من الثابت أن الفن الإسلامي التشكيلي قام على أسس من فنون البلاد التي فتحها المسلمون أو خضعت لهم ذلك أن طبيعة شبة الجزيرة العربية الصحراوي ، وانتقال البدو من مكان إلى آخر سعياً وراء الكلأ والمرعى لم يكن ليساعد على قيام فنون تشكيلية اللهم إلا في أطراف شبة الجزيرة كالمناذرة المتاخمين للدولة الساسانية والغساسنة المجاورين للدولة البيزنطية ، واليمن في الركن الجنوبي لشبة الجزيرة حيث قامت فنون ضارعت فنون معاصريهم من الفرس والرومان على أن الفاتح العربي لم يقبل كل ما وجدوه من تلك الفنون على ما هو عليه بل استبعد منها ما كرهه الدين أو ما لا يوافق مزاجه الخاص ، ثم جمع ما اختاره منها وصهره في بوتقة بعد أن طبعه بطابعه الخاص ألا وهو الكتابة العربية وهكذا نستطيع أن القول أن الفن الإسلامي أخذ قوامه الروحي من وسط شبة الجزيرة العربية ، أما قوامه المادي فقد تم صوغه في أماكن أخرى كان للفن فيها قوة وحياة ولعل أبرز فروع الفن الإسلامي التي تأثرت بالجانب الروحي ، هي العمارة ، التي عني المسلمون الأوائل أن تكون مهمتها الأولى خدمة الدين ، ومن ثم فقد تطورت العمائر الدينية تطوراً سريعاً ساير ركب الحضارة الفتية ، فتعددت أشكالها وأساليبها تبعاً لتعدد وتغير وظائفها وقد بدأت العمارة الإسلامية ببناء المساجد والأربطة فالمدارس والمصليات والخوانق والأسبلة والتكايا وإذا أردنا أن نتتبع تطور العمارة الإسلامية وجدنا المسجد حجر الزاوية فيها .
منهج بناء المساجد
ولقد كان أول عمل قام به الرسول صلى الله عليه وسلم عند هجرته إلى المدينة هو بناء مسجد للمسلمين في مــربد التمر الذي بركت فيه ناقته وكان بنــاؤه بدائياً بسيطاً ، وكانت مساحته 70 X 60 ذراعاً وجدرانه من اللبن ، سقف جزء منه بسعف النخيل وترك الجزء الأخر مكشوفاً وجعلت عمد المسجد من جذوع النخل
وقد نهج المسلمون هذا المنهج في بناء مسجد البصرة سنة 14هـ ومسجد الكوفة سنة 17 هـ ، كما اتبع عمرو بن العاص هذه السنة في بناء مسجده في مدينة الفسطاط سنة 21 هـ وكانت مساحته وقت إنشاءه 50 X 30 ذراعاً جداره من اللبن وأعمدته من جذوع النخل وتسوده البساطة وكانت مساجد البصرة والكوفة ومصر خالية من المحاريب المجوفة ومن المنابر والمآذن على غرار مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام
وكان المسلمون في العصر الإسلامي الأول يقتصرون على استعمال كلمة المسجد لأماكن العبادة
والمسجد في اللغة هو الموضع الذي يسجد فيه ، فلما اتسعت رقعة الدولة الإسلامية وزاد عدد المسلمين بزيادة من دخل في الإسلام من أهل البلاد التي فتحها المسلمون تعددت المساجد في البلد الواحد ، كما تعددت الألفاظ التي تطلق على أماكن العبادة فاصبح هناك مسجد وجامع والجامع هو نعت للمسجد لأنه مكان اجتماع الناس ويطلق على المسجد الكبير ومن ثم فقد اصبح للفظ الجامع مدلول سياسي في عهد الدولة الأموية ، فقد عرف بالجامع ، المسجد الذي يؤم فيه الخليفة أو من ينوب عنه المسلمين في صلاة الجمعة أي أن لفظ الجامع أصبح يطلق على مسجد الدولة الرئيسي الذي كان يعرف باسم المسجد الجامع
تتميز الفنون الإسلامية بأن هناك وحدة عامة تجمعها بحيث يمكن أن تميز أي قطعة أنتجت في ظل الحضارة الإسلامية في أي قطر من أقطار العالم الإسلامي ، ولعل هذا سر من أسرار تفوق الحضارة الإسلامية وقدرتها الفنية على صبغ المنتجات الفنية في جميع الأقطار بصبغة واحدة
على أن هذه الوحدة لم تمنع من وجود طرز إسلامية تتميز بها الأقطار الإسلامية المختلفة في عصور تطورها الفني ، ويمكننا أن نقول بوجه عام أن الطراز الأموي ساد العالم الإسلامي أولاً متأثراً بالفنون المحلية ، ثم ساد الطراز العباسي منذ قيام الدولة العباسية في عام 750م ، وعندما ضعفت الخلافة العباسية منذ القرن السابع الميلادي سادت طرز أخرى إقليمية فكان هناك الطراز الإسلامي المغربي في شمــال أفريقيا والأندلس وطراز مصري سوري في مصر وسوريا ، وطراز عثماني في تركيا والبلاد التي كانت تتبعها ، ثم طراز هندي في الهند
ومن واجبنا أن نكون على معرفة بهذه الطرز الفنية وكيف تميزت بميزات خاصة في إطار الوحدة الفنية الإسلامية الكبرى
الطراز الأموي
نشأ الفن الإسلامي في عصر بني أمية ، وكان الطراز الأموي ـ الذي ينسب إليهم ـ أول الطرز أو المدارس في الفن الإسلامي
فطبيعة الحياة والظروف التي أحاطت بعصر النبي عليه السلام وعصر الخلفاء الراشدين لم تهيئ للمجتمع الإسلامي حينئذ أن يكون مرتعاً خصباً لفن يترعرع بينهم ويتطبع بطابعهم ، فلما جاءت الفتوحات الإسلامية وامتدت الدولة الإسلامية واتسع نطاقها واختلط العرب بأمم ذات حضارة مزهية أثروا في هذه الأمم كما تأثرت بهم
اتخذ بنو أمية مدينة دمشق عاصمة للعالم الإسلامي ، وكانت السيادة الفنية في عصرهم للبيزنطيين والسوريين وغيرهم من رجال الفن والصناعة الذين أخذ عنهم العرب الفاتحون ، وقام على أكتاف الجميع الطراز الأموي في الفن الإسلامي ، وبذلك فهو طراز انتقال من الفنون المسيحية في الشرق الأدنى إلى الطراز العباسي ، على أن هذا الطراز كان متأثراً إلى حد ما بالأساليب الفنية الساسانية التي كانت مزدهرة في الشرق الأدنى عند ظهور الإسلام
وهكذا كانت العناصر الزخرفية لهذا الطراز مزيجاً من جملة عناصر ورثها عن
الفنون التي سبقته ، فبينما تظهر فيه الدقة في رسم الزخارف النباتية والحيوانية ، ومحاولة تمثيل الطبيعة وغير ذلك مما امتازت به الفنون البيزنطية ، نجد تأثير الفن الساساني في الأشكال الدائرية الهندسية وبعض الموضوعات الزخرفية الأخرى كرسم الحيوانين المتقابلين أو المتدابرين تفصلهما شجرة الحياة المقدسة أو شجرة الخلد
يبدأ الطراز المغربي الصحيح في الأندلس والمغرب على يد دولةالموحدين ويلاحظ أن الزعامة الثقافية في العالم الإسلامي المغربي كان مركزها في الأندلس في عصر الدولة الأموية الغربية وفي عصر ملوك الطوائف ، ثم انتقلت هذه الزعامة إلى مراكش في نهاية القرن 11م حين استعان مسلموا الأندلس بالمرابطين في شمال أفريقيا لمقاومة تقدم المسيحيين الذين كانوا يستهدفون طرد المسلمين من الأندلس
وبعد أن اضمحلت دولة المرابطين قامت على أنقاضها دولة الموحدين وهي الدولة التي أزدهر في حكمها الطراز المغربي الأصيل
ومن أبدع العمائر التي خلفها لنا هذا الطراز قصر الحمراء بغرناطة الذي يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي ويمتاز بجمال مبانيه ورشاقة أعمدته ذات التيجان المزخرفة بالمقرنصات والجدران المغطاة بشبكة من الزخارف الجصية والكتابات الجميلة
ومن المنتجات الفنية التي ازدهرت في الطراز المغربي تجليد الكتب وصناعة التحف الجلدية عامة ، يلاحظ أنها تشبه جلود الكتب المصرية في العصر المملوكي ، وزخارفها مضغوطة في الجلد ومكونة من رسوم هندسية وأشكال متعددة الأضلاع بجوار بعضها على رسم صرة أو جامة في الوسط وعلى أرباع في الأركان
أما صناعة الخزف فقد ازدهرت في الطراز المغربي وبخاصة الخزف ذي البريق المعدني في ملقا وغرناطة وبلنسية واستخدمت في زخارفها الحيوانات والطيور والمناطق المختلفة الشكل والرسوم الهندسية والكتابات ، ويعتبر الطراز المغربي أقرب الطرز إلى العصر المملوكي
سقط السلاجقة في القرن 8 هـ ( 14م ) وآل الحكم في أسيا الصغرى إلى آل عثمان الذين استطاعوا الاستيلاء على القسطنطية سنة 857 هـ ( 1453م ) ولعل خير ما أنتج الترك من أنواع الفنون تظهر واضحة فيما خلفوه من تحف الخزف والقاشاني والسجاد والأقمشة الحريرية والقطنية والمخطوطات
أما الخزف التركي فيمتاز بألوانه الجميلة وما فيه من رسوم الزهور والنباتات وكان يصنع في مدينة بورصا أول مرة في القرن 8 هـ ( 14م ) ثم في كوتاهية في القرن 9 هـ ( 15م ) ثم في مدينة ( أزنيق ) أسنك بآسيا الصغرى في القرنين 10 ـ 11 هـ ( 16 ـ 17م ) أما السجاجيد التركية فهي تعد بحق من أبدع الفنون الشرقية ، ومن أنواعها الطراز الذي ينسب إلى عشاق وفيه تظهر التأثيرات الإيرانية واضحة والطراز المعروف باسم هولباين الذي يمتاز بزخارفه الهندسية البحتة ، وسجاجيد الصلاة الصغيرة النفيسة ويمتاز معظمها برسم محراب في أرض السجادة واشتهر بصناعتها المناطق الجبلية بالأناضول في القرنين 11ـ 12 هـ ( 17 ـ 18 م
أما المخطوطات فقد امتاز الترك بكتابة المصاحف بالخط الجميل ثم تذهيبها وتزيين أغلفتها الجلدية بكافة الزخارف المذهبة المتقنة غير انه لم يكن لتركيا مدرسة خاصة في التصوير إنما كان جل اعتمادهم على مصورين إيرانيين وأوربيين ، ولذا كان التصوير التركي مطبوعاً بطابع إيراني قوي حتى أن أهم ما يميز الصور التركية عن زميلاتها من الإيرانية إنما هو العمائم والملابس التركية والأسلحة ومناظر القتال والحصار
ولا ننسى أن نذكر أنه كان للعثمانيين خطوط جديدة مبتكرة منها الخط الرقعة الذي نكتب به الآن