عن الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن ,1 1- ما ظهرت الفاحشة فى قوم قط فعمل بها بينهم علانية إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم. 2- وما منع قومٌ الزكاةَ إلا مُنعوا القَطرَ من السماءِ ولولا البهائمُ لم تُـمطروا , 3- وما بَـخَسَ قومٌ المكيالَ والميزانَ إلا أُخذوا بالسنين وشدةِ المؤنةِ وجورِ السلطان عليهم, 4- ولا حكم أمراؤهم بغير ما أنزل الله إلا سلط الله عليهم عدوَّهم فاستنفذوا بعضَ ما فى أيديهم, 5- وما عطلوا كتاب الله وسنة رسوله إلا جعل الله بأسهم بينهم)) أخرجه البيهقى فى شعب الإيمان .
جهاز المناعة
أيها الأخوة الكرام, جهاز المناعة الذي أكرمنا الله به، والذي هو حديث الساعة اليوم في شتّى بقاع الأرض، لأن هذا المرض اللعين, مرض الإيدز, هو يقضي على جهاز المناعة ، فما جهاز المناعة هذا؟ أيها الأخوة الكرام, في دم كلِّ منا كرياتٌ بيضاء، عددها يزيد عن خمسةٍ وعشرين مليون كرية في أيام السلم، يتضاعف هذا العدد في حال الاستنفار، وقد يصل إلى مئات الملايين في حال القتال، في أيام السلم خمسة وعشرين مليون خلية بيضاء تشكِّل بمجموعها جهاز المناعة، أما في أيام الاستنفار والجاهزية القصوى يتضاعف هذا العدد، خلال فترةٍ لا تتجاوز بضع ساعات، يرتفع هذا العدد من خمس وعشرين مليون، إلى بضع مئاتٍ من الملايين في فترةٍ لا تتجاوز بضع ساعات . لهذه الجيوش الضخمة، سلاح إشارة يعدُّ لغة التخاطب بين هذه الخلايا، هذه الخلايا بينها اتصال، اتصال عن طريق إشارة كيماوية، الحديث عن هذا الجهاز المناعي يكاد لا يصدَّق . ماذا يصنع جهاز المناعة إذا دخل على جسم الإنسان عدو مخرب وتجاوز الحدود ؟ أيها الأخوة الكرام, بعد ثوانٍ معدودة من اجتياز جسمٍ غريب لخطوط دفاع الجسم الأولى, فالجلد خطُّ دفاعٍ أول، ولكلِّ جهازٍ في الجسم خطُّ دفاعٍ خاصٌ به, فإذا استطاع جسمٌ غريب أن يتجاوز خطَّ الدفاع الأول، وخط الدفاع الثاني، ووصل إلى الدم، ويعدُّ جهاز المناعة خطَّ الدفاع الثالث الذي أودعه الله في دم الإنسان، ما الذي يحصل؟ قال: هناك خلايا بيضاء, كرياتٌ بيضاء من هذا الجهاز المناعي الضخم، مهمَّتها تعقُّب هذا الجسم الغريب، ومعرفة شفرته الكيماوية، فإذا علمت شفرته الكيماوية، عادت هذه الخلايا لتعطي هذه المعلومات إلى خلايا أُخرى هي الخلايا المحصِّنة، هذه الخلايا تأخذ تركيب هذا الجسم الغريب, وتصنع مضادات حيويةٍ له، لكنَّ الخلايا التي تهاجم هذا الجسم الغريب تجزِّؤه إلى أجزاء كثيرة، عدا شفرته الكيماوية، تحافظ عليها، وتنقلها كما هي للخلايا المحصِّنة كي تصنع مصلاً مضاداً لهذا الجسم الغريب . أيها الأخوة الكرام, وبعد أن تصنع هذه المصول المضادة، تنطلق خلايا من نوعٍ ثالث, الأولى استطلاعية، والثانية معملية، تصنع المصل, لكن الخلايا الثالثة خلايا مقاتلة، هذه الخلايا الثالثة تحمل هذا المصل المضاد وتنطلق به لتلتحم مع الجرثوم إلتحاماً مباشراً، فإذا أنهكته وقضت عليه، تأتي خلايا ملتقمة, بعد الحرب تمتلئ ساحة المعركة بالجثث، والمعدات التالفة، لا بدَّ من أن تنظَّف هذه الساحة من بقايا هذه الحرب الشعواء, لذلك تعدُّ الخلايا اللاقمة مهمّتها أن تأكل ما تركته هذه الحرب الطاحنة من بقايا جثثٍ، ومواد، وأسلحة، لذلك الخلايا المقاتلة تأتي وراءها الخلايا اللاقمة, خلايا مستطلعة، وخلايا محصِّنة، وخلايا مقاتلة، وخلايا لاقمة تنظِّف ساحة المعركة . أيها الأخوة الكرام, وكلُّ هذه الخلايا تتخاطب فيما بينها بأعلى درجات التنسيق عن طريق لغةٍ هرمونيةٍ كيماويّة هي سلاح الإشارة لهذا الجيش، هذه الخلية التي يوجد منها في جسم الإنسان في الحالة الطبيعية خمسة وعشرين مليون خلية، لا يزيد قطرها عن خمسة عشر ميكرون, والميكرون واحد من ألف من المليمتر . أيها الأخوة الكرام, هذا جهاز المناعة هو الذي يقضي عليه مرض الإيدز، عندئذٍ يموت الإنسان لأتفه سببٍ، أو لأقلّ مرضٍ، أو لأقلِّ هجومٍ خارجي . أهمية الحبة السوداء: أيها الأخوة, وقد عقد مؤتمرٌ في بعض عواصم البلدان الإسلامية، درست فيه قضية الحبَّة السوداء، التي قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بهذه الحبةِ السوداءِ فإنَّ فيها شفاءً من كلِ داءٍ إلا السَامَ والسامُ الموتُ)) أخرجه ابن ماجه عن ابن عمر .و أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في سننه وقال: حسن صحيح - وابن حبان عن أبى هريرة . أحمد عن عائشة) وقد عجب العلماء لهذا الحكم النبوي، كيف أن هذه الحبة السوداء فيها الشفاء؟ أيعقل أن تشفي هذه الحبة من كلِّ مرض؟ . عقد مؤتمرٌ طبي لدراسة خصائص الحبّة السوداء، فإذا فيها خصيصةٌ كبرى وهي: تقوية جهاز المناعة في الجسم، ما دامت هذه الحبة السوداء تقوّي جهاز المناعة في الجسم، إذاً: هي التي تشفي من كل داء كما قال عليه الصلاة والسلام . أيها الأخوة الكرام, هذه الحقائق التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام ليست من عنده، إن هي إلا وحيٌ يوحى، وقد فصَّل العلماء في الوحيين؛ الوحي المتلو, وهو القرآن الكريم، والوحي غير المتلوِّ, وهي السنة المطهَّرة، فقد قال سيدنا سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه: ((ثلاثةٌ أنا فيهنَّ رجل، وفيما سوى ذلك فأنا واحدٌ من الناس, ما سمعت حديثاً من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلا علمت أنَّه حقٌ من الله تعالى)) . للزنا فساد كبير، وشر مستطير، له آثار كبيرة، وتنجم عنه أضرار كثيرة، سواء علىمرتكبيه، أو على الأمة عامة. وبما أن الزنا يكثر وقوعه، وتكثر الدواعي إليه، فهذه نبذة عن آثاره ومفاسده،وآفاته وأضراره: 1ـ الزنا يجمع خلال الشر كلها من: قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلةالغيرة، ووأد الفضيلة. 2ـ يقتل الحياء ويلبس وجه صاحبه رقعة من الصفاقة والوقاحة. 3ـ سواد الوجه وظلمته، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو للناظرين. 4ـ ظلمة القلب، وطمس نوره. 5ـ الفقر اللازم لمرتكبيه، وفي الأثر يقول الله تعالى: { أنا مهلك الطغاة، ومفقر الزناة }. 6ـ أنه يذهب حرمة فاعله، ويسقطه من عين ربه وأعين عباده، ويسلب صاحبه اسم البر،والعفيف، والعدل، ويعطيه اسم الفاجر، والفاسق، والزاني، والخائن. 7ـ الوحشة التي يضعها الله في قلب الزاني، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه؛فالعفيف على وجهه حلاوة، وفي قلبه أنس، ومن جالسه استأنس به، والزاني بالعكس من ذلكتماماً. 8ـ أن الناس ينظرون إلى الزاني بعين الريبة والخيانة، ولا يأمنه أحد على حرمتهوأولاده. 9ـ ومن أضراره الرائحة التي تفوح من الزاني، يشمها كل ذي قلب سليم، تفوح من فيه،ومن جسده. 10ـ ضيقة الصدر وحرجه؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم؛ فإن من طلب لذة العيشوطيبه بمعصية الله عاقبه الله بنقيض قصده؛ فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، ولميجعل الله معصيته سبباً إلى خير قط. ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور، وانشراح الصدر، وطيب العيش؛لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل. 11ـ الزاني يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جناتعدن. 12ـ الزنا يجرئ على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين، وكسب الحرام، وظلم الخلق،وإضاعة الأهل والعيال وربما قاد إلى سفك الدم الحرام، وربما استعان عليه بالسحروالشرك وهو يدري أو لا يدري؛ فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلهاومعها، ويتولد عنها أنواع أخرى من المعاصي بعدها؛ فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلهاوجند من المعاصي بعدها، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة، وأمنع شيء لخير الدنياوالآخرة. 13ـ الزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عاراً لا يقف عندها، بل يتعداها إلىأسرتها؛ حيث تدخل العار على أهلها، وزوجها، وأقاربها، وتنكس به رؤوسهم بين الخلائق. 14ـ أن العار الذي يلحق من قذف بالزنا أعلق من العار الذي ينجر إلى من رميبالكفر وأبقى؛ إلا إن التوبة من الكفر على صدق القاذف تذهب رجسه شرعاً، وتغسل عارهعادة، ولا تبقي له في قلوب الناس حطة تنزل به عن رتبة أمثاله ممن ولدوا في الإسلام،بخلاف الزنا؛ فإن التوبة من ارتكاب فاحشته ـ وإن طهرت صاحبها تطهيراً، ورفعت عنهالمؤاخذة بها في الآخرة ـ يبقى لها أثر في النفوس، ينقص بقدره عن منزلة أمثاله ممنثبت لهم العفاف من أول نشأتهم. وانظر إلى المرأة ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وإن ظهرت توبتها؛مراعاة للوصمة التي أُلصقت بعرضها سالفاً، ويرغبون أن ينكحوا المشركة إذا أسلمترغبتهم في نكاح الناشئة في الإسلام. 15ـ إذا حملت المرأة من الزنا، فقتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإذا حملتهعلى الزوج أدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم ورآهم وخلا بهم، وانتسبإليهم وهو ليس منهم إلى غير ذلك من مفاسد زناها. 16ـ أن الزنا جناية على الولد؛ فإن الزاني يبذر نطفته على وجه يجعل النسمةالمخلقة منها مقطوعة عن النسب إلى الآباء، والنسب معدود من الروابط الداعية إلىالتعاون والتعاضد؛ فكان الزنا سبباً لوجود الولد عارياً من العواطف التي تربطهبأدنى قربى يأخذون بساعده إذا زلت به فعله، ويتقوى به اعتصابهم عند الحاجة إليه. كذلك فيه جناية عليه، وتعريض به؛ لأنه يعيش وضيعاً في الأمة، مدحوراً من كلجانب؛ فإن الناس يستخفون بولد الزنا، وتنكره طبائعهم، ولا يرون له من الهيئةالاجتماعية اعتباراً؛ فما ذنب هذا المسكين؟ وأي قلب يحتمل أن يتسبب في هذا المصير؟! 17ـ زنا الرجل فيه إفساد المرأة المصونة وتعريضها للفساد والتلف. 18ـ الزنا يهيج العداوات، ويزكي نار الانتقام بين أهل المرأة وبين الزاني، ذلكأن الغيرة التي طبع عليها الإنسان على محارمه تملأ صدره عند مزاحمته على موطوئته،فيكون ذلك مظنة لوقوع المقاتلات وانتشار المحاربات؛ لما يجلبه هتك الحرمة للزوجوذوي القرابة من العار والفضيحة الكبرى، ولو بلغ الرجل أن امرأته أو إحدى محارمهقتلت كان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت. قال سعد بن عبادة ـرضي الله تعالى عنه ـ "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح". فبلغ ذلك رسول اللهصلى الله عليه وسلم فقال: ((أتعجبون من غيرةسعد! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني؛ ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهرمنها وما بطن))أخرجه البخاري ومسلم. 19ـ للزنا أثر على محارم الزاني، فشعور محارمه بتعاطيه هذه الفاحشة يسقط جانباًمن مهابتهن ـ كما مر ـ ويسهل عليهن بذل أعراضهن ـ إن لم يكن ثوب عفافهن منسوجاً منتربية دينية صادقة. بخلاف من ينكر الزنا ويتجنبه، ولا يرضاه لغيره؛ فإن هذه السيرة تكسبه مهابة فيقلوب محارمه، وتساعده على أن يكون بيته طاهراً عفيفاً. 20ـ للزنا أضرار جسيمة على الصحة يصعب علاجها والسيطرة عليها، بل ربما أودتبحياة الزاني، كالإيدز، والهربس، والزهري، والسيلان، ونحوها. 21ـ الزنا سبب لدمار الأمة؛ فقد جرت سنة الله في خلقه أنه عند ظهور الزنا يغضبالله ـ عز وجل ـ ويشتد غضبه، فلا بد أن يؤثر غضبه في الأرض عقوبة. قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه: "ما ظهر الربا والزنا في قرية إلا أذن اللهبإهلاكها". ومما يدل على عظم شأن الزنا أن الله ـ سبحانه ـ خص حده من بين الحدود بخصائص،قال ابن القيم ـ رحمه الله: "وخص سبحانه حد الزنا من بين الحدود بثلاثة خصائص: أحدها: القتل فيه بأشنع القتلات، وحيث خففه جمع فيه بين العقوبة على البدنبالجلد، وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سنة. الثاني: أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه؛ بحيث تمنعهم من إقامةالحد عليهم، فإنه سبحانه من رأفته بهم شرع هذه العقوبة؛ فهو أرحم منكم بهم، ولمتمنعه رحمته من أمره بهذه العقوبة؛ فلا يمنعكم أنتم ما يقوم بقلوبكم من الرأفة منإقامة أمره. وهذا وإن كان عاماً في سائر الحدود، ولكن ذكر في حد الزنا خاصة لشدة الحاجة إلىذكره؛ فإن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه علىالسارق والقاذف وشارب الخمر؛ فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيره من أربابالجرائم، والواقع شاهد بذلك؛ فنهوا أن تأخذهم هذه الرأفة وتحملهم على تعطيل حدالله. وسبب هذه الرحمة: أن هذا الذنب يقع من الأشراف والأوساط، والأرذال، وفي النفوسأقوى الدواعي إليه، والمشارك فيه كثير، وأكثر أسبابه العشق، والقلوب مجبولة علىرحمة العاشق، وكثير من الناس يعد مساعدته طاعة وقربة، وإن كانت الصورة المعشوقةمحرمة عليه، ولا يستنكر هذا الأمر؛ فإنه مستقر عند من شاء الله من أشباهالأنعام.ولقد حكي لنا من ذلك شيء كثير عن ناقصي العقول كالخدم والنساء. وأيضاً فإن هذا ذنب غالباً ما يقع مع التراضي من الجانبين؛ ولا يقع فيه منالعدوان والظلم والاغتصاب ما تنفر النفوس منه، وفيها شهوة غالبة له، فيصور ذلك لها،فتقوم بها رحمة تمنع من إقامة الحد، وهذا كله من ضعف الإيمان. وكمال الإيمان أن تقوم به قوة يقيم بها أمر الله، ورحمة يرحم لها المحدود؛ فيكونموافقاً لربه ـ تعالى ـ في أمره ورحمته. الثالث: أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين، فلا يكون في خلوة بحيثلا يراهما أحد، وذلك أبلغ في مصلحة الحد، وحكمة الزجر". ومما يحسن التنبيه عليه في هذا الشأن: أن فاحشة الزنا تتفاوت بحسب مفاسدها؛فالزاني والزانية مع كل أحد أشد من الزنا بواحدة أو مع واحد، والمجاهر بما يرتكبأشد من الكاتم له، والزنا بذات الزوج أشدمن الزنا بالتي لا زوج لها؛ لما فيه منالظلم، والعدوان عليه، وإفساد فراشه، وقد يكون هذا أشد من مجرد الزنا أو