الخمسينيات 1950 - 1960
- اجتمع المسلمون اليابانيون: "عمر ميتا"، "صادق إيمازومي"، "عبدالمنير واطانابا"، "عمر يوكيبا"، "عمر ياما أوكا"، "مصطفى كومورا"... إلخ، وشكَّلوا أول جمعية للمسلمين اليابانيين عام 1953.
- بدأت طلائع جماعة الدَّعوة والتبليغ تَرِدُ اليابان من باكستان، ما بين 1956 - 1960، فأول بعثة لهم كانت عام 1956 (بقي شبيرُ أحمد الوحيد مِن بينهم على قيد الحياة، وقابلته قبل بضعة شهور في رايوند بلاهور).
لقد زاروا اليابان أربع مرات، رافقتُهم في المرة الرابعة عام 1960، لقد أحيَوا المسلمين القدماء بروح الدعوة "عمر ميتا" و"مصطفى كومورا"، وأدخلوا جددًا في الإسلام "عبدالكريم سايتو" - رحمه الله - و"خالد كيبا" - متعه الله بالصحة - والدكتور "عمر كاواباتا"، و"زكريا ناكياما" و"علي موري"، و"أمين ياماموتو"، والأربعة الآخرون - رحمهم الله - من أكبر الدعاة إلى الله في "جزيرة شكوكو" رابع جزيرة في اليابان، وهم من جماعة "خالد كيبا"؛ كما أسلم على يد "صادق إيمازومي" كلٌّ من "رمضان إيسوزاكي"، و"زبير سوزوكي"، و"صديق ناكياما" و"يوسف إيموري"، متَّعهم الله بوافر الصحَّة.
- وبرز في هذه الفترة رائد عملاق، وهو المرحوم "عبدالرشيد أرشد"، وهو مهندس باكستاني من التَّبليغ وحافظ للقرآن الكريم، وداعية من الطراز الأوَّل، زار اليابان في بعثة تدريبيَّة على حساب الحكومة اليابانيَّة عام 1959، والتحق بالبعثة التَّبليغيَّة الثالثة، وأسلم على يديه خيرة الناس ومنهم "خالد كيبا"، وهو الذي شجَّع كاتب هذه السطور على المجيء إلى اليابان؛ حيث تعرفت عليه بواسطة المرحوم السيد "علي أبو الحسن الندوي"، حينما قابلته في زيارة له لباكستان؛ حيث كنت أدرس الزراعة في لائلبور "فيصل آباد"، وبعد عودة عبدالرشيد من اليابان لقيته في "رايوند" قرب "لاهور" في نوفمبر 1959 في اجتماع التبليغ السنوي، فكان يشجعني على الذهاب إلى اليابان، ويقول: اليابان كالبستان الزاهر، مملوء بالفاكهة اليانعة، تدخله وتجمع الثمار بكل سهولة، وإن من بين الذين يسلمون مَنْ هم أشْبَه بالصَّحابة.
أشرفَ "عبدالرشيد أرشد" في أوائل الستينيات على مد الخطوط التليفونيَّة بين مكَّة والمدينة، وأخبَرْتُه وأنا في اليابان في عام 1961 أن "عمر ميتا" بدأ يترجم معاني القرآن الكريم، حيث كنت أسكن مع "عمر ميتا" في غرفة واحدة مدة سنة تقريبًا، فاتَّصل وهو مقيم بمكَّة المكرمة بالرابطة حينَ أوَّلِ تأسيسها، فاسْتَدْعَت "عمر ميتا" وبعدها "مصطفى كومورا"، وترجم ثلاثتهم سويًّا معاني القرآن الكريم لليابانيَّة، وتوفي "عبدالرشيد" بحادث سيارة بين المدينة ومكة عام 1964 أو أوائل 1965، وكان معه "مصطفى كومورا"، و"عمر ميتا" فنجاهما الله ليُتمَّا نشر ترجمة معاني القرآن الكريم.
- وممن أسلم في هذه الفترة عملاق ياباني آخر، ورائد كبير في مسيرة الدَّعوة الإسلاميَّة في اليابان، وهو المرحوم البروفسور "عبدالكريم سايتو"، وأسلم على يد أهل التَّبليغ، وعمل أستاذًا في جامعة "تاكشوكو" Takushoku، وأسلم على يديه عشرات من الشباب اليابانيين، أرسلناهم سويًّا في الستينيات للأزهر، وفي السبعينيات للمملكة العربيَّة السعوديَّة، وهم الآن يتولون تعليم اللغة العربيَّة في الجامعات اليابانيَّة، والعمل في كبرى الشَّركات، ومنهم من يتولَّى إدارة جمعيَّة مسلمي اليابان الآن، مثل الأستاذ "خالد هيكوجي" Higuch رئيس الجمعيَّة، والأستاذ "أمين توكوماتسو"، والأستاذ "يحيى إيندو".
