سورة الحشر وسماها ابن عباس سورة بني النضير لذكر قصة بني النضير فيها وسماها الرسول صلى الله عليه وسلم (سورة الحشر) في حديث الترمذي عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يصبح ثلاث مرات أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر (هو الله) الخ وكل الله به سبعين ألف ملك يصلون عليه حتى يمسي وإن مات في يومه مات شهيداً، ومن قرأها حين يمسي كذلك". وقال فيه: حسن غريب. مدنية وآياتها أربع وعشرون آية بسم الله الرحمن الرحيم {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (2) وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (4) مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)} شرح الكلمات: سبح لله ما في السموات وما في الأرض :أي نزه الله تعالى وقدسه بلسان الحال والقال ما في السموات وما في الأرض من سائر الكائنات. وهو العزيز الحكيم :أي العزيز في انتقامه من أعدائه الحكيم في تدبيره لأوليائه. هو الذي أخرج الذين كفروا من :أي أخرج يهود بني النضير من ديارهم بالمدينة. أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر: أي لأول حشر كان وثاني حشر كان من خيبر إلى الشام. ما ظننتم أن يخرجوا :أي ما ظننتم أيها المؤمنون أن بني النضير يخرجون من ديارهم. وطنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله :أي وظن يهود بني النضير أن حصونهم تمنعهم مما قضى الله به عليهم من إجلائهم من المدينة. فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا: أي فجاءهم الله من حيث لم يظنوا أنهم يؤتون منه. وقذف في قلوبهم الرعب :أي وقذف الله تعالى الخوف الشديد من محمد وأصحابه. يخربون بيوتهم بأيديهم :أي يخربون بيوتهم حتى لا ينتفع بها المؤمنون وليأخذوا بعض أبوابها وأخشابها المستحسنة معهم. وأيدي المؤمنين :إذ كانوا يهدمون عليهم الحصون ليتمكنوا من قتالهم. فاعتبروا يا أولي الأبصار :أي فاتعظوا بحالهم يا أصحاب العقول ولا تغتروا ولا تعتمدوا إلا على الله سبحانه وتعالى. ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء :أي ولولا أن كتب الله عليهم الخروج من المدينة. لعذبهم في الدنيا :أي بالقتل والسبي كما عذب بني قريظة إخوانهم بذلك. ذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله: جزاهم بما جزاهم به من عذاب الدنيا والآخرة بسبب مخالفتهم لله ورسوله ومعاداتهم لهما. ما قطعتم من لينة أو تركتموها :أي ما قطعتم أيها المؤمنون من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع. فبإذن الله وليخزي الفاسقين :أي فاقطع ما قطعتم وترك ما تركتم كان بإرادة الله وكان ليجزي الله الفاسقين يهود بني النضير. معنى الآيات: يخبر تعالى عن جلاله وعظمته بأنه سبحه أي نزهه عن كل النقائص من الشريك والمصاحبة والولد والعجز والنقص مطلقاً بلسان القال ولسان الحال جميع ما في السموات وما في الأرض من الملائكة والإنس والجن والحيوان والشجر والحجر والمدر، وأنه هو العزيز الانتقام الحكيم في تدبير حياة الأنام. هو الذي أخرج الذين كفروا من ديارهم يهود بني النضير أجلاهم من ديارهم بالمدينة لأول الحشر إلى أذرعات بالشام ومنهم من نزل بخيبر وسيكون لهم حشر آخر حيث حشرهم عمر وأجلاهم من خيبر إلى الشام. وبنو النضير: رهط من اليهود من ذرية هارون عليه السلام نزلوا المدينة في فتن بني إسرائيل انتظاراً لمحمد صلى الله عليه وسلم وكان من أمرهم ما قص تعالى في هذه السورة. والحشر: الجمع أي: جمع الناس في مكان واحد، والمراد هنا: حشر يهود جزيرة العرب إلى أرض غيرها أي: جمعهم للخروج، ولذا هو يرادف الجلاء إذ كان الجلاء لجماعة عظيمة تجمع من الديار المتفرقة، واللام في قوله: (لأول الحشر) هي لام التوقيت التي تدخل على أول الوقت نحو (فطلقوهن لعدتهن) أي: لأول عدتهن وهو الطهر الذي لم تمس فيه. وقوله تعالى في خطاب المؤمنين: {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} أي من ديارهم وظنوا هم أنهم مانعتهم حصونهم من الله. فخاب ظنهم إذ أتاهم أمر الله من حيث لم يظنوا وذلك بأن قذف في قلوبهم الرعب والخوف الشديد من الرسول وأصحابه حتى أصبحوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين. المؤمنون يخربونها من الظاهر لفتح البلاد وهم يخربونها من الباطن وذلك أن الصلح الذي تم بينهم