¸.•´♥ غريب الدار ¸.•´♥ الحلقة الثانية ¸.•´♥الصقر الجريح¸.•´♥
::
::
[youtube]
::
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل كان معتز يحلم؟ بل إن الحلم حقيقة! وإن هذه الحقيقة لا تصدّق!
قُبله تُطبع على جبينه حتى يستيقظ، إنها القبلة الصباحية التي اعتاد عليها من شفتي أمه رحمها الله قُبله عطف وحنان، قُبله طاقة يهوى أن يبدأ بها يومه، لقد افتقدها على مدى ثلاث سنين، افتقد معها صراخ أخته وهي تحيه وتلاعبه، تصعد على ظهره وتشاكسه. يريد أن يفتح عينيه..لكنه يخشى الواقع،الذي لابد من مواجهته فهو يعيش تفاصيله، و لا يستطيع الهروب منه ،ثم قرر مواجهة الواقع وفتح عينيه، فكانت سمية تبتسم وتقول بصوت الأم الحنون: استيقظ يا كسول، الإفطار جاهز.
وضع غطائه فوق رأسه بعد أن شعر بالإحباط فهي ليست أمه، وميسون الصغيرة ليست معها، وما أن رفع الغطاء حتى سقطت على الأرض صورة امرأة جميلة، سمراء ناعمة و بالقرب منها ملاك صغير في الثالثة من عمرها، فالتقطت سمية الصورة وقالت باسمة: إن أمك وميسون رائعتا الجمال.
رفع غطائه فشاهد سمية تمسك بالصورة فأختطفها من يدها وقال غاضباً: إنها لي لا تسرقيها.
تجاهلت رده القاسي وقالت بحنان: ولماذا لا تضعها داخل إطار؟ (ثم سكتت لحظة و أكملت)على فكرة ..لدي إطار جميل.
ذهبت بخطواتها الرزينة الهادئة..وما لبثت أن رجعت...تحمل إطاراً جميلاً مذهباً، وضعت الصورة بداخل الإطار وقالت برضى:هكذا أجمل.
معتز مستفسرا: لماذا لم تغضبي مني؟
سمية وهي تضع الصورة على صندوق الأدراج بالقرب منه :لماذا؟
معتز وهو يهز كتفيه: مممممم.. لأن النساء يغرن.
ضحكت ضحكه صافية وقالت: والآن يكفي ثرثرة أيها الكسول... طعام الإفطار جاهز.
مشى متكاسلاً ..أما هي فانتقلت لتجلس بالقرب من سرير جمال تداعب شعره وتقول:لم أعهدك كسولاً يا صاحب الهمم.
قبلته على جبينه، وقد صار وجهه شاحباً، فأمسك يد أمه وقبّلها، ثم نظر من خلال النافذة، صامتا حزينا، بدأت تمسح وجهه برفق وتقول:ألن تكف عن الحزن يا بني؟
جمال:دعيني أرثي كتابي الوحيد هنا فلقد أكملت قرآئته وودعته كان غريب مثلي، شكونا الوحدة معاً، شكونا الحزن معا،شكونا الألم معا،شكونا الجرح معا،بكيت فكأنه بكى، وكأننا بكينا معاً.
قالت:سيتغير الحال يا ولدي
ما بين طرفة عين وانتباهتها
يغير الله من حالٍ إلى حالِ
جمال بألم: الحمد لله، فلن يمر حال أسوأ مما مر، وهل يوجد أسوأ مما مر؟
سمية بحزن: لن يأتي يا ولدي، سنكون بخير هنا إن شاء الله، قم يا ولدي وتناول طعامك..تمر الأيام ولا أراك تأكل إلا بضع لقيمات.
نهض، ومشى بهدوء إلى غرفة الطعام،فأستقبله محمود، وكان يجلس حول المائدة فقال باسماً: كيف حال بطلنا جمال.
عدّل نظارته بتوتر وقال باضطراب: الحمد لله أنا بخير يا عمً.
قال محمود يداعب معتز وجمال: إذن هيا لنأكل فمعتز يموت جوعاً، وإن تأخرت أكثر فسيفترسك.
لم تكن شهية جمال على ما يرام كعادتها فأكل لقيمات وبقي جالساً ينتظر الإذن له بالانصراف،أ ما معتز، فيأكل بنهم.
لم يقدر محمود أن يسكت هذه المرة على ضعف شهية جمال فسأل عاتباً:أنا لا أراك تأكل؟
جمال بتوتر: بــ...بــ.. بلى..ربما لم تنتبه
محمود: يا بني،إنك الآن في طور النمو،وتحتاج إلى الغذاء.
