كلّما فكّرتُ أن أعتزلَ السلطةَ.. ينهاني ضميري................. مَنْ ترى يحكمُ بعدي هؤلاء الطيبين؟ مَنْ سيشفي بعديَ الأعرجَ.. والأبرصَ..... والأعمى...... ومَنْ يحيي عظامَ الميّتين؟ مَنْ ترى يخرجُ من معطفه ضوءَ القمر؟ مَنْ ترى يرسلُ للناس المطر؟ مَنْ ترى يجلدُهم تسعين جلدة؟ مَنْ ترى يصلبُهم فوق الشجر؟ من ترى يرغمُهم أن يعيشوا كالبقر؟ ويموتوا كالبقر؟...................... كلّما فكّرتُ أن أترَكهم..... فاضت دموعي كغمــــامة... وتوكّلت على الله.. وقرّرتُ أن أركبَ الشعبَ من الآن إلى يوم القيامة. هذا هو حال "صالح" كما يصور ذلك الشاعر نزار قباني، وإن كان شباب التغيير لن يتركوه أن يهنأ بذلك القرار. إن ما يجري حاليًا في اليمن السعيد الذي دمر كل مقومات السعادة فيه الرئيس صالح لهو شيء خطير، وخطير جدًا إذا ما أصرّ صالح على موقفه وعناده بعدم الرحيل وتسليم السلطة. ومن راقب الأحداث في الأيام الماضية يدرك أن صالح قد برع في إطلاق المبادرات إثر المبادرات لتقديم حلول ناجعة لحل الأزمة، ولكنه سرعان ما ينقلب عليها، ويلغيها ليخرج لنا بمبادرة أخرى. كان صالح على وشك أن يسلم السلطة، لكنه تراجع في اللحظات الأخيرة وهذا هو شأنه وديدنه في كل اتفاق يبرمه مع المعارضة، سواء بتشويش الزبانية من حوله حيث أوهموه أنه هو الأقوى وصاحب الأغلبية، مع أن الرجل معروف بنكثه للعهود، ويتمثل فيه قول الشاعر:
حلفتْ لنا أنْ لا تخونَ عهودَها … فكأنّها حلفتْ لنا أن لا تفي
صالح اليوم يهدّد إن لم يرحل الشعب، أو يترك مطالبته له بالرحيل فإن اليمن ستصبح قنبلة موقوتة، وستصبح أربعة أشطار، كما قال في مقابلته الأخيرة مع العربية. نعم قال صالح إن اليمن قنبلة موقوتة؛ لأنه يعلم أن هذه القنبلة هو من صنعها، وهو الصاعق الأساسي لتفجيرها، وهو من يهدد الجوار والغرب بها لاستغلالهم لفترة طويلة؛ فتنظيم القاعدة يُدار من دار الرئاسة، والانفصال طُبعت أعلامه وشعاراته من قبل دائرة التوجيه المعنوي في صنعاء، وتُرسل إلى المحافظات الجنوبية، وما حصل في أبين أكبر دليل على ما نقول؛ فصالح أمر زبانيته وأمنه القومي بتفجير المصنع وتسهيل عملية احتلال القصر الرئاسي وبعض الدوائر الحكومية من قبل ما يُسمّى بتنظيم القاعدة التي ينظمها صالح ليثبت للعالم أنه صمّام أمان لليمن والمنطقة، وأنه برحيله ستحلّ الفوضى. أما تسلّم الحوثيين وبعض القبائل للمعسكرات فتتمّ غالبًا بقرار من صالح، وعملية خلق أزمة الغاز وغيرها هي من صنعته، وبضاعته المعروفة هذه هي العقلية التي يدير بها البلد، الإدارة بالأزمات. لكن ومع هذا المكر لم يحدث شيء، إلاّ بعض الحوادث قام بتمثيلها لنا هو في أماكن معدودة وبأمره، وإلاّ لم نعد نسمع أصوات الانفصال، ولم نعد نسمع فوهات بنادق الحوثيين، ولا شيء من هذا كله؛ فلقد توحّد اليمن وحدة حقيقية؛ فأهل عدن يئنّون على جرحى وقتلى صنعاء قبل أوليائهم، ويخرجون المسيرات المندّدة بذلك، وأبناء تعز يرسلون القوافل تضامنًا ودعمًا لأبناء عدن وغيرها من مظاهر الوحدة والتلاحم بين الشعب الواحد. نعود إلى مسألة تنظيم القاعدة والخطر الذي يتخوّف منه الغرب و الأشقاء في الخليج لنؤكد أن صالح هو من يصنع هذا التهويل، وكبار قيادته يخرجون من دار الرئاسة في السبعين، هذا ليس رأيي فحسب بل رأي كثير من الكتاب والمراقبين والسياسيين، وحتى العسكريين المقربين منه، والذين تركوه بعد أن شعروا بخطورة ما يقوم به، ولهذا نجد اللواء علي محسن -وهو الذي يعرفه تمام المعرفة- يحذر من ذلك بقوله: "يمكنني التأكيد على أن الرئيس صالح هو من ساهم بشكل كبير في وجود الإرهاب في اليمن؛ فقد لعب بالنار كتكتيك.. حذّرناه مرارًا من مغبة عواقبه، وأملنا كبير في الأصدقاء الأمريكان أن يكونوا عونًا للشعب اليمني". وقال: "لقد أقحم صالح البلاد في العديد من الأزمات، ولم يتورع عن استخدام أي وسيلة للبقاء في السلطة، وهو بالضبط ما حدث عندما أقحم البلاد خلال ستة حروب متتالية في صعدة وغيرها من المناطق اليمنية، والتي سفك فيها دماء أبناء اليمن". ولهذا لقد ثبت لليمنيين أن صالح في الوقت الراهن هو أكبر خطر يهدد ليس اليمن فحسب، بل ودول الجوار والمنطقة كلها، من خلال قنابله التي يزرعها هنا وهناك ليخرج لنا ليقول: إن اليمن قنبلة موقوتة!! وأريد أن أبعث رسالة وأطمئن إخوتنا في الخليج وخاصة بلدنا الثاني بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية .....أن لا تصدقوا أيها الإخوة ما يُشاع في الإعلام الرسمي اليمني، وما يقوله صالح وحاشيته من أنه برحيله ستعمّ الفوضى، وتظهر المشاكل، فهذا كله غير صحيح، وما تشاهدونه في ساحات التغيير يثبت ذلك؛ فالآلاف المؤلفة تستقبل رصاص قنّاصته وبلطجيّته بصدور عارية دون أن يثير حفيظتها، وتخرج عن إطارها السلمي. صحيح أن أبناء اليمن يملكون السلاح، ولكنهم أضحوا اليوم مسلحين بالوعي والمعرفة والمنطق في مطالبتهم بحقوقهم بطريقة سلمية أكثر من أي وقت مضى، وهاهم يقدمون الشهيد تلو الشهيد، ولا يزالون يتمسكون بسلمية ثورتهم. كما أثبتت القبائل اليمنية أنها أكثر مدنية ممن كانوا يراهنون على عدم وعيها ومدنيتها، ولقد حاول صالح أن يستخدمها كورقة ضغط، وأن يجرها إلى العنف، لكنْ أي من ذلك لم يتأتَّ له أمام وعي وصحوة ضمير تلك القبائل. أيها الأخوة في المملكة والخليج، اليمنيون يرون أن أمن اليمن من أمن الخليج، ويحبون لبلدانكم الاستقرار والنماء، كما أكّدوا مرارًا سواء الشباب أم أحزاب اللقاء المشترك أن علاقتنا مع الأشقاء والأصدقاء ستكون أقوى بكثير مما كانت عليه في نظام صالح، خاصة مع الأشقاء في الخليج والسعودية تحديدًا بحكم رابط الجوار والقربى. لذا يجب علينا اليوم أن نتكاتف جميعًا على العمل من أجل رحيل هذا الرجل، وتسليم السلطة بطريقة سلمية، وذلك لما فيه مصلحة الجميع. أيها الأخوة في الخليج لا تغرنّكم الآلاف التي خرجت لتؤيد صالح؛ فما أخرجهم إلاّ خوفهم على وظيفتهم بالنسبة للموظفين، سواء المدنيون أو العسكريون، وما سواهم خرج ليحصل على المبالغ التي صُرفت لهم بسخاء، وكل القرائن والدلائل تشير إلى أن صالح ينهب أموالاً كثيرة من خزينة الدولة ومن البنك المركزي ليوزعها على بلاطجته وعلى المؤيّدين له، وبعضهم أخرجتهم الحاجة والطمع في المبلغ، ولجهلهم لما يقوموا به، فلم يكن خروجهم حبًّا في على صالح؛ فأغلب الأمة مجمعون على رحيله، ولقد حصلت بعض الصحف المحلية على وثيقة تدينهم، وتثبت مسألة توزيع الأموال على المشايخ والمنتفعين في إحدى مديريات صنعاء، ومن أراد التأكد فهذا رابط الخبر والوثيقة التي أوردتها تلك الصحيفة. http://www.alsahwa-yemen.net/arabic/subjects/1/2011/3/31/8588.htm طبعًا صالح استخدم كل الأوراق العفنة لتحول دون تنحّيه عن كرسي السلطة، بدْءًا من ورقة السلاح المنتشر في اليمن والعنف، ثم ورقة القبيلة وورقة العلماء، ثم ورقة الأحزاب، ثم ورقة التدخل الخارجي من تل أبيب والبيت الأبيض، وإن كان قد اعتذر لهم ولم يعتذر لشعبه، وأخيرًا ورقة القنبلة الموقوتة من تنظيم القاعدة والانفصال، وبالحوثيين في الشمال، وكل هذه الأوراق فشلت وأصبحت مكشوفة لليمنيين والأجانب، وأصبح واضحًا وجليَّا بأن علي صالح هو رأس الحربة في كل مشاكل اليمن. وأخيرًا هذه رسالة للثائرين لقد برهنتم يا شعب اليمن؛ شبابه وشيوخه، ذكوره وإناثه، للعالم أجمع أنكم وإن كنتم مسلحين بالكلاشنكوفات والجرامل وكل الأسلحة المتوسطة والخفيفة، إلاّ أنكم متسلحون بالوعي، وهو اليوم سلاح فتّاك في معركتكم هذه، فلتحافظوا على سلاحكم هذا من أن يمسّه أحد أو يصادره بلطجيّ. أيها الثوار، إنّ نظام علي صالح سقط أخلاقيًّا وسياسيًّا ودوليًّا ودستوريًّا وشرعيًّا، وما تبقى إلاّ الصعود أو السقوط على سُلّم الطائرة ..... فيجب من الآن أن نستعد كلنا -مثقّفين وصحفيّين وسياسيّين ومعتصمين- لمرحلة ما بعد رحيل علي صالح، سواء من حيث رؤية سياسية للمرحلة القادمة يتوافق عليها الجميع، أو من حيث تنظيم لجان شعبية لحماية الممتلكات العامة والخاصة؛ لأن هناك ذئابًا مسعورة مستعدة للانقضاض في أي وقت..... وأنا متأكد أن الرجال والشباب في الساحات لا يخفى عليهم مثل هذا، لكن للتذكير..... وفّق الله اليمن وشعب اليمن إلى كل خير، وكلّنا أمل أن نرى اليمن الحقيقي، يمن الحضارات والإيمان والحكمة، لا يمن المرتزقة والبلطجيّة والظَّلَمة.