.........................
قال عبد الله بن المعتز : « المتواضع في طلاب العلم أكثرهم علما ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء ».
- وصل اليابان الطلاَّب المسلمون الأجانب: باكستانيون، عرب (ومنهم كاتب هذه السطور)، أتراك، وأعداد كبيرة من إندونيسيا، وشكَّلْنَا أول جمعيَّة للطَّلبة المسلمين في اليابان في أوائل عام 1961، ومن إدارتها د. زحل من إندونيسيا (الآن بروفسور في جامعة جاكرتا الوطنية ووزير سابق، وجمع لنا مبلغًا محترمًا للمساعدة في إعادة بناء مسجد طوكيو المركزي)، "مظفر أوزي" (تركي)، "أحمد سوزوكي" (ياباني أزهري يمثل الجيل الثاني؛ حيث إن والده مسلم وخاله مسلم)، و"عبدالرحمن صديقي" (باكستاني)، و"صالح السامرائي" (عربي).
- شكل الطَّلبة المسلمون مجلسًا مشتركًا للدَّعوة مع جمعيَّة مسلمي اليابان، "عمر ميتا"، "عبدالمنير واطانابا"، و"عبدالكريم سايتو" من الجانب الياباني، و"عبدالرحمن صديقي"، و"مظفر أوزي"، و"صالح السَّامرائي" من جانب الطَّلبة، ومن النَّشاطات التي قام بها المجلس:
1 - أصدر كتيبات عن الإسلام من تأليف "عمر ميتا"، وترجم ونشر كتاب "ما هو الإسلام؟" للمودودي.
2 - ساعد الأخ "فاروق ناغاسي" بإصدار جريدة صوت الإسلام في اليابان.
3 - أرسل الشباب اليابانيين للدراسة في الأزهر، وقبل إرسالهم عمل لهم دورات مكثفة.
4 - والى شؤون الدَّعوة في أنحاء اليابان بعد أن انقطع أهل التَّبليغ.
5 - اشترى المجلس أول مقبرة للمسلمين في "إينزان" بتبرع من المملكة العربيَّة السعوديَّة والكويت، ومن خالص أموال المرحوم "عبدالكريم سايتو" (سجلت المقبرة فيما بعد باسم جمعيَّة مسلمي اليابان، وعلى أساسها حصلت الجمعيَّة على التَّسجيل الرَّسمي في محافظة "ياماناشي" المجاورة لطوكيو).
6 - قدم المجلسُ البروفسور "عبدالكريم سايتو" للعالم الإسلامي، فأولُ ما زار العراق، ثم مصر، ثم المملكة العربية السعوديَّة، وبعدها الكثير من البلدان الإسلاميَّة.
7 - فتح المجلس أول مركز إسلامي في "طوكوشيما" بجزيرة شكوكو عام 1965، ولم يستمر إلا سنة واحدة.
8 - فتح أوَّل مركز إسلامي في "طوكيو" عام 1965 بدعم من أول سفير لدولة الكويت الشقيقة (الأستاذ الصنيع، وعلمت أنه ذهب إلى ربه، رحمه الله رحمة واسعة) واستمرَّ المركز سنة تقريبًا، وأغلق لأنَّ السَّفير انتقل من اليابان وانقطع الدَّعم.
- سعادة الأستاذ المنقور سفير المملكة العربيَّة السعوديَّة في طوكيو، ومعه الأستاذ محمد بشير كردي - متعهما الله بوافر الصحَّة والعافية - والأستاذ صلاح الحسيني - يرحمه الله - (وهو نجل المرحوم حاج أمين الحسيني مُفْتِي فلسطين) في سفارة المملكة بـ"طوكيو"، كانوا يدعمون نشاطنا، والأستاذ المنقور كان يدفع لنا في كل مناسبة مبلغًا محترمًا للقيام بالنشاطات المختلفة.
