للحديث عن فحوى ولوج الإسلام في بوركينافافو، سنحتاج إلى طرح سؤال مهمّ ألا وهو متى عرفتْ أفريقيا الإسلام؟ وللإجابة على هذا السؤال المهم، سنضطرّ أيضا القهقرى، وتقليب صفحات التأريخ للوراء، لنعمق النظر في أحداث السنة الخامسة من البعثة ..
في هذه السنة، أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، بعض الأقلية المسلمة بمكة، بعد ما عاينوا ألوانا من التنكيل والضيم من أهل مكة، أمرهم بالهجرة إلى ملاذ آمن، وأرض خصبة، هي مفتوحة أبوابها للقاصي والداني، هي أرض أفريقيا وتحديدا (الحبشة) وبها ملك منشرح صدره لقبول الحق، ولا يظلم الناس عنده،وكانت الحبشة قديما، متجر قريش، فتعرف العرب على عدالة ملكها ..
وهكذا تمت الهجرة الأولى، فقوبلوا من الملك (النجاشي) بحفاوة وترحاب، ثم بعدها تلتها الهجرة الثانية، وهذا يسفر أن أفريقيا عرفت الإسلام، منذ ما قبل الهجرة النبوية ...
وفي عهد عمر بن الخطاب فُتحت مصر على يد عمرو بن العاص وانتشر فيها الإسلام، فكانت هي البوابة، وقاعدة الفتح لإفرقيا الشمالية ..
وفي عهد عثمان بن عفان، توسعت الفتوحات الإفريقية، إذ بعث عبدالله بن السرح عام 27هـ غازيا في جيش قوامها 20 ألف إلى المغرب العربي، ففتحت مدينة سبيطلة وما يحيط بها وهي مدينة بجنوب شرقي تونس ومازالت، وفيها قَتل عبدُالله بن الزبير ملكَ البربر من قبل الروم (جرجير) وانهزم البربر شر هزيمة بمقتله مع كثرة عددهم، فكان ذلك فتحا عظيما لأفريقيا ..
وفي عهد معاوية بن أبي سفيان، توسعت رقعة الفتح، واستمر التوغل أسحق من ذلك، وذلك عندما بعث عقبة بن نافع الفهري، الفاتح العظيم إليها، فأسس القيروان عام50هـ 670مـ لتكون عاصمة للمسلمين ولتكون منطلق الفتوحات الإفريقية، ففتح على إثرها: تلمسان، كنجة، طرابلس، وغيرها ..
وهكذا شهد شمال أفريقيا الإستقرار في ظل مظلة الإسلام، وسكن فيها بنوا هلال بن عامر بن صعصعة، في القرن الخامس تقريبا، فتعرب البربر بالإحتكاك بهم، ومن ثم واصل الإسلام سيره الحثيث إلى جنوب الصحراء (أفريقيا السمراء) ...
لقد كان للتجار المسلمين دور فعال ومجهود طيب في نشر الإسلام في جنوب الصحراء إذكانت الطرق التجارية الموصلة بين المراكز الإسلامية في شمال القارة والبلاد الواقعة فيما وراء الصحراء هي المسالك الحقيقية التي تسرب الإسلام عبرها إلى قلب أفريقيا، وكذلك الأمر بالنسبة للطرق التجارية على طول ساحل المحيط الأطلسي، فقد قامت هذه الطرق بدور جليل الشأن في نشر الإسلام في بلاد السنغال وأعالي النيجر ومنطقة بحيرة تشاد .. كذلك كان شأن الطرق التجارية التي تصل وادي النيل ببلاد السودان وشرق أفريقيا، وقد ولج الإسلام من طرق عدة في أفريقيا:
أولاها: طريق باب المندب والبحر الأحمر .. وعن طريقه انتشر الإسلام في القرن الأفريقي وأفريقيا الشرقية، وكان اتصال العرب بالساحل الشرقي لأفريقيا قديما قبل الإسلام، وذلك لقربه من جزيرة العرب، واستقر الكثير من المهاجرين والتجار العرب في هذه المناطق، واختلطوا بأهالي البلاد، وأثروا فيهم، إلا أن التأثير الحقيقي كان بعد الإسلام، وقوي التواصل بين الطرفين، وكان الإنتقال بين ضفتي البحر الأحمر مألوفا أيضا، قبل الإسلام، وقوي بعد الإسلام كمعبر قريب إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج ...
ثانيها: عن طريق جنوب مصر ..
وانتشر الإسلام عن طريقها إلى بلاد النوبة، والبربر ..
ثالثها: عن طريق المغرب العربي
ووصل الإسلام عبر هذا المحور إلى أفريقيا الغربية والوسطى، وقد اتسع انتشار الإسلام في غرب أفريقيا على المرابطين،وقامت هناك دول ومماليك إسلامية ..