إنَّه عروة بن مسعود الثقفي أحد أكابر قومه، وكان أحد الذين أرسلتهم قريش إلى النبي صلى الله عليه و سلم يوم صلح الحديبية ليفاوضه، ويومها قال عروة للنبي صلى الله عليه و سلم: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أهله قبلك. [البخاري].
ثم رجع عروة إلى أهل مكة، وقال: إني رأيت من أصحاب محمد العجب، فوالله ما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلَّك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه تعظيمًا له: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله ما رأيت ملكًا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها. فكان لعروة اليد البيضاء في تقرير الصلح يوم الحديبية.
وروى أن عروة بن مسعود ظل على شركه حتى عزم الرسول صلى الله عليه و سلم على فتح الطائف، وجهز النبي صلى الله عليه و سلم سرية من أصحابه، وخرج معهم إلى ثقيف، التي تحصنت بحصون عظيمة، فعسكر النبي صلى الله عليه و سلم بسريته حول الحصن عدة أيام، فلما وجد أن الحصار لا يفيد قرر العودة إلى المدينة، فلحق به عروة سيد ثقيف، فأسلم وحسن إسلامه، ثم استأذن النبي صلى الله عليه و سلم أن يرجع إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: (إن فعلت فإنهم قاتلوك)، فقال عروة: يا رسول الله، أنا أحبُّ إليهم من أبصارهم، فأذن له النبي صلى الله عليه و سلم.
ورجع عروة إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، ولكنهم غضبوا منه وسبوه، وأسمعوه ما يكره، وفي فجر اليوم التالي صعد عروة فوق سطح غرفة له وأذن للصلاة، فخرجت إليه ثقيف، ورموه بالنبل من كل اتجاه، فأصابه سهم فوقع على الأرض، فحمله أهله إلى داره، وهناك قيل لعروة: ما ترى في دَمِكَ؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم. فلما علم صلى الله عليه و سلم بما حدث لعروة قال: (مَثَلُ عروة في قومه مَثَلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه) [الطبراني].
وقال صلى الله عليه و سلم: (عُرض عليَّ الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم -عليه السلام- فإذا أقرب مَنْ رأيت به شبهًا عروة بن مسعود. [مسلم].
uv,m fk lsu,] vqd hggi uki J > lQX,ï hggi RAn ûR,è Xki
هو عروة بن مسعود بن معتّب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف الثقفي.وهو عم والد المغيرة بن شعبة، وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف أخت آمنة، كان أحد الأكابر من قومه، وقيل: إنه المراد بقوله: {عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف: 31], قال ابن عباس وعكرمة ومحمد بن كعب وقتادة والسدي: المراد بالقريتين مكة والمدينة، واختلفوا في تعيين الرجل المراد، فعن قتادة أرادوا الوليد بن المغيرة من أهل مكة وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف. حال عروة بن مسعود في الجاهلية:
قالوا: كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول الله فعمل الدبابات والمنجنيق والعرادات وأعد ذلك حتى قذف الله في قلبه الإسلام فقدم المدينة على النبي فأسلم.. قصة إسلام عروة بن مسعود :
قال ابن إسحاق: لما انصرف رسول الله من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم, وسأل رسول الله أن يرجع إلى قومه بالإسلام, فقال له رسول الله : "إن فعلت فإنهم قاتلوك". فقال له عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم, وكان فيهم محببًا مطاعًا, فخرج يدعو قومه إلى الإسلام فأظهر دينه رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم, فلما أشرف على قومه وقد دعاهم إلى دينه رموه بالنبل من كل وجه فأصابه سهم فقتله . بعض مواقف عروة بن مسعود مع النبي :
أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث مسور بن مخرمة في حديث صلح الحديبية وفي هذا الحديث أن عروة بن مسعود الثقفي وكان إذ ذاك كافرًا قال لقريش: ألست منكم بمنزلة الولد؟ قالوا: بلى، قال: ألستم مني بمنزلة الوالد؟ قالوا: بلى، قال: فدعوني آته -يقصد النبي عليه الصلاة والسلام- فأعرض عليه وقد عرض عليكم خطة رشد، وكان النبي قال لبديل بن ورقاء قبل عروة بن مسعود: "إننا ما جئنا لقتال إنما جئنا قاصدين البيت"، وكان أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قد أهلوا بالعمرة فصدتهم قريش عن البيت, فقال النبي عليه الصلاة والسلام لبديل بن ورقاء: "إننا ما جئنا لقتال إنما جئنا قاصدين البيت فإن شاءوا ماددتهم مدة وإلا فوالله لأقاتلنهم على أمري حتى تنفرد سالفتى", يعنى: أنا إذا دخلت في حرب, أنا لا أتهاون ولن أتردد أبدًا في أن أدخل في حرب، إنما إذا أرادوا الهدنة ماددتهم مدة أخرى..
هذا الكلام لم يعجب قريشًا وظلت المسائل في شد وجذب فلما رأى عروة بن مسعود الثقفي هذا الشد والجذب قال: فدعوني آته ربما يكون هناك أمور أخرى في المفاوضات فيقول قولاً آخر بخلاف ما قاله لبديل بن ورقاء, ثم إن عروة بن مسعود قال قولاً ليؤكد أمانته في رفع التقرير، قال: ألستم مني بمنزلة الوالد؟ وعادة لا يخدع الولد والده، قالوا: بلى، قال: ألست منكم بمنزلة الولد؟ يعني أنتم مني بمنزلة الوالد وأنا منكم بمنزلة الولد, يعني مسألة الخيانة في رفع التقرير هذه مسألة غير واردة -قالوا بلى- قال: دعوني آته, فجاء النبي عليه الصلاة والسلام, فقال له نحوًا من قوله لبديل بن ورقاء, فجاءه عروة بن مسعود فقال: يا محمد, إنها واحدة من اثنتين إذا قامت الحرب بيننا وبينك واجتحت قومك وغلبتهم ووضعت أنوفهم في التراب فهل علمت أحدًا اجتاح قومك قومه قبلك؟ كأنه يذكره أن هذا ليس من مكارم الأخلاق -إنك إن ظفرت بقومك وأهلك وعشيرتك فإنك تفعل فيهم كل ذلك، وإلا كأنه قال: وما أخالك تستطيع أن تفعل كل ذلك وإذا قامت الحرب فوالله ما أرى حولك إلا أوباشًا خليقًا أن يفروا ويدعوك، قال أبو بكر : أنحن نفر وندعه؟ وقال له كلمة عظيمة، فقال عروة بن مسعود: من هذا؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إنه ابن أبى قحافة", فقال: والله لولا أن لك عليّ يدًا لأجبتك..
وفي رواية محمد بن إسحاق عن الزهري عن المسور في هذا الحديث قال: ولكن هذه بتلك، يعني هذه الإساءة منك أكلت جميلك السابق وليس لك عندي جميل، فمعنى الكلام: أنك لو تكلمت في حق آلهتنا لرددت عليك لأنك استوفيت جميلك السابق بهذه الكلمة العظيمة، ثم كان وقت الظهر فجيء للنبي بوضوء -وترك النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه يفعلون ما كان ينهاهم عنه قبل ذلك وهذه سياسة حكيمة- هذه هي السياسة الشرعية -رعاية المصالح- النبي كان ينهى الصحابة عن القيام فقد فعلوا في هذا الموقف ما هو أعظم من القيام ومع ذلك تركهم النبي لماذا؟ حتى يرى عدوه أن هؤلاء لا يسلمونه أبدًا وأن هؤلاء لو دخلوا في حرب لا يهزمون، وجيء بوضوء فتوضأ النبي فاغتسل أصحابه على وضوئه، ما سقطت قطرة ماء على الأرض.
وكان ينهى عن أقل من ذلك -ولما قال له رجل: أنت سيدنا وابن سيدنا قال: "قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله"، مجرد كلام قاله الرجل وهو كذلك، هو سيدنا لا شك في ذلك ومع ذلك يقول: "قولوا بقولكم ولا يستجدينكم الشيطان إنما أنا عبد الله ورسوله", تركهم يغتسلون على وضوئه وما تنخم نخامة فوقعت في يد رجل إلا دلك بها وجهه وجلده، ولا يحدون النظر إليه تعظيمًا له -أي لا ينظر إليه فيملأ عينيه منه ولكن كان يصوب وجهه إلى الأرض- ولا يرفعون أصواتهم عنده.
فرجع عروة إلى أصحابه وقال: أي قوم قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي, فوالله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمدًا! وحدثهم ما رأى وما قال النبي . بعض الأحاديث التي نقلها عروة بن مسعود عن الرسول :
عن عروة بن مسعود الثقفي قال: كان رسول الله يوضع عنده الماء فإذا بايعه النساء غمس أيديهن فيه.
وروي عن عروة بن مسعود الثقفي أنه قال: قال رسول الله : "لقنوا أمواتكم لا إله إلا الله، فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان". قيل: يا رسول الله, كيف هي للأحياء؟ قال: "هي للأحياء أهدم وأهدم".
وعنه عروة بن مسعود الثقفي قال: أسلمت وتحتي عشرة نسوة إحداهن بنت أبي سفيان, فقال لي رسول الله : "اختر منهن أربعًا وخل سائرهن", فاخترت منهن أربعًا، منهن بنت أبي سفيان. وفاة عروة بن مسعود :
استأذن عروة بن مسعود من النبي أن يرجع إلى قومه فقال: "إني أخاف أن يقتلوك", قال: لو وجدوني نائمًا ما أيقظوني، فأذن له فدعاهم إلى الإسلام، ونصح لهم فعصوه، وأسمعوه من الأذى، فلما كان من السحر قام على غرفة له فأذن فرماه رجل من ثقيف بسهم فقتله، فلما بلغ ذلك النبي قال: "مثل عروة مثل صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه".
واختلف في اسم قاتله فقيل: أوس بن عوف، وقيل: وهب بن جابر، وقيل لعروة: ما ترى في دمك قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع النبي قبل أن يرتحل عنكم فادفنوني معهم فدفنوه معهم.
"كان عروة بحراً لا ينزف ولا تُكدِّره الدلاء" (الزهري).
ميلاده ونشأته:
وُلِدَ عروة بن الزبير على أرجح الأقوال [سنة 23هـ]، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة[ ] ، ولا يُعلَم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميَّزاه على غيره من أقرانه، فكان دائماً يتمنى أن يؤخذ عنه العلم[1].
فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [424]).
سعة معارفه:
وقد تعدَّدت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تُكدِّره الدِّلاء" (ابن كثير[ ] : البداية والنهاية[ ] ؛ ج9، ص: [137]).
وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره.
عبادته وأخلاقه:
كان عروة مثالاً للعالِم العابد الذي لا يُخالِف قوله فعله، وبلغ من درجة اجتهاده في العبادة أن ابنه هشاماً قال: "كان يقرأ كل يوم ربع القرآن، ويقوم به الليل، وكان كثير الصوم، قُطِعَت رجله وهو صائم، ومات أيضاً وهو صائم، وكان يقول على نفسه: إني لأسأل الله ما أريده في صلاتي حتى أسأله الملح" (ابن الجوزي: صفة الصفوة؛ ج2، ص: [87])، كما كان حليماً صبوراً محتسباً عفيفاً كريماً صالحاً زاهداً بعيداً عن الفتنة[ ] [2]، وكان يقول: "رُب كلمة ذُلٍّ احتملتها أورثتني عِزَّاً طويلاً".
كما كان ينأى بنفسه عن الفتن[ ] ويُحذِّر منها، ويرى أن فيها هلاك الأمة ويقول: "أتى أعرابي إلى النبي[ ] صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل للإسلام منتهى؟ قال: «نعم، فمن أراد الله به خيراً من عرب أو عجم أدخله عليه، ثم تقع فتن كالظلل يضرب بعضكم رقاب بعض، فأفضل الناس يومئذ معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس»" (الذهبي: سير أعلام النبلاء؛ ج4، ص: [423]).
مكانته التاريخية:
يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي (البداية: ج9، ص: [136])، ولكن مصنفاته لم تكن كتباً بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين؛ وإنما كانت عبارة عن رسائل تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعاً أو حديثاً معيناً يشبه ما يُسمَّى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص، يقول الأستاذ محمد شفيق غبريال: "وعندما دوَّنت هذه الأخبار، دونت منفصلة، فنجد كتاباً عن وقعة الجمل أو صِفِّين، أو ما إلى ذلك" (أ. محمد شفيق غبريال؛ بحث بعنوان: أساليب كتابة التاريخ عند العرب - مجلة مجمع اللغة العربية[ ] ، ج14، ص: [20]، ط سنة 1962م).
وربما كان ذلك هو الشائع في عصره؛ لا في التاريخ فحسب بل في سائر الفنون، فعن تدوين الحديث مثلاً يقول الأستاذ محمد محمد أبو زهو: "وكانت طريقتهم تتبع وحدة الموضوع، فهم يجمعون في المؤلف الواحد الأحاديث التي تدور حول موضوع واحد؛ كالصلاة مثلاً، يجمعون الأحاديث الواردة فيها في مؤلف واحد" (أ. محمد محمد أبو زهو: الحديث والمحدِّثون، ص: [129]).
مروياته التاريخية:
وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في (السيرة)، والواقدي في (المغازي)، وابن سعد في (الطبقات)، وابن شبة النميري في (تاريخ المدينة)، والطبري في (تاريخ الرسل والملوك)، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل: ابن عبد البر في (الاستيعاب)، وابن الأثير في (أسد الغابة)، والذهبي في كتابيه (السيرة، والمغازي)، وابن كثير في (البداية والنهاية)، والسيوطي في (الخصائص).
وبالنظر في هذه المرويات نجد أنها تناولت:
- الفترة المكية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وتعبده في غار حِراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتعليم جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوضوء[ ] والصلاة، وإعلان الدعوة[ ] وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين تحت العذاب.
وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة، حيث ذكر أنها كانت متجراً لقريش، أي مألوفة لأهل مكة، وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها، ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وتحدَّث عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل: رمي القاذورات عليه، والسخرية منه، وعن خروج أبي بكر الصديق مهاجراً، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويُفسِّرها عند الحاجة.
ثم تكلم عن هجرة المسلمين إلى المدينة، وهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مع تفاصيل قليلة عن أحداثها، وكيف تمَّت، مثل: خبر اختفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في غار ثور، واستئجاره رجلاً من بني الديل؛ ليدله وأبا بكر رضي الله عنه على الطريق إلى المدينة، ونزوله قباء، وانتظار المسلمين وتشوقهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وكيفية استقباله.
- الفترة المدنية: وتحدَّث فيها عن إصابة بعض المسلمين بالحمى بعد وصولهم إلى المدينة، ودعاء الرسول صلى الله عليه وسلم أن يحببها إليهم، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من عائشة[ ] رضي الله عنها، وسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، ومسألة القتال في الأشهر الحرم، وما نزل في ذلك من القرآن، وغزوة بدر، وقد تحدَّث فيها عن دعاء الرسول على المشركين، واختلاف كلمة المشركين، ورغبة بعضهم في العودة، وترك القتال، وبعض أسماء من قتل من المشركين واستشهد من المسلمين فيها، وقصة إسلام عمير بن وهب رضي الله عنه.
وغزوة بني قينقاع وما نزل فيها من القرآن، وغزوة أحد وتحدث فيها عن رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الغزوة، وإعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد، وقصة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن خلف، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة بئر معونة، وغزوة الرجيع، وغزوة بني النضير، وكيفية تقسيم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أفاءه الله عليه في هذه الغزوة وما نزل في ذلك من القرآن.
وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وحكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم، وغزوة بني المصطلق، وحادثة الإفك، وزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم بجويرية بنت الحارث رضي الله عنها، وسرية زيد رضي الله عنه إلى أم قرفة وصلح الحديبية وشروطه، وقصة فرار أبي بصير رضي الله عنه وأتباعه إلى ساحل البحر الأحمر وتعرُّضِه لتجارة قريش، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة.
وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وإعطاء الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤلفة قلوبهم، وإرسال عروة بن مسعود رضي الله عنه بعد إسلامه إلى ثقيف، وقصة مقتله على أيديهم، وغزوة تبوك ودور المنافقين فيها، وكتب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والأمراء، وحجة الوداع، وتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أسامة رضي الله عنه، ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته في بيت عائشة رضي الله عنها، وعمره حين توفى، وإشارته إلى فضل أبي بكر رضي الله عنه ووصيته بالأنصار قبل موته، وهذه الروايات إذا نظرنا إليها مجموعة وجدناها تكون شكلاً أو هيكلاً عاماً لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
عصر الخلفاء الراشدين: وبدأه بالحديث عن فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الأحاديث التي تؤيد ذلك، واجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة.