- الإخوة الإندونيسيون كان لهم مقر ضخم في قلب "طوكيو" وقُرْبَ مسجدها المركزي، وكنَّا نحيي فيه المناسبات الإسلاميَّة وخصوصًا عيد الفطر المبارك، حيث يعملون حفلة ضخمة فيها لذيذ الطعام، يسمونها "الحلال بالحلال"، يأتيها المسلمون وكبار المسؤولين اليابانيين، وحتى أعضاء البرلمان، فكانت تظاهرة إسلاميَّة كبيرة.
- في الثلث الأخير من هذه الفترة، وبعد أن عاد أكثر الطلبة إلى بلدانهم، وقلَّ نشاطهم، جاء إلى اليابان عملاق آخر، وداعية قل نظيره، هو "سيد جميل" المحاسب القانوني الأوَّل في حكومة باكستان Chief Accountant، ورئيس جمعيَّة تحفيظ القرآن الكريم بـ"كراجي"، لقد تابع ما بدأ به الآخرون ووسع، كما نشر بعض الرَّسائل باللغة اليابانيَّة، وشمل نشاطه كوريا أيضًا.
- وجاء إلى اليابان أستاذ مصري قدير هو المرحوم علي حسن السمني؛ حيث علَّم اللغة العربيَّة في جامعة اللغات الأجنبيَّة والمعاهد اليابانيَّة الأخرى من 1963 - 1978، وتخرج عليه المئات من اليابانيين، وراجعه كبار الأساتذة واستفادوا منه، وأنعم عليه إمبراطور اليابان السَّابق بوسام رفيع تقديرًا لخدماته في حقل الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة، وكان يجلس في السبعينيات في مسجد "طوكيو" بعد عصر كلِّ يومِ أحدٍ، ومعه المرحوم "عبدالكريم سايتو" وكاتب هذه السطور؛ لاستقبال مَن يسأل عن الإسلام من اليابانيين.
- كما لا ننسى إمامَيِ المسجد المركزي في طوكيو "مفتاح الدين" و"عينان صفا" - تغمدهما الله برحمته - وكذلك السيد "كلكي" إمام مسجد "كوبي" - رحمه الله - وهم من التتار المهاجرين؛ حيث كانت لهم خدمات جليلة للجالية الإسلاميَّة.
- ونود أن نؤكد أنه في هذه المرحلة كان الدَّعم المادي الرَّئيس للنَّشاطات العامَّة التي يقوم بها المجلس الإسلامي المشترك - كان من الكويت الشَّقيق، وكان الواسطة في ذلك الأستاذ "عبدالله العقيل" والمرحوم "عبدالرحمن الدوسري"، حيث كانا يجمعان لنا التبرعات من أهل الخير، وعلى رأسهم المرحوم "عبدالرزاق الصالح المطوع القناعي"، والشيخ "عبدالله العلي المطوع" وغيرهم، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
.....................
قال عبد الله بن المعتز : « المتواضع في طلاب العلم أكثرهم علما ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء ».
- في عام 1970 زار المرحوم الملك فيصل بن عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه - اليابان، والتقى بوفد من المسلمين في اليابان، ومعهم وفد من مسلمي كوريا، وتقدَّم الدكتور عبدالباسط السباعي رئيس جمعية الطلبة المسلمين في اليابان في ذلك الحين بطلب للملك فيصل؛ يرجو ابتعاث الدكتور صالح السامرائي، الأستاذ بجامعة الرياض؛ ليساعد في الدَّعوة الإسلاميَّة في اليابان، فاستجاب - رحمه الله - لهذا الطَّلب في عام 1973، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- رعى المرحوم الملك فيصل أول ترجمة يقوم بها مسلم لمعاني القرآن الكريم لليابانيَّة التي قام بها المرحوم "عمر ميتا"، ورصد لها الأموال في سفارة المملكة بطوكيو لتصرف كلَّما نفذت الطَّبعة، وذكر المرحوم "عمر ميتا" في المقدمة أنَّ السيد أحمد سوزوكي، والدكتور صالح السامرائي ساعداه في المراجعة الأخيرة بالرياض صيف 1970.
- في السَّنتين الأُولَيَيْنِ استمرَّ "سيد جميل" يقود العمل الإسلامي في اليابان وكوريا.
- في عام 1973 أرسل الملكُ فيصل بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - كاتبَ هذه السطور للدَّعوة الإسلاميَّة في اليابان ومعه ستة آخرين: "خالد كيبا" (ياباني)، و"أسعد قربان علي" (ابن مؤسس مسجد طوكيو المرحوم عبدالحي قربان علي)، و"عبدالباسط السباعي" (مصري)، و"علي الزعبي" (سوري)، و"عبدالرحمن صديقي" (باكستاني)، و"موسى محمد عمر" (سوداني) وهم مِمَّن درس في جامعات اليابان، ولهم سابقة بالعمل الإسلامي فيها، أسس هذا الفريقُ أوَّلَ مركز إسلامي متكامِل في اليابان بالتَّعاون مع آخرين يابانيين ومقيمين؛ من أمثال "عمر ميتا" مترجم معاني القرآن الكريم لليابانيَّة، و"عبدالكريم سايتو"، و"مصطفى كومورا"، و"تميم دار محيط"، و"عبدالمنير واطانابا"، و"عمر دراز خان"، و"علي حسن السمني"، و"مطلوب علي"، و"عينان صفا"، ولا ننسى دور الشيخ "حسن بن عبدالله آل الشيخ" - رحمه الله - فقد كان السَّاعد الأيمن للمرحوم الملك فيصل في هذا الأمر، ووالى دعم نشاط المركز الإسلامي والدَّعوة الإسلاميَّة في اليابان، وكذلك جهود المرحوم "الشيخ عبدالعزيز بن باز" (هذان الرجلان عملاقان في الدَّعوة الإسلاميَّة على المستوى العالمي، وقلَّ مَن يدانيهما في هذا المستوى، فعليهم من الله الرَّحمة، وأجزل لهما الأجر ولكل من يعمل للإسلام).
- جاء تشكيل المركز الإسلامي باليابان في فترة هامَّة مرَّت بها اليابان، وهي أزمة البترول لعام 1973 وما بعدها، فبدأ اليابانيون يهتمون بالإسلام، حيث إن أكثر الدول المصدرة للبترول - إن لم تكن جميعها - هي دول إسلاميَّة، وكان تأسيس هذا المركز تحقيقًا لحلم كل من اهتم بالدعوة الإسلاميَّة في اليابان منذ مائة عام؛ حيث إنَّ كل من قرأنا لكتاباتهم من الذين زاروا اليابان، وعملوا في الدعوة؛ من أمثال "عبدالرشيد إبراهيم"، و"بركة الله"، و"نور الحسن برلاس" وغيرهم، كانوا يتمنون إقامة مركز إسلامي يقوم بالدَّعوة ويعمل به يابانيون ومن لهم معرفة باللغة اليابانيَّة، ويصدر كتبًا باللغة اليابانيَّة، ويقدِّم الإسلام للشَّعب الياباني.
1 - بدأ يفد إلى المركز الإسلامي الآحاد والعشرات؛ بل المئات من اليابانيين، ودخلوا في الإسلام أفواجًا.
2 - قام المركز بإصدار أعداد كبيرة من الكتب والكتيبات عن الإسلام باللغة اليابانيَّة، وأصدر مجلة السَّلام باللغة اليابانيَّة.
3 - غطى البلاد من أقصى الشمال إلى الجنوب بالنَّشاط الدعوي، ووصل الإسلام لأول مرة جزيرة "هوكايدو" في أقصى الشمال، وفتح الفروع في مدن عدَّة.
4 - أرسل الطلبة إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة ومصر للدراسات الإسلاميَّة.
5 - أسَّس أول مجلس للتَّنسيق بين الجمعيَّات الإسلاميَّة، وعددها حينذاك اثنا عشر، تضم التَّجمعات الإسلاميَّة اليابانيَّة في عدَّة مدن، والجالية الإندونيسيَّة، وجمعيَّة الطَّلبة المسلمين، وذلك في عام 1976.
6 - كما عملت في عام 1977 أول ندوة عن الشَّريعة الإسلاميَّة، أقامها المركز بالتَّعاون مع رابطة العالم الإسلامي، وجامعة شو أو CHUO، وكان محركها الأستاذ "خالد كيبا"، وحضرها عم الإمبراطور الحالي، وأعضاء المحكمة العليا، وثلاثمائة من أئمَّة القانون في اليابان، وحضرها المرحوم "محمد علي الحركان" أمين عام رابطة العالم الإسلامي، واستمرَّت ثلاثة أيام، ونشرت وقائعها باللغات: العربيَّة واليابانيَّة والإنجليزيَّة، وكان من نتائج هذه النَّدوة أن عملت دراسات مستمرَّة حتى يومنا هذا عن الشَّريعة الإسلاميَّة في اليابان.
7 - كما عقدت ندوات ثقافيَّة حضرها الآلاف في "طوكيو" والمدن الأخرى، برعاية كبريات الصحف اليابانيَّة التي تصدر الملايين لكل صحيفة، بالتَّعاون بين المركز الإسلامي وجامعة الرياض؛ حيث حضرها معالي الدكتور "عبدالعزيز الفدا"، وسعادة الدكتور "توفيق الشاوي"، متَّعهما الله بالصحَّة والعافية.
8 - نظم عدَّة رحلات إلى الحج أوَّلها عام 1976، واستمرَّت سنويًّا بدعم سخي من سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود نائب وزير الدَّاخليَّة، واستضافة كريمة من رابطة العالم الإسلامي، فجزاهم الله خير الجزاء، وأخلف عليهم.
9 - وفي زيارة للمركز قام بها معالي المرحوم حسن آل الشيخ عام 1975، طلب المركز من معاليه إقامة معهد عربي إسلامي في طوكيو؛ ليكون مرجعيَّة إسلاميَّة في اليابان، ويعلِّم اللغة العربيَّة والثَّقافة الإسلاميَّة للشَّعب الياباني، فأحال الأمر إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، وتولَّى معالي الدكتور "عبدالله بن عبدالمحسن التركي" - حفظه الله - المهمَّة، فأنشأ هذا الصَّرح الشَّامخ، ونهل آلاف اليابانيين منه الثَّقافةَ الإسلاميَّة واللغة العربيَّة وأسلم العديد، كما تنازل سمو الأمير سعود الفيصل عن مقر سفارة خادم الحرمين الشَّريفين في طوكيو وأرضها ليبني عليها صرحًا جديدًا، تولى خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله، ومتَّعه بوافر الصحَّة والعافية - دعمَ البناء الحالي بعشرة ملايين دولار، وجهَّزه ومَوَّلَ تسييره بأكثر من مليون دولار.
وإنَّني هنا أقف موقف المؤرخ وليس المدَّاح، أرصد الحقائق من أجل أن يدعو المسلمون في كل مكان وعلى مر الأجيال للعاملين في حقل الدَّعوة الإسلاميَّة في اليابان والدَّاعمين لها.
10 - كنا نعد المسلمين اليابانيين قبل هذه الفترة ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف، وبدأنا فيها نعد المسلمين بعشرات الآلاف، وانتشر الوعي الإسلامي لدى الشَّعب الياباني، فبعد أن كان الدين الإسلامي يدعى "كاي كيو" Kai Kyo، أصبح يدعى "إسرام" Isram، لعدم وجود حرف اللام باللغة اليابانيَّة ويستبدلون بها الراء.
- في آخر هذه الفترة رجع الدَّاعية المرحوم "سيد جميل" ثانية إلى اليابان، وأدَّى آخر أعماله الجليلة في المنطقة، ورافقه فيها عملاق آخر هو الشَّيخ "نعمة الله" الذي لا يزال في قمَّة النَّشاط الدَّعوي في اليابان حتَّى يومنا هذا.
- كان الدَّعم الرَّئيس المادي والأدبي والثقافي للنشاطات الإسلاميَّة في اليابان خلال هذه المرحلة والمراحل التي بعدها - يأتي أولاً من المملكة العربيَّة السعوديَّة حكومة وشعبًا، ومن رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة، كما كان الدَّعم يأتي من دولة قطر، ودولة الإمارات العربيَّة المتحدة، والكويت، وسلطنة عمان، وكذلك من جمهورية مصر العربيَّة ممثلة في أزهرها العتيد، وليبيا بالدعاة الذين أرسلتهم، وهنا نذكر الأستاذ "حمد الهاجري" أول سفير لدولة قطر الشَّقيقة في اليابان؛ حيث قدَّم لنا أوَّل دعم مادي في أول مرحلة من تأسيس المركز، والمرحوم الشيخ "عبدالله الأنصاري" رئيس المحاكم الشَّرعية في قطر، وكذلك المرحوم "عبدالعزيز المبارك" رئيس المحاكم الشَّرعية في الإمارات العربيَّة المتَّحدة، والمرحوم "عبدالله المحمود" في الشَّارقة لدعمِهم النَّشاطاتِ الإسلاميَّةَ في اليابان.
.........................
قال عبد الله بن المعتز : « المتواضع في طلاب العلم أكثرهم علما ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء ».
الثمانينيات والتسعينيات
وحتى يومنا هذا 1980 - 2001
- في أوائل الثَّمانينيات تبرَّع الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - بأرض من أجل إقامة مقر شامخ للمركز الإسلامي، ورعى الأميران الكريمان نايف بن عبدالعزيز، وأحمد بن عبدالعزيز تشييدَ البناء، وبذلك أصبح المركز الإسلامي معْلمًا إسلاميًّا يقصده الأساتذة والطلبة والصحافيون والتلفزيون وعامَّة الناس، ومنهم من يعلن إسلامه، ومنهم من يستعلم عن الإسلام، ولا يزال هذا المقر يؤدي دوره بتطور وتحسن مستمر.
- وقد زار المركزَ سمو الأمير نايف بن عبدالعزيز آل سعود عام 1985، وسمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1986، وقدَّما الدَّعم المادي والأدبي لنشاطاته - فجزاهما الله كلَّ الخير.
- إنَّ أكبر تطور في تاريخ الوجود الإسلامي في اليابان بدأ من أواسط الثمانينيات حتَّى الآن، ألا وهو هجرة أعداد كبيرة من المسلمين إلى اليابان بعد أول هجرة للمسلمين التتار، إنَّ أكثرهم من إندونيسيا، وباكستان، وبنغلاديش، والهند، وسريلانكا، وإيران، وأفغانستان، ثمَّ من الأفارقة والأتراك ويليهم العرب، لقد جاء الجميع إلى اليابان طلبًا للرزق، فتزوَّجوا اليابانيَّات بعد إسلامهن، وحصلوا على الإقامة الدَّائمة، ومنهم من حصل على الجنسيَّة، وأبناؤهم يابانيون بالولادة فأبناء اليابانيَّة هم يابانيون.
لقد بنى هؤلاء المساجد والمصليات وأقاموا محلاَّت بيع المواد الغذائيَّة الحلال، وفتحوا مطاعم الحلال، وعمَّروا المساجد بالصلاة، وأصبحت مقراتهم ومساجدهم محلاَّتِ لقاءٍ وتربيةٍ للمسلمين الجدد من اليابانيين.
- في عام 1986 هدم مسجد طوكيو وسط دموع المسلمين، وكان الهدف هو إعادة بنائه في الموقع نفسه، إلاَّ أنَّ صعوباتٍ جمَّةً وعراقيلَ وضِعت أمام ذلك، وبعد جهود متواصلة من قِبَل المركز الإسلامي، ومن قِبل المحبين للإسلام في داخل تركيا الشَّقيقة وخارجها، أُعِيد بناء المسجد في وسط عام 2000 صرحًا شامخًا جميلاً، وعلى الطراز العثماني، وأصبح مقصدًا لجميع اليابانيين، يزورونه ويتعرَّفون على الإسلام بواسطته، وقد أشرفت رئاسة الشؤون الدينيَّة في تركيا على البناء تقريبًا، وقام المسلمون في اليابان وخارجها بجمع ثلث كلفة البناء تقريبًا، تولَّى مركزنا الإسلامي جمع أكثرها، وتتولَّى رئاسة الشؤون الدينيَّة مأجورة إدارة المسجد إمامًا ومؤَذنًا.
- كما تمَّ بناء ملحق بمسجد "كوبي" العريق يتخذ مركزًا إسلاميًّا ثقافيًّا في جنوب غرب اليابان، وتولى أكثرَ الصَّرف على بنائه عائلةُ الدبس، وممثلهم في "كوبي" الأستاذ "فؤاد الدبس"، وهو صرح إسلامي آخر في ذلك الجزء من اليابان يؤدي دوره الإسلامي بكل كفاءة.
- وفي "ناغويا" تمَّ بناء مسجد جميل، عوَّض الله به عن المسجد القديم الذي دمَّرته قنابل الحرب العالميَّة الثَّانية، وتولَّى تأسيسَه التاجر الباكستاني المفضال الأستاذ "عبدالوهاب قريشي"، وافتتحه معالي الدكتور "صالح بن عبدالله بن حميد" رئيس إدارة الحرمين الشَّريفين، وأصبح هذا المسجد ملتقى لمسلمِي المنطقةِ على سعتها للعبادة والتَّعلم، وأقام هذا الأخ مدرسةً قريبة منه؛ لتعليم أولاد المسلمين، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- أمَّا الإخوة الباكستانيون، والبنغلادشيون، والأفارقة، فمساجدهم لا تُعَد ولا تُحْصَى، فمن مسجد "إيجي نيواري" الذي بناه أهل التَّبليغ وسلسلة مساجدهم الأخرى، إلى مساجد الحلقة الإسلاميَّة من أتباع الجماعة الإسلاميَّة في باكستان، ومسجد "أوتسوكا" الذي حظي بتبَرُّعٍ كريم من صاحب السمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، وافتتحه فضيلة الدكتور عمر بن عبدالله السبيل إمام الحرم المكي الشَّريف، ومسجد "تودا" الذي كان مصنعًا، ومسجد "إيساساكي"، ومسجد الإخوة الأفارقة وغيرها، ولدى المركز قائمة بكل مساجد اليابان سيتولى طبع عناوينها وخرائطها، إن شاء الله، كما حظي الإخوة في جمعية مسلمي اليابان بتبرع كريم من سمو الأمير عبدالله بن عبدالعزيز مكَّنهم من شراء مقرٍّ جديد لهم.
- إنَّ هدم مسجد طوكيو في عام 1986 حدث باطنه الرَّحمة، وظاهره العذاب، فرغم الحزن الذي عمَّ المسلمين والحيرة والتَّفرق بعد أن كان يجمعهم هذا المسجد، هيَّأ الله سبحانه وتعالى بدائلَ وشجع المسلمين الذين تزايدت أعدادهم على إقامة المساجد والمصليات، وكان أول بديل هو المعهد العربي الإسلامي بمقره القديم والجديد؛ حيث قام بالدَّور الرئيس في استيعاب المصلين في الأوقات الخمسة والأعياد، فجزى الله القائمين عليه خير الجزاء، كما أنَّ الإخوة الإندونيسيين استوعبوا أعدادًا كبيرة منَ المُصَلِّين في مُصَلَّى سفارتهم ومصلى مدرستهم، وكذلك الإخوة في سفارتي إيران وماليزيا، إنَّ جماعة الدَّعوة والتَّبليغ هم أول من كسر حاجز إقامة مساجد جديدة، وأعقبهم بقيَّة المسلمين في شراء وتأجير المصليات، والمركز الإسلامي يتحمَّل نصف أجرة المصليات في المناطق التي يتواجد فيها الطلبة، ويقل فيها التجار المسلمون، وذلك من أقصى شمال اليابان إلى جنوبه، ومن أحدث المساجد التي أقامها المسلمون مسجدٌ في مدينة "إيبينا" Ebina، في محافظة Kanagawa التي تعتبر "يوكوهاما" مَركَزَها، ولا تبعد كثيرًا عن طوكيو، إنَّ المسجد كلف مليون دولار، ولم يجمع المسلمون قرشًا خارج محافظتهم.
أمَّا آخر صرح للدَّعوة الإسلاميَّة فهو المسجد الذي تبرَّع ببنائه مأجورًا سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - في منطقة "هاجي أوجي" Hachioji، في ضواحي طوكيو، وهو إضافة في سلسلة قافلة الخير التي تقودها وتدعمها المملكة العربيَّة السعوديَّة ملكًا وحكومة وشعبًا، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
- ومن الأحداث المهمَّة في هذه الفترة ندوة "العلاقات بين اليابان والعالم الإسلامي، ومائة عام من تاريخ الإسلام في اليابان"، التي أقامها المركز الإسلامي في اليابان بالتَّعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي ومقرها في جدة، وذلك في شهر مايو عام 2000 بدعم سخيٍّ من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز - أيَّده الله - ومن رابطة العالم الإسلامي والبنك الإسلامي للتَّنمية، والنَّدوة العالميَّة للشباب الإسلامي، والهيئة الخيريَّة الإسلاميَّة العالميَّة في الكويت، حيث حضر النَّدوة حوالي سبعين ممثلاً للمسلمين من الدول المجاورة وذات الاهتمام، وعلى رأسهم معالي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلاميَّة والأوقاف والدَّعوة والإرشاد في المملكة، وحضرها جمع غفير من المثقَّفين اليابانيين، وألقى كبار الأساتذة اليابانيين المسلمين وغير المسلمين أبحاثًا قيمة؛ وكذلك أُلقِيت كلمات وأبحاث من الوُفود بما فيهم مندوب وزير الخارجيَّة الياباني؛ كما حضرها وتعاون في إنجاحها مندوبون من مختلف الجمعيَّات الإسلاميَّة داخل طوكيو وخارجها، واستمرَّت النَّدوة ثلاثة أيام، أبرزت الوجود الإسلامي، ورحب المسؤولون اليابانيون وخصوصًا في الخارجيَّة اليابانيَّة بهذا النشاط، وطالبوا بتكراره لتعميق الصلات بين اليابان والعالم الإسلامي.
