{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144.{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً }الأحزاب40{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }محمد2.{مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }الفتح29.
حبُ النبي صلى الله عليه وسلم إيمانٌ تخفقُ به القلوبُ، ودمٌ يَجري في العروق، و ذكرٌٌ تلهجُ بِهِ الألسنةُ لأنَّ اللهَ جعلَ له المقامَ الأرفعَ والمكانَ الأسمى قال الله تعالى: { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ }[ الشرح:1-2] وهو عليه الصلاة والسلام نبيُ الرحمةِ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وهو رسول الصدق صلى الله عليه وسلم { والذي جاء بالصدق وصدّق به } [الزمر:33] وهو صاحبُ المقامِ المحمودِ {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }[الإسراء:79]
إنَّ محبةَ النبي صلى الله عليه وسلم أصلٌ من أصولِ الإيمانِ، يقولُ اللهُ سبحانه وتعالى { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة:24]، فاللهُ جلَ وعلا جمع في هذه الآية كلَ محبوباتِ الدنيا، وكلُ متعلقاتِ القلوبِ، وكلُ مطامعِ النفوسِ ووضعَها في كفةٍ وحبَ اللهِ وحبَ رسولِهِ في كفةٍ.
وفي الحديث الصحيح المشهور قوله: ( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (1).
ومعلومٌ أنَّ من لوازمِ حبِهِ صلى الله عليه وسلم الذبُّ عن عِرضِهِ ، والغيرةُ على سنتِهِ ، والحميةُ له إزاءَ ما قد يُوجهُ إلى جنابه الكريم من إساءةٍ لا تضر مقامِهِ ولا تُنقصُ من قَدرِهِ الرفيع قطعاً ويقيناً لكنها تؤثرُ في قلوبنا وقلوب محبيه وتشعلُ في نفوسنا و في نفوس محبيه من الغيرة ما يحركهم للانتصار لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
تكررت الإساءة الدنمركية بالرسوم الكرتونية وعاد الحديث مرة أخرى عن الإساءة والنصرة وهذه وقفات مهمة أقدّم لها بأن تصرفاتنا محكومة بأمرين:
الأمر الأول: أن تكون ابتغاء وجه الله وقصد مثوبته والتجرد لمرضاته وفق مراده وأمره.
والأمر الثاني: أن تراعي تحقيق المصلحة الشرعية للأمة الإسلامية. فليس من هدي الإسلام القيام بعمل بمجرد العاطفة المتقدة أو الحماسة المشتعلة فإن أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم قالوا له في بيعة العقبة الثانية ( لو شئت أن نميل على أهل هذا الوادي ميلة واحدة لفعلنا ) فقال: ( كلا إنا لم نؤمر بذلك) ولما جاء الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحماسته وغيرته في يوم صلح الحديبية أجابه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إني رسول الله وإنه لن يضيعني). الوقفة الأولى: غضبنا جميعاً وسنغضب دائماً من كلِ من يُسيءُ إلى رسولِنا العظيم سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم لأنَّ حُبَّهُ صلى الله عليه وسلم يَستولي على قلوبِنا، ولأنَّ قَدرَهُ هو الأرفعُ في نفوسنا ولأن ذلك يمسُ صميمَ دينِنَا ولكن دعوني ألفت النظر إلى غضبٍ آخرَ من خلالِ القصة الشهيرة لإسلام عمر الفاروق رضي الله عنه يوم ذَهَبَ مُتوجهاً بغَضَبِهِ وشِدتِهِ وثَورتِهِ يُريدُ قتلَ النبي صلى الله عليه وسلم فاعترضَهُ أحدُ المسلمين ولما عَرَفَ قَصدَهُ غيّرَ مسارَهُ بذكاءٍ وفطنةٍ قال: اذهب أولاً إلى بيتِ أختِكَ فإنَّها قد تَبِعَتْ محمداً صلى الله عليه وسلم ، ولسانُ حالِهِ يقولُ لَهُ: قبلَ أنْ تُقاومَ الأطرافَ الخارجيةَ قاوم صفوفَكَ الداخليةَ. فَرَجَعَ عمرُ إلى بيتِ أختِهِ وكان ما كان من إسلامه ورجع عمرُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً محباً متبعاً بعد أن توجه سابقاً إليه كارهاً مبغضاً مقاتلاً.
نحنُ اليومَ نتوجهُ للغيرةِ والغضبِ وذلك حقٌ مشروعٌ تَفرضُهُ علينا حقيقةُ الإيمانِ والغيرةِ لله عز وجل والحبِ والانتصارِ للرسول صلى الله عليه وسلم ، لكننا بحاجةٍ إلى من يردنا إلى الجبهة الداخلية فيقول لنا: أين أنتم من غياب سنة وهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في بيوتكم؟ أين أنتم من غفلتكم عن العيش مع رسولكم صلى الله عليه وسلم بالإطلاع على سيرتِهِ والقراءةِ لسنتِهِ والمعرفةِ لأحكامِهِ والإتباعِ لهديه عليه الصلاة والسلام ؟ إنَّ علينا جميعاً أن نُراجعَ أنفسنا ونحن ننصرُ نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم في مدى قيامنا بلوازم إيماننا بحبيبنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، فهو إيمانُ إقرارٍ وتسليمٍ، ومحبةٍ وتعظيمٍ وإتباعٍ واقتداءٍ هكذا ينبغي أن يكون.{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21
لقد أساء القومُ لنبينا وهم غير مؤمنين به.
لكن ما شأن إساءة بعض المسلمين عندما يُخالفون هدي النبي صلى الله عليه وسلم فترى منهم تشجيعَ تبرجِ النساءِ ومتابعةَ القنواتِ والأفلامِ التي تَعرُضُ الفسقَ والمجونَ. وتبادلَ السبابِ والشتائمِ وهم يعلمون أن نبيهم صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً ولا سباباً ولا طعانا.
أين موقفنا ممن يستهزئ بأحكام الشريعة من الحجاب وغيره من شعائر الإسلام. لماذا لم نغضب لذلك كله؟
لماذا لا نغضب ونلوم أنفسنا على تقصيرنا الكبير والكثير في حق نبينا صلى الله عليه وسلم ؟
لماذا لا ننتقل من الغضب العاطفي إلى العمل المثمر والإصلاح المؤثر لنغير واقع أمتنا ونزيل أسباب التطاول على ديننا ونبينا صلى الله عليه وسلم. إنَّ أناسا كثيرين من أبنا جلد تنا يشتمون الله عز وجلَّ ويشتمون النبيَ صلى الله عليه وسلم ولا نُحركُ ساكناً حتى الأطفالُ الصغارُ يسمعون هذا الكفر فيشتمون مثل الكبار فجدير بنا جميعاً أن نتصدى لهذا الموضوع أولاً ثمَّ بعد ذلك نتصدى للمسيئين من غيرنا لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. الوقفة الثانية: إنَّ هدفَ الغضبِ هو التغييرُ ، فنحنُ نَغضبُ ونريدُ إزالةَ ما سبَّبَ غَضبَنَا ؛ ومن هنا فإنَّ علينا أن نعملَ ما يمنعُ تجددَ الإساءةِ بل يُحولُها إلى إشادة ، نعم علينا أن نحول إساءةَ القومِ إلى ثناءٍ وتقديرٍ، ولنسأل أنفسنا:
منذ أن حدثت الإساءة الأولى، ماذا قدمنا؟
كم كتاباً طبعنا أو ترجمنا للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم وسنته وسيرته وهديه؟
كم فلماً أنتجنا للتعريف بالأخلاق والمحاسن التي اشتملت عليها السيرة؟ كم جهداً دعوياً بذلنا؟ كم حواراً علمياً ومنهجياً أقمنا؟
لكي يكون لغضبنا ثمرة فلنحوله إلى طاقة ، ولكي يكون لغيرتنا أثر فلنجعلها دعوة.
إن نجاحنا الأعظم وانتصارنا الأكبر يوم نصل إلى تحويل شعوب العالم إلى شعوب تعترف بعظمة نبينا ، وتشيد بأخلاقه ، وتقر خيره وفضله على البشرية ، وأعظم من ذلك أن نحوّل المسيئين إلى مسلمين. الوقفة الثالثة: إن ديننا العظيم يوجهنا إلى مراعاة المصالح الشرعية في تصرفاتنا ولذلك قال سبحانه: { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } [الأنعام:108] قال ابن عباس في سبب نزول الآية: " كان المسلمون يسبون آلهة الكفار فسبوا بذلك الله سبحانه وتعالى وهو إله المسلمين فنهوا عن ذلك " وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره عن سب آلهة الكافرين قال: " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو "..
وذكر القرطبي في تفسيره عن حكمة هذا النهي قال: " فنهى سبحانه المؤمنين أن يسبوا أوثانهم، لأنه علم إذا سبوها نفر الكفار وازدادوا كفرا " وقال أيضاً: " وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين " وهذه من الحكم الشرعية في مراعاة المصالح والمفاسد وكما قال بعض المفسرين أيضاً: " إن حقيقة النهي هو النهي عن ترك الدعوة إلى الشتم - كيف - قال كأن الله يقوم لا تتركوا دعوتهم ومحاجتهم بالحجة والبرهان إلى سب آلهتكم فتمتنع الدعوة ويحصل النفور" وذلك من الأمر المهم البارز الظاهر وقال القرطبي في هذه الآية: " إن حكمها مستمرٌ " وقال: " فمتى ما كان الكافر في منعة وخيف أن يسب الإسلام وأن يسب القرآن وأن يسب رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه يمتنع من ذلك " وهذا الأمر مهمٌ جداً فإنه لا يجوز كما قال بعض أهل العلم أن يفعل بالكفار ما يزدادون به كفراً لأننا أمة دعوة ولذا نغضب ولكن دون أن نُحدث ما يزيد الإساءة. الوقفة الرابعة: لابُدَّ أنْ نُدرِكَ أنَّ القومَ هناك لا يوقرون نبيناً مطلقاً لايعترفون بقرآننا ولابديننا ولا يقيمون لدينٍ وزناً لأن واقع أمرهم أنهم لا ينتمون حقيقةً إلى دينٍ وإن كانوا ينتمون اسماً وعليه فلا يكفي أن ننتقدَهم ونَذمَ فعلَهم بل علينا أنْ نقفَ موقفاً يدركون منه عظم إساءتهم لدننا ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
وهناك حقيقة أخرى وهي وجود فئات عنصرية حاقدة على الإسلام والمسلمين وهؤلاء يعملون على تأجيج الصراع بين المسلمين والمجتمعات التي يعيشون فيها وغرضهم عزل المسلمين وتشويه صورتهم بل ومضايقتهم لإخراجهم بكل الطرق وهؤلاء يعرفون باسم "النازيون الجدد ".وهذا ما قامت به الحكومة الإبيرطانية في هذه الأيام من التجسس على الجالية المسلمة هناك باسم الإرهاب قال الله تعالى:{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ{8} هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ{9}سورة الصف.
إلا أنه والحق يقال فإن جمهوراً كبيراً من شعوب تلك المجتمعات لا يعبر عن هذا الاتجاه كما قال تعالى: { لَيْسُوا سَوَاءً } [آل عمران:113]. وهذه الشريحة الأكبر في المجتمعات الغربية هي التي يجب أن نستهدفها بالجهود التي تبرز عظمة الإسلام وإعجاز القرآن ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم ليقر هؤلاء بعد ذلك بحقنا كمسلمين في المحافظة على ديننا والغضب لرسولنا صلى الله عليه وسلم، ولا يتأثروا بما يبثه أولئك النازيون المتطرفون لأن هذه الإساءات لا تمثل حريةً حقيقية وإنما تمثل عنصريةً مخفية.
قد نعجب عندما نقرأ قوله تعالى: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [آل عمران:186]. إنها آية تجسد ما نحن فيه، نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قدم المدينة فوجد من اليهود والمشركين في المدينة أنواعاً من الأذى لكنه صلى الله عليه وسلم لم يلتفت إلى ذلك وانطلق يقيم دعائمَ دولته ويؤسس قواعد المجتمع المسلم ولم يُقِم لتلك الأقوال وزنا حتى لا يحدث شرخاً في المجتمع الذي يعيش فيه دون أن يكون في ذلك تحقيقٌ للمصلحة الكبرى.
وما لبثت تلك الألسنة المؤذية أن خرست، وأُخرج اليهود من المدينة بسبب تتابع غدرهم وقبح أعمالهم.
والعمل بهذه الآية واجب علينا، فالصبر المأمور به في الآية يمنع من رد الإساءة بالإساءة، والتقوى تحفظ الإيمان في القلب وتبقي جذوة الغيرة مشتعلة لتنير الطريق إلى عمل مثمر مستمر في الدعوة إلى دين الله وليس هذا بالأمر الهين بل هو من عزائم الأمور كما قال الله عز وجل: { وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [آل عمران:186] " أي من صواب التدبير الذي لا شك في ظهور الرشد فيه ، وهو مما ينبغي لكل عاقل أن يعزم عليه ، فتأخذ نفسه لا محالة به "
وعليه فقد آن الأوان لكي نقوم بالجهد المطلوب في دعوة البشرية وتعريفها بسيد الإنسانية نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم بكل جهدٍ علمي مدروس وبكل وسيلة حضارية تقنية وبكل منهجية حوارية دعوية حتى ننتصر لنبينا صلى الله عليه وسلم انتصاراً يتحول فيه العدو الذي كان مبغضاً لرسول الله إلى مؤمنٍ محبٍ له {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34و كما انتصر النبي صلى الله عليه وسلم وحقق المعجزة يوم حول الذين كفروا به وسبوه وآذوه إلى الذين فدوه بدمائهم وأرواحهم وجعلوا صدورهم تقيه سهام الأعداء.
لن نترك الغضب والحمية لنبـينا لكننا نريد أن نجمع إليها ما يترجمها بالصورة العظيمة المثلى التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم عملاً بوصية القرآن { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ } [الأعراف:199] فالجاهلون الذين لا يقيمون وزناً لشيء قد يكون من الحكمة ترك الرد المباشر عليهم لتأتيهم بما هو أجل وأعظم ليتحولوا من الكفر إلى الإيمان، ومن الإساءة على الإحسان وما ذلك على الله بعزيز. اللهم انصر كتابك وسنة نبيك اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ }محمد7 اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله صحبه ومن اهتدى بهديه واستنَّ بسنته الى يوم الدين والحمد لله رب العالمين