الصورة الأولى : التواصل والتزاور:
ولعل هذه الصور هي أظهر الصور وأبينها ,وهي في المجتمعات الصغيرة أبين وأظهر من المدن الكبيرة , نظراً لتعارفهم وصلة الرحم القوية بينهم , ومع ذا فحق على أهل المدن إحيائها , والعيد أحسن مناسبة لها .
كم هو جميل ذلك التواصل , و تلكم الاجتماعات الأسرية , واللقاءات الأخوية , التي تعزز اليقين بصفاء النفوس وطهارتها , وأن الذي يعكر صفو ودها إنما هو نزغ من الشيطان .
كم تفرح النفس وتبتهج القلوب الناصحة لإخوانها, وهي ترى الأيادي قد تصافحت ,والأجساد قد تلاقت , وتبادل المحبون الابتسامات
دخل عليّ في هذا العيد كثير من الإخوة وكل واحد منهم يشعر بالفرح هذا اليوم , وتُرى علامات البِِشر على محياه , لأنه قد رأى التلاقي بين المسلمين , والتواد بينهم .
ومن أجمل ما يحصل في العيد التواصل بعد القطيعة والصلح بعد الخصام , فكم كان العيد سبباً في إزالة العداوة , ومحو الضغائن من النفوس , لقد غير العيد نفوس المتخاصمين , فجعل مكان القطيعة صلة , ومكان الجفاء مودة , وتبدلت الضغائن إلى محبة .
ولعلي أرسل هنالمن لا يزالون متقاطعين فأخاطبهم مخاطبة المحب لهم وأن لا يكونوا أشقى الناس في عيدكم ببعدهم عن أحبابكم , ومقاطعتكم لأرحامكم , فاليوم اليوم التجاوز عن الأخطاء , اليوم يوم التسامح والإخاء , اليوم يوم التلاقي والصفاء .
ورسالة أخرى لمن يتاجرون في الإصلاح بين الناس , فأقول لهم : العيد فرصة لكم , في إزالة العداوات بين الناس , وتقريب القلوب , والفوز بفضل هذه الطاعات , فقد قال تعالى(لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114) وقال عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء \"- ألا أدلك على خير من كثير من الصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى . قال : إصلاح ذات البين
الصورة الثانية : الإحسان والرحمة :
في العيد يُحسن صاحب القلب الكبير لأبناء المسلمين من الفقراء , والأيتام , يرى من حقهم عليه وقد أدخل الفرح والسرور على أبنائه , أن يُدخل السرور عليهم , فلا أعظم عملاً ولا أكثر ثواباً في مثل هذا اليوم من إدخال السرور عليهم , والتسبب في السعادة لهم , وفي الحديث\"أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس ؛ وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا..\" السلسلة الصحيحة
واعلم أن الجزاء من جنس العمل , فمن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه , ومن أدخل السرور ‘إليهم أدخل الله إلى قلبه السرور , وقد جرب كثير من المحسنين هذا
الصورة الثالثة : إتحاف الأطفال بالعطايا والهدايا :
كم يفرح الأطفال بيوم العيد , لأنهم قد تعودوا العطايا من الكبار , يقول أحد الإخوة : تسامعت لأبنائي ليلة العيد فإذا هو يتهامسون , ويقول بعضهم لبعض : غدا يُعطينا عمنا فلان مالاُ (وذكر مالاً بسيطاً , قد تعودوه منه كل عام ) , وقال الآخر منهم : وأنا سأجمع في هذا العيد كذا وكذا من المال , لقد اعتادوا هذا في عيدهم فهم يفرحون به , وينتظرونه بفارغ الصبر .
الآ ما أكرم تلك النفوس التي استعدت لعيدها بمثل هذا الأمر , فصرفوا مبلغاً من المال , ووضعوه في جيوبهم , حتى إذا ما لقوا طفلاً أدخلوا عليه السرور , بمثل هذه العطايا .
وأكمل منهم من أعد مثل ذلك لوالديه ليوزعه آبائهم على الأطفال , ليكون سبباً في إدخال السرور على والديه , وعلى أبناء المسلمين .
الصورة الرابعة : التوسعة على الأهل والأبناء :
فيحصل بالعيد ما لا يحصل في غيره من الأيام من الفسحة للأهل والأبناء - في حدود ما شرع الله تعالى – من التنزه , والخروج من جو المنازل إلى الأماكن المنضبطة التي يتفسح فيها الأهل والأبناء , وفي هذا تذكير للآباء والأمهات بوجوب الالتفات لهذه المعاني وأن أبنائهم في حاجة ماسة للتوسعة المنضبطة بضوابط الشرع , خصوصاً في زماننا هذا الذي تناوشت عليهم فيه قوى الباطل تجذبهم لباطلهم
الصورة الخامسة : ظهور حق الجار:
وكم أفقدتنا المدنية من حقوق لجيراننا , وألهتنا الماديات التواصل معهم , ويأتي العيد ليُذكر بحقهم , ويلفت النظر لواجبهم , فترى التزاور والتلاقي بينهم .
جميلة تلك الزيارات بين الجيران , وكم تُغبط النفس على تلك اللقاءات .
ومن الصور الرائدة في هذا الباب ما يفعله بعض إخواننا من أئمة المساجد من عمل سفرة جماعية للإفطار الجماعي للجيران في المسجد ومع تشجيعنا لهذا , إلا أنها لا تُغني عن التزاور بينهم , فليُحيي الجيران أواصر المحبة بينهم
الصورة السادسة : بقاء أثر الطاعات في نفوس الناس :
فترى في المساجد كثرة المصلين , ولا يزال المؤمنون يُكثرون تلاوة القرآن ويرددون آياته , وأصبحوا لا يتركون أذكار الصباح والمساء , وكثير منهم قد عقد العزم على صيام الست من شوال , في صور متنوعة من الطاعات مما يُبشر بالخير وتأصله في الناس , وحبهم له , وتبقى مهمة الدعاة قائمة لتغذية هذا الأمر ومراعاته وحفظه من الذبول , وذلك بالكلمات والخطب , والرسائل ونحوها .
أخي الكريم ...أختي الكريمة ..
إن للعيد صوراُ رائعة تتجلى فيه , وتظهر للناظرين , ولاشك أن أكمل الفرحة ما يكون لأهل الإيمان والتقوى الذين أتموا الصيام , وتعبدوا لله بالقيام , وعظّموا الله في يوم عيدهم فهؤلاء فرحة أكبر وسعادتهم أتم .