السلام عليكم ورحمة الله
قرأت هذا الموضوع في أحد المنتديات فأحببت أن تشاركوني قراءته والإستفادة منه...
إشكالية الكتابة العربية (1)
د . محمد جهاد جمل
قد أجد لنفسي أكثر من مسوغ لأكتب في موضوع أشبعه من قبلي درسا ، ولكني مقبل عليه لا لأسود الصفحات ، وإنما لأسوّغ وجودي في خندق الذود عن ثقافتنا في زمن يريدون فيه أن نذوب ونتلاشى ونحترق ، وهآنذا واحداً من ملايين يرفضون هذه الخدعة في زحمة عاصفة الملعنة ، عفوا : العولمة .
نقصد بالكتابة أولا : إعطاء المقابل الرمزي للمدلولات والتعبير عما في النفس من مشاعر وأفكار بالحروف والكلمات وفقا لقواعد الكتابة .
إذ يرى حسن شحاته ( 1978م) أن " قواعد الإملاء نظام لغوي معين ، موضوعه الكلمات التي يجب فصلها ، وتلك التي ينبغي وصلها ، والحروف التي تزاد ، وتلك التي تحذف ، والهمزة بأنواعها المختلفة ، سواء أكانت مفردة ، أم على أحد حروف اللين الثلاثة ، والألف اللينة ، وهاء التأنيث وتاؤه ، وعلامات الترقيم ، ومصطلحات المواد الدراسية والتنوين بأنواعه والمد بأنواعه ، وقلب الحركات الثلاث ، وإبدال الحروف ، واللام الشمسية والقمرية ".
ولتحديد الموضوع أكثر فإن ما نناقشه هنا من جوانب الكتابة هو الإملاء ، أي ما يتعلق بصحة الكتابة . " والإملاء فرع هام من فروع اللغة العربية ، وهو من الأسس الهامة في التعبير الكتابي . وإذا كانت قواعد النحو والصرف وسيلة لضمان سلامة الكتابة من الناحية الإعرابية والاشتقاقية فإن الإملاء وسيلة لها من حيث الصورة الخطية " ( عبد العليم إبراهيم 1976 ) . وفي مدارسنا نعلّم الإملاء بهدف تعلم كتابة الكلمات بصورة صحيحة ، ونعلّم استخدام علامات الترقيم ، وتنظيم الكتابة في سطور وجمل وفقرات …الخ .
وسلامة الإملاء ضرورية لاستكمال عملية الاتصال في ضوء نظرية الاتصال ولاسيما الشكل الثاني من أشكال اللغة ( الشكل المنطوق ، والشكل المكتوب ) ، ولصحة الاتصال ينبغي أن نضع في الحسبان عند القيام بأي حدث لغوي الاستراتيجية الخاصة بأي حدث لغوي ، أو عند ممارسة أي فعل كتابي أو شفاهي أداته اللغة . وقد قال في ذلك القدماء من علماء اللغة : الكلام فعل ينتمي في حدوثه إلى نمطين أو نموذجين : فهو إما فعل شفاهي ، وإما فعل كتابي ، وما يعنينا هنا هو ما اصطلح عليه الإملاء .
_ ما المشـكلة ؟
يؤدي الخطأ في الإملاء إلى تحريف المعنى وغموض الفكرة . ولهذا تعتبر الكتابة السليمة إملائيا مهارة هامة في التعليم وهي ضرورة لنقل الأفكار والتعبير عنها ومتابعة أفكار الآخرين والإلمام بها .( جابر عبد الحميد جابر ) .
و يتضح من أدبيات الكتابة ومما أفضت إليه بحوث عديدة أن للإملاء منزلة كبيرة بين فروع اللغة العربية ، ذلك لأنه الوسيلة الأساسية للتعبير الكتابي ، ولا غنى عن هذا التعبير ، فهو الطريقة التي اخترعها الإنسان في مراحل تطوره الحضاري ؛ ليترجم بها عما يجيش في نفسه لمن تبعده عنهم المسافات الزمانية والمكانية ، ولم يكن ليتيسر لهم الاتصال بهم عن طريق الحديث الشفاهي .
ومن المعروف أن الكتابة في حضارات العالم القديم فعل مقدس ، وما تزال تحظى حتى اليوم بهالة من الاحترام والرهبة ، نظرا لقيامها بوظيفتين أساسيتين : إحدهما وظيفة التخزين المعرفي ( بما في ذلك التراث الديني والثقافي والفكري والأسطوري والتاريخي والعلمي ) مع إمكان نقله من مكان إلى آخر ومن جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر . والأخرى هي نقل اللغة من المجال السمعي إلى المجال البصري ، والسماح بسبر الكلمات والجمل في سياقها الأصيل .( محمد العبد : 1990 ، 27 ) .
