"آن يقدم إنسان مسلم رأسه ثمناً لإعلان وجود حركة إسلامية وتنظيم غير مصرح به قام أصلاً على أساس أنه قاعدة لإقامة النظام الإسلامي، أياً كانت الوسائل التي سيستخدمها لذلك. وهذا في عرف القوانين الأرضية جريمة تستحق الإعدام!"
إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية . كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة . دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال . دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله . إن الله رحيم بعباده . وهو يعلم ضعفهم وعجزهم . ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه . ويعلم أن الشيطان يقعد لهم كل مرصد . ويأخذ عليهم كل طريق . ويجلب عليهم بخيله ورجله . وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث ويعلم أن بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه . وأنه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده . وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك؛ ويوقعه في المعصية وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم . .
يعلم الله سبحانه عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون؛ ويوسع له في الرحمة؛ ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيء له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط . وبعد أن يلج في المعصية ، ويسرف في الذنب ، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره ، ولم يعد يقبل ولا يستقبل . في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط .
ـــــــــ
إن هذه الأمة لا تملك الآن - وليس مطلوبا منها - أن تقدم للبشرية تفوقا خارقًا في الإبداع المادي، يحنى لها الرقاب، ويفرض قيادتها العالمية من هذه الزاوية.. فالعبقرية الأوروبية قد سبقته في هذا المضمار سبقا واسعا. وليس من المنتظر - خلال عدة قرون على الأقل - التفوق المادي عليها!
فلابد إذن من مؤهل آخر! المؤهل الذي تفتقده هذه الحضارة!
إن هذا لا بعني أن نهمل الإبداع المادي. فمن واجبنا أن نحاول فيه جهدنا. ولكن لا بوصفه المؤهل الذي نتقدم به لقيادة البشرية في المرحلة الراهنة. إنما بوصفه ضرورة ذاتية لوجودنا. كذلك بوصفه واجبًا يفرضه علينا التصور الإسلامي الذي ينوط بالإنسان خلافة الأرض، ويجعلها - تحت شروط خاصة - عبادة لله، وتحقيقا لغاية الوجود الإنساني.
لابد إذن من مؤهل آخر لقيادة البشرية - غير الإبداع المادي - ولن يكون هذا المؤهل سوى العقيدة والمنهج الذي يسمح للبشرية أن تحتفظ بنجاج العبقرية المادية، تحت إشراف تصور آخر يلبِّي حاجة الفطرة كما يلبيّها الإبداع المادي، وأن تتمثل العقيدة والمنهج في تجمع إنساني. أي في مجتمع مسلم.
إنْ العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها. جاهلية لا تخفف منها شيئا هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع المادي الفائق!
هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية.. وهي الحاكمية.. إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله للحياة، وفيما لم يأذن به الله.. فينشأ عن هذا الاعتداء على سلطان الله اعتداء على عباده.. وما مهانة الإنسان عامة في الأنظمة الجماعية، وما ظلم الأفراد والشعوب بسيطرة رأس المال والاستعمار في النظم الرأسمالية إلا أثرا من آثار الاعتداء على سلطان الله، وإنكار الكرامة التي قررها الله للإنسان! وفي هذا يتفرد المنهج الإسلامي.. فالناس في كل نظام غير النظام الإسلامي، يعبد بعضهم بعضا – في صورة من الصور - وفي المنهج الإسلامي وحده يتحرر الناس جميعا من عبادة بعضهم البعض، بعبادة الله وحده، والتلقي من الله وحده، والخضوع لله وحده.