ولما كانت صور الفساد الواقعة كثيرة ومتراكمة ، ولما كان الانحراف عن دين الفطرة قد شمل كل ميدان، كان على دعاة الحق أن تكون لهم خطة محكمة للعمل الدعوي تجنبهم الانحراف عن الطريق وتحفظ جهودهم من الضياع ، وقد رأى السلفيون -كما سبق ذكره- أن التوحيد هو هدف دعوة الرسل وأن كل شيء يهون أمامه ولا سبيل إلى نشره إلا سلوك طريق الأنبياء في تبليغه، وطريقُ نبينا صلى الله عليه وسلم قد علمناه مفصلا في سيرته العطرة، وهو قد بدأ بالتعليم ونشر مبادئ هذا الدين، كما أنه كان أول ما أمر بتبليغه هو العقائد المتعلقة بالله تعالى والرسول واليوم الآخر وهو الموضوع الغالب على أول ما أنزل من القرآن ، فكذلك ينبغي أن يكون مسير كل الدعوات التي تريد أن تستمر وتطمح أن تكلل بالنجاح.
ولقد اختار السلفيون هذا الطريق وهذا المنطلق بناء على ما ذكرنا، وهم يعتقدون عدم جدوى كل الطرق الأخرى التي يسعى أصحابها من خلالها إلى إعزاز الدين وتحقيق التمكين، وبالخصوص الجماعات الخائضة في ميادين السياسة ومعتركاتها العفنة، وبالنسبة للعلامة ابن باديس فقد سبق أن نقلنا عنه في المبحث الأول من هذا الفصل أقوالا يؤكد فيها أن طريق الإصلاح توقيفي، وأنه متوقف على الرجوع إلى الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، كما أنه صرح في موضع ترجيحه للعمل الدعوي المبني على إصلاح العقائد على العمل السياسي المبني على تجميع الجماهير ومبدأ المطالبة والمغالبة فقال رحمه الله: " فإننا اخترنا الخطة الدينية على غيرها عن علم وبصيرة ، وتمسكا بما هو مناسب لفطرتنا وتربيتنا من النصح والإرشاد وبث الخير والثبات على وجه واحد والسير على خط مستقيم، وما كنا لنجد هذا كله إلا فيما تفرغنا له من خدمة العلم والدين، في خدمتهما أعظم خدمة وأنفعها للإنسانية عامة. ولو أردنا أن ندخل الميدان السياسي لدخلناه جهرا ولضربنا فيه المثل الأعلى بما عرف عنا من ثباتنا وتضحيتنا، ولقُدْنا الأمة كلها للمطالبة بحقوقها ولكان أسهل شيء علينا أن نسير بها على وفق ما نرسمه لها وأن نبلغ من أنفسنا إلى أقصى غايات التأثير عليها، فإن مما نعلمه - ولا يخفى على غيرنا - أن القائد الذي يقول لها إنك مظلومة في حقوقك وإني أريد أن أوصلك إليها يجد منها ما لا يجده من يقول لها: إنك ضالة عن أصول دينك وإنني أريد هدايتك، فذاك تلبيه كلها وهذا يقاومه معظمها أو شطرها ، هذا كله نعلمه ولكننا اخترنا ما اخترنا لما ذكرنا، فإنا فيما اخترناه بإذن الله لماضون وعليه متوكلون " .
ولقد كان هذا اختيارا من الاختيارات الصعبة التي اختارها العلامة ابن باديس رحمه الله في حركته الإصلاحية، لقد كان هذا الاختيار صعبا في نظرنا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الزمن الذي كان يعيشه والواقع الذي كان محيطا به، إذ لا يجهل ولا ينكر مقدار تأثير ذلك (الواقع ) على اختيارات المفكرين والمصلحين وتوجهاتهم، ولكن العالم الرباني لا يختار شيئا إلا وله فيه مستند شرعي، فهو أخبر أنه ما ترك المعترك السياسي جبنا أو عجزا ولكن ليقينه بعدم جدواه، ولأن فيه اعترافا ضمنيا بشرعية النظام الفرنسي الكافر، وبين للناس أنه كان قادرا على تجميع الجماهير حوله بتلك الأماني والأغاني التي يتغنى بها أهل السياسة في كل زمان، ولكن ليس شيء من ذلك من شأن أهل العلم والإصلاح، وليس ذلك من المنهج الإسلامي القائم على عقيدة التوحيد في شيء، لقد علم الشيخ علم اليقين أن الرجوع إلى الدين الصحيح شرط في التمكين الذي يكون حينها منحة من رب العالمين.
هذا المقال من مباحث (أصول الدعوة السلفية عند العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى ص 107-110 ) و(الرد النفيس على الطاعن في العلامة ابن باديس ص 102-104)
رد: طريق الإصلاح في التعليم الجاد لا في اللعب السياسي
شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا شكرا جزيلا وجزاك الله خيرا