قال تعالي: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا }
بدا: تُقال إذا كان الشيئ خفيّاً ثم يظهر بجلاء ظهوراً غير متوقع.
ظهر: إذا كان الشئ متوقعاً يُقال له ظهر وهي عكس بدا.
الزينة: ما يحصل به الزَيْن. والزين: الحسن
أولاً: القرآن يرخص بإبداء (ماظهر) منها, والبدو الظهور الواضح.
ثانياً: الوجه والكفان وما عليهما من زينة هو (ما ظهر) من المرأة عُرفاً أي بقصد وليس اضطرارياً,وهذا يناسب المعني اللغوي لكلمة ظهر أي ظهور الشئ متوقعاً.
إذن معنى الآية أنه لا يصح للمرأة المؤمنة أن تُظهِر زينتها إظهارا ساطعا (إلاّ ما ظهر منها) أي ما كان موضعه مما لا تستره المرأة وهو الوجه والكفان , وزاد أبي حنيفة القدمان.
ومن كتاب الرد المفحم للألباني ( ت سنة 1420 ﻫ):
سرد أسماء الصحابة الذين فسروا الإستثناء فيها بالوجه والكفين ، مع ذكر بعض مخرجيها ومن صحح بعضها، ليعلم القراء جهل من خالفها، أو أنكر شيئاً منها، أو ضلل من تمسك بها!
1- عائشة رضي الله عنها.عبد الرزاق وابن أبي حاتم" الدر المنثور"و ابن أبي شيبة والبيهقي وصححه ابن حزم.
2-عبد الله بن عباس رضي الله عنه. ابن أبي شيبة والطحاوي والبيهقي وصححه ابن حزم أيضاً وله عنه كما سبق سبعة طرق.
3- عبد الله بن عمر رضي الله عنه. ابن أبي شيبة وصححه ابن حزم.
4- أنس بن مالك رضي الله عنه. وصله ابن المنذر وعلقه البيهقي.
5- أبو هريرة رضي الله عنه. ابن عبد البر في " التمهيد".
6- المسور بن مخرمة رضي الله عنه. ابن جرير الطبري. انتهي
ما ورد عن التابعين في أن المستثنى هو الوجه وزينته والكف وزينتها:
1. عطاء بن أبي رباح -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن هشام بن الغاز قال: سمعت عطاء يقول: الزينة الظاهرة الخضاب والكحل.
وأخرج الطبري بسند صحيح عن عطاء أنه قال فيقوله تعالى {إلا ما ظهر منها}: الكفان والوجه.
2. قتادة بن دعامة -رحمهالله-:
أخرج عبد الرزاق في تفسيره بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى {إلا ما ظهرمنها} : المسكتان والكحل.
ورواه من طريقه ابن جرير في تفسيره بسند صحيحعنه.
وأخرج الطبري في التفسير بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى {إلا ماظهر منها} : الكحل والسواران والخاتم.
3. عبد الرحمن الأوزاعي -رحمهالله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند حسن أن الأوزاعي سئل عن قوله تعالى {إلا ماظهر منها} قال : الكفين والوجه.
4. عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -رحمه الله-:
أخرج الطبري في تفسيره بسند صحيح عنه أنه قال في قوله تعالى{إلا ما ظهرمنها} من الزينة الكحل والخضاب والخاتم ؛ هكذا كانوا يقولون وهذا يراهالناس.
وابن زيد بن اسلم وإن كان ضعيفا في روايته عن غيره كما هو معلوم إلاأنه صاحب تفسير كما قال الذهبي وصالح في نفسه كما قال أبو حاتم وهذارأيه.
5. الحسن البصري -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي الدنيا في العيال بسندصحيح عن الحسن قال: ما ظهر منها الوجه والثياب.
وأخرج الطبري بسندين صحيحينعن الحسن أنه قال: الوجه والثياب.
6. الشعبي -رحمهالله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الشعبي قال في قوله تعالى "إلا ما ظهرمنها": الكحل والثياب.
7. مكحول -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح أن مكحول قال: الزينة الظاهرة الوجه والكفان.
8. وكيع -رحمه الله-:
أخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عكرمة قال: "ما ظهر منها" قال: الوجه وثغرة النحر.
وفي جزء يحيى بن معين بسند صحيح عن عكرمة في قوله تعالى "إلاما ظهر منها" قال: ثيابها وكحلها وخضابها.
وقال ابن مسعود : هي الثياب
الاستثناء في الآية {إلا ما ظهر منها} بعد النهي عن إبداء الزينة فيه إشارة إلى نوع من الرخصة والتيسير,وظهور الثياب الخارجية ليس فيه شيء من الرخصة أورفع الحرج,لأنه أمر اضطراري لاحيلة فيه.