دونه. والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار، لما يقترن بذلك من أذى الجار،وعدم حفظ وصية الله ورسولهصلى الله عليه وسلم. وكذلك الزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثماً عند الله من الزنا بغيرها،ولهذا يقال للغازي: خذ من حسنات الزاني ما شئت. وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرماً، واشنع، وأفظع؛ فهو الهلك بعينه. وكما تختلف درجات الزنا بحسب المزني بها، فكذلك تتفاوت درجاته بحسب الزمانوالمكان، والأحوال؛ فالزنا في رمضان ليلاً أو نهاراً أعظم إثماً منه في غيره، وكذلكفي البقاع الشريفة المفضلة هو أعظم منه فيما سواها. وأما تفاوته بحسب الفاعل: فالزنا من المحصن أقبح من البكر، ومن الشيخ اقبح منالشاب، ومن العالم أقبح من الجاهل، ومن القادر على الاستغناء أقبح من الفقيرالعاجز. وقد يقترن بالفاحشة من العشق الذي يوجب اشتغال القلب بالمعشوق، وتأليهه،وتعظيمه، والخضوع له، والذل له، وتقديم طاعته وما يأمر به على طاعة الله، ومعاداةمن يعاديه، وموالاة من يواليه، ما قد يكون أعظم ضرراً من مجرد ركوب الفاحشة. كيفية التوبة من الزنا وبعد أن تبين عظم جرم الزنا، وآثاره المدمرة على الأفراد والأمة، فإنه يحسنالتنبيه على وجوب التوبة من الزنا، فيجب على من وقع في الزنا، أو تسبب في ذلك أوأعان عليه أن يبادرإلى التوبة النصوح، وأن يندم على ما مضى، وألا يرجع إليه إذاتمكن من ذلك. ولا يلزم من وقع في الزنا رجلاً كان أو امرأة أن يسلم نفسه، ويعترف بجرمه، بليكفي في ذلك أن يتوب إلى ربه، وأن يستتر بستره عز وجل. وإن كان عند الزاني صور لمن كان يفجر بها، أو تسجيل لصوتها أو لصورتها فليبادرإلى التخلص من ذلك، وإن كان قد أعطى تلك الصور أو ذلك التسجيل أحداً من الناسفليسترده منه، وليتخلص منه بأي طريقة. وإن كانت المرأة قد وقع لها تسجيل أو تصوير وخافت أن ينتشر لأمرها، فعليها أنتبادر إلى التوبة، وألا يكون ذلك معوقاً لها عن الإقبال على ربها، بل يجب عليها أنتتوب، وألا تستسلم للتهديد والترهيب فإن الله كافيها ومتوليها، ولتعلم أن من يهددهاجبان رعديد، وأنه سوف يفضح نفسه إن هو أقدم على نشر ما بيده. ثم ماذا يكون إذا هو نفذ ما يهدد به؟ أيهما أسهل: فضيحة يسيرة في الدنيا ويعقبهاتوبة نصوح؟ أو فضيحة على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ثم يعقبها دخول النار وبئسالقرار؟ ومما ينفع في هذا الصدد إن هي خافت من نشر أمرها: أن تستعين برجل رشيد منمحارمها؛ ليعينها على التخلص مما وقعت فيه؛ فربما كان ذلك الحل ناجعاً مفيداً. وبالجملة فإن على من وقع في ذلك الجرم أن يبادر إلى التوبة النصوح، وأن يقبل علىربه بكليته، وأن يقطع علاقته بكل ما يذكره بتلك الفعلة، وأن ينكسر بين يديه مخبتاًمنيباً، عسى أن يقبله، ويغفر سيئاته، ويبدلها حسنات،{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَايَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَوَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَالْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ، إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَعَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَاللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً}الفرقان: 68-70 وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن استن بسنته الى يوم الدين الحمد لله رب العالمين .