ما علمتُ قدَرًا أن فرنسا حددت يومًا للحمار كل عام تحتفي فيه بفضائله، وأن بريطانيا حددت له ساعات عمل يومية من العاشرة صباحًا حتى السابعة مساءً مع وجود ساعة راحة لتناول الغذاء، استهوتني الفكرة بأن أبحث عن وضع حمارِنا وسط أحمرة العالم!
قد يبدو الأمر مضحكًا، ولكن دَعُونا نقرأ المشهد بواقعية مجردة، دونما تحيزٍ لحمارنا أو افتراء على أحمرة الغير، فوسط أربعة وأربعين مليون حمار - عدد أحمرة العالم - يبقي حمارنا هو الأحقَّ بأن يكون له الاحتفاء، فكم من مشاقَّ يتحملها بيننا، ومع ذلك تبقى صورته في مخيلتنا مرتبطة بالغباء!
وحيث إنني من سكان القرى، فالفرصة متاحة لي أن تقع عيناي عليه بكرةً وأصيلاً، وقد امتطاه صاحبه، ولم يكتفِ بذلك، بل يضربه بسوطه كي يسرع المسير، والحمار يستجيب بعفوية غريبة!
تذكَّرت يومَ رأت أجنبية في بلدنا حمارًا يُضرَب، وكيف أنها ثارت واشتكت لجمعية الرِّفق بالحمير -!!!- ولم تكتفِ بذلك، بل أقسمت ألا تزور بلادَنا ثانيةً!
إذًا أنا أمام مشهد مختلط!
كيف لها أن تثورَ لضرب حمار، ولا تتأثر بضرب إنسان؟!
كم أنت رائع أيها الحمار!
أهديتَني فكرة أراها واقعًا في أماكن شتى من أرض عروبتي..
كم من دماءٍ تُراق ولا حياةَ لمن تنادي!
آه من خُبث أعداء ديني!
يحاولون إيهامَنا برقة قلوبهم لتنفيذ مخططاتهم!
وتؤجج مشاعرَنا آلاتُهم الإعلامية الضخمة بالتركيز على المشهد!
ونسُوا أن من شرايين الوجود تنبُعُ قيمُنا!
ونسُوا أنني مؤمن أنه ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الجمعة: 5].
ومِن تفسير سيد قطب:
"بنو إسرائيل حملوا التوراة، وكُلِّفوا أمانةَ العقيدة والشريعة ﴿ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا ﴾، فحَملُها يبدأ بالإدراك والفهمِ والفقه، وينتهي بالعمل لتحقيق مدلولِها في عالم الضمير وعالم الواقع، ولكن سيرة بني إسرائيل كما عرضها القرآن الكريم - وكما هي في حقيقتها - لا تدلُّ على أنهم قدروا هذه الأمانة، ولا أنهم فقهوا حقيقتَها، ولا أنهم عملوا بها، ومن ثم كانوا كالحمار يحمل الكتب الضِّخام، وليس له منها إلا ثقلها، فهو ليس صاحبَها، وليس شريكًا في الغاية منها! وهي صورة زريَّة بائسة، ومثل سيِّئ شائن، ولكنها صورة معبرة عن حقيقة صادقة".
وفجأة يُخرجني من هذا الحيز من التفكير صوت نهيق يسخر من سذاجتي!
إنه حوار بين حمارين في أحد الأزقَّة، ينطق به الكاريكاتير الساخر!
الكاريكاتير من جريدة الأهرام المصرية.
منقول
d,l hgplhv!!!!!!!!!!!! çgdlçR d,l