لمـا رآهـا الله تمشـي نحـوه لا تنتظر إلا رضاه سعى لـها
فأتى عليه الصلاة والسلام، فصعد على الصفا. ونادى العشائر والبطون، ثم قال لهم لما اجتمعوا: قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، فقامت دعوتُـهُ على لا إله إلا الله، كما كانت دعوةُ الأنبياء من قبله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ} [الأنبياء:25].
ومعنى لا إله إلا الله؛ لا معبود بحق إلا الله.ومعنى لا إله إلا الله؛ لا مطلوب ولا مرغوب ولا مدعو إلا الله.ومعنى لا إله إلا الله؛ أن تعيش عبداً لله، فتكون حياً بقوة لا إله إلا الله، وتموت على لا إله إلا الله، وتدخل الجنة على لا إله إلا الله.ومعنى لا إله إلا الله؛ أن ترضى بالله رباً وإلهاً فتتحاكم إلى شريعته، ولا ترضى شريعة غيرها. فمن رضي غيرها شريعة. فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه صرفاً، ولا عدلاً، ولا كلاماً، ولا ينظر إليه، ولا يزكيه، وله عذاب أليم.ومعنى لا إله إلا الله؛ أن ترضى برسول الله صلى الله عليه وسلم قدوةً، وإماماً، ومربياً، ومعلماً، فتجعله أسوة لك: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلاْخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
ومعنى لا إله إلا الله؛ أن ترضى بالإسلام ديناً، فإنك إن لم ترض به ديناً غضب الله عليك، وكشف عنك ستره، ولم يحفظك فيمن حفظ، ولا تولاك فيمن تولى. جاء بها صلى الله عليه وسلم فأعلنها صريحةً؛ أنَّـهُ لا إله إلا الله، فاستجاب له من أراد اللهُ رفعَ درجتِهِ، وصمّ عنها من أراد اللهُ عذابَهُ في الدنيا والآخرة. {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35]. استجاب له أصحابه الأبرار، وأحبابه الأطهار، فقتلوا بين يديه.
يأتي عبد الله بن عمرو الأنصاري يوم أحد فيعلم أنه لا إله إلا الله، ويفيضُ حباً للا إله إلا الله، ويرفعُ طرفَهُ قبل المعركة ويقول: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى.
فيقتل، ويقطع، يقول جابر بن عبد الله عن أبيه: لما كان يومُ أحدٍ جِيءَ بأبي مٌسجيّ، وقد مُثِلَ به، فأردت أن أرفع الثوب، فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أمر به فرفع، فسمع صوتَ باكيةٍ أو صائحةٍ، فقال: ((من هذه؟))، فقالوا: بنت عمرو، أو أختُ عمرو، فقال: ((ولم تبكي؟ فما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رُفع)).
وفي رواية قال جابر: فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي، وجعلوا ينهونني، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، لا ينهاني، قال: وجعلت فاطمةُ بنتُ عمرو تبكيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظلّه بأجنحتها حتى رفعتموه)).
فجعل الله روحه، وأرواح إخوانه، في حواصل طير خضر ترد الجنة، فتأكل من أشجارها، وتشرب من أنهارها، وتأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أي أمةٍ كنا، وأي أمة أصبحنا!! وأي أمة سوف نكون!!.
الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرةً وأصيلاً
عباد الله، يا من لبس الجديد، يا من اغتسل بالماء والمنظفات الكثيرة المتنوعة، يا من أتيتم إلى هذا المسجد لصلاة العيد هل ذكرتم من صلى معكم في العام الماضي من الآباء والأجداد، من الأحباب والأولاد؟ أين ذهبوا؟ كيف اختطفهم هادمُ اللذات؟ آخذُ البنين والبنات، مفرقُ الجماعات.
أسكتهم فما نطقوا، وأرداهم فما تكلموا، والله لقد وُسدوا التراب، وفارقوا الأحباب، وابتعدوا عن الأصحاب، فهم من الحفر المظلمة مُرتُـهنون بأعمالـهم، كأنـهم ما ضحكوا مع من ضحك، ولا أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب.
اختلف على وجوههم الدودُ، وضاقت عليهم ظلمةُ اللحودِ، وفارقوا كلَّ مَرغُوبٍ ومطلوبٍ، وما بقيت معهم إلا الأعمال.
فهل ذكَرَ ذاكرٌ ذاك القدوم؟ وهل أعدّ لذاك المصير؟ وهل أعد العدة لذلك الموقف الخطير؟
الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرة وأصيلا.