وإذا كانت القواعد النحوية والصرفية وسيلة إلى سلامة الكتابة وصحتها من النواحي الإعرابية والاشتقاقية ونحوها ، فإن الإملاء وسيلة إليها من حيث الصورة الخطية .
ومن جهة ثانية فإن الخطأ الإملائي يشوه الكتابة ، وقد يعوق فهم الجملة ، كما أنه يدعو إلى زعزعة ثقة القارئ بالكاتب .
والمقصود بالخطأ الإملائي بالطبع هو عدم قدرة الفرد على تمثل القواعد الإملائية بشكل سليم في أثناء الكتابة ، أما مظاهر هذا الخطأ فقد يبدو في كتابة الهمزة بأنواعها ، ومواضعها ، أو أن يفصل بين الحروف والكلمات التي يجب وصلها ، أو يحذف الحروف التي حقها أن تزاد اصطلاحا ، أو يرسم الحروف التي يجب حذفها اصطلاحا …
وعلى الرغم من أن مدارسنا تحاول إكساب التلاميذ قواعد الإملاء إلا أن الشكوى من الأخطاء لا تزال يتردد صداها في الأوساط التعليمية والعامة ، لقد ظن بعضنا أن الكتابة العربية صعبة لكثرة تواتر الأخطاء في كتابات عدد غير قليل من المتعلمين على مختلف مستوياتهم ، بل إن الخطأ امتد إلى طلاب الجامعات ، ولا نستثني منهم أولئك الذين ستكون اللغة العربية تخصصهم الأكاديمي ، كل ذلك جعل من هذه الظاهرة محط اهتمام كثير من الغيورين على لغتنا الجميلة . وكل هذا يسوغ سؤالنا التالي : هي الكتابة العربية صعبة ؟
لقد ألف الكثير من الكتب ، ونهضت جمعيات حماية اللغة العربية في مجال البحث نتيجة ما استشعرته من ضعف لغوي بشكل عام وكتابي بشكل خاص ظاهره أخطاء إملائية ونحوية في لغة الكتابة ، وأخطاء صرفية وإعرابية في لغة الحديث ، مما يدفعنا إلى القول : إن الأخطاء طالت مهارات الاتصال اللغوي ، الشفاهي والكتابي .
وإذا تتبعنا أسباب شيوع هذه الظاهرة ، ووجهنا سهام الاتهام إلى المعلم بعامة ، ومعلم اللغة العربية بخاصة ، لما يحتله هذا من مكانة لدى المتعلمين واعتباره قدوة في لغته وتصرفاته . وهل يمكن لمثل هذا المعلم أن يكتشف أخطاء تلاميذه وهو غارق في ضعفه ، ولا يقوى على معالجة أخطائه فكيف ننتظر منه أن يكتشف أخطاء غيره ومعالجتها ؟
إن مفتاح الحل في رأينا ليس المعلم فقط ، فالقضية شائكة ومتشعبة ، وليس البيت والأسرة بمنأى عن المسؤولية ، وكذلك وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة ، و النظام التعليمي والمناهج ، وتنسيب غير الكفء في معاهد وكليات التربية .
أما الأخطاء الإملائية الشائعة في الكتابة فهي تعكس رفضنا لقبول فكرة أن الكتابة العربية صعبة جدا ، ذلك؛ لأن هذه الأخطاء يمكن للمدارس في المرحلة الابتدائية أن تتجاوزها بشيء من التركيز ، وبفترة زمنية ليست طويلة ، وبشكل تدريجي إذا ما رسمت خططاً تستهدف التخلص من هذه الأخطاء ، وضمن تعليم محتوى المناهج المقررة ، وبتضافر جهود معلم اللغة العربية ، وبقية زملائه ممن يدرّسون المواد الأخرى .
ولعل البحوث التي أجريت على كتابات المتعلمين استطاعت حصر الأخطاء على الشكل التالي :
همزتا الوصل والقطع ، الهمزة المتوسطة المكسورة ، الهمزة المتوسطة المفتوحة ، الهمزة المتوسطة الساكنة ، الهمزة المتطرفة المسبوقة بحرف متحرك ، الهمزة المتطرفة المسبوقة بحرف ساكن ، ما يحذف اصطلاحا من الحروف ، ما يزاد اصـطلاحا من الحروف ، التاء المفتوحة والتاء المربوطة في آخر الكلمة ، الألف اللينة ، قلب الحركات حروفا ، ما يوصل بما بعده ، ما يفصل عما بعده ، إبدال الحروف ، المد بالياء ، المد بالواو ، المد بالألف .
