إن كل قطرة دم بريئة تسيل..
إن كل دمعة حزن زارفة تستغيث..
إن كل صرخة ألم تحطم السكون..
إن كل عرض يُنتهك..
إن كل طفل يُقتل..
إن كل ثروة يسرقها الأعداء..
إن كل مؤامرة يكيدها الكفار..
إن كل حسرة تعيشها الأمة..
كل أولئك، مسؤول عنه كل مسلم ومسلمة في الأمة المسلمة.. مسؤول عنه بصفته الفردية والجماعية أمام الله، ومحاسب عليه في الدنيا والآخرة معاً.. محاسب عليه لأنه إما يكون من الظالمين أو القابلين للظلم. ومصير الأثنين واحد.
سوف يحاسب كل مسلم ومسلمة في الأمة المسلمة عن الدور الذي أداه.. وسيسئل:
{ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ ؟ }..{ مَا مَنَعَكَ ؟ } وليجهز جواباً من الآن.. ما منعك.. ؟!
هل الزوجة أم الولد أم الوظيفة أم حب الدنيا أم الخوف من الظالمين وبطشهم..؟!
هل هو الضعف أم الاستكانة أم الهوان..؟!
هل ضعف اليقين، أم متاع الدنيا القليل ؟! ما منعك.. ؟!
والله تعالى يقول:
{ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }..
ويقول:
{ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }..
ويقول:
{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ }..
ويقول:
{ وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }..
ويقول:
{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ }.
وسيلقى الفرد والجماعة جزاء أعمالهم هذه في الدنيا والآخرة..
وكنت أسأل نفسي: ماذا يمكن أن يحدث للفرد والجماعة في الدنيا جزاء فعلتهم الشنيعة هذه في التخلي عن الأمة المسلمة في قضاياها المصيرية ؟
ثم طالعت بعض ما كتبه الباحثون في مجال الفيزياء والجيولوجيا عن ظاهرة الزلزال، وآخرها كارثة زلزال باكستان الذي راح ضحيته 87 ألف قتيل، منهم 17 ألف طفل، إضافة إلى 3 مليون مشرد..
قال الباحثون نصاً: " بات الرأي العلمي ميّالاً للقول إن هنالك علاقة مباشرة بين القصف الجوي الأميركي المكثف في أفغانستان والعراق وازدياد عدد الهزات الأرضية وحدتها في أواسط آسيا خلال السنوات الثلاث الماضية. والمعلوم أن تلك الاهتزازات فاقت ما سجل خلال ربع القرن الماضي.
فالقنابل ذات القدرات التدميرية الاختراقية لأعماق الأرض تطلق هزات أرضية أفقية تؤدي إلى بدء سلسلة من الزلازل المحلية والبعيدة المدى. وإذ تمتص القشرة الأرضية الضربات الجوية، فإنها تتخلص معها بصورة زلازل إن عاجلاً أو آجلاً. وعلى رغم ذلك، لا يمكن التنبؤ بموقع الزلازل وتوقيتها نتيجة القصف، لكن يمكن القول أنها ستحدث في مكان ما قريب في المستقبل. لقد أدى القصف الجوي الأميركي المكثف والمستمر إلى حدوث فجوات أرضية بعمق يزيد على عشرة أمتار. وأرسلت انفجارات القصف اهتزازات أفقية. والأرجح أنها ساهمت في إطلاق تفاعلات في أعماق الأرض، ربما تقود إلى سلسلة من الزلازل المحلية والبعيدة، وعبر مناطق مختلفة في الخريطة الزلزالية الآسيوية".
هذا هو رأيهم العلمي، ولكن هناك قدرة إلهية تحرك هذا الكون، فكل فعلة تحدث فيه.. تحدث عن حكمة، وتدبير.. وتتجه إلى غاية.
