وحان أن تسمع ما قالته في مجلة «التايم» الأمريكية في عدد الثامن من آذار (مارس) الجاري، في الصفحة الأخيرة، وفي رأي تقريري مدعّم، الكاتبةُ «نانسي جبس Nancy Gibbs»، ومقالها بعنوان: «الحربُ من الداخل The War Within»، أما ترجمة العنوان الاستهلالي للموضوع: «بالنسبة لكثير من المجندات الأمريكيات، فإن الخطرَ يأتي أيضا من رفقائهم الرجال»! كيف يا نانسي؟!
تبدأ «نانسي» بمشهد، كأنه خرج لتوّه من فيلم لكوبولا أو هتشكوك، فتقول: «قولوا لي عن ماذا يفصح تعمد النساء المجندات وراء البحار التوقف تماما عن شرب الماء من السابعة مساء؟ إنه لتقليل احتمالات حدوث الاغتصاب لإحداهن عندما تذهب لقضاء الحاجة ليلا»! وأنا لم أستطع أن أقرأ المقالَ دفعة واحدة كعادتي، بل أضع المجلة جانبا ثم أطلق للدهشة أن ترحل عن بؤرة التركيز لأتابع .. «أو عن تلك المجندة التي تعرضت لاعتداء جنسي assaulted، وقد تسللت خارج الثكنة لتطلق سيجارة في الهواء، ثم كتمتْ الحادثة تماما، لأنها ستتعرض لمعاقبة غليظة لأنها خرجت من الثكنة..» ولكن لماذا تعاقب هذه المجندة لخروجها؟ هل لأنها خرقت الحظر؟ هل لأنها لم تستأذن؟ هل لأنها أشعلت لفافة تبغ؟ لا، تقول نانسي: «لأنه يُمنع على المجندات الخروج خارج الثكنة بدون سلاح»! طبعا لتوقُّعِ أن يتبعها أحد «الرفاق» ويستغل الهواءَ الطلق لرغبته، كما استغلت الهواءَ الطلق لرغبتها!.. فيا له من عالم موحش!
كل أمريكا تعرف أن الاغتصابَ والتحرش بين المجندات لا يظهر إلا رأسُه، وتبقى الكتلة الهائلة تحت سطح قاتم وكتيم من السرية والتهديد والخوف والعار .. نعم في الولايات المتحدة الأمريكية ضامنة الحريات الأولى في العالم، وجيشـُها الجرّارُ الذي يدور القاراتِ، ويمخر المحيطات، ويعبر الأجواءَ تحت شعار ضمان الحرية للعالم، كل ساعةٍ تُغتـَصَبُ فيه مجندةٌ، وغير المعلن سيكون فضيحة الأمّة الأكبر.
وفي الجيش الأمريكي قانونٌ صارم، بنظام حاد التطبيق في كل ما يخص مسائل التحرش والعنصرية، أخفها السجن والتسريح من الجيش .. ومع ذلك زادت نسبة التحرش والاغتصاب في عام 2009 بمعدل 9 في المائة على العام الذي سبقه. والمجندة الأمريكية قوية، وفائقة التدريب، وقادرة على خوض المعارك والالتحام المباشر، وتتلقى تدريباتٍ مكثفة عضلية وتقنية لرد أي اعتداء، إلا أن ذلك لم يحدّ من معدلات التحرش ولا الإذلال.. (والطريف، إن رأيتموه طريفا، هناك قضايا مسجلة، وليست قليلة، بتحرش بعض النساء المجندات ببعض الرجال وخاصة بالموظفين المدنيين، وهذه أيضا نتيجة متساوية إن لم تزد).
وفي مدينة «مكسكيو» تم إعلانها مدينة لتكون بعد سنتين مجتمعا ينفصل فيه النساءُ والرجال في كل محفل عام، لأن نسبة التحرش والإجرام والاعتداء على النساء فاقت كل تصور، وتعدت قدرات قوات الأمن.
من هنا يجب أن ننظر لمسألة الاختلاط، من عواقبها عند الناس الذين آمنوا بها وناضلوا من أجلها، وأقروها مظهرا لازما من مظاهر الحياة.. ومن يتعرض لأي شيءٍ فعلى الأقل، يجب أن يستعد لعواقبه!