أما الأساليب وطرق التنفيذ فلا علينا إذا استنبطناها حسب حاجاتنا وضرورياتنا القائمة، وإذا استحدثنا وسائل وطرقا جديدة وحديثة نجاري بها التطور الهائل في العلم والتغير الكبير في دنيا الوسائل والأساليب. وبهذا نكون واقعيين في إرادتنا جعل المبادئ التي جاء بها ديننا الكريم سهلة المنال، قوية المفعول، قابلة لأن يقبل الناس عليها ويأخذوا بها على اختلاف مشاربهم وطبقاتهم، ويفتخرون بها ويجعلونها من قلوبهم في المكان اللائق.
إن الإنسانية اليوم تتخبط في مشاكل عديدة وعويصة، وترى فيما تراه أنه لا يستقيم لهذا الكون أمر إلا إذا حلت هذه المشاكل على النحو الذي ترضى به أغلبية البشر، وما من اتجاه من الاتجاهات الموجودة ضمن المجموعات البشرية، إلا ويعطى الحلول التي يرتئيها ناجعة لحل هذه المشكلات.
فما الحل الذي يقدمه الإسلام؟ أو بمعنى آخر يعرضه الإسلاميون؟
إن مسؤولية تقديم الإسلام لحلول مشاكل العالم تقع على عاتق علمائه الذين يجب عليهم أن يدرسوا المجتمع الحاضر ومشاكله دراسة موضوعية إيجابية، ويعطوا لأمراض هذا المجتمع الأدوية الشافية التي تنجيه مما هو فيه.
إن على مفكري الإسلام أن يشاركوا في الصراع، وعليهم أن يدرسوا كل الجوانب المحيطة بهذا الصراع، ويجب أن يستخرجوا من خلال موروثاتهم الثقافية الإسلامية الهائلة الحل المرضي لمعضلات الكون، وأن يجعلوا هذا الحل المتطلب واقعيا وصريحا وواضحا، وأن يقدموه بالطريقة المناسبة التي تجعل الناس على الأقل يرون أنه جدير بالتطبيق ليمكن إقراره بعد ذلك وتحويله إلى واقع.
وهناك شيء آخر من الأهمية بحيث لا يجوز إغفاله، وهو: أن على علماء الإسلام ومفكريه أن يعملوا على رفع مستوى المجتمع الإسلامي، وتهذيب وعيه، وتثقيف مداركه حتى يبلغ الدرجة التي يستطيع معها المشاركة الفكرية في فلسفة النهضة الحضارية التي يسير فيه العالم المتحضر اليوم، لأن العلماء والمفكرين وحدهم لا يستطيعون عمل شيء إذا لم يسندهم المجتمع بقوته ويعينهم على نشر رسالتهم بوعيه وإدراكه، وسلوكه، ولن تقوم للفكر الإسلامي قائمة إلى لم يرتكز على هذه الدعامة، لأن الشعب هو الذي يقر السنن حينما يؤمن بها عن فهم حقيقي وإدراك عقلي، ولن يستفيد الإسلام شيئا إذا كان عموم الشعوب لا تفهم الإسلام الحنيف إلا على سبيل التقليد فقط.
إن علماء الإسلام في كل زمان يرتكبون خطأ فاحشا حينما يتوقفون عند ما خلفه لهم الأقدمون من دراسات وبحوث دون أن يطوروها لتلائم عصرهم الحديث، فإن تلك الدراسات القديمة إنما وضعها الأولون حسب حاجات وقتهم، وأدت رسالتها آنذاك، ولكنها لم تعد تنفعنا مباشرة إلا من باب الرجوع إليها كمصادر للاستفادة منها كأصول.
إن العالم يتقدم وإن الحاجات تستجد، وعلينا أن نواكب الركب الزاحف بمفاهيمنا الإسلامية والأخلاقية والإنسانية، وإلا فسنبقى متأخرين في ذيل الركب، وسيزداد الدهر علينا تألبا، وتزداد مشاكلنا تعقدا، ولن يحل هذا إلا اتقاد الأفكار، وتطوير العقليات، وتنوير الأذهان.
إنها دعوة نصارح بها علماءنا ونناصح بها إخواننا، وننادي بها على مفكرينا: إن الدعوة الإسلامية يجب أن ترتكز على أسسها القوية، ومرونتها ووضوحها، وأنه لن تقوم لنا قائمة إذا دمنا مقرين على الجمود والكسل، كما أنه لن نستطيع أن نتحف الدنيا بجديد ما دامت هذه الكلمة المأثورة بين أعيننا (ليس في الإمكان أبدع مما كان).
ولكن نقول الكلمة الأخرى وهي : (كم ترك الأول للآخر).
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.