إن ابن عباس وابن مسعود عاشا في زمان واحد وفي مكان واحد وأمامهما نساء عهد نبوي واحد , فهل يعقل أن يري ابن عباس أن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها ويري ابن مسعود أن علي المرأة سترهما ؟!
هذا التفسير من ابن مسعود مؤول أو مفسر بما ورد عن ابن مسعود نفسه بإسناد صحيح كما عند ابن ابى شيبة بأن الزينة زينتان ظاهرة وهى التى يجوز إبدائها وهى الثياب وأما الباطنة فالتى لا يجوز إبدائها كالكحل والقرط والخلخال,أي أن الوجه والكفين لا علاقة لهما بالزينة عند ابن مسعود , وهذا ظاهر خاصة ما ورد عن ابن مسعود نفسه باسناد حسن عن تفسيره لقوله تعالى {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } بأنه قال هى الطوق والقرطين ولم يقل الوجه والكفين.
إذن لايوجد تناقض بين ابن عباس وابن مسعود في مسألة الوجه والكفين.
قال الألباني في "جلباب المرأة المسلمة": هذا التفسير- وإن تحمس له بعض المتشددين- لا ينسجم مع بقيه الآية, وهي {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ...} فالزينة الأولي هي عين الزينة الثانية, كما هو معروف في الأسلوب العربي: أنهم إذا ذكروا إسماً معرفاً ثم كرروه , فهو هو , فإذا كان الأمر كذلك, فهل الأباء ومن ذكروا معهم في الآية لايجوز لهم أن ينظروا إلا إلي ثيابهن الباطنه؟!ولذلك قال الجصاص (ت:370هـ) في أحكام القرآن: قول ابن مسعود في أن ما ظهر منها هو الثياب لا معني له لأنه معلوم أنه ذكر الزينة والمراد العضو الذي عليه الزينة, ألا تري أن سائر ما تتزين به من الحلي والقلب والخلخال والقلادة يجوز أن تظهرها للرجال إذا لم تكن هي لابستها,فعلمنا أن المراد مواضع الزينة كما قال تعالي في نسق الآية{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } إذ المراد به مواضعها قطعاً.وموضع الزينة عندنا هو الوجه والكفان,لأن الكحل زينة الوجه والخضاب والخاتم زينة الكف, فإذا أباح النظر إلي زينة الوجه والكف فقد اقتضي ذلك لا محالة إباحة النظر إلي الوجه والكف.
التعديل الأخير تم بواسطة محمد رفقي ; 06-12-2010 الساعة 09:44 AM
قال تعالي:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ َ}
الخُمُر: جمع خِمار وهو بالنسبة للمرأة غطاء الرأس، والجيوب:جمع جيب وهو فتحة الصدر من القميص ونحوه.
في معجم لسان العرب لابن منظور : والخِمَارالنصيف وهو ما تغطّي بِه المرأَة رأسها.
فالمعني لي الخمار علي العنق والصدر ولم يؤمر بلبسه علي الوجه.
قال ابن جرير: وقوله:{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ }يقول تعالى ذكره وليلقين خمرهن وهى جمع خمار على جيوبهن، يسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وقرطهن.
قال ابن حزم: فأمرهن الله تعالي بالضرب بالخمار علي الجيوب وهذا نص علي ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص علي إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك.
قال ابن القطان الفاسي : ( ويتأيد المعنى الذي حملنا عليه الآية من أن الظاهر هو الوجه والكفان بقوله تعالى المتقدم متصلا به : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ } فإنه يفهم منه أن القرطة قد يغفلن عند بدو وجوههن عن تعاهد سترها فتنكشف فأمرن أن يضربن بالخمر على الجيوب حتى لا يظهر شيء من ذلك إلا الوجه الذي من شأنه أن يظهر حين التصرف إلا أن يستر بقصد وتكلف مشقة وكذلك الكفان.
وذكر أهل التفسير أن سبب نزول الآية هو أن النساء كن وقت نزولها إذا غطين رؤوسهن بالخمر يسدلنها خلفهن كما تصنع النبط فتبقى النحور والأعناق بادية فأمر الله سبحانه بضرب الخمر على الجيوب ليستر جميع ما ذكر. وبالغ في امتثال هذا الأمر نساء المهاجرين والأنصار فزدن فيه تكثيف الخمر) .انتهي
عن عائشة رضي الله عنها قالت:"يرحم الله نساء المهاجرين الأُوَل لما أنزل الله{وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنّ }شققن مروطهن فاختمرن بها,وفي رواية أخذن أزرهن فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها".
مروطهن: جمع مرط وهو كل ثوب غير مخيط تتلفع به المرأة أو تجعله حول وسطها.
حاشية : جانب الشئ وطرفه.
عن أم علقمة عن أبي علقمة قالت :" رأيت حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر دخلت علي عائشة و عليها خمار رقيق يشف عن جبينها فشقته عائشة عليها و قالت أما تعلمين ما انزل الله في سورة النور ثم دعت بخمار فكستها ".
بعد عرض هذه الآيات من سورة الأحزاب (نزلت بعد غزوة الخندق) وسورة النور (نزلت بعد غزوة المريسيع) نحب أن نوضح أن آية سورة الأحزاب :{يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ} ترسم أدبا خاصاً بخروج المؤمنات متميزات عن الإماء بإدناء الجلاليبوذلك صيانة لهن من أذي السفهاء ,ثم نزلت آيات سورة النور ترسم النهج الواجب لتنظيم رؤية الرجال النساء ورؤية النساء الرجال , وذلك أولا ًً: بأمر الفريقين بالغض من أبصارهم قال تعالي : {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ},{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } وثانياً:بتضييق مجال فتنة زينة المرأة إلي أقصي حدممكن.فقد كانت المرأة تضع الخمار علي رأسها وتسدله من وراء ظهرها فيظهر منها مع الوجه والكفين الأذنان والعنق والنحر,كما يظهر ما علي هذه الأعضاء من زينة, فالكحل في العينين والخضاب في اليدين
والأقراط في الأذنين والقلادة في النحر فجاء قوله تعالي :{وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } يأمر باخفاء زينة المرأة باستثناء ما كان ظاهراً منها أي ما كان من طبيعته الظهور حسب العرف القائم , وكانت تلك الزينة المذكورة كلها تظهر عادة مع ستر المرأة بدنها بالخمار والدرع السابغ فنزل قوله تعالي : {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ} لتستر المرأة بخمارها الأذنين والعنق والنحر , فيضيق بذلك مجال الزينة الظاهرة ويقتصر الإبداء علي ما في الوجه والكفين فضلا عن الثيابولاشئ أكثر من ذلك. ولو أن الخمار لم يضرب علي الجيب لظلت زينة الأذنين والعنق والنحر ظاهرة , وهذا غير مقصود الشارع , كما أنهلو كان مقصود الشارع ستر الوجه أيضا لأمر بضرب الخمار علي الوجه.
1. قال تعالي: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ}
قال ابن عبد البر: وجائز أن ينظر إلي ذلك منها( أي الوجه والكفين ) كل من نظر إليها بغير ريبة ولا مكروه , وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثيابها لشهوة , فكيف بالنظر إلي وجهها مسفرة.
إن الآية الأولي: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} تشير إلي أنه كان هناك شئ يري من المرأة عادة ويقتضي من الرجل غض البصر عنه , كما أنه كان هناك شئ يري من الرجل يقتضي من المرأة غض البصر عنه كما في الآية الثانية: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ }. أي أن الفتنة أمر مشترك بين الرجال والنساء , وعلي كل من الفريقين أن يغض من بصره عما يظهر من بدن الطرف الآخر.
وهناك أحاديث كثيرة تحض علي حفظ البصر وتذكر بالغض من البصر وتحذر من مغبة إرسال النظر.
من هذه الأحاديث:
قوله صلي الله عليه وسلم : ( إياكم والجلوس في الطرقات .. قالو وما حق الطريق ؟ قال غض البصر..).(رواه البخاري ومسلم)
قال الحافظ ابن حجر: وقد اشتملت الأحاديث علي علة النهي عن الجلوس في الطرق ومن التعرض للفتن بخطور النساء الشواب وخوف ما يلحق النظر إليهن من ذلك , إذ لم يمنع النساء من المرور في الشارع لحوائجهن.
وقوله صلي الله عليه وسلم لعلي: ( ياعلي لاتتبع النظرة النظرة فإن لك الأولي وليست لك الآخرة ).(رواه الترمذي)
وقوله صلي الله عليه وسلم : ( يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ).(رواه الجماعة عن ابن مسعود)
وقوله صلي الله عليه وسلم اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم , وأدوا إذا ائتمنتم , وغضوا أبصاركم..). (رواه البيهقي)
عن جرير بن عبد الله قال: سألت رسول الله عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري.(رواه مسلم)
نظر الفجاءة : أن يقع نظره علي الأجنبية من غير قصد.
فهل يمكن أن يكون كل هذا التذكير والتحذير من أجل النظر إلي الثياب الظاهرة؟ أو إلي شئٍ من زينتها المستورة أصلاً ولكنها ظهرت عن ضرورة أو دون قصد من المرأة وهو نادراً ما يحدث.
و لوافترضنا بوجوب الستر فكيف تكون الصورة, إمرأة ترتدى ثوباً واسعاً لا يصف ولا يشف وليس بقصير و العين اليسرى أو اليمنى أو كلتيهما ظاهرتين ففيم غض البصر ، وأين المحاسن ، وأين الفجأة ، وماذا سيرى الرجل فى الفجأة ليغض عنه النظر وما معني أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يري شيئاً من النساء؟