وبين الرسول والمؤمنين أنهم يحملون أموالهم إلا الحلقة أي السلاح ويجلون عن البلاد إلى الشام وهو أول حشر لهم فكانوا إذا أعجبهم الباب أو الخشبة نزعوها من محلها فيخرب البيت لذلك. وقوله تعالى {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} أي البصائر والنهي أي اتعظوا بحال بني النضير الأقوياء كيف قذف الله الرعب في قلوبهم وأجلوا عن ديارهم فاعتبروا يا أولي البصائر فلا تغتروا بقواكم ولكن اعتمدوا على الله وتوكلوا عليه. وقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} أزلا في اللوح المحفوظ لعذبهم في الدنيا بالسبي والقتل كما عذب بني قريظة بعدهم. ولهم في الآخرة عذاب النار، ثم علل تعالى لهذا العذاب الذي أنزله وينزله بهم بقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي خالفوهما وعادوهما، ومن يشاق الله يعاقبه بأشد العقوبات فإن الله شديد العقاب. وقوله تعالى {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} أي من نخلة لينة أو تركتموها بلا قطع قائمة على أصولها فقد كان ذلك بإذن الله فلا إثم عليكم فيه فقد أسر به المؤمنون وأخزى به الفاسقين اليهود. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- بيان جلال الله وعظمته مع عزه وحكمته في تسبيحه من كل المخلوقات العلوية والسفلية وفي إجلاء بني النضير من ديارهم وهو أول حشر وإجلاء تم لهم وسيعقبه حشر ثانٍ وثالثٌ. 2- بيان أكبر عبرة في خروج بني النضير، وذلك لما كان لهم من قوة ولما عليه المؤمنون من ضعف ومع هذا فقد انهزموا شر هزيمة وتركوا البلاد والأموال ورحلوا إلى غير رجعة. فعلى مثل هذا يتعظ المتعظون فإنه لا قوة تنفع مع قوة الله، فلا يغتر العقلاء بقواهم المادية بل عليهم أن يعتمدوا على الله أولاً وآخراً. 3- علة هزيمة بني النضير ليست إلا محادتهم لله والرسول ومخالفتهم لهما وهذه سنته تعالى في كل من يحاده ويحاد رسوله فإنه ينزل به أشد أنواع العقوبات. 4- عفو الله تعالى على المجتهد إذا أخطأ وعدم مؤاخذته، فقد اجتهد المؤمنون في قطع نخل بني النضير من أجل إغاظتهم حتى ينزلوا من حصونهم. و أخطأوا في ذلك إذ قطع النخل المثمر فساد، ولكن الله تعالى لم يؤاخذهم لأنهم مجتهدون. وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين . القسم الثاني من تفسير سورة الحشر.
{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} شرح الكلمات: وما أفاء الله على رسوله منهم :أي وما رد الله ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال بني النضير. فما أوجفتم عليه من خيل ولا :أي أسرعتم في طلبه والحصول عليه خيلاً ولا إبلاً أي لم تعانوا فيه مشقة. ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء :أي وقد سلط رسول الله محمداً صلى الله عليه وسلم على بني النضير ففتح بلادهم صلحاً. وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى :أي وما رد الله على رسوله من أموال أهل القرى التي لم يوجف عليها بخيل ركابٍ. فلله وللرسول ولذي القربى :أي لله جزء وللرسول جزء ولقرابة الرسول جزء ولليتامى جزء وللمساكين واليتامى والمساكين وابن جزء ولابن السبيل جزء تقسم على المذكورين السبيل بالسوية. كي لا يكون دولة بين الأغنياء :أي كيلا يكون المال متداولاً بين الأغنياء الأقوياء ولا يناله الضعفاء والفقراء. منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما :أي وما أعطاكم الرسول وأذن لكم فيه أو أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه نهاكم عنه فانتهوا وحظره عليكم ولم يأذن لكم فيه فانتهوا عنه. واتقوا الله إن الله شديد العقاب :أي واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله واحذروا عقوبة الله على معصيته ومعصية رسوله فإن الله شديد العقاب. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في غزوة بني النضير إنه بعد الصلح الذي تم بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تركوا حوائطهم أي بساتينهم فيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورغب المسلمون في تلك البساتين ورأى بعضهم أنها ستقسم عليهم كما تقسم الغنائم فأبى الله تعالى ذلك عليهم وقال: {وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} أي وما رد الله تعالى على رسوله من مال بني النضير. وكلمة رد تفسير لكلمة أفاء لأن الفيء الظل يتقلص ثم يرجع أي يرد وأموال بني النضير الأصل فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن بني النضير عاهدوا رسول الله وبمقتضى المعاهدة أبقى عليهم أموالهم فإذا تقضوا العهد وخانوا لم يستحقوا من المال شيئاً لا سيما وأنهم تآمروا على قتله وكادوا ينفذون جريمتهم التي تحملوا تبعتها ولو لم ينفذوها. وبداية القضية كالتالي: أن المعاهدة التي تمت بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين بني النضير من جملة بنودها أن يؤدوا مع الرسول ما يتحمل من ديات. وبعد وقعة أحد بنصف سنة حدث أن عمرو بن أمية الضمري قتل خطأ رجلين من بني كلب أو بني كلاب فجاء ذووهم يطالبون بديتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ هو المسئول عن المسلمين فخرج صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير في قريتهم التي تبعد عن المدينة بميلين يطالب بالإسهام في دية الرجلين الكلابيين بحكم المعاهدة فلما انتهى إليهم أنزلوه هو وأصحابه بأحسن مجلس وقالوا ما تطلبه هو لك يا أبا القاسم ثم خلوا بأنفسهم وقالوا أن الفرصة سانحة للتخلص من الرجل فجاءوا برحىً (مطحنة) من صخرة وطلعوا بها إلى سطح المنزل وهموا أن يسقطوها على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في ظل الجدار مع أصحابه، وقبل أن يسقطوا الرحى أوحى الله إلى رسوله أن قم من مكانك فإن اليهود أرادوا إسقاط حجر عليك ليقتلوك فقام صلى الله عليه وسلم على الفور وتبعه أصحابه وسقط في أيدي اليهود. وما إن رجع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أعلن الخروج إلى بني النضير فإنهم نقضوا عهدهم ووجب قتالهم فنزل بساحتهم وحاصرهم وجرت سفارة وانتهت بصلح يقضى بأن يجلوا بني النضير عن المدينة يحملون أموالهم على إبلهم دون السلاح ويلتحقوا بأذرعات بالشام فكان هذا أول حشر لهم إلى أرض المعاد والمحشر إلا أسرتين نزلتا بخيبر أسرة بني الحقيق الذين منهم حيي بن أخطب والد صفية زوج الرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذه الغزوة بقيت ستأتي عند قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} الآيات. من هنا علمنا أن مال بني النضير هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفاءه الله عليه فقال وما أفاء الله على رسوله منهم أي من بني النضير. ولما طمع المؤمنون فيه قال تعالى رداً عليهم فما أوجفتم عليه أي على أموال بني النضير أي ما ركبتم إليه خيلاً ولا إبلاً ولا أسرعتم عدواً إليهم لأنهم في طرف المدينة فلم تتحملوا سفراً ولا تعباً ولا قتالاً موتاً وجراحات فلذا لا حق لكم فيها فإنها فيء وليست بغنائم. ولكن الله يسلط رسله على من يشاء بدون حرب ولا قتال فيفيء عليهم بمال الكفرة الذي هو مال الله فيرده على رسله,وقد سلط الله حسب سنته في رسله محمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائه بني النضير فحاز المال بدون قتال ولا سفر فهو له دون غيره ينفقه كما يشاء ومع هذا فقد أنفقه صلى الله عليه وسلم ولم يبق منه إلا قوت سنة لأزواجه رضي الله عنهن وأرضاهن. وقوله تعالى {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} لا يمتنع منه قوى, ولا يتعزز عليه شريف سرى. وقوله تعالى {مَا أَفَاءَ اللَّهُعَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي من أموال أهل القرى التي ما فتحت عنوة ولكن صلحاً فتلك الأموال تقسم فيئاً على مل بين تعالى فلله وللرسول ولذي القربى أي قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم وبنو المطلب. واليتامى الذين لا عائل لهم, والمساكين الذين مسكنتهم الحاجة وابن السبيل وهو المسافر المنقطع عن بلاده وداره وماله؟ وعلة ذلك بينها تعالى بقوله {كَيْ لا يَكُونَ } أي المال {دُولَةً} أي متداولاً بين الأغنياء منكم, ولا يناله الضعفاء والفقراء فمن الرحمة والعدل أن يقسم الفيء لعى هؤلاء الأصناف المذكورين وما لله فهو ينفق في المصالح العامة وكذلك ما للرسول بعد وفاته صلى الله عليه وسلم والباقي للمذكورين, وكذا خمس الغنائم فإنه يوزع على المذكورين في هذه الآية أما الأربعة أخماس فعلى المجاهدين. وقوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ} من مال وغيره {فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ} أي من مال وغيره فانتهوا عنه واتقوا الله فلا تعصوه ولا تعصوا رسوله و أحذروا عقابه فإن الله شديد العقاب أي معاقبته قاسية شديدة لا تطاق فيا ويل من تعرض لها بالكفر والفجور والظلم. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- بيان أن مال بني النضير كان فيئاً خاصاً برسول الله صلى الله عليه وسلم. 2- أن الفيء وهو ما حصل عليه المسلمون بدون قتال وإنما بفرار العدو وتركه أو بصلح يتم بينه وبين المسلمين هذا الفيء يقسم على ما ذكر تعالى في هذه الآية إذ قال وما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى، والمساكين، وابن السبيل. وأما الغنائم وهي ما أخذت عنوة بالقوة وسافر إليها المسلمون فإنها تخمس خمس لله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل يوزع بينهم بالسوية، والأربعة الأخماس الباقية تقسم على المجاهدين الذين شاركوا بالمعارك وخاضوها للراجل قسم وللفارس قسمان. 3- وجوب طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتطبيق أحكامه والاستنان بسنته المؤكدة وحرمة مخالفته فيما نهى عنه أمته روى الشيخان أن ابن مسعود رضي الله عنه قال لعن الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله فبلغ ذلك امرأة من أسد يقال لها أم يعقوب كانت تقرأ القرآن فقالت بلغني أنك لعنت كيت وكيت. فقال: مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته، قال إن كنت قرأته فقد وجدته. أما قرأت قوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت: بلى. قال: فإنه صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه. أي الوشم الخ.. وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين . القسم الثالث من تفسير سورة الحشر.
{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (10)} شرح الكلمات: يبتغون فضلا من الله ورضوانا :أي هاجروا حال كونهم طالبين من الله رزقاً يكفيهم ورضا منه تعالى. أولئك هم الصادقون :أي في إيمانهم حيث تركوا ديارهم وأموالهم وهاجروا ينصرون الله ورسوله. والذين تبوءوا الدار والإيمان :أي والأنصار الذين نزلوا المدينة وألفوا الإيمان بعدما اختاروه على الكفر. من قبلهم :أي من قبل المهاجرين. ولا يجدون في صدورهم حاجة :أي حسداً ولا غيظاً. مما أوتوا : أي مما أوتي إخوانهم المهاجرون من فيء بني النضير. ويؤثرون على أنفسهم: أي في كل شيء حتى إن الرجل منهم تكون تحته المرأتان فيطلق أحداهما ليزوجها مهاجراً. ولو كان بهم خصاصة :أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به. ومن يوق شح نفسه :أي ومن يقه الله تعالى حرص نفسه على المال والبخل به. والذين جاءوا من بعدهم :أي من بعد المهاجرين والأنصار من التابعين إلى يومنا هذا فما بعد. ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين :أي حقداً أي انطواء على العداوة والبغضاء. معنى الآيات: ما زال السياق الكريم في الحديث عن فيء بني النضير وتوزيع الرسول صلى الله عليه وسلم له فقال تعالى {لِلْفُقَرَاءِ} أي أعجبوا أن يعطى فيء بني النضير للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون أي حال كونهم في خروجهم يطلبون فضلا من الله أي رزقاً يكف وجوههم عن المسألة ورضواناً من ربهم أي رضاً عنهم لا يعقبه سخط. إذ كان الرسول صلى الله عليه وسلم أعطى فيء بني النضير للمهاجرين ولم يعط للأنصار إلا ما كان من أبي دجانة وسهل بن حنيف فقد ذكروا لرسوله الله صلى الله عليه وسلم حاجة فأعطاهما. فتكلم المنافقون للفتنة وعابوا صنيع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية يعجب منهم الرسول والمؤمنون في إنكارهم على عطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين دون الأنصار، وهو قوله تعالى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} أي في إيمانهم إذ صدقوا القول بالعمل، وما كان معتقداً باطناً أصبح عملاً ظاهراً بهذه الأوصاف التي ذكر تعالى للمهاجرين أعطاهم الرسول من فيء بني النضير. وأما الأنصار الذين لم يعطهم المال الزائل وهم في غير حاجة إليه فقد أعطاهم ما هو خير من المال. واسمع ثناؤه تعالى عليهم: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ} أي المدينة النبوية والإيمان أي بوأوه قلوبهم وأحبوه وألفوه. من قبلهم أي من قبل نزول المهاجرين إلى