُمَّ ولي علينا خيارنا، وكفنا شر شرارنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا ما لا يخافك ولا يرحمنا، وجعل ولينا فيمن خافك وتقاك وتبع رضاك يا رب العالمين، { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.