السلام عليكم أخوتي في الله قد يظن البعض أن الروايات التاريخية على درجة واحدة من النقد والتثبت وهذا مالا يرا فضيلة الشيخ المحدث حاتم العوني فأحببت أن أنقل لكم كلامه للفائدة:
قال الشيخ حاتم العوني (وهو من أهل العلم المعاصرين والمعتنين بالحديث بشكل كبير ومن المشهود لهم بالعلم وخاصة الحديث والرجال) :
ومنها ما يكون من باب الأخبار التاريخية : كأخبار الفتوح والغزوات ونحوها ، وهذه حكمها حكم السيرة النبوية . فإذا جئنا لأخبار ما وقع بينهم في الفتنة ، فواجب حينها أن تنقد بالاحتياط المذكور لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز غير ذلك ؛ وذلك اتساقا مع الضابط الكلي الذي وضعناه آنفا ، وليس استثناء (خارجا عن القانون ) . حيث أن أخبار الفتنة ليست أخبارا مجردة لا ينبني أحكام على أشخاص ، بل هي أخبار إذا ذكرت لا بد أن تترك في النفوس أحكاما على الأشخاص بالصواب أو الخطأ ، وربما بالعدالة أو الفسق عند بعض الأقوام . وهؤلاء الأشخاص الذين ستصدر عليهم تلك الأحكام هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين ، وهم من سبق لهم من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم الثناء والحكم بالعدالة . فلا بد من تمحيص تلك الأخبار ، خاصة أنها أيضا كانت مجالا رحبا لأصحاب الأهواء وأمراض النفوس من أهل الغل والحقد على دين الله تعالى وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم للتقول والافتراء .
على أنه يمكن أن نعامل الأخبار المتعلقة بالفتنة أو ما كان بنحوها بمنهج وسط ، وهو أنه إذا ثبت عندنا - بالمنهج الحديثي المحتاط - أصل خبر من الأخبار ، أن نتمم جوانب هذا الخبر بتفاصيل من بقية الأخبار ، بشرط أن لا يكون في تفاصيل تلك الأخبار شيء يعارض الحكم الثابت لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الخيرية والعدالة والفضل ، وأن لا يعارض أصل الخبر الثابت أيضا .
فإذا جئنا لأخبار تاريخية بعد ذلك ، مما وقع في القرن الهجري الثاني أو الثالث : فالأصل فيها إمرارها والاستفادة منها دون نقد حديثي محتاط ؛ إلا إذا أراد أحد أن يصدر حكما دينيا على شخص من الأشخاص له حرمة دينية ، وهو أن يكون مسلما (كبعض الملوك والسلاطين) = فإننا لا نقبل ذلك إلا بنقد يثبت بمثله الحكم الديني . هذا إن كان لمثل هذا البحث ثمرة علمية ، أما إن لم يكن له ثمرة ، أو كان له ثمرة خبيثة ؛ فينهى عن مثل هذا البحث وعن إضاعة الوقت فيه .
وإذا جئنا إلى سير العلماء وأخبارهم ، فالضابط الكلي سائر على تراجمهم . فإن ما يرد في تراجمهم ما إذا كان يصدر عنه حكم ديني ، وضعناه في معياره المحتاط . وأوضح صور هذا الحكم الديني : عبارة الجرح والتعديل في رواة السنة . وإن كان بخلاف ذلك ، كقصة البخاري السابقة ، أو كعبارات في الوعظ والحكمة ، أو كذكر مؤلفاتهم أو وصف مكتباتهم ونحو ذلك من الأخبار = فهذه لا تنقد بذلك النقد المحتاط ، ولكن تنقد بمعايير أخرى ، تراعى المعقول وغير المعقول ، والثقة بناقل الخبر (أي المصدر ومؤلفه) ، وغير ذلك من القرائن المحتفة بكل خبر منها ، وتراعى المصلحة الحاصلة من نقده أيضا .
هذا ملخص ما ترجح لدي في شأن نقد القصص والأخبار التاريخية والله أعلم .
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرًا وبارك فيكم
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
توقيع : السمراء أم شامة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يوشك الأمم أن تداعى عليكم ، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : و من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، و لكنكم غثاء كغثاء السيل ، و لينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، و ليقذفن الله في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله و ما الوهن ؟ قال حب الدنيا و كراهية الموت
قال الإمام ابن قتيبة في مقدمة كتابه " إصلاح غلط أبي عبيد "
و قد كنا زمانا نعتذر من الجهل , فقد صِرنا الآن إلى الإعتذار من العلم , و كنا نؤمّل شكر الناس بالتنبيه و الدلالة , فصرنا نرضى بالسلامة , و ليس هذا بعجيب مع انقلاب الأحوال , و لا ينكر مع تغير الزمان , و في الله خلف و هو المستعان