عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاللا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ) أخرجه البخاري وأخرجه مسلم وفي رواية (لاَ عَدْوَى وَلاَ صَفَرَ وَلاَ هَامَةَ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ: يَا رَسُول اللهِ فَمَا بَالُ إِبِلِي تَكُونُ فِي الرَّمْلِ كَأنَّهَا الظِّبَاءُ، فَيَأْتِي الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ بَيْنَهَا فَيُجْرِبُهَا فَقَالَ: فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ) أخرجه البخاري . عن جابر بن عبد اللَّه عنهما- قال : سمعتُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا عَدوَى ، ولا صَفَرَ ، ولا غُولَ) أخرجه مسلم لاعدوى العدوى هي إنتقال المرض من إنسان أو حيوان إلي آخر . وهذا أمر واقع لا شك فيه . ويدل عليه النص والاستقراء والطب والإجماع . فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام : قال : " لا يورد ممرض على مصح " . والممرض هو صاحب الإبل المريضة والمصح عكسه . أي لا تورد الإبل المريضة على الإبل الصحيحة حذر العدوى وفي الصحيحين أنه عليه السلام قال : " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تقدموا عليه ، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا فراراً منه " وفي البخاري ومسلم أن عمر بن الخطاب سافر إلى الشام ومعه الأنصار والمهاجرون فعلموا وهم في الطريق أنه وقع في الشام وباء ، فاستشار عمر من معه : أنرجع أم نمضي ؟ فقالت له طائفة : خرجت لأمر فلا نرى أن ترجع عنه وقالت أخرى : معك بقية أصحاب رسول الله عليه السلام ، فلا نرى أن تدخل بهم على هذا الوباء . ثم قفل عمر رضي الله عنه راجعاً بمن معه . فقال أبو عبيده: أفراراً من قدر الله . فقال أرأيت لو نزلت وادياً له عدوتان : إحداهما مخصبه ، والأخرى مجدبة ، أليست إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله ؟! . فهم لم يختلفوا في العدوى وإنما اختلفوا : هل يرجعون فراراً منها ، أم يمضون اتكالا على الله ؟ . ولاهامة : الهام جمع هامة،وهو طائر كانت العرب تزعم أن عظامم الميت تصير هامة تطير ، وكانوا يقولون : إن القتيل تخرج من هامته - أي : رأسه - هامة ، فلا تزال تقول : أسقوني ، اسقوني ، حتى يقتل قاتله. ولا صفر قيل المراد الشهر وكانت الجاهلية تغير حكمه واسمه في النسيء وقيل بل كانوا يزيدون في كل أربع سنين شهرا يسمونه صفرا الثاني فتكون السنة الرابعة ثلاثة عشر شهرا لتستقيم لهم الأزمان من جهة الشتاء والصيف لا صفر والعرب تزعم أن في البطن حية تصيب الإنسان إذا جاع وتؤذيه ، وإنها تعدي ، فأبطله الإسلام. ولا غول : الغول : هو الحيوان الذي كانت العرب تزعم أنه يعرض لما في بعض الأوقات والطرق ، فيغتال الناس ، وأنه ضرب من الشياطين ، وليس قوله : «ولا غول» نفيا لعين الغول ووجوده ،وإنما فيه إبطال زعم العرب في اغتياله وتلونه في الصور المختلفة ، يقول : لا تصدقوا بذلك. الشريد بن سويد -رضي اللَّه عنه- قال : «كان في وَفْد ثَقيف رجل مجذُوم ، فأرسل إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- : ارْجع فقد بَايَعناك» أخرجه النسائي صحيح عن أنس عن النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل قالوا وما الفأل قال كلمة طيبة وأخرجه البخاري من حديث هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس بمثله وقال: (ويعجبني الفأل الصالح الكلمة الحسنة) وأخرجه مسلم من حديث همام عن قتادة مثله وقال: (الكلمة الحسنة الكلمة الطيبة) ن أبي هريرة قال قال رسول الله {صلى الله عليه وسلم} لا عدوى ولا هامة ولا طيرة وأحب الفأل الصالح ) متفق عليه عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ : ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ :« أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَيْتَ مِنَ الطِّيَرَةِ مَا تَكْرَهُ فَقُلِ: اللَّهُمَّ لاَ يَأْتِى بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ». البيهقي عن بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَالشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ: فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ) أخرجه البخاري . وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْيُسْرُ يُمْنٌ وَالْعُسْرُ شُؤْمٌ >> أمثال الحديث لأبي الشيخ الاصبهاني حديث : حسن الخلق نماء وسوء الخلق شؤم والبر زيادة في العمر والصدقة تدفع ميتة السوء )) الكتاب : إطراف المُسْنِد المعتَلِي بأطراف المسنَد الحنبلي قال أبوداود الطيالسي: ثنا محمد بن راشد، عن مكحول قال: {قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: الشؤم في ثلاثة: في الدار، والمرأة، والفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبوهريرة, لأنه دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: قاتل الله اليهود يقولون: الشؤم في ثلاثة: في الدار، والمرأة، والفر س: فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله}. (إن كثرة الأكل شؤم) (البهقى فى شعب الإيمان وضعف عن عائشة) وعن عُروة بن عامر - رضي الله عنه - قال : ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، فقالَ : (( أحْسَنُهَا الفَألُ . وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِماً فإذا رَأى أحَدُكُمْ ما يَكْرَهُ ، فَليْقلْ : اللَّهُمَّ لاَ يَأتِي بِالحَسَناتِ إلاَّ أنْتَ ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إلاَّ أنْتَ ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِكَ )) حديث صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح . عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( إنما الشؤم في ثلاثة في الفرس والمرأة والدار ) البخاري. ( الشؤم ) التشاؤم والمعنى إذا وجد التشاؤم فإنما يوجد في هذه الثلاثة . ( الفرس ) في جموحها ونفورها أو عدم الغزو عليها . ( المرأة ) إذا كانت سليطة اللسان أو غير قانعة . ( الدار ) إذا كانت ضيقة أو قريبة من جار سوء أو بعيدة عن المسجد ] عن جابر قال سمعت النبي {صلى الله عليه وسلم} قال لا عدوى ولا صفر ولا غول
عقبة أو عقدة التشاؤم
روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ قَالَ قِيلَ وَمَا الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ )). ما هو التشاؤم؟: الشأم والشؤم ضد اليمن الذي هو البركة ويقال: رجل مشؤوم على قومه أي جر الشؤم عليهم، ورجل ميمون أي جر الخير والبركة واليمن على قومه. والعرب تقول: جرى له الطائر بكذا من الخير والشر . وقال الحليمي: (( التشاؤم سوء ظنّ بالله تعالى بغير سبب محقّق، والتفاؤل حسن ظنّ به، والمؤمن مأمور بحسن الظنّ بالله تعالى على كل حال )). والمقصود بالحديث من يجرّ النقص والشؤم على نفسه. وما يسمّى بالنظرة السوداوية إلى النفس بأنه مشؤوم وسيّء الحظّ. آثار التشاؤم: 1- باب الوساوس والشيطان: قال ابن القيم: ((اعلم أن من كان معتنياً بها قائلاً بها كانت إليه أسرع من السيل إلى منحدر، فتحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكد عليه عيشه فإذا سمع سفرجلاً أو أهدي إليه تطيّر به وقال: سفر وجلاء. وإذا رأى ياسميناً أو سمع اسمه تطيّر به وقال: يأس ومين وإذا رأى سوسنةً أو سمعها قال: سوء يبقى سنةً وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشلّ أو أعمى أو صاحب آفة تطيّر به وتشاءم بيومه. ويحكى عن بعض الولاة أنه خرج في بعض الأيام لبعض مهمّاته فاستقبله رجل أعور فتطيّر به وأمر به إلى الحبس فلمّا رجع من مهمّته ولم يلق شراً أمر بإطلاقه فقال له: سألتك بالله ما كان جرمي الذي حبستني لأجله فقال له الوالي: لم يكن لك عندنا جرم ولكن تطيّرت بك لما رأيتك فقال: فما أصبت في يومك برؤيتي فقال: مما لم ألق إلا خيراً فقال أيها الأمير: أنا خرجت من منـزلي فرأيتك فلقيت في يومي الشرّ والحبس وأنت رأيتني فلقيت في يومك الخير والسرور فمن أشأمنا والطيرة بمن كانت، فاستحيا منه الوالي ووصله. 2- حياته نكد وكدر وعنت: والمتطير متعب القلب منكد الصدر كاسف البال سيّء الخلق يتخيّل من كلّ ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفاً وأنكدهم عيشاً وأضيق الناس صدراً وأحزنهم قلباً كثير الاحتراز والمراعاة لما لا يضرّه ولا ينفعه وكم قد حرم نفسه بذلك من حظّ ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة. 3- صاحبه دائماً في المؤخّرة: صاحبه لا يرتقي نحو تحسين أحواله، وتصحيح مفاهيمه، ومعرفة نقاط الضعف من القوّة في جميع تصرّفاته، فإذا أخفق في تجارة، أو أصيب بمصيبة، أو تجمد في وظيفة أرجع هذا كلّه لسوء الحظّ، وبالتالي لا يرجع إلى نفسه والتي بإمكانه أن يصحّح مسارها ويتدارك ما قصّر فيه. بل يبقى كئيباً كسيفاً عاجزاً، في مؤخّرة الركب، لا يعرف التطوّر ولا يرغب في التغيير، ولا يسعى لمعرفة الأسباب فضلاً عن أن يأخذ بها. 4- غمّ وهمّ: يبدأ الحسد يأكل قلبه ويعصر فؤاده، وكأنّ الناس أخذوا رزقه أو تسبّبوا في حرمانه. 5- النظرة الحادّة للناس: نظرته للآخرين قاسية. يحكم عليهم دون رعاية منه للظروف، أو تحرّ للعدالة والإنصاف، فيعمى عن جِدِّهم واجتهادهم وصبرهم ومثابرته وجميع حسناتهم، وينسج حولهم بخياله ما يشتهيه من الأخطاء والنقائص، ويحمل كلامهم تفسيرات من نفسه ليس لها أصول ولا قواعد ولا متعلقات، ويعتبر نفسه دائماً هو الضحيّة. 6ـ يرى أن أسباب الشقاء انعقدت فيه: فيتصور أن الناس كلّ الناس يعيشون حياة السعادة كلّ السعادة دون تعب ولا كدر ولا حزن ولا همّ ولا نصب وأن جميع هذا الأشياء قد اجتمعت فيه. وما علم هذا القاتل لنفسه أن هذه الحياة طبعت على كدر وعنت يستوي فيها الغنيّ والفقير والعظيم والحقير والصغير والكبير. {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}([1]) سورة البلد:4.، {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} سورة الانشقاق:6.