وحروب الردة، وموقعة أجنادين، وتفرغ أبي بكر رضي الله عنه لإدارة شئون المسلمين، وتركه التجارة، ومرض أبي بكر الصديق، ومكان وتاريخ وفاته، ومن خلال مروياته المتفرقة عن أبي بكر رضي الله عنه نستطيع أن نقول أنه قدَّم صورة عن أهم الأحداث في عصره.
ثم تحدَّث عن واقعة اليرموك، والقادسية، وعن ذهاب عمر بن الخطاب[ ] رضي الله عنه إلى فلسطين[ ] ، وعن قصة إصابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عمواس، واشتداد عمر رضي الله عنه في محاسبة أهله، وبعض الأخبار المتناثرة عن الحياة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتكلَّم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مدى الغنى الذي وصل إليه الناس في عصره، وعن مجيء الثوار إلى المدينة وحصارهم له، وعن مجادلة أهل مصر[ ] له، ثم تحدَّث عن واقعة الجمل، وعن النزاع الذي وقع بين أهل بيته وبين بني أمية، وقد حكى قصته بنزاهة تامة دون تحيز لأهل بيته.
أبرز السمات العامة لمرويات عروة بن الزبير:
الاقتصار على تناول تاريخ الإسلام فقط، باستثناء حديثه عن بعض إرهاصات النبوة التي سبقت نزول الوحي، مثل: الرؤيا الصادقة[3]، وخبر يسير عن زيد بن عمرو بن نفيل وإظهاره الحنيفية، ذكره عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن أبيها (ابن هشام: ج1، ص: [225]).
الإيجاز والاقتصار على الجانب المهم من الرواية أو الخبر؛ انظر مثلاً: حديثه عن إسلام أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه إذ يقول: "دخل عليه -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام بمنزله بمر الظهران فبايعوه على الإسلام، فلما بايعوه بعثهم بين يديه إلى قريش يدعونهم إلى الإسلام، فأخبرت أنه قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن -وهي بأعلى مكة- ومن دخل دار حكيم -وهي بأسفل مكة- فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه وكف يده فهو آمن»" (الطبري: ج3، ص: [55]، والحديث في صحيح مسلم[ ] ؛ ج3، رقم: [1780])، هذه الرواية الموجزة نراها قصة طويلة عند ابن إسحاق والواقدي تمتد لصفحات.
النزاهة والموضوعية والبُعد عن التعصُّب حتى ولو لأقرب الأقربين له، فقد روى أن سيف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أعطاه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد طلبه أبوه الزبير رضي الله عنه فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيه له (الطبري: ج2، ص: [510]).
رغم أنه قد يُفهَم منها نقصان منزلة أبيه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعند حديثه عن مقتل أخيه مصعب بن الزبير يذكر قول عبد الملك بن مروان رغم أنه قتل على أيدي جنوده؛ "واروه فقد والله كانت الحرمة بيننا وبينه قديمة، ولكن هذا الملك عقيم" (الطبري:ج6، ص: [161]).
الأخذ من مصادر مباشرة؛ إما عن طريق مشاهدته، أو من شهود العيان لها.
أنها لم يهتم تقتصر على الروايات التي تتصل بأمر الحكم فقط، أو ما يُسمَّى في العصر الحديث بالتاريخ السياسي، وإنما تناولت كثيراً من الأمور الاجتماعية.
منهج عروة التاريخي:
ورغم كثرة المرويات التاريخية عن عروة إلا أننا لا نستطيع أن نعرف أو نُحدِّد بإيضاح المنهج الذي سلكه في كتابة مروياته أو جمعها؛ لأن هذه المرويات كما ذكرت وردت متناثرة في ثنايا الكتب، إضافة إلى أن المؤرخين الذين حفظوها لنا كانوا في بعض الأحيان لا ينقلون الرواية كاملة، وإنما يأخذون منها ما يحتاجون لدمجه في مرويات أخرى؛ ليكون الفكرة التي يريدون عرضها أو تقديمها.
1- أنه كان يجمع الروايات التي ترتبط بالحادثة الواحدة ثم يصوغها بأسلوبه الخاص في دقةٍ وتسلّسل، وهذا ما سُمِّيَ فيما بعد بالإسناد الجمعي، فكان عروة أول من اتبعه، وليس الزهري كما ظن بعض الباحثين المعاصرين.
2- أنه كان يمهِّد للحادثة التي يتكلَّم عنها في مُقدِّمة توضح سببها قبل ذكر تفاصيلها (أ. عبد العزيز الدوري: نشأة علم التاريخ عند العرب، ص: [76]).
ومثال ذلك:
تمهيده لهجرة المسلمين إلى الحبشة، بقوله: "لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، ولم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم. وقَدِم ناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه واشتدوا عليه، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى أرض الحبشة" (الطبري: ج2، ص: [328]).
3- أنه كان يُوضِّح أحياناً العلاقة بين الأحداث ويربط بعضها ببعض، فعند حديثه عن غزوة بدر مثلاً ربط بينها وبين بعض المناوشات التي سبقتها، مثل: مقتل ابن الحضرمي، وإيقاع عبد الله بن جحش رضي الله عنه ببعض قريش وأسر فريق منهم، إذ يقول: "وكان الذي هاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين مشركي قريش ما كان من قتل واق بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي" (الطبري: ج2، ص: [420]).
4- أنه كان يجمع الآيات القرآنية التي نزلت في الحادثة التي يتكلم عنها أو التي لها صلة بها، ويقوم بتفسيرها.
5- أنه كان يحاول رد ما يوجه إلى بعض الصحابة من اتهام بأمور لا تليق بمنزلتهم على ألسنة ذوي الأهواء، مستنداً إلى المكانة الدينية لهؤلاء الصحابة، فرد اتهام علي رضي الله عنه بالمساعدة على قتل عثمان رضي الله عنه بقوله: "كان علي أتقى لله من أن يُعين على قتل عثمان، وكان عثمان أتقى لله من أن يَقتله علي"[4]، عبارة موجزة لو فقهها المسلمون لوفَّروا ما ضاع من جهد ووقت في بحث خلافات لا وجود لها.
6- أنه لم يكن يكتفي بما يرويه عن غيره، وإنما سجَّل الحوادث التي شاهدها بنفسه، مثل: حديثه عن حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ يقول: "وقفتُ وأنا غلام أنظر إلى الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه وقد مشى أحدهم إلى الخشبة؛ ليدخل إلى عثمان فلقيه عليها أخي عبد الله فضربه..." (ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق؛ ج7).
ويقول أيضاً مصوراً حال الناس زمن عثمان رضي الله عنه: "أدركتُ زمن عثمان وما من نفس مؤمنة إلا ولها في بيت مال الله حق" (عمر بن شبة: تاريخ المدينة؛ ج4، ص: [1023]).
7- أنه عند حديثه عن غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم أو المعارك الإسلامية كان يُقدِّم مع أحداث الغزوة قائمة بأسماء من شهدها ومن استشهد فيها، فيقول مثلاً: "ممن شهد بدراً: أبو حذيفة بن عتبة[5]، وثابت بن حسان[6]، وممن شهد أُحداً: ثعلبة بن ساعدة (ابن حجر: الإصابة: ج1، ص: [200])، وممن شهد جسر أبي عبيد أنيس بن عتيك (ابن الأثير: أسد الغابة؛ ج1، ص: [157])، وممن استشهد باليمامة: بشير بن عبد الله الأنصاري" (ابن الأثير: أسد الغابة؛ ج1، ص: [162]).
8- كما أنه قدم تراجم لكثير من الصحابة، وهذه الترجمة قد تكون وافية أحياناً، وأحياناً موجزة لا تتعدى سطراً واحداً، مثل قوله: "كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في الله" البلاذري: أنساب الأشراف؛ ج1، ص: [181]).
وقوله: "كان بلال من المستضعفين من المؤمنين، وكان يُعذِّب حين أسلم ليرجع عن دينه، فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون" (البلاذري: أنساب الأشراف؛ ج1، ص: [185]).
9- أنه حرص على إيراد التواريخ وبدقة تامة، فيقول عن نزول الوحي: "عرض له جبريل ليلة السبت وليلة الأحد، ثم أتاه بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان[ ] ورسول الله ابن أربعين" (البلاذري: أنساب الأشراف؛ ج1، ص: [116]).
وانظر إلى وصفه لمرض ووفاة أبي بكر الصديق: "كان أول ما بدأ مرض أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه اغتسل يوم الإثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة... وتوفى ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جُمادى [سنة 13هـ]، وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة" (الطبري: ج3، ص: [419]، وما بعدها).
تقييم مروياته:
ورغم ما اشتهر به عروة من فضل، وقبول بين المحدثين إلا أنه لا يمكن التسليم بكل المرويات المنسوبة إليه؛ لأنه بمنزلته العلمية ومكانته من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم يكن بمنأى عن الوضَّاعين أن يستغلوا ذلك ليُروِّجوا عن طريقه بعض أكاذيبهم.
ومن هذه الروايات:
ما نسبهُ إليه أبو نعيم في حلية الأولياء عن عائشة رضي الله عنها "النظر إلى علي عبادة" (أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء؛ ج2، ص: [183])، فقد أشار إلى وضع هذا الخبر صاحب تذكرة الموضوعات، وقال: "إن بعض علماء الحديث أشاروا إلى أنه موضوع ومتنه ينبئ بذلك".
وما نسبهُ إليه السيوطي في كتابه الخصائص: "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فجاءه إنسان قَدِمَ من ناحية طريق مكة فقال له: هل لقيت أحداً؟ قال: لا يا رسول الله، إلا امرأة سوداء عريانة ثائرة الشعر، فقال رسول الله: «لك الحمى ولن تعود بعد اليوم أبداً" (السيوطي: الخصائص؛ ج1، ص: [483])، والمعروف عند أهل الطب أن الحمى تصيب الإنسان نتيجة فيروسات معينة تهاجم الجسم، فينتج عنها الأعراض التي نراها، فما علاقة ذلك إذاً بالمرأة السوداء ثائرة الشعر، وكيف تشبهت تلك الفيروسات الموجبة لمرض الحمى بها. وإنما الصحيح ما جاء عند البخاري[ ] : «رَأَيْتُ كَأَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ، حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةَ وَهِيَ الْجُحْفَةُ فَأَوَّلْتُ أَنَّ وَبَاءَ الْمَدِينَةِ نُقِلَ إِلَيْهَا» (البخاري: ج6، ص: [2580]).
وما نُسِبَ إليه عند ابن عساكر في تهذيب تاريخ دمشق: "لما نزل طاعون عمواس كان أبو عبيدة معافى منه وأهله، فقال: اللهم نصيبك في آل أبي عبيدة، قال: فخرجت بأبي عبيدة في خنصره بثرة فجعل ينظر إليها، فقيل: إنها ليست بشيء، فقال: إني لأرجو أن يبارك الله فيها، فإنه إذا بارك في القليل كان كثيراً" (ابن الأثير: أسد الغابة؛ ج3، ص: [130])، فمُحال أن يصدر هذا الكلام عن صحابي مثل أبي عبيدة رضي الله عنه، وهو يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن تمني نزول البلاء، وإذا كان أبو عبيدة رضي الله عنه يريد الأجر والثواب ففي رباطه وجهاده، وإذا أراد الموت[ ] في سبيل الله فليس الموت بالطاعون بأفضل من القتل في ساحة القتال.
ثم متى أباح الإسلام الدعاء[ ] بالبركة في المرض[ ] ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو القائل: «تداووا عباد الله» (السيوطي: الجامع الصغير؛ ج3، رقم: [3271])، ليس هذا فقط بل طالب المسلم أن يقي نفسه من الإصابة بالأمراض فضلاً عن أن يتمناها قدر إمكانه، فقال صلى الله عليه وسلم: «فُرَّ من المجذوم فرارك من الأسد» (البخاري: ج4، رقم: [5380]).
ومما يدل على بطلان هذا الخبر: أن ابن عساكر أورد خبراً آخر عنه يتوافق مع ما ذكرت، ويليق بأبي عبيدة وفهمه لمقدور الله وهو: "عن أنس: أن عمر بن الخطاب أقبل ليأتي الشام[ ] ، فاستقبله أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح فقالا: إن معك وجوه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيارهم، وإنا تركنا بعدنا مثل حريق النار[ ] يعني الطاعون فارجع العام، فرجع" (ابن عساكر: تهذيب تاريخ دمشق؛ ج6، ص: [6])، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم بالطاعون في بلدٍ فلا تخرجوا منه، ولا تدخلوا إليه» (أبو داود، السنن رقم: [1130]).
ولكن ذلك لا يجعل الشك يتسرَّب إلينا تِجاه مروياته، فإن طريق التعرُّف على الدخيل عليها يسيراً إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
[1]- (ابن الجوزي: صفة الصفوة؛ ج2، ص: [82]، والبلاذري: أنساب الأشراف ج5، ص: [284]، إصدار مكتبة المثنى ببغداد).
[2]- (ابن كثير: البداية والنهاية؛ ج9، ص: [136]، وانظر أيضاً: خير الدين الزرِكلي: الأعلام؛ ج4، ص: [226]، دار العلم للملايين[ ] بيروت).
[3]-(ابن عبد البر: الدرر في اختصار المغازي والسير؛ ص: [31]، تحقيق: د. شوقي ضيف، دار المعارف بالقاهرة، ط2، سنة 1983م)
[4]-(المبرد الكامل في الأدب: ج2، ص: [916]، تحقيق: محمد أحمد الدالي، نشر مؤسسة الرسالة).
[5]- (ابن حجر: الإصابة: ج4، ص: [34]).
[6]- (ابن الأثير: أسد الغابة؛ ج1، ص: [266]، تحقيق: أ. علي محمد البجاوي، ط سنة 1970م).
عروة بن مسعود الثقفي : الصحابي المشهور والسيد المذكور، زعيم ثقيف في زمانه وأحد وجوه العرب، له الكثير من المأثر والأخبار، هو عظيم القريتين على ما ذُكر لدى المفسرين وابوه مسعود بن معتب سيد بني ثقيف في حرب الفجار ضد كنانة .
نسبه
هو عروة بن مسعود بن معتب بن مالك بن كعب بن عمرو بن سعد بن عوف بن ثقيف بن منبه .الثقفي، أبو مسعود، وقيل: أبو يعفور. وأمه سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف القرشية، يجتمع هو والمغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود في مسعود. وهو جد أم الحجاج بن يوسف الثقفي. ولادته ونشأته
ولد في الطائف في بيت عز وشرف، فأبوه مسعود بن معتب كان زعيم ثقيفوقيس عيلان في حرب الفجار أمام قريشوكنانة، وقد حضر تلك الحروب هو وأخوتة الأسود ونويرة ووحية وهم يومئذٍ غلمان، فكانوا في يوم عكاظ - إحدى أيام حرب الفجار - يجيرون قومهم ويدخلونهم خباء أمهم سبيعة بنت عبد شمس وهي أمرتهم بذيلك ليسودوا. وبذلك تحققت لة السيادة والشرف من الصغر فأصبح مقدماً لدى قومة وأحد وجية العرب وأشرافها. إنقاذة ثقيف من حرب بين بطونها
وكان المغيرة بن شعبة خرج مع نفر من بني مالك بن حطيط ابن جشم بن قسي والمغيرة أحد الأحلاف ومع المغيرة حليفان له يقال لأحدهما دمون رجل من كندة والآخر الشريد - وإنما كان اسمه عمرو فلما صنع المغيرة بأصحابه ما صنع شرد فسمي الشريد- خرجوا إلى المقوقس صاحب الإسكندرية فجاء بني مالك وآثرهم على المغيرة فأقبلوا راجعين حتى إذا كانوا ببساق شربوا خمرا فكف المغيرة عن بعض الشراب وأمسك نفسه وشربت بنو مالك حتى سكروا فوثب عليهم المغيرة فقتلهم وكانوا ثلاثة عشر رجلا فلما قتلهم ونظر إليهم دمون تغيب عنه وظن أن المغيرة إنما حمله على قتلهم السكر فجعل المغيرة يطلب دمون ويصيح به فلم يأت ويقلب القتلى فلا يراه فبكى فلما رأى ذلك دمون خرج إليه فقال المغيرة ما غيبك قال خشيت أن تقتلني كما قتلت القوم قال المغيرة إنما قتلت بني مالك بما صنع بهم المقوقس قال وأخذ المغيرة أمتعتهم وأموالهم ولحق بالنبي () فقال النبي()(لا أخمسه هذا غدر) وذلك حين أخبر النبي() خبرهم وأسلم المغيرة وأقبل الشريد فقدم مكة فأخبر أبا سفيان بن حرب بنعمان واد لهذيل على ليلتين من عرفات، وهو بين مكة والطائف بما صنع المغيرة ببني مالك فبعث أبو سفيان معاوية بن أبي سفيان إلى عروة بن مسعود يخبره الخبر وهو المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود بن معتب فقال معاوية خرجت حتى إذا كنت بنعمان قلت في نفسي إن أسلك ذا غفار فهي أبعد وأسهل وإن سلكت ذا العلق فهي أغلظ وأقرب فسلكت ذا غفار فطرقت عروة بن مسعود من الليل فأخبرته الخبر فقال عروة انطلق إلى مسعود بن عمرو المالكي فوالله ما كلمته منذ عشر سنين والليلة أكلمه قال فخرجنا إلى مسعود فناداه عروة فقال من هذا فقال عروة فأقبل مسعود إلينا وهو يقول أطرقت عراهية أم طرقت بداهية بل طرقت بداهية أقتل ركبهم ركبنا أم قتل ركبنا ركبهم لو قتل ركبنا ركبهم ما طرقني عروة بن مسعود فقال عروة أصبت قتل ركبي ركبك يا مسعود انظر ما أنت فاعل فقال مسعود إني عالم بحدة بني مالك وسرعتهم إلى الحرب فهبني صمتا قال فانصرفنا عنه فلما أصبح غدا مسعود فقال يا بني مالك إنه قد كان من أمر المغيرة بن شعبة أنه قتل إخوانكم بني مالك فأطيعوني وخذوا الدية اقبلوها من بني عمكم وقومكم قالوا لا يكون ذلك أبدا والله لا نترك الأحلاف أبدا حتى تقبلها قال أطيعوني واقبلوا ما قلت لكم فوالله لكأني بكنانة بن عبد ياليل قد أقبل يضرب درعه روحتى رجليه لا يعانق رجلا إلا صرعه والله لكأني بجندب بن عمرو قد أقبل كالسيد عاضا على سهم مفوق بآخر لا يشير إلى أحد بسهمه إلا وضعه حيث يريد فلما غلبوه أعدوا القتال واصطفوا أقبل كنانة بن عبد ياليل يضرب درعه روحتي رجليه يقول من مصارع ثم أقبل جندب بن عمرو عاضا سهما مفوقا بآخر قال مسعود يا بني مالك أطيعوني قال الأمر إليك قال فبرز مسعود بن عمرو فقال يا عروة بن مسعود اخرج إلي فخرج إليه فلما التقيا بين الصفين قال عليك ثلاث عشرة دية فإن المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلا فاحمل بدياتهم قال عروة حملت بها هي علي قال فاصطلح الناس فقال الأعشى أخو بني بكر وائل يمدح عروة :
تحمل عروة الأحلاف لما
رأى أمرا تضيق به الصدور ثلاث مئين عادية وألفا
كذلك يفعل الجلد الصبور [1] سعيه في صلح الحديببية
لما بعث النبي صلى الله علية وسلم بعثاً إلى قريش فأبوا أن يسمعوا فقال عروة بن مسعود: والله ما رأيت كاليوم رأياً أعجب! وما تكرهون أن تسمعوا من بديل وأصحابه؟ فإن أعجبكم أمرٌ قبلتموه، وإن كرهتم شيئاً تركتموه؛ لا يفلح قومٌ فعلوا هذا أبداً! وقال رجالٌ من ذوي رأيهم وأشرافهم، صفوان ابن أمية والحارث بن هشام: أخبرونا بالذي رأيتم والذي سمعتم. فأخبروهم بمقالة النبي التي قال، وما عرض على قريشٍ من المدة، فقال عروة: يا معشر قريش تتهمونني؟ ألست الوالد وأنا الولد؟ وقد استنفرت أهل عكاظٍ لنصركم، فلما بلحوا علي نفرت إليكم بنفسي وولدي ومن أطاعني! فقالوا: قد فعلت! فقال: وإني ناصحٌ لكم شفيقٌ عليكم، لا أدخر عنكم نصحاً، وإن بديلاً قد جاءكم بخطة رشدٍ لا يردها أحد أبداً إلا أخذ شراً منها، فاقبلوها منه وابعثوني حتى آتيكم بمصداقها من عنده، وأنظر إلى من معه وأكون لكم عيناً آتيكم بخبره. فبعثته قريشٌ إلى رسول الله ، وأقبل عروة بن مسعود حتى أناخ راحلته عند رسول الله ، ثم أقبل حتى جاءه، ثم قال: يا محمد، إني تركت قومك، كعب بن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، قد استنفروا لك أحابيشهم ومن أطاعهم، وهم يقسمون بالله لا يخلون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم. وإنما أنت من قتالهم بين أحد أمرين، أن تجتاح قومك، ولم نسمع برجلٍ اجتاح أصله قبلك؛ أو بين أن يخذلك من نرى معك، فإني لا أرى معك إلا أوباشاً من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم. فغضب أبو بكر الصديق وقال: امصص بظر اللات! أنحن نخذله؟ فقال عروة: أما والله لولا يدٌ لك عندي لم أجزك بها بعد لأجبتك! وكان عروة بن مسعود قد استعان في حمل ديةٍ، فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث وأعانه أبو بكر بعشر فرائض، فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة بن مسعود. فطفق عروة وهو يكلم رسول الله يمس لحيته - والمغيرة قائمٌ على رأس رسول الله بالسيف، على وجهه المغفر - فطفق المغيرة كلما مس لحية رسول الله قرع يده ويقول: اكفف يدك عن مس لحية رسول الله قبل ألا تصل إليك! فلما أكثر عليه غضب عروة فقال: ليت شعري من أنت يا محمد من هذا الذي أرى من بين أصحابك؟ فقال رسول الله : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة. قال: وأنت بذلك يا غدر؟ والله ما غسلت عنك عذرتك إلا بعلابط أمس! لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر!. لما فرغ عروة بن مسعود من كلام رسول الله ورد عليه رسول الله ما قال لبديل بن ورقاء وأصحابه وكما عرض عليهم من المدة، ركب عروة بن مسعود حتى أتى قريشاً فقال: (يا قوم، إني قد وفدت على الملوك، على كسرى وهرقل والنجاشي، وإني والله ما رأيت ملكاً قط أطوع فيمن هو بين ظهرانيه من محمدٍ في أصحابه؛ والله ما يشدون إليه النظر، وما يرفعون عنده الصوت، وما يكفيه إلا أن يشير إلى أمرٍ فيفعل، وما يتنخم وما يبصق إلا وقعت في يدي رجلٍ منهم يمسح بها جلده، وما يتوضأ إلا ازدحموا عليه أيهم يظفر منه بشيءٍ؛ وقد حرزت القوم، واعلموا أنكم إن أردتم السيف بذلوه لكم؛ وقد رأيت قوماً ما يبالون ما يصنع بهم إذا منعوا صاحبهم؛ والله لقد رأيت نسياتٍ معه إن كن ليسلمنه أبداً على حال؛ فروا رأيكم، وإياكم وإضجاع الرأي، وقد عرض عليكم خطةً فمادوه! يا قوم، اقبلوا ما عرض فإني لكم ناصح، مع أني أخاف ألا تنصروا عليه! رجلٌ أتى هذا البيت معظماً له، معه الهدي ينحره وينصرف.) [2] إسلامه واستشهاده
كان عروة بن مسعود حين حاصر النبي أهل الطائف بجرش يتعلم عمل الدبابات والمنجنيق ثم رجع إلى الطائف بعد أن ولى رسول الله فعمل الدبابات والمنجنيق والعرادات وأعد ذلك حتى قذف الله عز وجل في قلبه الإسلام فقدم المدينة على النبي فأسلم.. قصة إسلامه قال ابن إسحاق: لما انصرف رسول الله من الطائف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأل رسول الله أن يرجع إلى قومه بالإسلام فقال له رسول الله : " إن فعلت فإنهم قاتلوك ". فقال له عروة: يا رسول الله أنا أحب إليهم من أبصارهم وكان فيهم محببا مطاعا فخرج يدعو قومه إلى الإسلام فاظهر دينه رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم ورجع عروة إلى قومه ليدعوهم إلى الإسلام، ولكنهم غضبوا منه وسبوه، وأسمعوه ما يكره، وفي فجر اليوم التالي صعد عروة فوق سطح غرفة له وأذنللصلاة، فخرجت إليه ثقيف، ورموه بالنبل من كل اتجاه، فأصابه سهم فوقع على الأرض، فحمله أهله إلى داره، وهناك قيل لعروة: ما ترى في دَمِكَ؟ قال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إليَّ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله قبل أن يرتحل عنكم، فادفنوني معهم، فدفنوه معهم. فلما علم بما حدث لعروة قال: (مَثَلُ عروة في قومه مَثَلُ صاحب ياسين دعا قومه إلى الله فقتلوه) [الطبراني]. وقال: (عُرض عليَّ الأنبياء، فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى بن مريم—فإذا أقرب مَنْ رأيت به شبهًا عروة بن مسعود). 3
أخبرنا أبو جعفر بن السمين بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: أن رسول الله لما انصرف عن ثقيف اتبع أثره عروة بن مسعود بن معتب، فأدركه قبل أن يصل إلى المدينة فأسلم، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام، فقال له رسول الله ، كما يتحدث قومه: إنهم قاتلوك. وعرف رسول الله أن فيهم نخوة بالامتناع الذي كان منهم، فقال له عروة: يا رسول الله، أنا أحب إليهم من أبصارهم. وكان فيهم محبباً مطاعاً، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام، ورجا أن لا يخالفوه لمنزلته فيهم، فلما أشرف لهم على علية وقد دعاهم إلى الإسلام، وأظهر لهم دينه، رموه بالنبل من كل وجه، فأصابه سهم فقتله. وتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم، يقال له: أوس بن عوف أحد بني سالم بن مالك، وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم، من بني عتاب بن مالك، يقال له: وهب بن جابر، فقيل لعروة: ما ترى في دمك، فقال: كرامة أكرمني الله بها، وشهادة ساقها الله إلي، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله مع رسول الله قبل أن يرحل عنكم، فادفنوني معهم. فدفنوه معهم، فيزعمون أن رسول الله قال فيه: "إن مثله في قومه كمثل صاحب يس في قومه". 4 عظيم القريتين
وقال قتادة: {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم}، قالها الوليد بن المغيرة المخزومي أبو خالد قال: لو كان ما يقول محمد حقاً أنزل القرآن علي، أو على عروة بن مسعود الثقفي. قال: والقريتان: مكةوالطائف.
وكان عروة يشبه بالمسيح في صورته.
روى عنه حذيفة بن اليمان أن النبي قال: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنها تهدم الخطايا كما يهدم السيل البنيان". قيل يا رسول الله، كيف هي للأحياء? قال: "هي للأحياء أهدم وأهدم".
ولعروة ولد يقال له: أبو المليح، أسلم بعد قتل أبيه مع قارب بن الأسود.
أخرجه الثلاثة. المصدر: أسد الغابة في معرفة الصحابة (ابن الأثير)