لم يرد فلم يلزمه محمود الذي وقف متوجها إلى الباب وقال لسمية: أنا ذاهب للعمل إن أردت شيء اتصلي بي.
وقف جمال مقابل محمود، فمعتز أخبره بأن أبوه يحتاج إلى عامل وسيأخذه معه، فقال وهو يخفض رأسه:هل سأذهب للعمل معك؟
عقد محمود حاجبيه مستغربا وفكّر، ابتسم ثم قال: ماذا؟! آخذك لتعمل معي إنك هزيل و لا تنفعني.
نظر إلى سمية وضحك قائلا: أطعميه..
ثم رحل
قالت سمية: معتز، أبوك ينتظرك لتذهب إلى المكتبة، وأنت كذلك يا جمال.
جمال متلهفاً: ماذا المكتبة؟
هم بأن يركض فانتهرته سمية فتوقف، ورغم ذلك كان أول من وصل إلى العربة ،جلس في المقعد الخلفي،ينتظر معتز الذي نزل ببطء وقال لأبيه :والله لولا الدفاتر الجديدة و الحقيبة الجديدة التي وعدتني بها، ما جئت إلى هناك.
نظر محمود إلى معتز وقال متحدياً :طيب ..... سأعقد معكما اتفاق، في هذه المرة يجلس معتز في المقعد الأمامي، وفي المرة القادمة... جمال.
أحس جمال بالحرج الشديد وانكمش في جلسته، أراد أن يعاند لكنه لكن لسانه لم يطاوعه, وعندما وصل إلى المكتبة أصيب بخيبة أمل، لقد ظن أن زيارة المكتبة لاختيار الكتب، فاذا هي لدفاتر معتز وأقلامه.
كان معتز مشغولاً بانتقاء الدفاتر أما هو فلا يملك ثمن قلمٍ صغير، كرامته لم تسمح له أن يطلب أي شيء، ثم طاف بخياله أنه لم يُدعى أو أنه لن يذهب للمدرسة أصلاً، كما أوهمه معتز فتشاغل بالنظر إلى كتابٍ في المكتبة باسم " الحاجب المنصور"، وإذا بعمه يسأله بعد أن وقف مقابله: لماذا لم تختر القرطاسية؟
وضع الكتاب جانباً وأشار بكلتا يديه إلى صدره مندهشاً: أنا؟
محمود وهو يضحك: نعم أنت، هل ستكتب دروسك على ورق النخيل؟
جمال بخجل: لا شكراً.
محمود بحزم:لا تقل لي ... لا، على كل حال أنا و معتز سنختار لك.
واختار لجمال كما اختار لابنه وزاده بكتاب الحاجب المنصور.
التعديل الأخير تم بواسطة أم البنين1977 ; 22-04-2011 الساعة 08:01 AM
جلس معتز حول المائدة ينادي:يا قوم إني أموت جوعاً، أدعوا الله أن يكون طعامنا بلا صدع ولا رأب.
رمق محمود ابنه بنظرة غضب، لكن وصول سمية بالوقت المناسب، وهي تضع أصناف الطعام الشهي أنقذه فضحكت وقالت:لقد أحضرت لي عمّتك سائدة....كنز.
اكتفى جمال في النظر إلى أمه وتعديل نظارته ليتأمل ضحكتها وبسمتها، أما معتز قال بلهفة: كنز... ما هو؟
سمية وقد جعلت وجهها يستقبل وجه معتز وقالت:دفتر طبخٍ كتبته أمك رحمها الله ..من الآن... سأطبخ الأصناف التي تحبها، ( وهمست بحنان)قد لا يكون طعامي مثل الأصل.. لكني سأحاول.
أحس معتز بالغبطة والسرور، أما محمود وجمال حدقا بسمية معجبين بأسلوبها ببسمتها الرقيقة.
نظر محمود إلى صحن جمال الذي ظل على حاله وسأل مؤنباً:إلى متى يا جمال؟ أنظر إلى جسدك النحيل ووجهك الشاحب، إني أخشى عليك أن يزداد مرضك.
جمال وقد عدّل نظارته: أرجوك ...لا أقدر على أكل المزيد
ثم نظر إلى أمه وقال: أشكرك يا أمي.
وقف ثم استدار لكن محمود قال بحزم وسطوة: لم أسمح لك بالانصراف.
نظرت سمية إلى محمود بقلق وأظهرت التماسك، قالت لمعتز بابتسامة شاحبة:ما رأيك أن تساعدني في نقل الأطباق؟
جلس جمال منقبض النفس، مضطرب الفؤاد، أما معتز كان يلمح الفتى شامتاً.