7ـ يصاب بعمى الألوان: ولا يزال الشيطان بهذا المسكين يجعله يذوق الحسرات ويشعر بالمرارة حتى في حال فوزه وربحه ونجاحه، فإذا ما ربح ألفا نظراً إلى غيره بأنه ربح خمسة فيزداد حسرةً وأسفاً الخ. فيصاب بعمى الألوان وبالأصح بعمى القلوب {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} سورة الحجّ من الآية:46.. قد حبس نفسه طوعاً في كآبة وكدر. وبدلاً من بذل الجهد في معرفة مصالحه وأحواله ونقائصه ونقاط ضعفه، تجده يصرف جهده وطاقته في مراقبة الناس فيتولّد عنده الهمّ كما قيل: (( من راقب الناس مات هماً )). 8ـ احتراق قلبه بالغيرة والحقد على كلّ من حوله: ثمّ تنشأ عنده الغيرة وتنفذ إليه من هذا الطريق ولا تزال تأكل قلبه حتى يبغض كلّ من حوله، وهنا نقطة التحوّل من البناء إلى الهدم والتخريب قد يؤول به إلى نسف المجتمع كلّه. روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا )). وروى عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: (( لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )). ولو راجع نفسه وتدبّر كتاب ربه لوجد العلاج. يقول تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} سورة الشورى:30.. وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} سورة الروم:41. . فيتأمّل بكل هدوء فيجد أنّه باستطاعته أن يتدارك آثار إخفاقه ويعوّض ما خسره فيه بقليل من الجدّ والنشاط. 10- ضعف البدن: فالمتشائم يهزل ويضعف لأنه يأكل نفسه بنفسه حسرةً وحسداً، ويرى أنه لا فائدة من المعالجة، أو مقاومة أدواء النفس. 11- خور الهمة: إن من لا يرى إلاّ الإخفاق ولا يفكر إلاّ بالخيبة، سينتهي حتماً ويتوقف من كل نشاط وتتحول همّته إلى الدناءات. 12- يتصور أن الأمّة كلّ الأمّة مشغولة به وبإلحاق الضرر فيه وأن الناس يخطّطون لإيذائه: فيتخلّق بالخلق السيء من الحقد والحسد والبغضاء، وحبّ الأذى للآخرين، والتخريب والغيرة. 13- الانشغال بما لا يعنيه (( مِنْ حُسْنِ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ )). 14- الجمود وضعف التفكير.
15 - العزلة والانطواء، والتعاظم في الباطن.
16- يصبح صاحبه عبداً للخزعبلات والخرافات. 17- نفق يقوده إلى الشرك بالله تعالى: قال ابن القيم: (( التطيّر هو التشاؤم من الشيء المرئيّ أو المسموع فإذا استعملها الإنسان فرجع بها من سفره وامتنع بها مما عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه وبرئ من التوكّل على الله وفتح على نفسه باب الخوف والتعلّق بغير الله والتطيّر مما يراه أو يسمعه وذلك قاطع له عن مقام (( إياك نعبد وإياك نستعين ))، (( واعبده وتوكل عليه ))، (( وعليه توكلت وإليه أنيب )) فيصير قلبه متعلقاً بغير الله عبادةً وتوكلاً فيفسد عليه قلبه وإيمانه. وحاله: ويبقى هدفاً لسهام الطيرة ويساق إليه من كلّ أوب ويقيض له الشيطان من ذلك ما يفسد عليه دينه ودنياه وكم هلك بذلك وخسر الدنيا والآخرة. فأين هذا من الفأل الصالح السارّ للقلوب المؤيّد للآمال الفاتح باب الرجاء المسكن للخوف الرابط للجأش الباعث على الاستعانة بالله والتوكل عليه والاستبشار المقوّي لأمله السارّ لنفسه فهذا ضدّ الطيرة فالفأل يفضي بصاحبه إلى الطاعة والتوحيد، والطيرة تفضي بصاحبها إلى المعصية والشرك، فلهذا استحبّ صلى الله عليه وسلم الفأل وأبطل الطيرة. أسباب التشاؤم: 1- عدم الرضا بقضاء الله وقدره: وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأنه لم يكن أكبر منه. فأنت تجد رجلين أُصِيبَا بمصيبةٍ واحدةٍ أحدَهما فَرِحاً مسروراً، والآخرَ مغموماً مقهوراً محسوراً. 2- عدم مشاهدة نعمة الله عليه في نفسه وأهله: روى الترمذي وابن ماجة عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )). 3- سوء الظن بالله جل وعلا، واعتراض على أمره وحُكْمه وحِكْمَته: فيرى أن فلاناً أعطي ما لا يستحقّ من المال والولد، وأنه أحقّ بهذا منه.. 4- جعل الدنيا أكبر همّه: روى الترمذي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم: (( مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ )). 5- النظر إلى من فوقه ومن فُضِّلَ عليه: روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم قَالَ: (( إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ )). وروى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم: (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ )) قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ: (( وهذا هو العلاج الناجح لهذه العقبة الخبيثة )). 6- سوء الظنّ بالآخرين وأنهم لا يستحقّون ما حصلوا عليه فهم لا يفضلونه بشيء. 7- الجهل وضعف العقل. 8- ضعف الإيمان وقلّة ذكر الله تعالى. سلف المتشائمين:
