منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   معًـا نبني خير أمة (http://forum.islamstory.com/f100.html)
-   -   خلق العفو والتسامح (http://forum.islamstory.com/52288-%CE%E1%DE-%C7%E1%DA%DD%E6-%E6%C7%E1%CA%D3%C7%E3%CD.html)

ألب أرسلان 07-05-2013 02:50 PM

خلق العفو والتسامح
 
http://www.up-aa.com/upfiles/FQI59785.jpg

خلق العفو والتسامح


العفو والتسامح

يربط بين البشر العديد من الروابط ، ومن خلال العلاقات الاجتماعية المتشابكة ، واختلاف خبايا النفوس ، وما يحاك في الرؤوس تنشأ خلافات ، وتنشأ تصادمات ، وتكاد تكون حياة الإنسان مكونة من علاقات بشرية فيها تواصل حميد ، وأخرى فيها تواصل مقيت حيث يحمل بعض الناس بغضاً وكرهاً ومعاداة لأشخاص آخرين فتغدو العلاقات واهية ومتعبة ، ويغدو التواصل الجيد كقطعة نفيسة نادرة يشعر المرء بأهميتها وقيمتها ، ويعمل للحفاظ عليها ، وأما العلاقات السيئة فأحسن ما يعدّ لهذه العلاقات : استيعابها والمقدرة على صدّها مع العفو عن صاحبها إن اعترف بخطئه واعتذر عنه .

ولكن لماذا العفو ، ولماذا لا ينفذ الرد الرادع ؟

إن العفو يمحو كل أثر ، فلا يبقى للموضوع أيّ ندبة في القلب ، أو أيّ تفكير للردّ المعاقب المكافئ ، وهذا ما لا نراه في واقعنا حيث نرى أن المتضرر من غيره يعيش عمره وهو متألم مما جرى وحزين ينتهز الفرصة إمّا للإيقاع بالخصم ، أو تجريحه أو النيل من سمعته ، ولهذا أثر سييء على الصحة النّفسية والجسمية .

وكثيراً ما توقفت عند ما علّمنا إياه النّبي عليه الصّلاة والسّلام من دعاء في ليلة القدر وهو : طلب العفو ، فلا شيء يعدل أن تمحى ذنوبنا ،وعلينا أن نذكّر أنفسنا باسم الله ( العفوّ ) لنتحلى بهذه الصفة الراقية

قال ابن الأثير في النهاية/3: 265 ( من أسماء الله تعالى ( العفوّ) , وهو فعول من العَفْوِ وهو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه, وأصله المحو والطمس, وهو من أبنية المبالغة .)

فالله القادر على أن يعذبنا ومع ذلك يعفو عنا ، لذا علينا أن نتحلّى بهذه الصفة في تعاملاتنا مع من أخطأ في حقنا ، وجاءنا صادقاً ملتمساً السماح مقراً بخطئه ، فهذا العفو يعود على المسيء وعلينا بالخير إن شاء الله .

قال الغزالي :" والعفو صفة من صفات الله تعالى, وهو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي , وهو قريب من الغفور , ولكنه أبلغ منه, فإن الغفران ينبئ عن الستر والعفو ينبئ عن المحْوِ , والمحو أبلغ من الستر . وحظ العبد من ذلك لا يخفى , وهو أن يعفو عن كل من ظلمه بل يحسن إليه , كما يُرى اللهُ تعالى محسنا في الدنيا إلى العصاة والكفرة غير معاجل لهم بالعقوبة , بل ربما يعفو عنهم بأن يتوب عليهم , وإذا تاب عليهم محا سيئاتهم , إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له , وهذا غاية المحو للجناية ." ( المقصد الأسنى/140 )

وهنا تتزاحم المعاني ، وتتبين الفروق بين العفو والصفح ، فلطالما تجاورت الكلمتان في كتاب الله وآياته ، مرة بصيغة أمر وأخرى بصيغة شرط تبشر العافين عن الناس .

قال القرطبي: " الصفح: إزالة أثر الذنب من النفس , صفحت عن فلان : إذا أعرضت عن ذنبه, وقد ضربت عنه صفحا , إذا أعرضت عنه وتركته ." الجامع لأحكام القرآن/2: 71

وقال الكفوي :" الصفح أبلغ من العفو ؛ لأن الصفح تجاوز عن الذنب بالكلية واعتباره كأن لم يكن . أما العفو فإنه يقتضي إسقاط اللوم والذم فقط , ولا يقتضي حصول الثواب ." ( الكليات للكفوي/666 ) .



وفي سيرة نبيّنا العطرة عليه الصلاة والسلام مواقف عملية عن العفو وكذلك في سيرة صحابته الكرام ، وقد اخترت منها عفوه صلّى الله عليه وسلّم عن عكرمة بن أبي جهل وقد نقلتها من كتاب السيرة النبوية للدكتور علي محمد الصلابي وهي كالتالي :

إسلام عكرمة بن أبي جهل:

قال عبد الله بن الزبير
: قالت أم حكيم امرأة عكرمة بن أبي جهل: يا رسول الله، قد هرب عكرمة منك إلى اليمن، وخاف أن تقتله فأمِّنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو آمن», فخرجت أم حكيم في طلبه ومعها غلام لها رومي، فراودها عن نفسها، فجعلت تمنيه حتى قدمت على حيٍّ من عكٍّ[1][12] فاستغاثتهم عليه فأوثقوه رباطًا، وأدركت عكرمة، وقد انتهى إلى ساحل من سواحل تهامة فركب البحر، فجعل نُوتيَّ السفينة يقول له: أخلص، فقال: أي شيء أقول؟ قال: قل لا إله إلا الله، قال عكرمة: ما هربت إلا من هذا، فجاءت أم حكيم على هذا الكلام، فجعلت تلح عليه وتقول: يا ابن عم، جئتك من عند أوصل الناس, وأبرّ الناس, وخير الناس، لا تهلك نفسك. فوقف لها حتى أدركته فقالت: إني قد استأمنت لك محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أنت فعلت؟ قالت: نعم، أنا كلمته فأمنك. فرجع معها وقال: ما لقيتِ من غلامك الرومي؟ فخبرته خبره فقتله عكرمة، وهو يومئذ لم يسلم، فلما دنا من مكة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنًا مهاجرًا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت».
قال: وجعل عكرمة يطلب امرأته يجامعها، فتأبى عليه، وتقول: إنك كافر وأنا مسلمة، فيقول: إن أمرًا منعك مني لأمر كبير، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم عكرمة وثب إليه -وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء- فرحا بعكرمة، ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه، وزوجته متنقبة، فقال: يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت، فأنت آمن» فقال عكرمة: فإلامَ تدعو يا محمد؟ قال: «أدعوك إلى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتفعل وتفعل» حتى عد خصال الإسلام، فقال عكرمة: والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل، قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا، ثم قال عكرمة: فإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: يا رسول الله علمني خير شيء أقوله، قال: «تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله» قال عكرمة: ثم ماذا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقول: أشهد الله وأُشهد من حضر أني مسلم مهاجر ومجاهد» فقال عكرمة ذلك.
فقال رسول الله: «لا تسألني اليوم شيئا أعطيه أحدًا إلا أعطيتكه» فقال عكرمة: فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها، أو مسير وضعت فيه، أو مقام لقيتك فيه، أو كلام قلته في وجهك أو وأنت غائب عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها، وكل مسير سار فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك، فاغفر له ما نال مني من عرض، في وجهي أو وأنا غائب عنه» فقال عكرمة: رضيت يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدّ عن سبيل الإسلام إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قتالاً كنت أقاتل في صدّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله, ثم اجتهد في القتال حتى قُتل شهيدًا[2][13].
وبعد أن أسلم ردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأته له بذلك النكاح الأول[3][14].

كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع عكرمة لطيفًا حانيًا يكفي وحده لاجتذابه إلى الإسلام، فقد أعجل نفسه عن لبس ردائه، وابتسم له ورحب به, وفي رواية قال له: «مرحبا بالراكب المهاجر»[4][15] فتأثر عكرمة من ذلك الموقف فاهتزت مشاعره وتحركت أحاسيسه، فأسلم، كما كان لموقف أم حكيم بنت الحارث بن هشام أثر في إسلام زوجها، فقد أخذت له الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم, وغامرت بنفسها تبحث عنه لعل الله يهديه إلى الإسلام كما هداها إليه، وعندما أرادها زوجها امتنعت عنه وعللت ذلك بأنه كافر وهي مسلمة، فعظم الإسلام في عينه وأدرك أنه أمام دين عظيم، وهكذا خطت أم حكيم في فكر عكرمة بداية التفكير في الإسلام ثم توج بإسلامه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صادقًا في إسلامه, فلم يطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم دنيا, وإنما سأله أن يغفر الله تعالى له كل ما وقع فيه من ذنوب ماضية، ثم أقسم أمام النبي صلى الله عليه وسلم بأن يحمل نفسه على الإنفاق في سبيل الله تعالى بضعف ما كان ينفق في الجاهلية، وأن يبلي في الجهاد في سبيل الله بضعف ما كان يبذله في الجاهلية، ولقد بر بوعده فكان من أشجع المجاهدين والقادة في سبيل الله تعالى في حروب الردة ثم في فتوح الشام حتى وقع شهيدًا في معركة اليرموك بعد أن بذل نفسه وماله في سبيل الله[5][16]. ) .

وأول ما لفت نظري أن يكون طالب العفوعكرمة بن أبي جهل فلو أن قلب رسول الله ممن يحمل الأحقاد لظهر هذا في قصة عفوه عن عكرمة الذي عادى رسول الله في مواقف عديدة وهو ابن من بقي يعادي النبي عليه الصلاة والسلام حتى آخر رمق في حياته .

وشيء آخر هو ذلك الموقف التلقائي بالترحيب به وبأوبته وتوبته وإعطائه لقب المهاجر بقوله : «مرحبا بالراكب المهاجر»[6][ حيث هبّ عليه الصلاة والسلام لملاقاته ملاقاة الفرح بقدوم عزيز غائب .

ولقد أعطتنا هذه الحادثة درساً في فوائد العفو حيث عادت تلك الفوائد على المعفو عنه بالمغفرة والقبول ، وعلى المسلمين بأطيب الثمار فقد حارب عكرمة المشركين بنفسه وماله ، وظهرت لديه صفات التضحية والإيثار لدى استشهاده في معركة اليرموك في القصة المشهورة بإيثاره هو ورفقاؤه الماء كل يرسله إلى الآخر حتى ماتوا جميعاً ولم يشرب أيّ منهم الماء .
وأخيرا فإن التّحلي بالعفو عند المقدرة خلق حسن يوحي بسلامة القلب وحب الخير للناس ، ويعدّل من سلوك المعفو عنهم ، ويجعل صاحب هذا الخلق مرتاح البال مطمئن الفؤاد إيجابياً سليم الجسم حيث تساهم الأحزان والأضغان في إضعاف الجسم ، ويعيق العمل .
إنّ هذا الخلق مطلوب من كلّ مسلم يطمع في عفو الله ومغفرته وصفحه مع العلم أن مجتمعاتنا الآن يتفشى فيها نوع من التباعد وعدم قبول الأعذار وتضخيم العداوة ، ونقلها إلى الأبناء وخاصة لدى الأقارب والجيران ، وهذا ناجم عن ابتعادنا عن المعاني السامية التي أرساها الإسلام وذخرت فيها كتب السيرة ، وما علينا إلا أن نحييها من جديد بالتوعية تارة وبالقدوة تارة أخرى .


الساعة الآن 09:35 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام