2. قال تعالي: { لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن }
تقرر الآية أنه لايحل لرسول الله الزواج من بعد ولو أعجبه حسن بعض النساء , وكيف يعجبه حسنهن دون رؤية وجوههن مع العلم أن الرؤية هنا غير رؤية الخاطب الذي يحل له الزواج وعزم علي الخطبة. فهذا العزم إذا أعلن يدعو المرأة التي ألفت النقاب أن تخلعه, إذن الرؤية هنا هي الرؤية العابرة التي يري فيها الرجال وجوه النساء في عامةالأحوال والتي قد يتبعها إعجاب بحسن إحداهن وليست الرؤية بقصد الخطبة.في هذا المعني يقول الجصاص في تفسيره:{ ولا يعجبه حسنهن إلا بعد رؤية وجوههن }.
وكما تذكر الآية الكريمة إمكان إعجاب الرسول بحسن بعض النساء عند الرؤية العابرة لهن,تشير عدة أحاديث إلي إمكان وقوع مثل هذا الإعجاب من عامة الرجال, وذلك نتيجة كشف النساء وجوههن في عامة الأحوال عند لقائهن الرجال أو مرورهن أمام الرجال:
عن جابر أن رسول الله رأي امرأة ( وفي رواية عند أحمد: رأي امرأة فأعجبته) فأتي امرأته زينب وهي تمعس منيئة, أي تدبغ أديما, فقضي حاجته ثم خرج إلي أصحابه فقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه. (رواه مسلم)
وفي رواية أخري لمسلم عن جابر: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه فليعمد إلي امرأته فليواقعها فإن ذلك يرد ما في نفسه.
عن ابن مسعود قال: رأي رسول الله امرأة فأعجبته...ثم قال" أيما رجل رأي امرأة تعجبه فليقم إلي أهله فإن معها مثل الذي معها". أخرجه الدارمي
وروي أحمد من حديث أبي كبشة الأنماري أنه صلي الله عليه وسلم قال: مرت بي فلانه فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها فكذلك فافعلوا, فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال.(سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني)
فسبب الحديث يدل علي أن الرسول رأي امرأة معينة (بنظر الفجاءة) فوقع في قلبه شهوة النساء بحكم بشريته ورجولته , ولا يمكن أن يكون هذا إلا إذا رأي وجهها الذي به تعرف فلانه من غيرها, كما أن قوله: ( إذا رأي أحدكم امرأة فأعجبته).... يدل علي أن هذا الأمر ميسور ومعتاد.
قال الألباني: (قد جاءت أحاديث كثيرة في كشف النساء لوجوههن وأيديهن يبلغ مجموعها مبلغ التواتر المعنوي عند أهل العلم فلا جرم عمل بها جمهور العلماء ولكن المقلدين المتعصبين قد سلَّطوا عليها أيضاً معاول التخريب والتهديم بتأويلها وتعطيلها وإبطال معانيها ودالاتها الظاهرة البينة).
وفي هذا المعني يقول ابن القطان : فإنها - أي الأحاديث المذكورة ـ إما أن تدل علي إبدائها جميع ذلك – أي الوجه والكفين- أوبعضه, دلاله يمكن الإنصراف عنها, بتحميل اللفظ أو القصة غير ذلك, لكن الإنصراف عما يدل عليه ظاهر اللفظ, أوسياق القصة, لا يكون جائزاً إلا بدليل عاضد , يصير الإنصراف تأويلاً , وإذا لم يكن هناك دليل , كان الإنصراف تحكماً , فعلي هذا يجب القول بما تظاهرت به هذه الظواهر, وتعاضدت علي جواز إبداء المرأة وجهها وكفيها.)
1. أمر الخاطب أن ينظر الي المخطوبة:
عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلي الله عليه وسلم : أنظر إليها فإنه أحري أن يؤدم بينكما.(رواه الترمذي)
عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها لخطبة وإن كانت لاتعلم. (رواه أحمد)
عن جابر أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر منها إلي ما يدعوه إلي نكاحها فليفعل قال جابر: فخطبت امرأة من بني سلمة فكنت أختبئ لها حتي رأيت منها بعض ما دعاني إليها. (رواه أبو داود)
فيه دليل علي أنه ينظر إليها علي غفلتها وإن لم تأذن له.
قال الشيرازي ( ت سنة 476ﻫ ): ( وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها ولا ينظر إلي ما سوي وجهها وكفيها لأنه عورة).
عورة المرأة : القدر الذى يجب أن يُستر من المرأة أمام الأجنبي أي من يحل له أن يتزوج المرأة ، ولوبعد حين.
وقال ابن قدامة ( ت سنة 620ﻫ): ( وينظر الخاطب إلي الوجه لأنه مجمع المحاسن وموضع النظر وليس بعورة).