ولم يحك الله التطيّر إلاّ عن أعداء الرسل كما قالوا لرسلهم {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} سورة يس:18-19. وكذلك حكى الله سبحانه عن قوم فرعون فقال: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ} سورة الأعراف:131. حتى إذا أصابهم الخصب والسعة والعافية قالوا: لنا هذه. أي نحن الجديرون الحقيقيّون به ونحن أهله وإن أصابهم بلاء وضيق وقحط ونحوه قالوا: هذا بسبب موسى وأصحابه، أصبنا بشؤمهم ونقض علينا غبارهم، كما يقوله المتطيّر لمن يتطيّر به فأخبر سبحانه أن طائرهم عنده. كما قال تعالى عن أعداء رسوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} سورة النساء:78. فهذه ثلاثة مواضع حكى فيها التطير عن أعدائه. وأجاب سبحانه عن تطيّرهم بموسى وقومه بأن طائرهم عند الله لا بسبب موسى. وأجاب عن تطيّر أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّه} وأجاب عن الرسل بقوله: {طَائِرُكُمْ مَعَكُم} وأما قوله: {طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ} فقال ابن عباس: (( طائرهم ما قضى عليهم وقدّر لهم ))، وفي رواية (( شؤمهم عند الله ومن قبله )) أي: إنما جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله. وقال أيضاً: إنّ الأزراق والأقدار تتبعكم، وهذه كقوله تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} أي ما يطير له من الخير والشرّ فهو لازم له في عنقه. وفي صحيح مسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمي أنه قال: (( يا رسول الله ومنا أناس يتطيّرون فقال: ذلك شيء يجده أحدكم في نفسه فلا يصدّنّه )). فأخبر أن تأذيّه وتشاؤمه بالتطيّر إنما هو في نفسه وعقيدته لا في المتطيّر به فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيّره ويصدّه لا ما رآه وسمعه.. علاج التشاؤم والتطيّر: وقد شفى النبيّ صلى الله عليه وسلم أمته من الطيرة حيث سئل عنها فقال: (( ذاك شيء يجده أحدكم فلا يصدنه )) وفي أثر آخر (( إذا تطيرت فلا ترجع - أي امض - لما قصدت له ولا يصدنك عنه الطيرة )). واعلم أن التطيّر إنما يضرّ من أشفق منه وخاف وأما من لم يبال به ولم يعبأ به شيئاً لم يضرّه البتة ولا سيّما إن قال عند رؤية ما يتطير به أو سماعه: (( اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يذهب بالسيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك )). فالطيرة باب من الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته يكبّر ويعظم شأنها على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحلّ عمّن لم يلتفت إليها ولا ألقى إليها باله ولا شغل بها نفسه وفكره. فأوضح صلى الله عليه وسلم لأمّته الأمر وبيّن لهم فساد الطيرة ليعلموا أنّ الله سبحانه لم يجعل لهم عليها علامةً ولا فيها دلالةً ولا نصبها سبباً لما يخافونه ويحذرونه لتطمئنّ قلوبهم ولتسكن نفوسهم إلى وحدانيته تعالى التي أرسل بها رسله وأنزل بها كتبه وخلق لأجلها السموات والأرض وعمر الدارين الجنة والنار فبسبب التوحيد ومن أجله جعل الجنة دار التوحيد وموجباته وحقوقه، والنار دار الشرك ولوازمه وموجباته فقطع صلى الله عليه وسلم علق الشرك من قلوبهم لئلا يبقى فيها علقة منها ولا يتلبسوا بعمل من أعمال أهله البتة. وقال الماوردي: (( ينبغي لمن مُنِيَ بالتطير أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب، فلا يثنيه عنها ما لا يضير مخلوقاً ولا يدفع مقدوراً، وليمض في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى، وراضياً به إن منع )). وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .