لا خلاف حول الأسس الرئيسة في بناء القصة، من مقدمة وذروة وخاتمة.. ولكن الاختلاف، كل الاختلاف يحدث عند التنفيذ، وذلك تبعًا للتطور الكبير الذي طرأ على البناء الفني للقصة، وجعلها تتحرر من ثوب الحكاية التي لازمها في كثير من الأحيان في بداياتها..
فالقصة القصيرة بشكلها الفني المعاصر ظهرت على أيدي عدد من الرواد، يقف في مقدمتهم الأمريكي (إدجار آلان بو) الذي لم يكتف بكتابتها بل حاول أن يُنَظِّر لها، وقد لخص خصائصها بوحدة التأثير/ الانطباع، وأنه يجب أن تقرأ في جلسة واحدة. إلا أن القصة القصيرة لم تؤسس فنيًا سوى بإبداعات تشيكوف وجوجول، حتى قيل أن القصاصين جميعهم قد خرجوا من عباءة جوجول. ثم جاء موبوسان فقيل أن القصة القصيرة هي موبوسان.
وفي تلك الفترة التي اجتهد فيها رواد القصة القصيرة بوضع الأسس الرئيسة التي تقوم عليها، حدث لبس عند كثير من كتابها، بينها وبين الحكاية أو الحدوتة، وحتى نخرج من هذا الاشتباك/ اللبس، دعونا نتحسس ملامح الحكاية أولاً..
ملامح الحكاية
هناك فرق ما بين القصة والحكاية، ورغم ذلك، إلا أن هناك عددًا غير قليل من الكتاب يصرون على تسمية أعمالهم الحكائية بالقصص القصيرة، رغم أن الحكاية لا تعدو كونها عبارة عن سرد بسيط، يعتمد على ما اختزن في الذاكرة، دون الدخول في التفاصيل المعقدة للقصة القصيرة مثل اللغة والأجواء المحيطة بالنص وإسقاطاته. والحكاية قد تكون جزءًا من سيرة ذاتية، وأحيانا استدعاء لشخصيات تراثية.
وتعد الحدوتة/ الحكاية، هي المادة الخام للقصة القصيرة بصيغتها التقليدية، إذ هي الشكل القديم، المُبَكر جدًا لفن القصة القصيرة، وهي غالبًا ما تروي تراث الشعوب وميراث الحضارة الإنسانية.
ويمكن تعريف الحكاية بأنها سرد قصصي تروي تفصيلات أحداث واقعية أو تخيلية، وهو ما ينطبق عادة على القصص البسيطة ذات الحبكة المتراخية الترابط، مثل حكايات ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وبخلاء الجاحظ وغيرها كثير في التراث الأدبي العربي. وتمتد الحكاية لتروي الحكايات الشعبية التي تعتبر لونًا من ألوان الخرافة وربما الأسطرة في بعض الأحيان، التي تضرب جذورها في أوساط أي شعب من شعوب الأرض، إذ تعتبر من مأثوراته التقليدية. وتروي الحكايات الشعبية كثيرًا من الموروثات الشعبية ابتداء من الأساطير إلى حكايات الجان.. وصولاً على حكايات الأمثال والحكم.. إلا أن الشيء الذي لا مراء فيه هو أن الحكاية لا تلتزم بقواعد فن دقيق. ففيها الراوي ينطلق على سجيته دون اهتمام بشيء إلاّ جذب انتباه المستمع والقارئ إليه، وغالبًا ما تكون لغة بسيطة دون محسنات، وقد تكون أقرب إلى اللغة العامية ببساطتها..
ويمكن أن ينطبق ذلك على أي سرد يروي أحداثًا بسيطة متتالية لشخص أو لأشخاص بلغة سلسة بسيطة كما يحدث في جلسات الأصدقاء، بما يتخلل ذلك من استطراد واسترسال في محاولة للتشويق وشد الانتباه وكل هذا يعتبر خارج نطاق القصة القصيرة التي لها شروطها من حيث اقتناص اللحظة والتكثيف واللغة.
وفي النهاية نستطيع أن نلخص ذلك بأن الحكاية هي عبارة عن سرد بسيط، ربما يعتمد على مشهدية الذاكرة دون الدخول في التفاصيل المعقدة للقصة القصيرة مثل اللغة والأجواء المحيطة بالنص وإسقاطاته.
