يُعَدُّ إقليم بوليا أو أبوليا- أو بولية حسب المصادر العربية- أحد الأقاليم العشرين المكونة للتراب الإيطالي[1]، ويقع في أقصى جنوب شرق البلاد، ويَحُدُّه شرقًا البحر الأدرياتي، ويُطِلُّ على خليج تارانتو من الجنوب الغربي[2]، ويحوي الإقليم ستة مقاطعات، منها: مقاطعة باري، وتارانتو، وبرينديزي، وكان لكل واحدة من هذه المقاطعات الثلاث نصيب من فتوحات المسلمين، وغزواتهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى، كما يحوي الإقليم مدنية لوتشيرا، التي أُسكن بها ألوف المسلمين، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى أيضًا.
ذكر ابن الأثير[4] أن المسلمين أقاموا في طارنت- تارانتو- سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وسكنوها، وذلك بعد أن سَرَد أخبار عِدَّة غزوات للفضل بن جعفر الهمداني، وابنه أبي الأغلب العباس بن الفضل[5].
وقد ذكر الكتاني رحمه الله تعالى[6] أن المسلمين الأغالبة قد فتحوا تارانتو سنة 840 م، وهو ما قد يوافق - والله أعلم- التاريخ الهجري المذكور.
في حين يرى أرشيبالد لويس[7] أن المسلمين الذين استولوا على تارانتو في تلك الفترة كانوا من مسلمي جزيرة كريت، لا من الأغالبة المنطلقين من قواعدهم في صقلية، التابعة بدورها لحكومتهم في شمال إفريقية.4
وذكر أرشيبالد لويس[8] أن البندقية والقسطنطينية استطاعتا العمل في البحار الإيطالية في عام 867 م، فبدأت الأحوال البحرية تتغير نحو وجود بحري نصراني قوي في المياه الإيطالية الشرقية، فانتصرت البندقية - ولعلها كانت مُتحالِفة مع لويس الثاني الكارولنجي ملك إيطاليا -في البحر تجاه طارنت، وانتقمت بذلك الانتصار للهزيمة التي حَلَّت بها في ذلك البحر على يد المسلمين قبل ذلك التاريخ بسبعة وعشرين عامًا.
لكن انتصارها المذكور كان انتصارًا بحريًا قبالة سواحل تارانتو، ولم يترتب عليه استيلاءها على تلك المدينة البحرية الهامة، حتى أن قوات الإمبراطور البيزنطي باسيل الأول لما استعادت أوترانتو عام 873، وباري عام 876 م، بقيت تارانتو في أيدي المسلمين، وظَلَّت معقلًا حَصينًا لهم؛ فقد أَبْحَر منها - على الأرجح -الأُسطول الإسلامي الذي أغار على البُندقية عام 875 م، وأحرق ميناء كوماتشو، الواقع على مَصَبِّ نهر البو[9].
وكانت سقوط المدينة في أيدي النصارى في نهاية الأمر على يد القوة البحرية البيزنطية الكبيرة التي كان باسيل الأول قد حشدها، فاستطاعت الاستيلاء على المدينة بمعاونة حلفائها في غرب البحر الأدرياتيكي، كالبنادقة[10].
وقد ذكر الكتاني رحمه الله تعالى[11] أن النصارى استولوا على مدينة تارانتو سنة 880 م.
جهود أمراء صِقِلِّيَّة زمن العُبَيْدِيِّين في استعادة المدينة:
ذكر ابن الأثير[12]أن جيش صِقلّية قد سار في سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة مع أميرهم سالم بن راشد إلى أرض قِلَّوريَة، وأن المهديُّ العُبَيْدِي قد أرسل إليهم جيشًا من إفريقية، وأنهم قصدوا في أثناء غزوهم لعدة مواضع من قِلَّوريَة مدينة طارنت، فحصروها، وفتحوها بالسيف في شهر رمضان.
وفي سنة ست وستين وثلاثمائة قام أبو القاسم ابن الحسن الكلبي أمير صقلية بجمع الجيوش للغزو، وسار، فنازل قلعة إغاثة، فطلب أهلها الأمان، فأَمَّنَهم، وسَلَّموا إليه القلعة بجميع ما فيها، ورحل إلى مدينة طارنت، فرأى أهلها قد هربوا منها، وأغلقوا أبوابها، فصعد الناس السور، وفتحوا الأبواب، ودخلها الناس، فأمر الأمير بهدمها، فهُدِمَت وأُحْرِقَتْ[13].
وقد ذكر أرشيبالد لويس[14] أن مدينة تارانتو قد أغارت عليها قوات البحرية الإسلامية الصقلية سنة 977 م.
وذكر الدكتور محمد عبد الله عنان رحمه الله تعالى[15] أن المسلمين استقروا في مدينة تارنت- تارانتو- من ثُغور إيطاليا الجنوبية حِيْنًا من الزمن.
برنديزي:
يذكر أرشيبالد لويس[16] أن أُسْطولًا من مُسْلِمي جزيرة كريت[17]، أو شمال إفريقية، أو منهما معًا قد استولى على مدينة برنديزي سنة 838 م، قال: وقام من البُنْدُقِيَّة أُسْطول مُكَوَّنٌ من ستين قطعة حربية؛ للدفاع عن ذلك الإقليم، ولكنه عانى أهوالًا شِدادًا قُرْب كروتوني على خليج طارنت؛ حيث حَطَّمَه المسلمون تمامًا.
وذكر المُنْتَصِر الكِتَّانِي[18] رحمه الله تعالى أن الأغالبة هاجموا برنديزي سنة 836 م، وأن النصارى استرجعوها مرة أخرى سنة 870م[19].
وبغَضِّ النَّظَر عن ترجيح فَتْحها في أحد التارِيْخَيْن المذكورين آنفًا- 836،838م- فإن مدينة برنديزي كانت بلا شك من أوائل المدن التي فتحها المسلمون في الجنوب الإيطالي.