وهذا القول من ابن قدامة يفيد أن الشارع عندما أمر الخاطب بالنظر إلي المرأة لم يأمره بالنظر إلي عورة مستورة بل أمره أن ينظر منها إلي الوجه والكفين فقط.
وورد في نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج: ( وإذا قصد نكاحها... سن نظره إليها.. وذلك قبل الخطبة لا بعدها.. وإن لم تأذن هي ولا وليها إكتفاء بإذن رسول الله , ففي رواية: ( وإن كانت لا تعلم) , بل قال الأوزاعي: الأولي عدم علمها لأنها قد تتزين له بما يغره).
كيف ينظر دون إذنها ولا إذن وليها إن كانت ساترة وجهها بنقاب أو غيره ؟ اذن لابد أن يكون شأن غالب نساء المؤمنين أن يخرجن إلي الطريق مكشوفات الوجوه.
عن أم عطية قالت: قال النبي صلي الله عليه وسلم : لايحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا علي زوج , فإنها لا تكتحل ولاتلبس ثوبا صبيغا إلا ثوب عصب... ولاتمس طيبا..(رواه البخاري ومسلم)
ثوبا صبيغا : ثوبا مصبوغا
قال ابن قدامة: ( باب الإحداد وهو اجتناب الزينة وما يدعو إلي المباشرة , وهو واجب في عدة الوفاة.... ويحرم علي الحادة الكحل بالإثمد للخبر ولأنه يحسن الوجه... وتحرم عليها الحلي للخبر ولأنه يزيد حسنها ويدعو الي مباشرتها).
قوله يدعو إلي المباشرة يعني أن الرجال يمكن أن يروا المرأة بزينتها في الوجه والكفين فينجذبوا إليها.
قال ابن رشد ( ت سنة 595ﻫ) : الحادة تمتنع عند الفقهاء بالجملة من الزينة الداعية للرجال إلي النساء , وذلك كالحلي والكحل, إلا مالم تكن فيه زينة ، ولباس الثياب المصبوغة إلا السواد... وبالجملة فأقاويل الفقهاء فيما تجتنب الحادة متقاربة وذلك ما يحرك الرجال بالجملة إليهن).....وقال أيضا: ( ... ومن ألحق المطلقات بالمتوفي عنها زوجها فمن طريق المعني وذلك أنه يظهر من معني الإحداد أن المقصود به أن لايتشوف إليها الرجال).
لو كان عامة نساء المؤمنين يسترن وجوههن من الرجال في عامة الأحوال لما كان هناك مجال للتخوف من رؤية الرجال زينة وجه المرأة الحادة , ومن ثم تشوفهم إليها وكيف يتشوفون إليها وهم لايرون منها شيئا فيه فتنة؟.
عن عائشة قالت:كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلي الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلي بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلَس.(رواه البخاري ومسلم)
متلفعات : التلفع يستعمل في الالتحاف مع تغطية الرأس وقد يجئ بمعني تغطية الرأس فقط.
الغلس : ظلمة آخر الليل بعد طلوع الفجر.
المروط جمع مرْط: وهو كل ثوب غير مخيط تتلفع به المرأة أو تجعله حول وسطها.
( أ ) قول السيدة عائشةرضي الله عنها: (لا يعرفهن أحد من الغَلَس) معناه: لا يُعرفن من هن من النساء من شدة الغلس وإن عرف أنهن نساء,وهذا يقتضي أنهن سافرات عن وجوههن,ولو كن غير سافرات لمنع النقاب وتغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس.
(ب) وجدت رواية صريحة في ذلك بلفظ ( وما يعرف بعضنا وجوه بعض) رواه أبو يعلي في مسنده بسند صحيح , وصححها الألباني.
(ج) وقد ورد حديث في هذا المعني نفسه ولكنه يتعلق بالرجال: فقد أورد الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد عن علي بن أبي طالب قال : كنا نصلي مع رسول الله ثم ننصرف وما يعرف بعضنا بعضا).
(د) وذكر البخاري تحت باب ( سرعة انصراف النساء من الصبح ) عن عائشة: ( أن رسول الله صلي الله عليه وسلم كان يصلي الصبح بغلس فينصرفن نساء المؤمنين لايعرفن من الغلس , أو لا يعرف بعضهن بعضا ).وهو يدل بمفهومه علي أنه لا يعرفن بسبب الظلمة لا بسبب ستر الوجوه ولو كانت الوجوه مغطاه لما كان هناك معني لقول عائشة رضي الله عنها ( لايعرف بعضهن بعضا ) وهذا يعني أن عامة النساء كن كاشفاتالوجوه.
(و) و لا حجة لمن يقول كان هذا قبل الحجاب لأن لفظ (كن) تفيد استمرار العمل دون قيد بزمن. ولو كان الأمر نسخ بنزول آية الحجاب لذكرت ذلك عائشة.
التعديل الأخير تم بواسطة محمد رفقي ; 16-12-2010 الساعة 11:10 AM