هو الطراز الثاني من الطرز الإسلامية وينسب إلى الدولة العباسية التي قامت في العراق ، فانتقلت السيادة في العالم الإسلامي منذ ذلك الحين إلى العراق ، فكان من الطبيعي أن يتخذ الفن الإسلامي اتجاهاً جديداً ، لأن الأساليب الفنية الإيرانية غلبت عليه الطابع الإيراني على الأدب والحياة الاجتماعية
والواقع أن هذا الطراز ، الذي يعتبر أول مرحلة واضحة في تاريخ الفن الإسلامي أخذ الكثير عن أصوله من الفن الساساني ، كما أن الحفائر التي أجريت بمدينة سامرا ـ التي كانت عاصمة للخلافة بين عامي 222 و 276 هـ ( 836 ـ 889 م ) ـ كان لها كل الفضل في الكشف عن منجزات هذا الطراز الذي بلغ أوج عظمته في القرن الثالث الهجري ( 9 م ) وظهر أثره في الإنتاج الفني في مختلف الأقطار الإسلامية في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة ( 9 ـ 10 هـ ) ولكن سرعان ما تطرق إليه الضعف حين وهن سلطان الحكومة المركزية العباسية وبدأت الأقاليم الإسلامية المختلفة تنسلخ عنها وقامت في أنحاء العالم الإسلامي دولة مستقلة ، فأدى هذا الاستقلال السياسي إلى استقلال فني ، فنمت منذ القرن الخامس الهجري ( 11 م ) طرز فنية مستقلة في شتى أنحاء الدولة الإسلامية
ويمتاز الطراز العباسي ، كما تمتاز الأساليب الفنية المأخوذة عنه ومنها الطراز الطولوني في مصر ، بنوع من الخزف له بريق معدني كانت تصنع منه آنية يتخذها الأغنياء عوضاً عن أواني الذهب والفضة التي كان استعمالها مكروهاً في الإسلام لما تدل عليه من البذخ والترف المخالفين لروح الدين الإسلامي هذا فضلاً عن استخدام الجص بكثرة في تهيئة الزخارف حتى أصبح من المواد ذات الصدارة في هذا الطراز الإسلامي والتحف التي تنسب إلى هذا الطراز متأثرة إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية
وأكثر ما يظهر هذا في التحف المعدنية وفي المنسوجات التي كانت تصنع في العراق وإيران في القرنين الثاني والثالث الهجري ( 8 ، 9 م ) كما أن طريقة حفر الزخارف في الخشب أو الجص اتخذت طابعاً خاصاً كان وقفاً على هذا الطراز دون غيره وهي طريـقة الحفر المائل أو منحرف الجوانب
يعتبر الطراز الهندي أقرب الطرز إلى الفن الفارسي وقد تبلورت شخصية الطراز الهندي اعتباراً من القرن السادس عشـر وأصبح له طابع مميز وظواهر معمارية خاصة ، أما التصوير فقد امتاز بهدوء الألوان والقرب من الطبيعة ورسم الصور الشخصية ، وتمتاز العمائر الهندية باستخدام العقود الفارسية والمآذن الأسطوانية والقباب البصلية والزخارف الدقيقة
إن العناية بدراسة الفراغ الداخلي والأسطح الداخلية بالمباني الدينية وخاصة إيوان القبلة كانت فائقة ، ومن ثم عملت له التكسيات الرخامية والأسقف الخشبية الملونة المزخرفة ، وكان الاهتمام بالغاً بالعناصر الداخلية اللازمة لأداء فرائض الصلاة مثل المحراب والمنبر والدكة وكرسي المصحف ولم تحظ الواجهات الخارجية بالعناية التي أحيطت للحوائط الداخلية كذلك استعمل الخط بأنواعه المختلفة كعنصر زخرفي في حوائط الواجهات الداخلية أو حوائط الايوانات ، أو حول المحاريب كما استعملت الزخارف الهندسية والنباتية معتمدة في تأثيرها على ما تحدثه من تباين بين الضوء والظل
والفن الإسلامى شأنه شأن الفنون الأخرى يتبع منهجاً فكرياً هو الفكر الإسلامى، وهو فكر يراعى التناسق والتكامل والشمول والجمال، وهناك عدة خصائص ومميزات لهذا المنهج الإسلامى فى الفن أهمها :
1. أن الفنان المسلم انطلق أساساً من التوجيه القرآنى، ومن العقيدة الإسلامية.
2. نزع الفن الإسلامى إلى الحد من المظاهر الحيوية وعمل على الإقلال من واقعية الأشكال حتى لا يقع فى المحظور من جهة، وحتى يتيسر له أن يعطى مضموناً لعمله الفنى يبتعد به عن مجرد تجسيد مظاهر الطبيعة، ليقترب من الواقع الأبدى، ويقترب من الجوهر، ولقد تجسد ذلك المعنى جيداً فى الرقش العربى الإسلامى.
3. تميز تصوير الأشخاص بالأسلوب الاصطلاحى نتيجة للبعد عن تمثيل الواقع وتجاوزه عن المفاهيم العضوية التشريحية.
فن الرقش الإسلامى :
كان الفنان العربى المسلم يسعى عن طريق الرقش إلى تجاوز عالم الشهادة أو المادة للوصول إلى عالم الغيب أو الجوهر، ولقد تمثلت تلك العقيدة فى الرقش العربى الإسلامى ذلك الفن الذى أخذ شكلين أحدهما صورة أفقية تبدو على هيئة تكرار أو تناسخ (وهو ما يسمى بالرقش اللين) والأخرى مركزية تبدو فى هيئة وميض متناوب، وتبدو خاصة فى الأشكال ذات التخطيطات الهندسية (والتى تسمى الخيط) . والمتأمل للرقش عامة يرى أن الفنان المسلم حاول تجسيد عقيدته فى تلك الخطوط التى بدت متجمعة فى مركز واحد أو منطلقة من هذا المركز وإلى ما لا نهاية.
ونحن نرى نفس الرؤية متجسدة فى شكل المدينة الإسلامية حيث المسجد فى الوسط محاط بالمنشآت والمنازل، كما نرى ذلك فى صفوف المصلين خلف الإمام، وفى طواف الناس حول الكعبة.
فالنقش العربى ليس مجرد زخرفة أو عمل آلى منقول، بل إن له وظيفة رمزية، وقد خضعت كل أشكال الرقش لمبادئ تجريدية هى فى قمة مراتب التعبير الجمالى الإسلامى. والفن العربى كان معتبراً حتى وقت قريب مجرد تزيين لا مضمون فيه، إلا أن ظهور الفن التجريدى حرك الإهتمام بالرقش العربى كفن تجريدى، بل إن كثيراً من النقاد يرون أن الفن الإسلامى أساس للتجريدية الحديثة، ولكنه يتميز بكونه لا ينزع إلى تأكيد العنصر الذاتى الشخصى، ذلك العنصر الذى يفقد أهميته مع الزمن، ويبقى فى النهاية عنصر الفن المحض والذى يمنحه الزمن طاقة جديدة متجددة.
ولقد اعتمد الفن الإسلامى عند قيامه على عدة مصادر هى :
1. الفن البيزنطى والساسانى.
2. الفنون المسيحية فى مصر وسوريا والعراق.
3. فنون الإيرانيين وصناعاتهم.
4. فنون قبائل الترك الرحل فى شرق إيران ووسط آسيا.
ولقد تمثل الفن الإسلامى فى ميادين كثيرة، ولكن تجسده كان أعظم ما كان فى العمارة وخاصة فى عمارة المساجد، ويرجع ذلك لأهمية المسجد وقدسيته عند المسلمين.
ولقد تجسد الفن الإسلامى فى المسجد من زاويتين :
1. طبيعة المنشأ ذاته، بما يحتوى من تصميم وعناصر معمارية مختلفة.
2. احتواء المسجد كمنشأ معمارى على كمية ضخمة من فنون متعددة مثل زخرفة الجدران والمنحوتات الحجرية والخشبية والجصية وغيرها.
ولقد تعددت أشكال العناصر المعمارية من مآذن وقباب وعقود وأعمدة ومقرنصات؛ تعدداً لم يسبق له مثيل فى أى فن من الفنون السابقة، ولعل ذلك يرجع إلى تنوع مصادر الفن الإسلامى فى البلاد المختلفة، كما تعددت العناصر الزخرفية الإسلامية، وشملت أشكال النبات، والهندسة، والكتابة، والحيوان، وكانت كل هذه الأشياء مصدر إلهام للفنان المسلم يبتكر وينوع ويطور الأشكال إلى الحد الذى يجعلنا لا نستطيع أن نستدل على أصل هذه العناصر ومصادرها.
والفنان المسلم لا يهتم بقواعد المنظور الخطى المتبع فى الغرب بل كان يسعى لتحقيق بُعد روحانى يعتمد على مفهوم الوجود الأزلى ومفهوم فناء الأشياء وعلاقتها بهذا الوجود الأزلى.
لم يكن الفنان المسلم يهتم بالمنظور الخطى لأنه يُفقد رؤية تفاصيل الأشياء التى يجب أن يوضحها ويفصلها تماماً مثلما كان يفعل أسلافه القدماء فى مصر وسوريا والعراق، حين كانوا يرصون عناصر اللوحة رصاً فلا تحجب بعضها بعضاً.
وفى مصر وُجدتْ حركة فى إتجاه الإستفادة من التراث الإسلامى، ومن أهم الفنانين فى هذه الحركة أحمد مصطفى وأحمد ماهر رائف ومحمود حلمى، ولقد اهتم هؤلاء الفنانون بمحاولة استلهام التراث الإسلامى متمثلاً فى الخط العربى وأشكاله المتنوعة فى عمل لوحات تصويرية معاصرة.
على أن الفرق بين هؤلاء الفنانين كان فى تناول الخط، فبينما حاول كل من الفنان أحمد ماهر رائف ومحمود حلمى عمل الصورة اعتماداً على الخط العربى كأساس لفن تشكيلى، حاول الفنان أحمد مصطفى عمل صورة مستفيداً من طواعية الخط العربى ومرونته فى عمل صورة واقعية، أى أن الخط هنا أساس لشكل فنى وليس أساساً لفن تشكيلى.