قال محمود بسطوة وتسلط: كُل.
اكتفى بهذين الحرفين حازماً، فأمسك جمال الملعقة بيد مرتعشة، فلم يقدر إلا على تناول لقمة وقال برجاء:لا..
أخذ محمود الملعقة من يد جمال، التقط لقمة من الطبق ودسها في فم جمال المستسلم المستكين وقال بسطوة وتسلط:لا..تقل.. لي..لا.. من الآن فصاعداً، سأجبرك على نظامٍ غذائيٍ صارم،إن لم تأكل سأطعملك أنا وأجبرك على تناول الطعام، لقد زاد ضعف جسدك.
لم يعرف جمال كيف يمضغ اللقمة، سأل محمود وهو ينظر إلى وجه جمال الشاحب ويبتسم:هل قرأت كتاب الحاجب المنصور؟
هز جمال رأسه بتوتر لينفي، ثم استجمع قواه وقال بتلعثم:أ....أرجوك...أتركني..
ثم لم يشعر بجسده فسقط رأسه على صدر محمود، وغاب عن الوعي، بدأ جسده يرتعش وبردت أطراف يده.
شعر محمود بالجزع، أما أمه فهرعت إليه وقالت مرتبكة: هل عاودته النوبة؟
معتز بدهشة: أي نوبة؟
حمله محمود وقال: يال حماقتي لقد كنت قسوت عليه، سأحمله إلى أخي راشد، جهزي نفسك لتأتي معي.
ارتدت ملابسها بسرعة، ولكنها عندما وصلت أمام الباب؟ ..تسمرت مكانها وقالت وهي تبكي:لا..لا.. أقدر أن أخرج..لا أستطيع.
ثم بركت على الأرض..ساعدها معتز على الوقوف وقال: لا بأس يا خالة سأبقى معك..(ووجه كلامه إلى أبيه وقال) أبي خذه الآن إلى المستشفى، أنا سأعتني في الخالة سمية.
التعديل الأخير تم بواسطة أم البنين1977 ; 22-04-2011 الساعة 08:13 AM
مازال جمال فاقد الوعي، ممد على السرير، وإبرة المغذي في يده، محمود جالساً على كرسي بالقرب من السرير، يمسك بيد جمال، يسند رأسه عند يديه ويد جمال، أما الدكتور راشد وقف بجانب أخيه ينظر إلى جمال ويقول والألم يعتصره: يؤسفني أنك قد شهدت النهاية، ولم تشهد البداية...شهدت نهاية الطفل الشجاع(وأغمض عينيه بألم فنزلت دمعة تحسر وقال)...لقد انتهى جمال يا محمود..لن ينهض مرة أخرى.
محمود بحزم وثقة: إن الذي جمعني معه بمعجزة...قادر على أن يبعث الروح فيه من جديد ..بمعجزة أخرى...
هز الدكتور راشد رأسه متحسراً وقال:لا يمكن إقناعك.. على كل حال .. لقد جهزت له بعض المهدئات.. ..لا تقلق إن زادت ساعات نومه.
فتح جمال عينيه فوجد راشد ومحمود حوله فأحس بيد محمود الدافئة تمسك بيده بحنان.
قال راشد لمحمود وهو يمسح شعر جمال: استيقظ فارسك يا محمود.
محمود بتأسف: سامحني يا بني إن كنت قاسياً..
فأطلق شبه ابتسامة ولم يرد ..فقال الدكتور راشد:مع الأسف أيها الصقر الأندلسي، سترى قسوة أكثر من أخي الأكبر..إنني قد صرت طبيباً (وهمس في أذنه)وما زلت أرتجف من هيبته وسطوته.
ثم قال باسماً:سيكون نشيدك..كنشيدك في الماضي،أيها الصقر الأندلسي
و لرب نازلة يضيق لها الفتى ذرعاً وعند الله منها المخرجا
نزلت دموع جمال وأشاح بوجهه ولم يرد..أحس راشد بالألم على جمال..ثم قال الدكتور راشد بحزم:على كل حال إنك مصاب بسوء التغذية، أنا أدعوك يا محمود على أن تجبر جمال بتناول برنامج غذائي صارم.
قال محمود لجمال برفق:أعلم أيها الفارس الصغير بأنك مررت بأيامٍ عصيبة..لكنها انتهت يا ولدي..أليس كذلك يا بطل؟
لم يرد ولم يبتسم..
راشد باسماً: بلى قد انتهت يا جمال وصارت من الماضي،والآن جهزت أدوية عندما ستناولها ستصبح شهيتك أقوى من شهية معتز.
أحس معتز بيد حانية تمسح رأسه، إنه أبوه ينحني ويبتسم ثم يهمس: لقد أثبتّ رجولتك برباطة جأشك اليوم.
فتح معتز عينيه وابتسم لأبيه فسأل محمود: كيف حال سمية؟
قبل أن ينهي الجمله، دخلت سمية الغرفة، والإرهاق يظهر على وجهها، مشت ببطء إلى أن وصلت إلى سرير جمال، جلست على الأرض بجوار ابنها، أمسكت بيده،صارت تمسح دموعها بيده وتقول :قتلناك أيها الصقر الجريح..آه يا ولدي ...متى ستحلق من جديد...
أمسك محمود بيد معتز، ساعده على النهوض، لف ذراعه حول ظهر معتز وخرجا إلى الصالة ثم جلسا على الأريكة، أسند محمود رأسه على ظهر الأريكة ابتسم وقال لمعتز:أتعلم؟ أنا لم أكن أعرف جمال، إن الذي كان يعرفه، هو راشد، وكان يلتقي معه في مساجد أمريكا، كان جمال مرحا مثلك، كان شخصية فريدة( صمت برهة ثم أكمل)عندما ماتت والدتك و ميسون كنت أحكي مع راشد ونبرة الحزن تملأ صوتي، فيحكي لي نوادر جمال ليخفف عني.. كان يتكلم عنه بفخر..عن صموده وعن ذكائه، عن صبره وعن إيمانه، وكنت أدعو الله بصدق أن يجمعني معه..لأراه وأحتضنه..لأخفف عنه آلامه وأحزانه، ثم ..و بالصدفة ،استجاب الله دعائي و التقيت معه ومع أمه قبل ستة أشهر.
معتز: كيف؟
انطفأت الابتسامة..وأغمض عينيه كأنه يتذكر مشهدا مروعاً
وسكت.
كان جمال ممدد على سريره ينظر من خلال النافذة, ومعتز ينظر إليه محتاراً و يسأل: من أنت أيها الغريب؟وما هي حكايتك؟
حدق جمال في النجوم، تذكر ابتسامة أمه و ضحكتها،فابتسم ثم قال:أنا يا معتز... عبد الرحمن الغافقي...قتلت في المكان الذي ولدت فيه أمي.
ما هي حكاية جمال؟
ما قصته؟
مازال جمال يحمل الكثير من المفاجآت ..
فأنتظروا حكايته :)
التعديل الأخير تم بواسطة أم البنين1977 ; 23-04-2011 الساعة 05:22 AM
¸.•´♥ غريب الدار ¸.•´♥ الحلقة الثالثة ¸.•´♥صراعاتٌ نفسية¸.•´♥
::
::
[youtube]::
::
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
مرت ثلاثة أسابيع و حياة الفتى متقلبة،فهو كثير النوم في حين، ويقتله الأرق في حين أخرى..يأكل باعتدال في حين..وفاقد الشهية في حين أخرى..هادئا في حين...هائجاً في حين أخرى..مبتسماً في حين..كئيبا في حين أخرى..
لم يذهب إلى المدرسة،ولا حتى ذهب للعمل في ورشة محمود، لأن الأخير أمره أن يبقى متعذرا بمرضه..بل وأمره أن لا يغادر السرير وماطل عند السؤال,فامتعض الفتى و اشتعل الشك في قلبه.
كان يستعير كتب معتز فيذاكرها فتطفئ النار المشتعلة في قلبه..تعطيه الأمل بأنه سيلتحق مع أقرانه في المدرسة، أجل كتب معتزالذي يذهب إلى المدرسة مكرهاً، ويحسد جمال لأن المدرسة مزعجة برأيه، لم أن يحسده على الحبس الذي فُرض عليه، في بعض الأحيان يحاول التخفيف عنه بأن يطلب منه أن يخرج معه ليتعرّف على أصحاب معتز ويتعرف عليهم، فترفض الخالة سمية وتأمر جمال بالبقاء والدراسة !
كانت سمية ترسم لوحة فنية بديعة،صورة جبالٍ خضراء شامخة وقلعة حصينةً صامدة، جمال يجلس على الأريكة وقد رمى رأسه على ظهرها فاقداً الإحساس بمن حوله وكأن روحه قد رحلت من دون رجعة، اقترب معتز ونظر إلى اللوحة وقال:أنتِ فنانة! ما أجمل هذه الصورة!
سمية:إنها الفردوس المفقودة..هذه الأندلس.
وكأن روحاً بعثت في جسد الفتى فرفع رأسه ونهض وتأمل الصورة وتلمسها وهمس بفرحة غامرة:غرناطة!!
ابتسمت سمية وعلقت: عندما أنتهي منها سأعلقها بالقرب من سريرك يا جمال..حتى تراها كل صباح.
وضعت اللمسات الأخيرة وقالت:لقد انتهيت..وهذا التوقيع كما يفعل الرسامون.
جمال:أرجوكِ لا تفعلي..
سمية و هي تبتسم بشفقة:ولم؟ ألا يرضيك أن أكتب اسم سمية؟
همس جمال:سمية...سمية...أجل سمية.
نظرت إلى معتز وسألت بابتسام: وأنت؟ أي لوحة تحب أن أرسمها ؟
جمال بتوسل: أرسمي له جامع قرطبة يا أمي..
سمية تبتسم: سأرسم له جامع قرطبة يا بني ..
جمال وهو يتلمس اللوحة ويسرح في خيالة بعيداً كأنه يداعب الماء في إحدى برك قصر الحمراء:أرسمي له نهر تاجة يشق طريقه في طليطلة..
سمية تبتسم: سأرسم له نهر تاجة يشق طريقه في طليطلة ..
جمال سارحاً بخياله: أرسمي له برج الذهب في اشبيلية ..
سمية تبتسم: سأرسم له برج الذهب في اشبيلية ..
جمال سارحاً: أرسمي له قصر الجعفرية في سرقسطة..
سمية تبتسم: سأرسم له قصر الجعفرية في سرقسطة ..
جمال سارحاً بخياله:أرسمي له شاطئ لشبونة..
سمية تبتسم:سأرسم له شاطئ لشبونة..
جمال: لا تنسي قشطالة ..لا تنسي قطالونية ..لا تنسي دانية ..لا تنسي جليقية ..لا تنسي أرغون..لا تنسي نافار .. لا تنسي بلنسية ... لا تنسي مرسية..لا تنسي ليون.. ( و همس سارحا) ستعودين عربية إسلامية يا أندلس..رغماً عن أنفك يا كونزالس.
دلف محمود إلى المنزل فأمسك جمال بيد عمه مثل طفل صغير يمسك بيد أبيه فرحا بوصوله وجرّه إلى الصالة وهو يقول أنظر ما أجمل رسومات أمي..لقد رسمت مدينة الصمود غرناطة..لقد ولدت هنا..قرب قصر الحمراء .
اقترب محمود من اللوحة وبدأ يتأملها ويقول بغبطة: مدهش!
نظر إلى سمية وابتسم ثم قال:كل يوم أكتشف فيك أمرا مذهلاً.
احمر وجه سمية خجلاً ، أما معتر جعل وجهه مقابل وجه أبيه وابتسم بخبث: أبي ..خالة.. ما رأيكما أن تؤجلا اللحظات الرومانسية إلى ما بعد الغداء؟
سمية مرتبكة: أخ نسيت الطعام ..ثواني..وتكون الأطايب جاهزة.
جمال بلهفة أدهشت الجميع:أجل يا أمي .. أكاد أموت جوعاً.
لأول مرة أثناء تناول الغداء أكل جمال بشهية ثم قال:أريد المزيد..هل يسمح لي بتناول المزيد؟
محمود فرحاً: طبعاً يا ولدي أعطني طبقك وأنا سأسكب الطعام في طبقك.
ولكن جمال حينما مد ذراعية ليوصل الطبق..امتد شريط ذكرياته..ووصل إلى نقطة سوداء قبل ثلاث سنين..حينما مد ذراعية ليوصل الطبق في مكان مظلم من لقطات حياته ويسأل: أريد المزيد..
فترد عليه امرأة شقراء عجوز شمطاء بقسوة:لن تنال المزيد بسبب فعالك الشنيعة يا كونزالس.
أرجع جمال الطبق مكانه قبل أن تصل المغرفة التي بيد زوج أمه إليه..وقف..أفل إلى غرفته.. وصم أذنيه فلا يريد أن يسمع صوت محمود وهو يناديه، حتى لا يختلط صوت الحاضر بصوت الماضي الذي يحاول جاهداً نسيانه فلا يقدر.
أخذ حبة مهدئ ثم نام, وقد ظل صوت ٌواحدٌ يردد صداه داخل عقل وقلب جمال...
ستعود عربية إسلامية رغم أنفك يا كونزالس..
التعديل الأخير تم بواسطة أم البنين1977 ; 23-04-2011 الساعة 07:40 AM