أيها الناس، أذكركم ونفسي بتلك الشعيرة العظيمة، بتلك الفريضة الجليلة، بالصلوات الخمس؛ لاحظَ في الإسلام لمن تركالصلاةَ، من تركها فعليه لعنة الله، من تركها خرج من دين الله، من تركها انقطع عنه حبل الله، من تركها خرج من ذمة الله، من تركها أُحلَ دَمُـهُ إن لم يتب ويرجع الى الله تعالى.
تارك الصلاة عدوٌ الله، عدوٌ لرسول الله، عدوٌ لأولياء الله.
تاركُ الصلاةِ محاربٌ لمنهجِ الله، تارك الصلاة مغضوب عليه في السماء، مغضوب عليه في الأرض.
تارك الصلاة تلعنه الكائنات، والعجماوات، تتضررُ النملةُ في جُحرِها من تاركِ الصلاة، وتَلعَنُهُ الحيتانُ في الماءِ لأنَّـهُ تَرَكَ الصلاة.
تارك الصلاة لا يُؤاكلُ، ولا يُشاربُ، ولا يُجالسُ، ولا يُرافقُ، ولا يُصدّقُ، ولا يُؤتَـمنُ.تارك الصلاة خرج من الملة، وتبرأ من عهد الله، ونقض ميثاق الله.
تارك الصلاة يأتي ولا حجة له يوم العرض الأكبر. الله الله في الصلاة، فإنها آخر وصايا محمد صلى الله عليه وسلم قبل فراق الدنيا، وهو في سكراتِ الموتِ.
عباد الله، لاحظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، أوصيكم ونفسي بصلاة الجماعة، والمحافظة عليها في المساجد، فمن صلاها بلا عذر في بيته فلا قبلها الله، فإن من شروطِ صحتِها صلاتُها في جماعة، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بالصلاةَ فتقامَ ثم أخالفَ إلى أناسٍ لا يشهدون الصلاة معنا فأحرّق عليهم بيوتَهم بالنار).
أوصيكم ونفسي بعد تقوى الله – عز وجل – بصلة الرحم؛ فإن الله تبارك وتعالى لعن قاطعي الأرحام، فقال عز من قائل: {وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَـٰقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِى ٱلأرْضِ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوء ٱلدَّارِ} [الرعد:25].
وقال جل ذكره: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِى ٱلأَرْضِ وَتُقَطّعُواْ أَرْحَامَكُمْ *أَوْلَـئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَـٰرَهُمْ} [محمد:22، 23].
فقاطع الرحم ملعون، لعنه الله في كتابه، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لما خلق الله الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك)).
فعهد الله أن يصل من وصل رحمه، وعهد الله أن يقطع من قطع رحمه.
وهذا العيد ـ يا عباد الله ـ من أكبر الفرص للعودة إلى الحي القيوم، فمن لم يعد إلى الله فما استفاد من العيد، ومن لم يتفقد أرحامه بالصلة والزيارة والبر فما عاش العيد.
العيد أن تصل من قطعك، العيد أن تعطي من حرمك، العيد أن تعفو عمن ظلمك، العيد أن تسلّ السخيمة من قلبك، العيد أن تخرج البغضاء من روحك، العيد أن تعود إلى جيرانك بالصفاء والحب والبسمة، العيد أن تدخل الطمأنينة في قلوب المسلمين، العيد ألا يخافك مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن والله لا يؤمن))، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)).
الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
عباد الله، أذكركم ونفسي آلاء الله، ونعم الله، وعطاء الله، فاشكروه سبحانه وتعالى يزدكم، فإنه من لم يشكر الله عز وجل، أصابه موعوده سبحانه وتعالى من الهلاك والدمار: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مّن كُلّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112].
انظروا أيَّ نعمةٍ نَعِيشُها؛ نعمة الأمن في الأوطان، والصحة في الأبدان، وتحكيم الشريعة والقرآن.
انظروا جيراننا من الدول والشعوب، يوم تركوا تحكيم شرع الله، وكتاب الله، غضب الله عليهم، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر.
منهم من ابتلاه الله بالحروب فدكدكت منازله بالمدافع والقنابل والصواريخ، وقتل أطفاله وشرد عياله، فلم يعلم يمينه من شماله {وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِىَ ظَـٰلِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102].
ومنهم من ابتلاه الله بالأمراض والأسقام التي لم تكن من قبل، لأنه ارتكب الفاحشة، وابتعد عن منهج الله، وترك شريعة الله، فعاش الخوف والغضب، والمقت في الدنيا والآخرة.
فاذكروا هذه النعم، وتصدقوا عنها بالشكر والبذل والعطاء، وأداءِ ما افترض اللهُ، فإن كثيراً من الشعوبِ التي ترونـها تعيش الفقر والجوع، كانوا في أرغدِ العيشِ وأهنئِهِ، لكنهم كفروا بنعمة الله، وبدلوا دينَ الله، وجحدوا شرعَ الله.
وهذه البلادُ أنعم الله عليها ، فَرَغِدَ عيشُها، وكَثُرُ خيرُها، وهنأ شعبها، فليس لنا ـ والله ـ إلا أن نتمسك بِهذا الدين، وأن نعضَّ بالنواجذِ على هدي سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا هو السبيل الوحيد لاستبقاء النعم وعدم زوالها.
أيها المسلمون، تعيش الأمة الإسلامية اليوم صحوةً إسلاميةً مباركةً، تعيشُ الأمةُ عوداً حميداً إلى الله. نسأل الله أن يبارك هذه الصحوةَ، وأن يحفظَها، وأن يثمرَها، وأن يوجَهَهَا، وأن يهديَها سواءَ السبيل.
لكننا نخاف على هذه الصحوة من صنفين:
متشددٍ في دينِ الله، نفسُه نفسُ خارجي، عَلِمَ ظاهرَ القرآن الكريم، وأخذته العبادةُ عن حقائقِ الإيمانِ، فَكفّرَ من شاء، وشهد لمن شاء بالإيمان، وأدخل في الدينِ من شاء، وأخرج من الدين من شاء. فهذا أولُ ما نَخافُهُ على هذه الصحوةِ المباركة.
فليست العبادة كلُّ شيءٍ، صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الخوارج: ((يحقرُ أحدُكم صلاتَهُ مع صلاتِهم، وصيامَهُ مع صيامِهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية)). وذلك لأنـهم أخذوا ببعض النصوص وتركوا بعضها، فلم يتمكنوا من الاستنباطِ الصحيح، ولا عرفوا دلائلَ الألفاظ، ومقاصدَ الأدلةِ، فضلوا وأضلوا حتى كفّروا كثيراً من الصحابة واستحلوا دماءهم.
ورجلٌ مستهترٌ مستهزئٌ منافقٌ جعل عبادَ الله فاكهتَهُ، فاستهزأ بِهم في المجالس، وحقرهم في المنتديات، وجعل الدعاةَ غرضاً له؛ يقع في أعراضهم، ويسخر من حركاتِهم وسكناتِهم وهيآتِهم.
{قُلْ أَبِٱللَّهِ وَءايَـٰتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءونَ *لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَـٰنِكُمْ} [التوبة:65، 66]. ولذلك كان هذا منافقاً معلومَ النفاق، لأنَّهُ جعل أولياءَ الله عرضةً للاستهزاءِ والاستهتارِ، فسموا الصالحين والدعاة متطرفين، ومتزمتين، وعصابةً مشبوهةً، وما أطلق ذلك إلا الصهيونيةُ العالميةُ، والصليبيةُ العالميةُ، وأتباعُهم من المستغربين.
عباد الله، إن هذه الصحوة ينبغي علينا تجاهها أمران: أولهما: أن نباركَ وندعوَ لمن قام عليها من ولاة الأمور العاملين بكتاب الله وسنة رسوله، ومن العلماء المخلصين الناصحين للأمة، ومن الدعاة الأبرار الذين وجهوا الجيل إلى الطريق الصحيح.
والأمر الثاني: أن نتواصى بيننا في مساعدة أبنائنا وشبابنا في هذه المسيرة، فقد وُجد في البيوت من الآباء من حارب أبناءه يوم استقاموا، ويوم اتجهوا إلى الله، وهذه حربٌ صريحة على الله، ومحادة مكشوفة لدينه.
عباد الله، أوصيكم بكتاب الله، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابِـهِهِ.
كتابُ الله، حبلُ الله المتين، وصراطُـهُ المستقيم، كتابُ الله، النورُ الذي لا ظلمة فيه. كتاب الله الهداية الذي لا ضلال بعده. {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].
كتاب الله: {لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَـٰطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].
كتابُ الله من استمسك به بلّغه الله منازلَ السعداء، ومن صدف عنه كبّهُ اللهُ على وجهِهِ في دركاتِ الأشقياء، اقرؤوه آناء الليل والنهار، ضوعوا به بيوتكم تدارسوه مع أبنائكم، اجعلوه قربة تتقربون بها إلى ربكم.
عباد الله، أوصيكم بالتوبة النصوح، وبالاستغفار من الذنوب والخطايا، يقول سبحانه وتعالى: {قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الزمر:53]. ويقول جل ذكره: {وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *أُوْلَـئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ} [آل عمران:135، 136].
عباد الله، إن من المعاصي التي انتشرت بصورة كبيرة في أوساط الشباب وغيرهم؛ جريمةُ تعاطي المخدراتِ، وما انتشرت هذه الجريمةُ إلا بسبب البعدِ عن اللهِ تعالى وعن كتابِهِ وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم فامتلأت السجونُ بالشباب، لأنَّهم تركوا طريقَ المسجد، وتركوا تلاوةَ القرآن، وتركوا حلقاتَ العلم، فابتلوا بِهذه الخبيثة: {فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ} [الصف:5].
ومن المعاصي كذلك تلك المجلات الخليعة، التي أظهرت المرأة معبوداً وصنماً فافتتن بِها شبابُ الإسلام، زنت أبصارُهم قبل فروجِهم، فجعلوا الصورة الخليعة ـ إلا من رحم الله ـ معبودَهم، فأخذهم الـهوى، وأصابَـهم الولهُ، وضلوا بالعشقِ، لأن قلوبَهم لم تمتلئْ بذكرِ اللهِ، ولم تعمر بلا إله إلا الله.
ومن المعاصي كذلك ـ عباد الله ـ ذلك الغناء والموسيقى الذي ملأ البيوت ـ إلا بيوت من رحم الله ـ من أصوات المغنين والمغنيات، والماجنين والماجنات، الأحياء منهم والأموات، وهذه معصية ظاهرة حورب الله بها تبارك وتعالى.
فالله الله في التوبة النصوح، وفي العودة إلى الواحد الأحد سبحانه وتعالى.
الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرةً وأصيلاً.
العيد يا عباد الله معناه كما سلف؛ العودة إلى الله، ثم العودة إلى كتابه ثم العودة إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
العيد يا عباد الله ليس بصف الموائد الشهية، ولا بركوب المراكب الوطية ولا بسكنى الفلل البهية.
العيد لمن خاف يوم الوعيد. العيد لمن استعد للعرض على الرب سبحانه وتعالى، العيد لمن اتقى الله في السر والعلن.
العيد لمن استعرض صحيفته فاستغفر من السيئات، وسأل الله التوفيق للأعمال الصالحات.
العيد لمن وصل ما بينه وبين الله، وما بينه وبين العباد، العيد لمن عمر بيته بالقرآن، وأخرج آلات اللهو ومغريات الشيطان.
العيد لمن أقام في بيته منهج القرآن، العيدُ لمن ضوع منـزلَهُ بالأذكارِ الحسانِ.
إذا مـا كنت لي عيـداً فمـا أصـنع بالعيـد!!
جرى حبك في قلبـي كجري الماء في العود
الله أكبر كبيراً.. والحمد لله كثيراً.. وسبحان الله بكرة وأصيلاً.
يعودُ العيدُ ياأحبابْ *** سعيداً يقرعُ الأبوابْ
يُحَيّينا .. ويُحْيينا *** ويدعونا إلى المحرابْ
يعودُ الحبُّ للقلبِ *** وهل أحلى من الحبِّ؟!
فنَهنا بالجنَا العذبِ *** وندعو الله َ: يا توابْ
نرى الفقراءَ قد ناموا *** وفي الأكبادِ آلام ُ
وقبلَ الصوم قد صاموا وأنتَ الرازق الوهّابْ
فكبِّر يا أخا الإسلامْ *** فهذا أسعدُ الأيامْ
وهيّا نمسح الآلامْ ***ونسقي الخير َبالأكوابْ
دموعُ القدس خلف النارْ *** تنادي موكب الأحرارْ
فكبّرْ .. دمِّر الأسوارْ *** فربُّك هازمُ الأحزابْ
أيا عيدُ متى النصرُ؟ *** متى حطينُ أو بدرُ؟
تُرى هل يشرقُ الفجرُ ؟ *** ونفرحُ فرحةَ الأصحابْ