الدعاء بين السنة والبدعة
الشيخ عبد الرحمن يعقوب
من علماء الأزهر
دعاء الله عز وجل من العبادات التي شرعها الله تعالي للمسلمين, ووعدهم بالإجابة إن تحققت فيهم شروط قبول الدعاء, فقال تعالي : { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } (غافر:60)
شروط قبول الدعاء:
1. أن يكون الداعي صحيح العقيدة في الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره.
2. ألا يدعو إلا الله , ألا يشرك معه أحداً لا ملكاً ولا نبياً ولا ولياً ولا بحق فلان أو جاه فلان لقوله جل شأنه:{ ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير(13) إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير}
ولقوله : {أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا}
ولقوله في الحديث القدسي : ( أنا أغني الشركاء عن الشرك, من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم.
3. أن يكون مقيما لأركان الإسلام محافظاً عليها, فإن الله تعالي لا يقبل دعاء عبد لايقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة و لا يصوم رمضان ورفض أن يحج البيت الحرام وهو يستطيع إليه سبيلا.
4. ألا يكون مصرا علي كبائر الذنوب والمعاصي فإن الله تعالي لايقبل دعاء عبد مقيم علي الزنا,أو مصر علي أكل الربا, أو مدمن خمر أو غير ذلك من كبائر الآثام والفواحش ولايتوب منها, لقوله تعالي :{ والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا علي ما فعلوا وهم يعلمون}.
5. أن يتحري الحلال في المطعم والمشرب والملبس والمسكن وكل شئ لأن" النبي صلي الله عليه وسلم بين أن الله تعالي لا يقبل دعاء عبد يمد يديه إلي السماء يقول يارب يارب ومطعمه حرام ومشربه حرام وغذي بالحرام".
6. أن يأخذ مع الدعاء بالأسباب المشروعة فلا يترك العبادة ويقول : اللهم أدخلني الجنة ولا يقعد عن السعي ويقول اللهم ارزقني ولايكسل عن طلب العلم ويقول اللهم علمني ولا يأخذ بأسباب النصر ويقول اللهم انصرني ... وهكذا فالله جعل لكل شئ سببا . قال سبحانه{ ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أي بسبب عملكم وقال { فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه}.
7. ألا يعتدي في الدعاء لقوله تعالي:
{ ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} أي ادعوا ربكم بذلة وانكسار واستكانة وافتقار وبصوت خفي فإن ذلك من أسباب قبول الدعاء.
ومن الاعتداء في الدعاء
رفع الصوت والجهر به
والصياح الهياج كما يفعله بعض المصلين في أدعية القنوت وفيما يسمي بدعاء ختم القرآن وما يفعله الطائفون بالبيت الحرام فذلك من البدع كما أجمع المفسرون لهذه الآية.
* قال بعض الصحابة للنبي صلي الله عليه وسلم: ربنا قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه فنزل قوله تعالي { وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان}.
* وقال صلي الله عليه وسلم لأصحابه حين رفعوا أصواتهم بالدعاء:" أيها الناس أربعوا علي أنفسكم فإنكم لاتدعون أصم ولا غائباً إن الذي تدعون سميع قريب" أي أرفقوا بأنفسكم.
* وقال الحسن البصري:" ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء وما يسمع لهم صوت, إن كان إلا همساً بينهم وبين ربهم , وقد أثني الله علي عبده الصالح زكريا فقال { ذكر رحمت ربك عبده زكريا(2) إذ نادي ربه نداءً خفيا}
وبهذا يعلم أن ما يفعله بعض المصلين سواء في الحرمين الشريفين أو في غيرهما من رفع الصوت في الدعاء وما يصحبه من صياح وهياج مخالف لهدي النبي صلي الله عليه وسلم وهو من الاعتداء في الدعاء الذي يؤدي إلي عدم قبوله.
ومن الاعتداء في الدعاء
السجع والتكلف فيه
فخير الدعاء ما جاء في القرآن الكريم وما أثرعن النبي صلي الله عليه وسلم وما جري علي القلب و اللسان بلا تكلف ولاتعسف , أما تعمد الكلمات المسجوعة والألفاظ المنظومة والتوسلات الباطلة وتعديد أسماء الله الحسني دون أن يتم الدعاء بها والتطويل الممل فذ لك كله من الاعتداء في الدعاء , وكان النبي صلي الله عليه وسلم يحذر من ذلك وكان الصحابة يمنعونه.
* روي أبو داود والطبراني أن سعد بن أبي وقاص سمع ابناً له يدعو ويقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا, فقال: يا بني إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: " سيكون قوم يعتدون في الدعاء وإياك أن تكون منهم إنك إن دخلت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير وإنك إن أعذت من النار أعذتها وما فيها من الشر".
* وروي البخاري عن ابن عباس قال: " انظر السجع من الدعاء فاجتنبه فإني عهدت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه لا يفعلون ذلك".
ومن البـدع
الأذكار والآيات التي تقع بين ركعات التراويح
لأنها لم ترد عن النبي صلي الله عليه وسلم ولا عن أصحابه , فهي غير مشروعة.
ومن البـدع
الدعوة إلي صلاة القيام جماعة في غير رمضان
سواء في المساجد أو المنازل فالدعوة إلي هذه الصلاة مخالفة للسنة, فإن وقعت بلا دعوة أو قصد ولا اتفاق فيرجي أن تكون مقبولة.. والله أعلم.
ومن البـدع
قول المأمومين خلف الإمام
نشهد ــ نعلم ــ حقا ــ يا الله
سواء بصوت مرتفع أم بصوت خفي كما جاء في هامش المجلد الثالث من كتاب المجموع للإمام النووي , لكن يجوز أن تقال في السر.
فيا من تسجعون في الدعاء وتتكلفون فيه وتجعلونه كالتطريب والغناء وترفعون أصواتكم به وتهيجون الناس بلا فائدة وتطيلون عليهم حتي يملوا وترددون جملاً غير تامة فتنادون الله بأسمائه المفردة دون أن تسألوه بها, إن ما تفعلونه ليس من سنة النبي صلي الله عليه وسلم و لا من هدي أصحابه , حتي لو فعله أئمة الحرمين الشريفين فليسوا و لا غيرهم حجة , بل الحجة لله ورسوله وعندكم كتاب الله فاتبعوه وهدي النبي فالتمسوه وطريق الصحابة فاسلكوه فمن خالف شيئا من ذلك فعمله مردود غير مقبول كما قال النبي صلي الله عليه وسلم :" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
ومن الاعتداء في الدعاء وهو من البدع المنكرة
التواشيح
التي تقع في بيوت الله قبل صلاة الفجر أو قبل صلاة الجمعة أو في أي وقت , وهي بدعة ذائعة مشهورة لها أتباع وأشياع ومن ورائها إعلام وأموال , وقد حذر منها العلماء.
فقال الحافظ بن حجر:" ما أحدث من التسبيح قبل الصبح وقبل الجمعة ومن الصلاة علي النبي صلي الله عليه وسلم ليس من الأذان لا لغة ولا شرعاً".
وقال ابن الجوزي :" وقد رأيت من يقوم بليل كثير علي المنارة ويذكر ويقرأ سورة من القرآن بصوت مرتفع فيمنع الناس من نومهم ويخلط علي المتهجدين قراءتهم وكل ذلك من المنكرات".