المدينة يحبون من هاجر إليهم من سائر المؤمنين الذين يأتون فراراً بدينهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حسداً ولا غيظاً مما أوتوا أي مما أعطوا الرسول صلى الله عليه وسلم المهاجرين. ويؤثرون على أنفسهم غيرهم من المهاجرين ولو كان بهم خصاصة أي حاجة شديدة وخلة كبيرة لا يجدون ما يسدونها به، وفي السيرة من عجيب إيثارهم العجب العجاب في أن الرجل يكون تحته امرأتان فيطلق إحداهما فإذا انتهت عدتها زوجها أخاه المهاجر فهل بعد هذا الإيثار من إيثار؟. وقوله تعالى {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} أي من يقيه الله تعالى مرض الشح وهو البخل بالمال والحرص على جمعه ومنعه فهو في عداد المفلحين وقد وقى الأنصار من هذا الخطر فهم مفلحون فهذا أيضاً ثناءٌ عليهم وبشرى لهم. وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أي من بعد المهاجرين الأولين والأنصار الذين تبوءوا الدار والإيمان يقولون في دعائهم الدائم لهم {رَبَّنَا} أي يا ربنا {اغْفِرْ لَنَا} أي ذنوبنا واغفر {وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ} وهم المهاجرون والأنصار، {وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا} بك وبرسولك {رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} أي ذو رأفة بعبادك ورحمة بالمؤمنين بك فاستجب دعاءنا فاغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا في الإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً لهم. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- بيان فضل المهاجرين والأنصار, وأن حبهم إيمان وبغضهم كفران. 2- فضيلة الإيثار على النفس. 3- فضيلة إيواء المهاجرين ومساعدتهم على العيش في دار الهجرة المهاجرين الذين هاجروا في سبيل الله تعالى فراراً بدينهم ونصرة لإخوانهم المجاهدين والمرابطين. 4- خطر الشح وهو البخل بما وجب إخراجه من المال والحرص على جمعه من الحلال والحرام. 5- بيان طبقات المسلمين ودرجاتهم وهي ثلاثة بالإجمال: 1- المهاجرون الأولون. 2- الأنصار الذين تبوءوا الدار "المدينة" وألفوا الإيمان. 3- من جاء بعدهم من التابعين وتابعي التابعين إلى قيام الساعة من أهل الإيمان والتقوى. وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين . القسم الرابع من تفسير سورة الحشر.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (11) لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (12) لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (13) لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ (14)} شرح الكلمات: ألم تر: أي ألم تنظر. نافقوا : أي أظهروا الإيمان وأخفوا في نفوسهم الكفر. لإخوانهم الذين كفروا من أهل : أي يهود بني النضير. الكتاب لئن أخرجتم :أي من دياركم بالمدينة. لنخرجن معكم :أي نخرج معكم ولا نبقى بعدكم في المدينة. وإن قوتلتم :أي قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه. لننصرنكم :أي بالرجال والسلاح. والله يشهد إنهم لكاذبون :أي فيما وعدوا به إخوانهم بني النضير. ولئن نصروهم :أي وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الأدبار ثم لا ينصرون المنافقون كاليهود سواء. لأنتم أشد رهبة في صدورهم:أي تالله لأنتم أشد خوفاً في صدورهم. من الله :لأن الله تعالى يؤخر عذابهم وأنتم تعجلونه لهم. ذلك بأنهم :أي المنافقين. قوم لا يفقهون :لظلمة كفرهم وعدم استعدادهم للفهم عن الله ورسوله. لا يقاتلونكم جميعا :أي لا يقاتلكم يهود بني النضير مجتمعين. إلا في قرى محصنة :أي بالأسوار العالية. أو من وراء جدر :أي من رواء المباني والجدران أما المواجهة فلا يقدرون عليها. بأسهم بينهم شديد :أي العداوة بينهم شديدة والبغضاء أشد. تحسبهم جميعاً :أي مجتمعين. وقلوبهم شتى :أي متفرقة خلاف ما تحسبهم عليه. بأنهم قوم لا يعقلون :إذ لو كانوا يعقلون لاجتمعوا على الحق ولا ما كفروا به وتفرقوا فيه فهذا دليل عدم عقلهم. معنى الآيات: ما زال السياق في الحديث عن غزوة بني النضير فيقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم {أَلَمْ تَرَ} أي تنظر يا رسولنا إلى الذين نافقوا وهم عبد الله بن أبي بن سلول ووديعة ومالك ابنا نوفل وسويد وداعس إذ بعثوا إلى بني النضير حين نزل بساحتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحربهم بعثوا إليه أن اثبتوا وتمنعوا وإن قوتلتم قاتلنا معكم وإن أخرجتم خرجنا معكم غير أنهم لم يفوا لهم ولم يأتهم منهم أحد وقذف الله الرعب في قلوبهم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة "السلاح" هذا معنى قوله تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ في الكفر} من أهل الكتاب "يهود بني النضير" لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم, ولا نطيع فيكم أي في نصرتكم والوقوف إلى جنبكم أحداً كائناً من كان وأن قوتلتم أي قاتلكم محمد صلى الله عليه وسلم ورجاله لننصرنكم. والله يشهد إنهم لكاذبون فيما قالوا لهم وفعلا لم يقاتلوا معهم ولم يخرجوا معهم كما خرجوا من ديارهم. وهو قوله تعالى {لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ} وعلى فرض أنهم نصروهم ليولن الأدبار هاربين من المعركة, ثم لا ينصرون اليهود كالمنافقين سواء. وقوله تعالى {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ} يخبر تعالى رسوله والمؤمنين بأنهم أشد رهبة أي خوفاً في صدور المنافقين من الله تعالى لأنهم يرون أن الله تعالى يؤجل عذابهم، وأما المؤمنون فإنهم يأخذون بسرعة للقاعدة " من بدل دينه فاقتلوه" فإذا أعلنوا عن كفرهم وجب قتلهم وقتالهم. وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} هذا بيان لجبنهم وخوفهم الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. إذ لو كانوا يفقهون لما خافوا العبد ولم يخافوا المعبود. والفقه: إدراك المعاني الدقيقة والأسرار الخفية في كلام أهل الحكمة وذوي البصيرة. وقوله تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً} أي اليهود والمنافقين {إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} بأسوار وحصون أو من وراء جدر أي في المباني ووراء الجدران. وقوله تعالى بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا في الظاهر وأنهم مجتمعون ولكن {قُلُوبُهُمْ شَتَّى} أي متفرقة لا تجتمع على غير عداوة الإسلام وأهله، وذلك لكثرة أطماعهم وأغراضهم وأنانيتهم وأمراضهم النفسية والقلبية. وقوله تعالى {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} إذ لو كانوا يعقلون الحق لما كفروا به وهم يعلمون فعرضوا أنفسهم لغضب الله ولعنته وعذابه. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- تقرير حقيقة وهي أن الكفر ملة واحدة وأن الكافرين إخوان. 2- خلف الوعد آية النفاق وعلاماته البارزة. 3- الجبن والخوف صفة من صفات اليهود اللازمة لهم ولا تنفك عنهم. 4- عامة الكفار يبدون متحدين ضد الإسلام وهم كذلك ولكنهم بما بينهم تمزقهم العداوات وتقطعهم الأطماع وسوء الأغراض والنيات. وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين . القسم الخامس من تفسير سورة الحشر.
{بينهم تمزقهم العداوات وتقطعهم الأطماع وسوء الأغراض والنيات. كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (15) كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16) فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (17) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (19) لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)} شرح الكلمات: كمثل الذين من قبلهم قريباً :أي مثل يهود بني النضير في ترك الإيمان ومحاربة الرسول صلى الله عليه وسلم كمثل إخوانهم بني قينقاع والمشركين في بدر. ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب :أي ذاقوا عاقبة كفرهم وحربهم لرسول الله ولهم عذاب أليم في الآخرة. أليم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان :أي ومثلهم أيضا في سماعهم من المنافقين وخذلانهم لهم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان. اكفر فلما كفر قال إني بريء منك : أي قال له الشيطان بعد أن كفره أنا بريء وذلك جزاء الظالمين: أي خلودهما في النار أي الغاوي والمغوى ذلك جزاءهما وجزاء الظالمين. ولتنظر نفس ما قدمت لغد: أي لينظر كل أحد ما قدم ليوم القيامة من خير وشر. ولا تكونوا كالذين نسوا الله: أي ولا تكونوا أيها المؤمنون كالذين نسوا الله فتركوا طاعته. فأنساهم أنفسهم: أي فعاقبهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا خيراً قط. لا