- كما شهدت هذه الفترة إقامة مخيمات سنويَّة نظَّمها المركز الإسلامي بالتَّعاون مع النَّدوة العالميَّة للشَّباب الإسلامي، وبدعم من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز مادي وأدبي بحضور مستشار سموه فضيلة الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك، الذي أضفى على هذه المخيَّمات حياة في مجال العقيدة والعلم والتَّوجيه.
- كما كان لفضيلة الشيخ سعد البريك دورٌ كبيرٌ أثناء انعقاد المخيمات في إحياء مجلس التَّنسيق بين الجمعيَّات الإسلاميَّة الذي كان نشيطًا للعشرين سنة الماضية، وتوقف نشاطه بوفاة منسقه العام البروفسور "عبدالكريم سايتو" - رحمه الله - فقد وقع أثناء هذه المخيَّمات ثلاثمائة وخمسون مندوبًا مسلمًا من جميع أنحاء اليابان على إحياء هذا المجلس، وانتخاب الأستاذ "خالد كيبا" العالم الياباني المعروف، وعضو المجلس التَّأسيسي لرابطة العالم الإسلامي، ومدير الشؤون المالية في المركز الإسلامي - منسقًا عامًّا لمجلس التَّنسيق.
- لقد والى المركز الإسلامي إيفاد بعثات المجتمع، ومنها إشرافه على أكبر بعثة حج لثلاثة وأربعين مسلمًا يابانيًّا ومسلمة، وقدَّموا من خالص أموالهم، وكانوا بقيادة الدَّاعية الياباني الحاج محمد ساوادا، وأرسل المركز معهم للإرشاد الشيخ نعمة الله، والأستاذ عبدالرحمن صديقي، كما ساهم المركز بدور كبير في إعداد تجمع ضخم للحج من اليابانيين عام 1420 بدعوة كريمة من خادم الحرمين الشَّريفين الملك فهد بن عبدالعزيز، وإن آخر بعثة نظَّمها المركز للحج عام 1421 وهي بدعم سخي واستضافة كاملة من سمو الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز، فجزى الله الجميع خير الجزاء، وأخلف عليهم بالخير.
- إنَّ من أكبر هموم المسلمين في اليابان دفنَ مَوتاهُم، خصوصًا بعد أن أصبح وجودهم كثيفًا، سواء كانوا يابانيين أو أجانبَ مقيمين، إن كلفة الحصول على قبر في المقبرة الحالية "إينزان"، التي أصبحت تحت إشراف إخواننا بجمعية مسلمي اليابان تبلغ أكثر من مليون ين، (أكثر من عشرة آلاف دولار)، لهذا فقد حرص المسلمون على شراء أرض في إحدى المحافظات المجاورة لطوكيو يدفن بها موتى المسلمين مجانًا، وبدؤوا بمحاولة لجمع تبرعات من الجالية، وهنا جاءهم العون، فقد امتدت يد كريمة لترعى مشروعهم، وهي يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله - حيث قدَّم تبرعًا كريمًا مقداره سبعمائة ألف دولار لشراء أرض للمقبرة، إنَّ لَجْنَةَ المقبرة ورئيسَها الأستاذ "ميان أفتاب" التاجر الباكستاني في "يوكوهاما" وهو من كرام الناس، ومن جملة التجار المسلمين الذين يبذلون الكثير في المشاريع الإسلاميَّة، هذه اللجنة طلبت أن تسجل أرض المقبرة باسم المركز الإسلامي؛ لأنه يكاد يكون الهيئة الدينيَّة الرئيسة الوحيدة المسجلة رسميًّا لدى الحكومة اليابانيَّة، لأنَّ الهيئة الدينيَّة الرَّسميَّة هي التي من حقها أن تطلب إقامة مقبرة، وقد لبَّى المركز الأمر، ويسعى سويًّا مع اللجنة لاستكمال امتلاك أرض المقبرة
......................
قال عبد الله بن المعتز : « المتواضع في طلاب العلم أكثرهم علما ، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء ».