ذات يوم، أراد رجل عجوز أن يجدد حرث أرض حديقة منزله في إحدى القرى الفلسطينية، ليزرع فيها البطاطا. ففكر بأبنه الوحيد الذي اعتقلته القوات الإسرائيلية منذ عدة شهور، فقد كان العون الوحيد لأبيه في مثل هذه المواقف، أما الآن، فهو يعيش وحيدا ومغلوبا على أمره..
فما كان منه إلا أن كتب رسالة لابنه، يعبر فيها عن اشتياقه له، وتمنيه أن يكون بجانبه ليعاونه في زراعة الأرض.
بعد أيام تلقى الأب رسالة من ابنه، يحذره فيها من أن يحفر حديقة المنزل، لأنه دفن أسلحته فيها..
بعد يومين، داهم الجنود الإسرائيليين منزل الشيخ، واتجهوا نحو الحديقة وقاموا بحفرها وقلبها رأسا على عقب، بحثا عن السلاح الذي جاء ذكره في رسالة الابن لأبيه، ولكن لم يجدوا أي شئ.
فخرجوا من المنزل، بعد أن قدموا خدمة حرث الحديقة للشيخ دون أن يشعروا..
بعد أيام، استلم الشيخ رسالة ثانية من ابنه يقول فيها (الآن يمكنك يا أبي أن تزرع البطاطا.. هذا أقصى ما يمكنني أن أقدمه لك، فأرجو أن ترضى عني).
مكحول: "بر الوالدين كَفَّارة للكبائر، ولا يزال الرجل قادرًا على البر مادام في فصيلته من هو أكبر منه"
سعيد بن المسيب: عن ابن الهداج قال: "قلت لسعيد بن المسيب : "كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته، إلا قوله: {وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء : 23]، ما هذا القول الكريم؟ فقال ابن المسيب: "قول العبد المذنب للسيد الفَظّ الغليظ".
ابن عباس: "يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، لا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما".
ذكر علماء التراجم أن ظبيان بن علي كان من أَبَرِّ الناس بأمه، وفي ليلة باتت أمه، وفي صدرها عليه شيء، فقام على رجليه قائمًا حتى أصبحت، يكره أن يوقظها، ويكره أن يقعد. كان حيوة بن شُرَيْح يقعد في حلقته يُعلِّم الناس، فتقول له أمه: "قم يا حيوة، فألق الشعير للدجاج"، فيترك حلقته، ويذهب لفعل ما أمرته أمه به.
وكان زين العابدين كثير البر بأمه، حتى قيل له: "إنك من أبر الناس بأمك، ولسنا نراك تأكل معها في صحفة ؟"، فرد عليهم: "أخاف أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها؛ فأكون قد عققتها".
وسئل أبو عمر عن ولده ذر فقيل له: "كيف كانت عِشْرته معك ؟"، فقال: "ما مشى معي قط في ليل إلا كان أمامي، ولا مشى معي في نهار إلا كان ورائي، ولا ارتقى سقفا كنتُ تحته".
وقد بلغ من بر الفضل بن يحي بأبيه أنهما كانا في السجن، وكان يحي لا يتوضأ إلا بماء ساخن، فمنعهما السجّان من إدخال الحطب في ليلة باردة، فلما نام يحي قام الفضل إلى وعاء وملأه ما، ثم أدناه من المصباح، ولم يزل قائما والوعاء في يده حتى أصبح.
وقال جعفر الخلدي: "كان الإمام الأبار من أزهد الناس، استأذن أمه في الرحلة إلى قتيبة، فلم تأذن له، ثم ماتت فخرج إلى خراسان، ثم وصل إلى "بلخ" وقد مات قتيبة، فكانوا يعزونه على هذا، فقال: هذا ثمرة العلم؛ إني اخترت رِضَى الوالدة. فعوّضه الله علمًا غزيرًا".
فإذا كان هذا هو حال السلف مع والديهم.... فكيف نحن بحالنا مع بر الوالدين... أعتقد أن برنا بحاجة إلى بر!!!