الحَمْدُ لله رَبِّ العّاْلمَيِن والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلى أَشْرَفِ الأنبياء والمُرْسَلِيْن محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين أَمَّا بَعْد:
تعيش اليوم بلاد المسلمين حروبًا عدة بين أبنائها بعضهم يقاتل بعضًا، غير الحروب التي بين أبنائها ومحتلي بعض أراضيها، فهناك حرب في العراق وأخرى في فلسطين وثالثة في أفغانستان ورابعة في السودان وخامسة في الجزائر وسادسة في الصومال، وسابعة في مصر...، هذه الحروب التي لا رابح فيها وإنما الكل خاسر هي نتائج وأعراض لأسباب، هذه الأعراض والنتائج لا يمكن أن تعالج علاجًا استئصاليًّا جذريًّا إلا بمعالجة هذه الأسباب، ومعالجة السبب غير ممكنة إلا إذا شخص هذا السبب تشخيصًا سليمًا وحصلت الرغبة الأكيدة في معالجته والعمل الجاد الدءوب المنفذ لهذه الرغبة المترجم لها ترجمة واقعية مع التمكن من ذلك أي امتلاك الإمكانات والوسائل اللازمة، وإن السبب الرئيس في كل هذه الحروب والذي يعلمه كل فقيه في الدين عالم بالواقع منصف النظر هو البعد عن الحق والتفرق في الدين وتعدد الولاءات والآلهة المعبودات التي هي مصادر التمويل والدولارات وتحقيق الأهداف الدنيويات، فكل حزب له دينه وله فكره أو مذهبه، وكذلك له ولاؤه وانتماؤه، هذه الأديان والولاءات والانتماءات متعارضة متناقضة متضاربة، وكل حزب يريد قهر الآخرين حتى يخضعهم له بقوة السلاح، والواضح في الأمر أن هذه الأحزاب المتقاتلة المتناحرة لحتى هذه اللحظة لم يتبن واحد منها من الإسلام إلا اسمه وبعض الشعارات المؤيدة له وأما حقيقة الإسلام وحكم الله فهي بعيدة عنه كل البعد والواقع خير شاهد ودعك من الشعارات الباهتة الزائفة والخطابات الرنانة والصلوات في المساجد المسخرة لتحقيق الأهداف الحزبية لا إلى الدعوة إلى الله وحده، فهي كالوعود الكاذبة، فالاقتتال ليس لخدمة الإسلام ولا لطلب الآخرة ولا لإقامة دين الله في الأرض بالمرة وإنما لأهداف خفية باتت مكشوفة معلومة لكثير من عباد الله استخدم البعض اسم الإسلام وشعاره والصلوات ونحوها وسيلة لتحقيقها وطريقًا للوصول إليها، هذه الأهداف أسخف من أن تذكر لأنها كلها دنيوية والدنيا بأسرها لا شيء ولا يتنافس عليها إلا السفهاء، يقول تعالى{وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}[آل عمران:185]، ويقول{قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً}[النساء:77]، ويقول{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ}[البقرة:130]، وعن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء"([1])،وعن عائشة قالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الدنيا دار من لا دار له ولها يجمع من لا عقل له"([2]). ولكي لا نبقى أسرى النقد غير البناء الذي لا قيمة له لو أفنينا حياتنا كلها فيه لا بد وأن ننتقل من النقد أي النصيحة إلى العمل بهذه النصيحة، والعمل بالنصيحة هو مختص بالمنصوح لا بالناصح، فنحن ناصحون ولكننا لسنا نحن المتقاتلين، فما دورنا لنترجم النصيحة إلى عمل يغير هذا الواقع الأليم والحال أن المتقاتلين المنصوحين غير مكترثين بنصيحتنا وغير ملتفتين إلينا؟ وفي نظري أن ذلك يكون بمخاطبة القاعدة العريضة المؤيدة لهذه القيادات التي خاطبناها ولم تستجب لخطابنا، هذا الخطاب لا يقتصر على النصيحة اللسانية الكلامية وإنما يأخذ شكل التربية على الحق بدءًا بتعليم العقيدة السليمة وتحرير الولاء الخالص لله ورسوله وأئمة المسلمين ومرورًا بتعلم أحكام فروض الأعيان والعمل بها وفهم الواقع السياسي والحزبي والطائفي والمذهبي، وانتهاء بتوجيه الجهود التي توحدت تحت راية إمام رباني واحد نحو العدو المركزي الرابح الوحيد من كل حرب بين من يمكن أن يكونوا جميعًا معاول هدم لدولته وبنائه الذي ما قوي إلا بتنازعنا وفشلنا وذهاب ريحنا الذي سببه الوحيد التفرق في الدين والولاء للكافرين، يقول تعالى{وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال:46]. وإن هذا يلزم تحقيقه والوصول إليه أهل العلم والتقى والصلاح مضاعفة جهودهم ضمن خطة راشدة حتى لو كلفهم ذلك حياتهم، وهذا هو أعظم الجهاد، وإلا فالتهاون والتباطؤ والتكاسل لا يزيد الأمر إلا سوءًا يتحمل مسئوليته القادرون على تغييره أو المساهمة فيه، يقول تعالى{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران:104]، وعن أبي سعيدقال سمعت رسول اللهصَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يقول"من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان"([3])، والله أسأل أن يجعلنا من أولئك العاملين لإنقاذ هذه الأمة من مصائد الشيطان وإخراجها من الظلمات إلى النور إنه نعم المولى ونعم النصير ,وصل اللهم على محمد وآله وسلم. ([1]) رواه الترمذي ج4ص560 رقم 2320 وقال صحيح غريب من هذا الوجه و البغوي في شرح السنةج14ص229 وابن ماجة رقم 4110
([2]) رواه أحمد ج6ص71، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ج10ص288:رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير دويد وهو ثقة.
([3]) رواه مسلم(شرح النووي) ج2ص22-24 والترمذي ج4ص469-470 رقم 2172 وأحمد ج3ص10،20 وأبوداود رقم1140 والنسائي ج8ص111،112 وابن ماجة رقم 1275، 4013.