القصة القصيرة
في دراسة للسيد (خالد جوده أحمد) تحت عنوان: "الحدوته والقصة القصيرة التقاء وافتراق" يقول: "إن القصة القصيرة بمفهومها المعاصر جنس أدبي وافد إلينا وإن كانت له جذور في الحكايا والأخبار العربية، وبالتالي فإن للقصة القصيرة اشتراطاتها الفنية المتواضع عليها،وتلتقي بالحكاية من حيث أنها تتوافر على متن حكائي هو ما يطلق عليه الحدث وهذا يتوارى عادة وراء المتن البنائي أو البنية القصصية، ويتوزع خلال عملية القص على ثنايا العمل في شبه إشارات وتلميحات ودلالات يسترشد بها المتلقي لتشكيل الصورة التي أراد المؤلف توصيلها داخل اللعبة الشكلية الفنية التي تتفاوت بين قصة وأخرى اعتمادًا على حرفية المبدع واكتمال أداوته وبراعته في القص وقدرته على التوصيل"...
ويقول الكاتب المغربي (أحمد المديني "إن القصة القصيرة تتناول قطاعًا عرضيًا من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفًا تشتشف أغوارهما، تاركة أثرًا واحدًا وانطباعًا محددًا في نفس القارئ، وهذا لا يتأتي بشيء من التركيز والاقتصاد في التعبير وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد فيه الوحدة الفنية شرطًا لا محيد عنه، كما أنها تبلغ درجة من القدرة على الإيماء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية"....
وبهذا المفهوم الدلالي فإن القصة تروي حدثًا بلغة أدبية راقية، ويقصد بها الإفادة أو خلق متعة ما في نفس القارئ، عن طريق إسلوبها، وتضافر أحداثها وأجوائها التخيلية والواقعية.
والقصة القصيرة بهذا لا تحتمل أكثر من حدث، وربما تكتفي بتصوير لحظة شعورية واحدة نتجت من حدث بالفعل أو متوقع حدوثه، ويمكن أن تعبر عنه في أقل عدد من الكلمات.
وبناء القصة القصيرة يبدأ مع أول كلمة، ومعها يبدأ الكاتب في الاتجاه مباشرة نحو هدفه. فإن البداية لا بد أن تحمل كثيرًا من رؤية العمل وروحه، وعليه، يجب أن تكون نقطة البداية مشوقة ومحفزة للقارئ كي يواصل القراءة ليستكشف ما هي حكاية هذه القصة.
وعليه فإن العمل يجب أن يكون متماسكًا مكثفًا متخلصًا من الزوائد السردية الغير ضرورية لتنمية الحدث، حتى لا يصيب العمل بالترهل.
حتى نمسك بخيوط البناء الفني للقصة القصيرة، كي نجيد التعامل مع نسيجها، علينا أن نقف عند بعض النقاط كي نستوعبها، ونستوعب ما يستتر خلفها.. ولننظر إلى مثل بسيط: تُرى هل نستطيع أن نضع كل من يجلسون خلف ماكنة حياكة/ خياطة، في سلة واحدة ونقول: إنهم خياطون أو حائكون؟ فإن في هذا غبن كبير لا يأتي من سويّ لأن لمسات الإبداع تختلف من واحد إلى آخر.. فمنهم من يخيط للعامة بأرخص الأسعار، ومنهم من يخيط للخاصة بأغلى الأسعار.. والفرق بين الطرفين هي تلك اللمسة الإبداعية التي تميز كل منهم عن الآخرين، فهذا يبتكر موضات جديدة يجري الكل إلى شرائها أو تقليدها، وذاك فقط يدير عجلة المكوك لكي يُفصِّل القماش على مقاس أجسام زبائنه..
وهذا بالضبط ما يحدث مع القصة القصيرة.. فمن يدعون كتابتها في الوقت الحالي لا نستطيع حصرهم بعدد محدد ، فكل من يكتب حكاية أو حتى خاطرة، يدعي بأنه يكتب قصة قصيرة، ولكن من يجيدون كتابتها في كل قطر يمكن أن يعدو بسهولة.
تعريف القصة القصيرة
قلنا: إن " أدجار ألان بو" قد عرف القصة القصيرة: "بأنها وحدة الانطباع، وأنها تُقرأ في جلسة واحدة"، في حين نجد أن سومرست موم قد عرفها بقوله: " إنها قطعة من الخيال". ويقول "هيدسون" إن القصة القصيرة "عبارة عن وحدة فنية"، في حين يتفق "حسن اليافي: مع الناقد الإيرلندي "فرانك ألافور" بتعريفها بأنها أشبه بالقصيدة الشعرية من حيث التغني بالأفكار، وأن أبرز خصائصها هو وعيها الشديد، بالتفرد الإنساني". ونجد أن القصة عند "موباسان" تصور حدثًا معينًا لا يهتم الكاتب لما قبله أو لما بعده.
ولو وقفنا أمام هذه التعريفات، لوجدنا أن كل منها يحمل جزءًا من ملامح القصة القصيرة، إذ لا يوجد بينها تعريف شامل يؤسس لخصائص القصة القصيرة. ولا شك أن التركيز والتكثيف تُمكِّن من القبض على لحظة حياتية عابرة، وهذا يحتم علينا الاستغناء عن الألفاظ والعبارات التي تثقل النسيج القصصي، مما يبعد النص عن الترهل الذي يفقده أثره الجمالي.
ونجد أن الناقد المغربي "أحمد المديني" قد استدرك الأمر، وجاء بتعريف حاول من خلاله أن يجمع كافة التعريفات بقوله: "نستطيع القول: إن القصة القصيرة تتناول قطاعًا عرضيًا من الحياة، تحاول إضاءة جوانبه، أو تعالج لحظة وموقفًا تستشف أغوارهما، تاركة أثرًا واحدًا وانطباعًاً محددًا في نفس القارئ، وهذا بنوع خاص من التركيز، والاقتصاد في التعبير، وغيرها من الوسائل الفنية التي تعتمدها القصة القصيرة في بنائها العام، والتي تعد الوحدة الفنية شرطًا لا محيد عنه، كما أنها تبلغ درجة من القدرة على الإيحاء والتغلغل في وجدان القارئ، كلما حومت بالقرب من الرؤية الشعرية".
معنى كلمة قصة في اللغة:
والقصة لغة: مأخذوة من قص الأثر، لأن الذي يقص الأثر يتتبع أخبار القوم ويعرف مذهبهم في الأرض ومقامهم فيها.. وفي قوله سبحانه وتعالى عن أم موسى عليه السلام حين فقدته: "وقالت لأخته قصيه". أي إبحثي عنه.
واعتمادًا على ذلك نجد أن كاتبًا كبيرًا كعباس محمود العقاد يقول في بدايات القرن الماضي عند انتشار القصة، وظهور عدد من الكتاب والنقاد الذين احتفوا بها، نجده يقول: "القص من هذه المادة هو المعرفة الصحيحة عن بحث وهداية، وليس هو التوهم والتخيل للتلفيق والإختلاق"، وقد يختلف معه في هذا معظم نقاد وكتاب القصة القصيرة الحديثة.
وكلمة قصص في لسان العرب تعني تتبع أثر الشيء، شيئًا بعد شيء، وإيراد الخبر ونقله للغير، كما تعني الجملة من الكلام. ويتفق مع هذا المعنى ما جاء في القاموس المحيط، ومنها: قص أثره قصًا وقصيصًا تتبعه.
والقصة لغة: "أحدوثة شائقة، مروية أو مكتوبة يقصد بها الإقناع أو الإفادة". وبهذا المفهوم، فإن القصة تروي حدثًا بلغة أدبية راقية عن طريق الرواية، أو الكتابة، يقصد بها الإفادة، أو خلق متعة ما في نفس القارئ عن طريق أسلوبها وتضافر أحداثها التخييلية والواقعية.
وجدت أن القصص سواء كانت خيالية أو واقعية ,, تنقسم لقسمين
الأول : يهدف إلى غرس قيمة أو توصيل فكرة أو معلومة للقارىء
الثاني : مجرد قصة هدفها المتعة العقلية التي تنتهي بنهاية القصة
ننتظر جديدكم أختنا الفاضلة
بارك الله فيكم ..
اقتباس:
الأول : يهدف إلى غرس قيمة أو توصيل فكرة أو معلومة للقارىء
وهذا ما نبحث عنه في القصة والفكرة التى يتبناها الكاتب , قلة من نجدهم يهتمون بالمضمون الحقيقي للقصة لا المتعة التى تنتهي بمجرد الإنتهاء من قراءة أخر حرف .