وقلت: لقد خاف المسلمون على أنفسهم في باكستان من ويلات الحرب على أفعانستان، وقبلوا أن تكون حكومتهم وجيش بلادهم " كلب الإحتلال الأمريكي".. قبلوا ذلك حين تخلوا عن مسؤوليتهم في محاسبة حاكمهم، ومحاربة الظلم والفساد، وإقامة الحق والعدل.. قبلوا ذلك حين خافوا من مواجهة الظالمين.. قبلوا ذلك حين ظاهروا الكفار والمشركين على إخوانهم في الدين.. قبلوا ذلك حين سالت دماء المسلمين، بلا أي نصير.
خافوا على حياتهم الرخيصة، فعاقبهم الله أن حرمهم من كل الحياة، وكانت الضحايا بالآلاف، والمشردين بالملايين.
وليس الحديث عن باكستان تحديداً.. إنما هي نموذج يمثل بلاد الإسلام ـ التي يغيب عنها الإسلام شكلاً ومضموناً ـ والنماذج كثيرة..
فهذه العراق الحزينة ـ وإن كان القلم يعجز عن الحديث عنها، لما هي عليه الآن ـ وقعت عليها سنة الله تعالى في الهلاك والاستبدال.. السنة (القانون) الذي لا يتخلف. فلقد مات العراق ـ وماتت الأمة المسلمة ـ قبل مجئ الاستعمار الصليبي المجوسي.. مات العراق ـ وماتت الأمة المسلمة ـ حين قعد أبنائها عن النهوض برسالة هذا الدين، وإقامة الحق والعدل الذي جاء به الأنبياء والمرسلين من لدن نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين.. مات العراق ـ وماتت الأمة المسلمة ـ حين قَبِل أبنائها الظلم والعدوان والطغيان، وانشغلوا بحياة تافهة رخصية.. مات العراق ـ وماتت الأمة المسلمة ـ حين عاشوا حياة الأنعام، بل أضل !!..
فكانوا غثاء.. كغثاء السيل..
مات العراق ـ وماتت الأمة المسلمة ـ حين قَبِلوا أن يعيشوا في ظل أنظمة تحارب دين الله، وتقف في طريق الدعوة إليه، حتى باتت هذه الأنظمة يد الاستعمار على رقاب أبناء الأمة.
وحين مات العراق، جاء الاستعمار ليعلن الوفاة؛ فتتداعت عليها الأمم، فجاء الاستعمار يفترس أبنائها، وثرواتها، ويفتك بكل حي فيها، ويهلك الحرث والنسل، ووقع وعيد الله تعالى:
{ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِى الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }..
{ إِلَّا تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَباً أَلِيماً، وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ }.
فوقعت الفتنة وحدث الفساد الكبير.. ولقد خَيّر الله تعالى الأمة المسلمة بين الاجتماع على كلمة سواء لنصرة هذا الدين، وحمل رسالته إلى العالمين، وبين الاستبدال ووقوع الفتنة والفساد الكبير في الأرض.
وقال تعالى: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناهَا تَدْمِيراً }.
وقال أن يجئ الاستعمار الأمريكي، كان هناك المجرمين المترفين أغرقوا الأرض ظلماً وفسادا.. وصمتت الأمة" صمت الحملان" وانشغل كل فرد منها "بهمه الفردي"؛ فحق عليها القول..
فجاء الاستعمار إلى العراق ليدكها على من فيها، وفق ظروف حضارية، وسياسية، واقتصادية. وقبل هذا وذاك "قدر الله النافذ".
ولقد اقتربت ساعة الخطر على باقي أجزاء الأمة، لتعلن وفاتها في صورة الهدم والتدمير، على يد عدوها المتربص بها.. أفـلا تسـتفيق ؟!!!
ومهما كان هناك من مجاهدين، ومصلحين.. فلا سبيل للعودة إلى الحياة بإقامة هذا الدين، إلا أن تكون كل ـ أو معظم ـ الأمة مشاركة في هذا الإصلاح، بل وشريكة أساسية فيه.. حتى تتحول من الموت إلى الحياة، ومن التبعية إلى الريادة.. فاجتماع الأمة هو "شرط التفاعل" في معادلة "النصر والتمكين".
وها هم أهل مصر والشام، حين خافوا على حياتهم الرخصية.. حين قبلوا أن تكون بلادهم خادمة للمشروع الصهيوني.. حين رضوا أن تكون بلادهم مرتع لكل متأمر وضال وخائن.. حين قبلوا أن تُسرق ثروات بلادهم تحت أعينهم، وبعلم كافة أبنائها.. حين قبلوا الظلم والعدوان.. كل هذا مخافة حياة رخصية.. متاعها قليل، ويا ليته كان متاع قليل..
عاقبهم الله.. بالخوف والجوع، فحلّت عليها كوراث اقتصادية واجتماعية تفتك بهم، فأصبحت بلادهم مديونة بالرغم من الخير العميم بها، وأصبح أبنائها يتسلون في بلاد أخرى بحثاً عن مصدر للطعام، وأصبح العاطلين بالملايين. وحلّت بها كوراث اجتماعية من فوراق طبقية تهز وحدة المجتمع، وملايين من العوانس من الشباب والفتيات.. الأمر الذي حدثت معه كارثة أخلاقية على مستوى المجتمع كافة، لم ينجو منها إلا قلة قليلة.. والله تعالى يقول لهم: { جَزَاء وِفَاقاً }..
وهذه جزء قليل من ثروة المسلمين ـ كما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ـ وهذه الثروة بين أيدي "اللصوص ـ الخونة" من هذه الأمة.. الدول الأعضاء في منظمة أوبك وإيراداتهم لعام 2005 بحسب إدارة معلومات الطاقه الأمريكية:
الدول الأعضاء (11) الإيرادات:
العراق 19 مليار دولار4.4%، السعوديه 146 مليار دولار34%، الكويت37 مليار دولار8.6%، ايران41 مليار دولار9.5%، الامارات39 مليار دولار9%، الجزائر30 مليار دولار7%، ليبيا24 مليار دولار5.6%، قطر17 مليار دولار4%.
اندونيسيا13 مليار دولار3 %، نيجيريا28 مليار دولار6.5 %، فنزويلا36 مليار دولار8.4 %.
المجموع: 430 مليار دولار.
فلو افترضنا أن نصف هذه الأموال قد استغلت لخمس سنوات، يعني أنها قاربت تريليون دولار. فأننا نبني بها طريقا سريعا من مراكش إلى جاكرتا، ومن طشقند إلى لاجوس، ومن الإسكندريه إلى نيروبي، وبشكل أفضل من الطرق العابره للولايات في أمريكا، إضافة إلى ألف برج كالذي دمر يوم 11 سبتمبر في نيويورك، إضافة إلى ألف مستشفى، وعشرة آلاف مدرسه، وعشرة مصانع للسيارات، وعشرات المصانع للصلب والألمنيوم، وعشرة مطارات، ومصنع للطائرات، وآخر للصواريخ، ومصانع للبنادق والذخيره، وعشرة مراكز أبحاث، ما نفذ تريليون دولار.
وجاء في الفيلم الوثائقي فهرنهايت 11/9 أن أمريكا قد استفادت من نفط السعوديه فقط ما قيمته 86 تريليون دولار. يعني أننا لو قسمنا هذا المبلغ على جميع المسلمين في العالم لكانت حصة كل واحد منهم، رضيعهم وشيخهم، ذكرهم وأناثهم، حوالي 66 ألف دولار. هذه الأموال تستفيد منها أمريكا على حساب الأمة الاسلاميه.
ولكن قضى الله تعالى، حين تخلى أبناء الأمة عن دورهم تجاه أمتهم.. أن يعيشوا في فقر وبطالة وعنوسة، وفي ذلك لعبرة لمن يخشى، فالله تعالى هو الذي يمنح الثروة والخير، والخزائن كلها بيديه، ولقد أعطى لهم الكثير