يستوي أصحاب النار :أي لأن أصحاب الجنة فائزون بالسلامة من المرهوب والظفر بالمرغوب وأصحاب الجنة المحبوب. وأصحاب النار خاسرون في جهنم خالدون، فكيف يستويان؟. أصحاب الجنة هم الفائزون . معنى الآيات: قوله تعالى {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} هذه الآية (15) واللتان بعدها (16)و (17) في بقية الحديث عن بني النضير إذ قال تعالى مثل بنو النضير في هزيمتهم بعد نقضهم العهد كمثل الذين من قبلهم في الزمان والمكان وهم بنو قينقاع إذ نقضوا عهدهم فأخرجهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وذاقوا وبال أمرهم أي عاقبة نقضهم وكفرهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب أليم أي موجع شديد وقوله تعالى {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ} بوسائله الخاصة فلما كفر الإنسان تبرأ منه الشيطان وقال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين كذلك حال بني النضير مع المنافقين حيث حرضوهم على الحرب والقتال وواعدوهم أن يكونوا معهم ثم خذلوهم وتركوهم حدهم. وقوله تعالى: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا} أي عاقبة أمرهما أنهما أي الإنسان والشيطان أنهما في النار خالدين فيها، وذلك أي خلودهما في النار جزاء الظالمين أي المشركين والفاسقين عن طاعة الله عز وجل. وبعد نهاية قصة بني النضير نادى تعالى المؤمنين ليوجههم وينصح لهم فقال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} أي صدقوا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولا اتقوا الله بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، ولتنظر نفس ما قدمت لغد أي ولينظر أحدكم في خاصة نفسه ماذا قدم لغدٍ أي يوم القيامة. أطلق لفظ الغد وأريد به يوم القيامة جرياً على عادة العرب فإنهم يطلقون لفظ الغد كناية عن المستقبل، وقيل إطلاق لفظ الغد هنا إشارة إلى قرب الساعة كما قال الشاعر: فإن يك صدر هذا اليوم ولى فإن غداً لناظره قريب. واتقوا الله، أعاد الأمر بالتقوى لأن التقوى هي ملاك الأمر ومفتاح دار السلام والسعادة، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} يشجعهم على مراقبة الله تعالى والصبر عليها. وقوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} أي لا تكونوا كأناسٍ تركوا العمل بطاعة الله وطاعة رسوله فعاقبهم ربهم بأن أنساهم أنفسهم فلم يعملوا لها خيراً وأصبحوا بذلك فاسقين عن أمر الله تعالى خارجين عن طاعته. وقوله تعالى {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ}، أصحاب النار في الدركات السفلى، وأصحاب الجنة في الفراديس العلا فكيف يستويان، إذ أصحاب الجنة فائزون، وأصحاب النار خاسرون. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- ضرب مثل لحال الكافرين في عدم الاتعاظ بحال غيرهم. 2- التحذير من سبل الشيطان وهي الإغراء بالمعاصي وتزيينها فإذا وقع العبد في الهلكة تبرأ الشيطان منه وتركه في محنته وعذابه. 3- وجوب التقوى بفعل الأوامر وترك النواهي. 4- وجوب مراقبة الله تعالى والنظر يومياً فيما قدم الإنسان للآخرة وما أخر. 5- التحذير من نسيان الله تعالى المقتضى لعصيانه فإن عقوبته خطيرة وهي أن ينسي الله العبد نفسه فلا يقدم لها خيراً قط فيهلك ويخسر خسراناً مبيناً. 6- عدم التساوي بين أهل النار وأهل الجنة، إذ أصحاب النار لم ينجوا من المرهوب وهو النار، ولم يظفروا بمرغوب وهو الجنة، وأصحاب الجنة على العكس سلموا من المرهوب، وظفروا بالمرغوب نجوا من النار ودخلوا الجنان. وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين . القسم السادس من تفسير سورة الحشر.
{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)} شرح الكلمات: لو أنزلنا هذا القرآن على جبل :أي وجعلنا فيه تميزاً وعقلاً وإدراكاً. لرأيته خاشعاً متصدعاً :أي لرأيت ذلك الجبل متشققاً متطامناً ذليلاً. من خشية الله: أي من خوف الله خشية أن يكون ما أدى حقه من التعظيم. وتلك الأمثال نضربها للناس : أي مثل هذا المثل نضرب الأمثال للناس. لعلهم يتفكرون :أي يتذكرون فيؤمنون ويوحدون ويطيعون. هو الله الذي لا إله إلا هو :أي الله المعبود بحق الذي لا معبود بحق إلا هو عز وجل. عالم الغيب والشهادة :أي عالم السر والعلانية. هو الرحمن الرحيم :أي رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. هو الله الذي لا إله إلا هو :أي لا معبود بحق إلا هو لأنه الخالق الرازق المدبر وليس لغيره ذلك. ا لملك القدوس :أي الذي يملك كل شيء ويحكم كل شيء القدوس الطاهر المنزه عما لا يليق به. السلام المؤمن المهيمن :أي ذو السلامة من كل نقص الذي لا يطرأ عليه النقص المصدق رسله بالمعجزات. المهيمن : الرقيب الشهيد على عباده بأعمالهم. العزيز الجبار المتكبر :العزيز في انتقامه الجبار لغيره على مراده، المتكبر على خلقه. سبحان الله عما يشركون :أي تنزيها لله تعالى عما يشركون من الآلهة الباطلة. هو الله الخالق البارئ :أي هو الإله الحق لا غيره الخالق لكل المخلوقات المنشئ لها من العدم. المصور : أي مصور المخلوقات ومركبها على هيئات مختلفة. له الأسماء الحسنى :أي تسعة وتسعون اسماً كلها حسنى في غاية الحسن. يسبح له ما في السموات والأرض :أي ينزهه ويسبحه بلسان القال والحال جميع ما في السموات والأرض. وهو العزيز الحكيم :أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في جميع تدبيره. معنى الآيات: قوله تعالى {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ.. } لما أمر تعالى في الآيات السابقة ونهى ووعظ وذكر بما لا مزيد عليه أخبر أنه لو أنزل هذا القرآن العظيم على جبل بعد أن خلق فيه إدراكاً وتمييزاً كما خلق ذلك في الإنسان لرؤى ذلك الجبل خاشعاً ذليلاً متصدعاً متشققاً من خشية الله أي من الخوف من الله لعله قصر في حق الله وحق كتابه ما أداهما على الوجه المطلوب, وفي هذا موعظة للمؤمنين ليتدبروا القرآن ويخشعوا عند تلاوته وسماعه. ثم أخبر تعالى أن ما ضرب من أمثال في القرآن ومنها هذا المثل المضروب بالجبل. يقول نجعلها للناس رجاء أن يتفكروا فيؤمنوا ويهتدوا إلى طريق كمالهم وسعادتهم ثم أخبر تعالى عن جلاله وكماله بذكر أسمائه وصفاته فقال {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} أي لا معبود بحق إلا هو, عالم الغيب والشهادة أي السر والعلن والموجود والمعدوم والظاهر والباطن. هو الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء الرحيم بعباده المؤمنين,الملك الذي له ملك السموات والأرض والمدبر للأمر في الأرض والسماء, القدوس الطاهر المنزه عن كل نقص وعيب عن الشريك والصاحبة والولد. السلام ذو السلامة من كل نقص مفيض السلام على من شاء من عباده. المؤمن المصدق رسله بما آتاهم من المعجزات المصدق عباده المؤمنين فيما يشكون إليه مما أصابهم, ويطلبونه ما هم في حاجة إليه من رغائبهم وحاجاتهم, المهيمن على خلقه الرقيب عليهم المتحكم فيهم لا يخرج شيء من أعمالهم وتصرفاتهم عن إرادته وإذنه, العزيز الغالب على أمره الذي لا يمانع فيما يريده. الجبار للكل على مراده وما يريده, المتكبر على كل خلقه وله الكبرياء في السموات والأرض والجلال والكمال والعظمة. وقوله تعالى {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} نزه تعالى نفسه عما يشرك به المشركون من عبدة الأصنام والأوثان وغيرها من كل ما عبد من دونه سبحانه وتعالى هو الله الخالق البارئ المصور: المقدر للخلق الباريء له المصور له في الصورة التي أراد أن يوجده عليها. له الأسماء الحسنى وهي مائة اسم إلا اسماً واحداً كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري وأسماؤه متضمنة صفاته وكل أسمائه حسنى وكل صفاته عليا منزه عن صفات المحدثين يسبح له ما في السموات والأرض من مخلوقات وكائنات أي ينزهه ويقدسه عما لا يليق به ويدعوه ويرغب إليه في بقائه وكمال حياته. وهو العزيز الحكيم الغالب على أمره الحكيم في تدبير ملكه. هداية الآيات: من هداية الآيات: 1- بيان ما حواه القرآن من العظات والعبر, والأمر والنهي والوعد والوعيد الأمر الذي لو أن جبلاً ركب فيه الإدراك والتمييز كالإنسان ونزل عليه القرآن لخشع وتصدع من خشية الله. 2- استحسان ضرب الأمثال للتنبيه والتعليم والإرشاد. 3- تقرير التوحيد, وأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. 4- إثبات أسماء الله تعالى, وأنها كلها حسنى, وأنها متضمنة صفات عليا. 5- ذكر أسمائه تعالى تعليم لعباده بها ليدعوه بها ويتوسلوا بها إليه. هذا أخر ما تيسر من تفسير سورة الحشر والله أعلم أعز وأجل وأكرم وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .