لم تظهر الزندقة في المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزتها وعنفوان قوتها، وكانت واقفة بالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية..
لذلك فإن نشأة الزنادقة كانت في القرن الثاني الهجري، وكان عددهم محدوداً ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلى أن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضد الأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم الخلفاء العباسيون ووثقوا بهم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوش المسلمين.. إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم..
وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلامي المتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري..
ونظرا لخطورة الزندقة على العالم الإسلامي نجد الخليفة المهدي رحمه الله (ت169هـ) يوصي ولده موسى الهادي (ت170هـ) بتتبع الزنادقة وجهادهم وكشفهم والفتك بهم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
وصية الخليفة المهدي:
يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة، يعني أصحاب ماني، فإنها تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش، والزهد في الدنيا، والعمل للآخرة، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم، ومسّ الماء الطهور، وترك قتل الهوام تحرجاً، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة..!، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات..!، وسرقة الأطفال من الطرق..!، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور..!، فارفع فيها الخشب، وجرّد السيف فيها، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين.. فرحم الله خليفة المسلمين المهدي بن المنصور لغيرته على الإسلام ..
السلام عليكم ورحمة الله..
إن ما عناه المهدي لابنه الهادي في وصيته: ثم تخرجها من هذا الى تحريم اللحوم ومس الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجا...
يعنى أن أهل الكفر ومن شابههم من الزنادقة والشيوعيين والوجوديين.. ينطلقون من مباديء كاذبة خادعة، ويتشدقون بكلمات زائفة يراوغون بها الجهلاء وضعاف النفوس، فهم لا يدعون صراحة إلى ضلالاتهم وإنما يبدأون من أشياء لا ينكرها الناس، ثم إذا تقدم المدعو وشرب أفكارهم، ينتقلون به إلى مرحلة جديدة من دعوتهم الكاذبة الفاسدة.. وهكذا حتى يصلوا به إلى أن يدخل معسكرهم ويكون من حزب الشيطان..!
الأخت سارة ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أظن أن المقصود بقول المهدي عن عقائد المانوية أنهم يستدرجون الناس بدعوتهم غلى الزهد بالشكل الذي لايختلفون عليه، ثم بعد ذلك إذا استجاب الناس لهم دعوهم إلى ما في دينهم الفاسد من عقائد محرَّفة؛ كتحريم ما أحلَّ الله من اكل اللحوم، ومن التطهُّر بالماء وغيره.