هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار أبوأيوب الأنصاري.
معروف باسمه وكنيته.
وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بن كعب، روى عنه البراء بن عازب وزيد بن خالد، والمقدام بن معد يكرب وابن عباس وجابر بن سمرة وأنس وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، ونزل عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده.
إسلامه:
أسلم أبوأيوب قبل هجرة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلىالمدينة، وشهد العقبة.
أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
حدث عبدا لله عباس فقال خرج أبو بكر رضيالله عنه في الهاجرة يعني نصف النهار في شدة الحر فرآه عمر رضياللهعنه فقال ياأبا بكر ما أخرجك هذه الساعة؟ قال ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع فقال عمر وأنا والله ما أخرجني غير ذلك فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقال ( ما أخرجكما هذه الساعة؟) قالا والله ما أخرجنا إلا ما نجده فيبطوننا من شدة الجوع فقال صلى الله عليه وسلم : (وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجنيغير ذلك قوما معي فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري رضي اللهعنه).
وكان أبوأيوب يدخر لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل يومطعاما فإذا لم يأت أطعمه لأهله فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب وقالت مرحبابنبي الله ومن معه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبو أيوب؟ فسمع أبو أيوبصوت النبي صلى الله عليه وسلم وكان يعمل في نخل قريب له فاقبل يسرع وهو يقول مرحبابرسول الله وبمن معه ثم قال يا رسول ليس هذا بالوقت كنت تجيء فيه فقال صدقت ثمانطلق أبوأيوب إلى نخيله فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر وقال يا رسول الله كل منهذا وسأذبح لك أيضاً. فقال ( إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن ) وقدم الطعام إلى رسولالله صلى الله عليه وسلم فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيفوقال: يا أبا أيوب بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء فإنها لم تصب مثل هذا منذأيام فلما أكلوا وشبعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( خبز ولحم وتمر وبسر ورطبودمعت عيناه ثم قال: والذي نفسي بيده هذا هو النعيم الذي تسالون عنه يوم القيامة ) وبعد الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب ائتنا غدا) وكان النبي صلىالله عليه وسلم لا يصنع له احد معروفاً إلا أحب من يجازيه فلما كان الغد ذهب أبوأيوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأهداه جارية صغيرة تخدمه وقال له: استوص بهاخيرا عاد أبوأيوب إلى زوجته ومعه الجارية وقال لزوجته هذه هدية من رسول الله لناولقد أوصانا بها خيرا وان نكرمها فقالت أم أيوب وكيف تصنع بها خيرا لتنفذ وصية رسولالله فقال أفضل شيء إن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.
فهذه أخي المسلم نبذة عن حياة هذا الصحابي الجليل في سلمه أماعن موقفه من الجهاد في سبيل الله؛ فقد عاش أبوأيوبرضياللهعنه حياته غازيا حتىقيل إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعدوفاته ظل جنديا في ساحات الجهاد وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشا بقيادة ابنهيزيد لفتح ( القسطنطينية ) وكان أبوأيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة ولم يمنعه كبرسنه منمن يقاتل في سبيل الله ولكن في الطريق مرض مرضا أقعده عن مواصلة القتال وكانآخر وصاياه من أمر الجنود من يقاتلوا وان يحملوه معهم وان يدفنوه عندأسوار(القسطنطينية) ولفظ أنفاسه الأخيرة وهناك حفروا له قبرا وواروهفيه.
ـ كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد دخل المدينة مختتماًبمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلا أيامه المباركة في دار الهجرة التي ادَّخرلها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس.
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة،ومحبة وشوق، ممتطيا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامه، كُلٌّ يريد من يستضيفرسول الله.
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقةقائلين:
( يا رسول الله، أقم عندن، فلدينا العدد والعدة والمنعة ).ويجيبهم الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة (خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة). ويبلغ الموكب دور بنيبياضة، فَحيّ بني ساعدة، فحيّ بني الحارث بن الخزرج، فحيّ عدي بنالنجار.