ويمكن تفسير بعض الأخطاء التي يقع فيها من يمارس الكتابة على الشكل التالي : لقد أوضحت نتائج الدراسات في هذا المجال أن أكثر الأخطاء تتركز في الهمزة بأنواعها المختلفة ، سواء أكانت في أول الكلمة أم في وسطها ، أم في آخرها ، بالإضافة إلى أخطاء فيما يزاد أو يحذف من الحروف ، والتاء المربوطة والتاء المفتوحة في آخر الكلمة فإن تفسير ذلك يمكن أن يكون كالتالي :
الخطأ في همزة الوصل والقطع ، سواء أكانتا في أول الكلمة أم في وسطها ، أي مسبوقة بحرف مثلا ، قد يكون مرد ذلك إلى ضعف من يكتب في القواعد النحوية والصرفية المتعلقة بهذه القاعدة الإملائية .وهذه إحدى مشكلات الكتابة العربية ، فربط كثير من قواعد الإملاء بقواعد النحو والصرف يشكل عقبة من العقبات التي تعوق الكتابة ، فعلى من يمارس الكتابة أن يكتب أصل الاشتقاق ، والموقع الإعرابي للكلمة ، ونوع الحرف الذي يكتبه ، فمثلا من مواضع كتابة همزة الوصل ماضي الخماسي والسداسي وأمرهما ومصدرهما إذا كانا مبدوئين بالهمزة مثل : استعد ، واستخرج .
وكذلك الحال بالنسبة لهمزة القطع . فمن مواضع كتابتها الأفعال الماضية الثلاثية والرباعية المبدوء بهمزة ( المهموز ) كذلك أمر الرباعي ، وهمزة المضارعة في الفعل المضارع ، فمن يكتب تبدو أخطاؤه واضحة في هذه المواضع ، ومن أمثلة هذه الأخطاء الكلمات الآتية المأخوذة من الكتابات ( إسم ، إستخدام ، هذه وغيرها نماذج مما يقع فيه الخطأ في همزتي الوصل والقطع ،وغيرها كثير مما يدل على ضعف هؤلاء في القواعد الإملائية ، وخاصة ما يرتبط منها بالقواعد النحوية والصرفية .
ويجهل كثير من المتعلمين ، أ ويشكون ضعفا في كتابة الهمزة المتوسطة والمتطرفة ، وذلك لجهلهم بكثير من القواعد النحوية المتصلة بكتابتها مما له علاقة في شيوع أخطائهم فيها ، فالخطأ في كتابة ( ملائمة ، وملاءمة ) يعود إلى خلطهم بين هاتين الكلمتين ، وكذلك في كلمة ( لآرائهم ) فالكلمة مسبوقة بحرف جر ( اللام ) ومن ثم كانت همزة مكسورة وقبلها ساكن فكتبت على نبرة ، وقد تأتي هذه الهمزة على واو إذا كانت الكلمة مرفوعة ، وكذا الخطأ في كلمة ( العبء ) و( الكفء ) ، وهذه الكلمات ومثيلاتها في حاجة إلى تدريب المتعلمين على كيفية تصويبها ، وتعريفهم أو تذكيرهم بقاعدتها .
ومن الأخطاء التي يقع فيها من يكتب اللغة العربية ( ما يحذف اصطلاحا من الحروف ) مثل كلمة ( أولئك ) ، وألف ما الاستفهامية إذا سبقت بحرف جر مثل : فيم تفكر ؟ وعم تسأل ؟ ويرتبط بما سبق أيضا حذف النون من كلمتي ( عن ، ومن ) إذا دخلتـا على ( من ) مثل عمن ، ممن ، أو على ( ما ) سواء أكانت ( ما ) استفهامية أم زائدة مثل : عما قليل ، أم كانت موصولة مثل : تجاوزت عما قلت . ولعل جهل الطلاب بالقاعدة هو السبب في الوقوع في هذه الأخطاء .
وقد يقع الخطأ في الحروف التي يجب أن تزاد اصطلاحا ، كما في الكلمات ( مائة ، لم يتعاونوا ) حيث زيدت الألف بعد الميم في الأولى ، والألف بعد واو الجماعة في الثانية اصطلاحا ، ولعل سبب الخطأ هنا يقع في عدم إثبات الألف ، اعتمادا منهم على أن ما ينطق به يكتب فقط ، ويرتبط بهذه الأخطاء إثبات الألف أحيانا بعد واو جمع المذكر السالم المضاف ، حيث الخطأ في كتابة الألف في ( مدرسوا اللغة العربية ) ، وهذه الأخطاء تعود إلى التعميم الخاطئ المبالغ فيه ، وإلى عدم قدرة الذين يكتبون على التفريق بين هذه الكلمات وكيفية كتابتها صحيحة .
