منتدى قصة الإسلام

منتدى قصة الإسلام (http://forum.islamstory.com/)
-   معًـا نبني خير أمة (http://forum.islamstory.com/f100.html)
-   -   انصر قضيتك... (http://forum.islamstory.com/63147-%C7%E4%D5%D1-%DE%D6%ED%CA%DF.html)

صفا الروح 30-10-2013 10:35 AM

انصر قضيتك...
 
جميعنا نُعلن ومن اللحظة الأولى عن وجودنا، نرفع أصواتنا بأعلى ما نملك، نشق بصوتنا الحاد مسامع أذن مستبشرة، فتتلقفنا الأيدي بالحب والبهجة .

وبعد أعوام طالت أم قصرت، تودعنا أكف أخرى إلى مثوى أخير، يكون الصمت عنونا للمشهد آنذاك، صوتنا ليس له أي وجود، سكون حزين، وبعض دمعات، وتمتمات بدعاء بالمغفرة ثم .. ينتهي كل شيء ..

منا من يُنسى، وكأنه لم يزر هذه الأرض قط، فلا يذكره أحد .
البعض الآخر يعلو ذكره بين الأحبة والأصدقاء، ترحما، ودعاء بحياة أخرى هي الأفضل، في كنف رب رحيم .

صنف ثالث ذكراه تثير الحنق، وتستدعي اللعنات، وتأكيد بأن الأرض صارت أهدأ من دونه !.

ويتبقى صنف أخير ـ وقليل ـ ذلك الذي لا يموت .. حيث الأعمال العظيمة تنافح عنه، وتُعلي من سيرته، وتُذكر الناس دائما بأنه حي لم يمت .

في كل يوم يزيد محبيه واحدا أو اكثر، يخطب في الناس بشكل مستمر، يوجههم إلى الصلاح، يدعوهم إلى مأدبة عظيمة أعدها بنفسه، وأودع فيها من روحه، ودمه، وصِدقه .. الشيء الكثير .!

هؤلاء هم أصحاب القضايا الكبرى، متبني المبادئ العظيمة، من تملكهم الأفكار النبيلة، فتنفث فيهم من روحها، فتهيج الهمة، وتلهب الطموح، وتُشعل الحماسة .

يعيشون لها وبها، وتعيش لهم وبهم .
هؤلاء هم أصحاب الخيار الصعب، والطريق الوعر، والمخاطر المستمرة ..

وذلك لأن العيش من اجل نصرة قضية كبرى ليس بالأمر الهين ولا البسيط، ويحتاج منك إلى أن تصهر روحك، وذاتك، فتتشكل من جديد وفق ما يتماشى مع ما تؤمن به، وعندها .. يذوب كل منكما في الآخر .

حياة .. والسلام ..!
عاش خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ مقاتلا صنديدا، لم يُهزم في معركة، لا قبل إسلامه ولا بعده، تكسرت في يده السيوف، وتعددت من تحته الخيول، وصاغ بعبقريته مفردات نادرة للتخطيط الحربي، ودهاء القادة، وبسالة الفرسان .

لكنه ورغم حياته الحافلة التي قابل الموت فيها وجها لوجه مئات المرات إلا أنه مات على فراشه في هدوء، و لم ينس قبل أن يغمض عينيه للمرة الأخيرة أن يسخر من كل جبان مؤثر للسلامة، قائلا :

" لقد حضرت كذا وكذا زحفا وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف، أو رمية بسهم، أو طعنة برمح،وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء" .

لا نامت أعين لم تدرك أن الروح لخالقها، وبأن نواصينا بيد الله .. فعاشت ترتجف رعبا وهلعا، وخوفا، ليس لها قضية تعيش من أجلها، أو مبدأ تُرخص نفسها كي يعلو هو ويعيش !.

سيف الله خالد يخبرنا أن كثرة المخاطر هي التي تصنعك، بل هي التي تهبك الحياة الحقيقية، وبأن العلامات التي تتركها معارك الحياة على جسدك هي التي تنحت في ذاكرة الدنيا سيرتك، وتُمجد ذِكرك في الأرض .. والسماء.

حياتك هي قضيتك ..!
وقد نقول "قضيتك هي حياتك" كلاهما صواب، ففي ركن ما من العقل تترسخ المبادئ والأطر التي تُحركنا وتتحكم فينا، وتُسيرنا بدأب نحو ما نؤمن .
فهذا "قضية عمره" أن يعيش غنيا، فتراه يبذل كل شيء كي يعيش .. لقضيته .

وذاك حياته مرهونة بالشهرة وعلو الذكر وسطوع النجم، فهو يتملق هذا، ويركض خلف ذاك، ولا يهنأ باله إلا بتحقيق .. حلم العمر .

وآخر أعطى تركيزه لأبنائه، فقضية عمره أن يعيشوا هانئين سعدا، فيجعل من نفسه آلة تدور بلا توقف من أجل يوفر لهما الحياة اللائقة الكريمة .

وأجدني مدفوعا إلى أن أسألك ، وأنت.. ما هي قضيتك ؟

يا لضيعة العمر إم لم تجد إجابتك حاضرة، وواضحة، وجلية ..

يا لضيعته ـ ثانية ـ إن كانت إجابتك ليست على قدر طموحك، أو همتك، أو وعيك .

يا لضيعته ـ ثالثة ـ إن كانت قضيتك ليست حياتك !، أو كانت تحتل مرتبة دنيا في وجدانك .

سل العظماء عن الحياة وسيخبرونك أنها لا تقبل الحلول الوسط ..!

فأنت إما عظيم أو دون ذلك .

والعظمة ليست كلمة خاوية جوفاء، إنها ببساطة تتمثل في المبدأ، قل لي مبدأك الذي تعيش به وله، وسأخبرك عن مقدار عظمتك .. هكذا تُحسب الأمور !.

هل أتاك خبر سيد ..!
بدأ حياته أديبا، يصوغ المعاني والأفكار، يغزل بكلماته أثوابا من المفردات الجميلة، فتشيع في الحياة لونا من البهجة والنشوة، موهبته كانت حاضرة بقوة فنبهت الجميع إلى أن هناك ثمة "عبقري" يُعلن عن نفسه هاهنا، المدهش أن "سيد" كان حادا كالسيف في كل معاركه، هكذا كان في مطلع شبابه وهو يقاتل بجسارة في المعركة التي احتمدت بين العقاديين، نسبة إلى الأديب "عباس محمود العقاد " وكان هو أحد جنودها، وبين الرافعيين نسبة إلى الأديب " مصطفى صادق الرافعي" وكان علي الطنطاوي أبرز جنودها، منذ ذلك الحين ظهر جليا أن "سيد" رجل يقاتل من أجل ما يؤمن به، كان مهاجما عنيدا يثير حفيظة خصومه، وكانت كتاباته النارية معارك تخلف جرحى وناقمين.

ثم سافر إلى أمريكا، وهناك بادل تلك البلد الجديد العداء، واتخذ منها موقفا معاديا، لكن الأهم من ذلك أن سيد قطب قد انتبه ..!
نعم لقد انتبه سيد إلى الفكرة .. انتبه إلى القضية .. انتبه إلى ما يستحق أن يجمع من اجله شتات جهده، وعرقه، وفكره، وقلمه، وبحثه، ثم يصهره فيه .

كانت البداية بحادث مقل الامام حسن البنا ـ رحمه الله ـ دُهش سيد من مظاهر الفرح والسرور التي انتابت العالم الغربي لموت رجل من رجال المشرق، بلا شك كان سيد يعرف الشيخ البنا بطبيعة الحال، لكن القدر شاء أن يُعيد سيد إلى قراءة البنا، أو إن شئنا الدقة قراءة فكر وتوجه الإمام البنا بشيء من التروي والوعي، لتصبح تلك اللحظة فارقة وحساسة لا في تاريخ سيد فحسب، بل في تاريخ جميع الحركات الاسلامية في طول العالم الاسلامي وعرضه من وقتها وحتى اليوم.

سيد قطب الذي قد تختلف معه أو توافقه، الذي قد تُحمله كثير من تجاوزات الحركات الاسلامية أوقد تبرئ ساحته، رجل يحتاج إلى أن تنحي حُكمك السابق ضده جانبا وتعيد قراءته، تعيد تأمل أفكاره، وأطروحاته، بأن تتأمل مواقفه، بأن تنظر إلى سيرة بطل عاش من أجل قضية .. ومات لها.

يُروى أن سيد قطب قبل إعدامه بدقائق أتوا إليه بشيخ يلقنه الشهادة، نظر الشيخ المُعمم إلى سيد نظرة لا حياة فيها وقال له " قل لا إله إلا الله .. محمد رسول الله" .
ابتسم سيد ابتسامة هادئة وقال " يا مسكين .. من أجلها دفعت عمري "!.

"الجاهلية المنظمة لا يهزمها سوى إسلام منظم" .
كانت هذه هي رؤية سيد لنصرة قضيته، أنها يجب أن تخضع لكل الأسس العلمية والفكرية التي تضمن انتصارها، خصوصا إذا ما كان المعسكر الآخر مُنظما ودقيقا .

لا يجب أن تكون النوايا الحسنة هي فقط كل زادنا في مواجهة الآخرين، وليست كافية ـ رغم وجوبها ـ في إقناعهم وجذبهم إليها .

كان سيد نموذجا، يمكنك أن تستدعيه إذا ما أحببت أن ترى شاهدا حيا لرجل يدفع ثمن إيمانه بأفكاره، كما يمكنك أن تستدعي من التاريخ قصة أحمد بن حنبل أو سعيد بن جبير، أو ابن تيمية، إرجع بذاكرتك أكثر إلى صحابة النبي، عد أكثر إلى الخلف حيث أصحاب الكهف، وماشطة ابنة فرعون وفتى الأخدود ..

ليس عندي غضاضة أن تذهب بعيدا عن تراثنا إن أحببت لتتعلم من تاريخ جيفارا، أو لينكولن، أو تشرشل ..

ما يهمني حقا أن تنتبه إلى الفكرة التي أود ترسيخها توكيدها ..

وهي أن الإنسان لن يلامس حدود إنسانيته الحقيقية مالم يؤمن بفكرة عظيمة ويبذل جهده من أجل نصرتها .

أو كما يؤكد مارتن لوثر كينج من أن "المرء إن لم يكتشف شيئا يمكنه من الموت دفاعا عنه فإنه غير جدير بالحياة".

ولا زال لحديثنا بقية .. ما دام في العمر بقية ..
كريم الشاذلي


الساعة الآن 11:42 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
Content Relevant URLs by vBSEO 3.3.0 , Designed & TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتدى قصة الإسلام