وكل بني قبيلة من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحين من يسعدهم النبي ( صلى الله عليه وسلم) بالنزول في دورهم، وهو يجيبهم وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة ( خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة ). فكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممعناً في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه، ومن أجل هذا ترك هو أيضاً زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقه، ولا يستوقف خطاه، وتوجّه إلى الله بقلبه،
مبركها الأول، وألقت جرانه، واستقرت فيمكانه.
وكان هذا السعيد الموعود، الذي بركت الناقة أمام داره، وصارالرسول ( صلى الله عليه وسلم ) ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظهالوافية، هو البطل أبوأيوب الأنصاري، الذي جعلت الأقدار من داره أول دار يسكنهاالمهاجر العظيم والرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم.
ـ وروى عن سعيد بن المسيب من أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم -شيئا فقال له: لا يصيبك السوء يا أباأيوبوأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير عن أبيرهم من أبا أيوب حدثهم من النبي -صلى الله عليه وسلم- نزل في بيته وكنت في الغرفةفهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقا من يخلص إلىرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنزلت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنامشفق فسألته فانتقل إلى الغرفة قلت يا رسول الله: كنت ترسل إلي بالطعام فأنظر فأضعأصابعي حيث أرى أثر أصابعك حتى كان هذا الطعام قال: أجل إن فيه بصلا فكرهت من آكلمن أجل الملك، وأما أنتم فكلو.
وروى أحمد من طريق جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: لما قدمالنبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة اقترعت الأنصار أيهم يؤويه فقرعهم أبو أيوب.. الحديث.
أثره في الآخرين:
ولقد عاش أبوأيوبرضياللهعنه طول حياته غازي، وكانت آخرغزواته حين جهز معاوية رضياللهعنه جيشا بقيادة ابنه يزيد، لفتح القسطنطينية وكانأبو أيوب آنذاك شيخا طاعنا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره فلم يمنعه ذلك من أنينضوي تحت لواء يزيد وان يمخر عباب البحر غازياً في سبيل الله.. لكنه لم يمض غيرقليل على منازلة العدو حتى مرض أبوأيوب مرضا أقعده عن مواصلة القتال، فجاء يزيدليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟
فقال: اقرأ عني السلام على جنودالمسلمين، وقل لهم: يوصيكم أبوأيوبمن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأنتحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية، ولفظ أنفاسه الطاهرة بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليهوسلم:
يروي الزهريعن عطاء بن يزيد الليثي عنأبي أيوب الأنصاري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم الغائط فلايستقبل القبلة ولا يولها ظهره شرقوا أو غربو..
وعن البراء بن عازبعن أبي أيوبرضي اللهعنهم قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس فسمع صوتا فقال يهود تعذبفي قبورها وعن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي أيوب الأنصاري من رسول اللهصلى الله عليه وسلم قال لا يحل لرجل من يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذاويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.
مواقفه مع التابعين:
عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبوأيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر. فجاء أبو أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيتمستر. فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيى: غلبنا النساء يا أباأيوب. فقال: من خشيت من تغلبه النساء، فلم أخش من يغلبنك. لا أدخل لكم بيتا، ولاآكل لكم طعام!
وعن محـمد بن كعب، قال: كان أبوأيوب يخالف مروان، فقال: مايحملك على هذ؟ قال: إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الصلـوات، فإنوافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، قال: انضم مركبناإلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامن: جزاك الله خيرا وبرا، فيغضب فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرايغضب. فقال: اقلبوه له. فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر.
فقال له المزاح: جزاك الله شراوعرا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك.
الوفاة:
قال الوليد عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنةخمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية علىبابها، ثم قفل.
وعن الأصمعي،عن أبيه: من أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية،وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن. قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب. فكانواإذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا
قال الواقدي: مات أبوأيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليهيزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية. فلقد بلغني من الروم يتعاهدون قبره، ويستسقونبه.
وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيي بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.
أبو أيوب الأنصاري هو خالد بن زيد بن كليب بن مالك بن النجار، معروف باسمه وكنيته. وأمه هند بنت سعيد بن عمرو من بني الحارث بن الخزرج من السابقين. روى عن: النبي , وعن أُبَيِّ بن كعب، روى عنه: البراء بن عازب, وزيد بن خالد، والمقدام بن معد يكرب, وابن عباس, وجابر بن سمرة, وأنس, وغيرهم من الصحابة وجماعة من التابعين، شهد العقبة وبدرًا وما بعدها، ونزل عليه النبي لما قدم المدينة فأقام عنده حتى بنى بيوته ومسجده.إسلام أبي أيوب الأنصاري:
أسلم أبو أيوب قبل هجرة النبي إلى المدينة، وشهد العقبة. أثر الرسول في تربية أبي أيوب الأنصاري:
حدث عبد الله بن عباس, فقال: خرج أبو بكر في الهاجرة, يعني نصف النهار في شدة الحر, فرآه عمر , فقال: يا أبا بكر, ما أخرجك هذه الساعة؟ قال: ما أخرجني إلا ما أجد من شدة الجوع, فقال عمر: وأنا والله ما أخرجني غير ذلك, فبينما هما كذلك إذ خرج عليهما رسول الله فقال: "ما أخرجكما هذه الساعة؟", قالا: والله ما أخرجنا إلا ما نجده في بطوننا من شدة الجوع, فقال : "وأنا والذي نفسي بيده ما أخرجني غير ذلك, قوما معي, فانطلقوا فأتوا باب أبي أيوب الأنصاري ".
وكان أبو أيوب يدخر لرسول الله كل يوم طعامًا, فإذا لم يأت أطعمه لأهله, فلما بلغوا الباب خرجت إليهم أم أيوب, وقالت: مرحبا بنبي الله ومن معه, فقال رسول الله : "أين أبو أيوب؟" فسمع أبو أيوب صوت النبي , وكان يعمل في نخل قريب له, فأقبل يسرع وهو يقول: مرحبا برسول الله وبمن معه, ثم قال: يا رسول الله, ليس هذا بالوقت الذي كنت تجيء فيه, فقال: "صدقت", ثم انطلق أبو أيوب إلى نخيله, فقطع منه عذقا فيه تمر ورطب وبسر, وقال: يا رسول الله, كُلْ من هذا, وسأذبح لك أيضًا. فقال: "إن ذبحت فلا تذبحن ذات لبن", وقدم الطعام إلى رسول الله , فأخذ منه رسول الله قطعة من لحم الجدي ووضعها في رغيف, وقال: "يا أبا أيوب, بادر بهذه القطعة إلى فاطمة الزهراء, فإنها لم تصب مثل هذا منذ أيام", فلما أكلوا وشبعوا قال النبي : "خبز ولحم وتمر وبسر ورطب, ودمعت عيناه, ثم قال: والذي نفسي بيده, هذا هو النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة", وبعد الطعام قال رسول الله لأبي أيوب: "ائتنا غدا", وكان النبي لا يصنع له أحد معروفًا إلا أحب أن يجازيه, فلما كان الغد, ذهب أبو أيوب إلى النبي , فأهداه جارية صغيرة تخدمه, وقال له: استوص بها خيرًا, عاد أبو أيوب إلى زوجته ومعه الجارية, وقال لزوجته: هذه هدية من رسول الله لنا, ولقد أوصانا بها خيرًا وأن نكرمها, فقالت أم أيوب: وكيف تصنع بها خيرًا لتنفذ وصية رسول الله؟ فقال: أفضل شيء أن نعتقها ابتغاء وجه الله وقد كان.
فهذه أخي المسلم نبذة عن حياة هذا الصحابي الجليل في سلمه, أما عن موقف أبي أيوب الأنصاري من الجهاد في سبيل الله؛ فقد عاش أبو أيوب حياته غازيًا, حتى قيل: إنه لم يتخلف عن غزوة غزاها المسلمون في عهد رسول الله , وبعد وفاته ظل جنديًّا في ساحات الجهاد, وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشًا بقيادة ابنه يزيد لفتح (القسطنطينية), وكان أبو أيوب وقتها بلغ عمره ثمانين سنة, ولم يمنعه كبر سنه من أن يقاتل في سبيل الله, ولكن في الطريق مرض مرضًا أقعده عن مواصلة القتال, وكانت آخر وصاياه أن أمر الجنود أن يقاتلوا, وأن يحملوه معهم, وأن يدفنوه عند أسوار (القسطنطينية) ولفظ أنفاسه الأخيرة, وهناك حفروا له قبرًا وواروه فيه. بعض مواقف أبي أيوب الأنصاري من حياته مع الرسول :
كان الرسول قد دخل المدينة مختتمًا بمدخله هذا رحلة هجرته الظافرة، ومستهلاً أيامه المباركة في دار الهجرة, التي ادَّخر لها القدر ما لم يدخره لمثلها في دنيا الناس.
وسار الرسول وسط الجموع التي اضطرمت صفوفها وأفئدتها حماسة، ومحبة وشوقًا، ممتطيًا ظهر ناقته التي تزاحم الناس حول زمامه، كُلٌّ يريد أن يستضيف رسول الله.
وبلغ الموكب دور بني سالم بن عوف، فاعترضوا طريق الناقة قائلين: (يا رسول الله، أقم عندنا، فلدينا العدد والعدة والمنعة), ويجيبهم الرسول وقد قبضوا بأيديهم على زمام الناقة: "خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة". ويبلغ الموكب دور بني بياضة، فَحيّ بني ساعدة، فحيّ بني الحارث بن الخزرج، فحيّ عدي بن النجار.
وكل بني قبيلة من هؤلاء يعترض سبيل الناقة، وملحّين أن يسعدهم النبي بالنزول في دورهم، وهو يجيبهم, وعلى شفتيه ابتسامة شاكرة: "خَلّوا سَبيلَها فَإِنَّها مَأمُورة". فكان الرسول ممعنًا في ترك هذا الاختيار للقدر الذي يقود خطاه، ومن أجل هذا ترك هو أيضًا زمام ناقته وأرسله، فلا هو يثني به عنقه، ولا يستوقف خطاه، وتوجّه إلى الله بقلبه، وابتهل إليه بلسانه: "اللَّهُمَّ خر لِي، واختَرْ لِي", وأمام دار بني مالك بن النجار بركت الناقة، ثم نهضت وطوَّفت بالمكان، ثم عادت إلى مبركها الأول، وألقت جرانها، واستقرت في مكانه.
وكان هذا السعيد الموعود، الذي بركت الناقة أمام داره، وصار الرسول ضيفه، ووقف أهل المدينة جميعا يغبطونه على حظوظه الوافية، هو البطل أبو أيوب الأنصاري، الذي جعلت الأقدار من داره أول دار يسكنها المهاجر العظيم والرسول الكريم .
وروي عن سعيد بن المسيب: أن أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله شيئا, فقال له: "لا يصيبك السوء يا أبا أيوب", وأخرج أبو بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عاصم من طريق أبي الخير, عن أبي رهم: أن أبا أيوب حدثهم أن النبي نزل في بيته, وكنت في الغرفة فهريق ماء في الغرفة، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا نتتبع الماء شفقًا أن يخلص إلى رسول الله ، فنزلت إلى رسول الله وأنا مشفق فسألته, فانتقل إلى الغرفة, قلت: يا رسول الله, كنتَ ترسل إليّ بالطعام فأنظر, فأضع أصابعي حيث أرى أثر أصابعك حتى كان هذا الطعام, قال: "أجل إن فيه بصلاً, فكرهت أن آكل من أجل الملك، وأما أنتم فكلوا".
وروى أحمد من طريق جبير بن نفير، عن أبي أيوب قال: لما قدم النبي المدينة اقترعت الأنصار أيهم يؤويه, فقرعهم أبو أيوب.. الحديث. أثر أبي أيوب الأنصاري في الآخرين:
ولقد عاش أبو أيوب طول حياته غازيًا، وكانت آخر غزواته حين جهز معاوية جيشًا بقيادة ابنه يزيد؛ لفتح القسطنطينية, وكان أبو أيوب آنذاك شيخًا طاعنًا في السن يحبو نحو الثمانين من عمره, فلم يمنعه ذلك من أن ينضوي تحت لواء يزيد, وأن يمخر عباب البحر غازيًا في سبيل الله..
لكنه لم يمض غير قليل على منازلة العدو حتى مرض أبو أيوب مرضًا أقعده عن مواصلة القتال، فجاء يزيد ليعوده وسأله: ألك من حاجة يا أبا أيوب؟
فقال: اقرأ عني السلام على جنود المسلمين، وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية، وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية، ولفظ أنفاسه الطاهرة رحمه الله و. بعض الأحاديث التي نقلها أبو أيوب الأنصاري عن المصطفى :
يروي الزهري, عن عطاء بن يزيد الليثي, عن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله : "إذا أتى أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة, ولا يولها ظهره, شرقوا أو غربوا".
وعن البراء بن عازب, عن أبي أيوب رضي الله عنهما قال: خرج النبي وقد وجبت الشمس, فسمع صوتًا, فقال: "يهود تعذب في قبورها", وعن ابن شهاب, عن عطاء بن يزيد الليثي, عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله قال: "لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا, وخيرهما الذي يبدأ بالسلام". مواقف أبي أيوب الأنصاري مع التابعين:
عن الزهري، عن سالم، قال: أعرست، فدعا أبي الناس، فيهم أبو أيوب، وقد ستروا بيتي بجنادي أخضر, فجاء أبو أيوب، فطأطأ رأسه، فنظر فإذا البيت مستر, فقال: يا عبد الله، تسترون الجدر؟ فقال أبي واستحيا: غلبنا النساء يا أبا أيوب, فقال: من خشيت أن تغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك, لا أدخل لكم بيتًا، ولا آكل لكم طعامًا.
وعن محـمد بن كعب، قال: كان أبو أيوب يخالف مروان، فقال: ما يحملك على هذ؟ قال: إني رأيت رسول الله يصلي الصلـوات، فإن وافقته وافقناك، وإن خالفته خالفناك.
وعن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن أبيه، قال: انضم مركبنا إلى مركب أبي أيوب الأنصاري في البحر، وكان معنا رجل مزاح، فكان يقول لصاحب طعامنا: جزاك الله خيرًا وبرًّا، فيغضب, فقلنا لأبي أيوب: هنا من إذا قلنا له: جزاك الله خيرًا يغضب, فقال: اقلبوه له, فكنا نتحدث: إن من لم يصلحه الخير أصلحه الشر, فقال له المزاح: جزاك الله شرًّا وعرًا، فضحك، وقال: ما تدع مزاحك. وفاة أبي أيوب الأنصاري:
قال الوليد عن سعيد بن عبد العزيز: أغزى معاوية ابنه في سنة خمس وخمسين في البر والبحر، حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينية على بابها، ثم قفل.
وعن الأصمعي،عن أبيه: أن أبا أيوب قبر مع سور القسطنطينية، وبني عليه، فلما أصبحوا، قالت الروم: يا معشر العرب، قد كان لكم الليلة شأن, قالوا: مات رجل من أكابر أصحاب نبينا، والله لئن نبش، لا ضرب بناقوس في بلاد العرب, فكانوا إذا قحطوا، كشفوا عن قبره، فأمطروا.
قال الواقدي: مات أبو أيوب سنة اثنتين وخمسين، وصلى عليه يزيد، ودفن بأصل حصن القسطنطينية, فلقد بلغني أن الروم يتعاهدون قبره، ويستسقون به.
وقال خليفة: مات سنة خمسين. وقال يحيي بن بكير: سنة اثنتين وخمسين.