ومما يكثر الخطأ فيه التاء المفتوحة والتاء المربوطة والهاء في آخر الكلمة ، حيث يخطئ بعض من يكتب العربية فيضعون نقطتين فوق الهاء مثل ( لة ، لونة ، مدرستة ، مكتبة ) كما لا يضعون النقطتين في المواضع التي تتطلبها في التاء المربوطة فيكتبون ( إجابه الأسئلة ) وغير ذلك ، ومن الأخطاء أيضا الخلط بين التاء المفتوحة ، والتاء المربوطة ، فيكتبون معذرة على الشكل التالي : ( معذرت ، ومثلها : حقيقت ) . وقد يعود الخطأ في هذه القاعدة ، إلى جهل أو نسيان من يكتبون القاعدة ، بالإضافة إلى سبب يعود إلى الخلط والاضطراب في الكتابة .
ومن الخطأ أيضا إبدال الحروف وقلبها في غير ما تحكمه القاعدة الكتابية ، ومن ذلك الخلط بين ( الذال ) و( الزاي ) والسين والثاء فنقرأ في كتابة بعضهم ( زلك ) بالزاي ، كما يكتبون ( سانوي ) بالسين ، ولعل ذلك راجع إلى طريقة النطق الخاطئة التي يلتزمها بعض المعلمين في المدارس .
ومن الأخطاء التي وردت أيضا لدى الطلاب وغـيرهم (لا بأن المصدرية ) كـما في ( أن لا تكتب )، وفي مثل ( لأن لا ) فإن الكتابة الصحيحة لهاتين الكلمتين ( لئلا تكتب ، ألا تكتب ) وكذلك أخطاؤهم في كتابة ( حينئذ ، ووقتئذ ) يكتبونها ( حين إذن ، ووقت إذن ) .
وقد تعود هذه الأخطاء وغيرها إلى عدم كفاية التدريب في أثناء الدراسة في المرحلة الابتدائية وغيرها من مراحل التعليم العام ، وهذه الأخطاء تجأر في وجه مخرجاتنا التعليمية ؛ لتنعتها بالضعف مما يتطلب جهودا لردىء الصدع بين المرغوب من مناهجنا ، وواقع مخرجات التعليم ، وهذا في مجال الكتابة فما بالك في المجالات والمهارات والمعارف الأخرى ؟ ! .
لقد توصلت كثير من الدراسات التي أجريت على كتابات الطلاب إلى أن جملة الأسباب في شيوع الأخطاء الإملائية تعود إلى خطئهم في الكلمات ذات الصلة بالقواعد النحوية ، وقد مرّ معنا ما يؤيد ذلك .
كذلك عدم تدارك هذه الأخطاء منذ بداية عهد المتعلم بالتعلم ، فنرى خطأ ما في كتابة طالب في المستوى الجامعي ، ما كان له أن يستمر الخطأ في كتابة هذا الطالب ويستفحل لو أرشد إلى الصواب من البداية .
إن بعض الأسباب تعود بالطبع إلى المعلم الذي يشكو حاله من ضعف لغوي ، وخاصة معلم المرحلة الابتدائية ، ومن نافلة القول أن نردد المثل القائل : فاقد الشيء لا يعطيه ؟
يدافع الطلاب عن حالهم بالهروب إلى الأمام ، فمنهم من يدعي أنهم لم يدرسوا أو يتدربوا على قواعد الإملاء بالشكل المتقن والمتتابع والسليم ، ومنهم من يدعي أن المعلمين مروا بهذه القواعد بشكل متعجل لا يرقى إلى مستوى اكتسابهم مهارة الكتابة السليمة .
ونستفيد من نتائج البحوث الكثيرة السابقة في مجال تقصي الأخطاء الإملائية وأسبابها ، فنسمع من أساتذة الجامعات أن الأسباب في أخطاء الطلاب الإملائية يعود إلى ضعف الطلاب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي ، كما يعود إلى تخلي كثير من الأساتذة عن موضوع السلامة اللغوية في كتابات الطلبة ، وأن الجامعة ليست المكان المناسب لإكساب الطلاب هذه المهارات ، ولعمري كيف يقرؤون في كتابات الطلبة فكرا في وعاء لغوي مشوش أو غير واضح ومشوه ؟ !
يعود ضعف الطلبة في الإملاء إلى الضعف اللغوي العام في حديثهم وكتاباتهم ، ومن الحقائق غير المرغوبة أن نرى هذه المظاهر في طلبة تخصص اللغة العربية في كليات الآداب وكليات التربية ومعاهد إعداد معلمي اللغة العربية .
يتبع بإذن الله
Ya;hgdm hg;jhfm hguvfdm çgûRèdé çg;êçèé iô;çgdé