بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: من أسرار محبتنا للرسول
في كتاب (أساليب الرسول التربوية) للأستاذ/ نجيب خالد العامر- وهو كتاب قيم – يذكر: (نقلته لكن)
(1) نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى الذي خلقنا قد اصطفاه من بين الناس لتأدية هذه الرسالة، فيجب أن تعلم بأن الله اختار خَيْرَ الأخيار؛ لأنه – سبحانه - أعلم بمن يعطيه أمانة الرسالة، وما دام الله اصطفاه من بين الناس لهذه المهمة العظيمة، فنحن أيضًا نصطفي محبته من بين الناس أجمعين.
(2) يرسخ حب رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفوسنا عندما نعلم بأنه أثناء نشر دعوته لاقى الصعاب، وما من باب إلا وطرقه الكفار جاهدين لكي يُثْنُوه عن تبليغ الرسالة، فقد أرادوا فتنته، بإعطائه المال حتى يكون أكثرهم مالاً، وأرادوا فتنته عن طريق تزويجه أجمل نساء العرب، وأرادوا فتنته بأن يجعلوه سيدًا عليهم ففشلوا فشلاً ذريعًا، ثم استخدموا أسلوبًا آخر وهو التعذيب الجسدي والمعنوي، ففي الطائف أمروا صبيانهم وعبيدهم برميه بالحجارة، فرَمَوْه وأَدْمَوا قدمه فسالت منها الدماء، وفي غزوة أحد شقت شفته وسقطت رباعيته، وعندما كان في مكة وضعوا على ظهره رَوَثَ جزور.. فجميع تلك الفتن لم تثنه قِيد أُنْمُلَة عن مواصلة دعوته الربانية، وجميع تلك الفتن واجهها مستعصمًا بالله تعالى ومتوكلاً عليه، وعندما ندرك بأن الرسالة الإسلامية لم تأتنا على طبق من ذهب إنما عانى صاحبها أشد المعاناة الجسدية والنفسية، فأوصلها إلينا كاملة كما أنزلها إليه رب العالمين؛ فلذلك لا يَسَع قلوبنا ونفوسنا إلا أن تقترب مشوقة لمحبة خير خلق الله الصابر المحتسب محمد صلى الله عليه وسلم.
في خِضَمِّ الجاهلية التي تطؤها أرجلنا نجد أن القلب والنفس اكْتَنَفَتْهُما المادية فلهثنا وراء الدنيا، وأسلوب تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم مع الدنيا عَبَّر عنه في حديثه الذي قال فيه: "مالي وللدنيا إلا كراكب اسْتَظَلَّ تحت شجرة ثم قام وتركها"، فهذا مقدار الدنيا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للآخرة مكانًا كبيرًا في نفسه ووجدانه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرًا ولضحكتم قليلاً"، وترجم ذلك عمليًّا عندما كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وهاهو أحد الصحابة يصف حالة الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الصلاة، فقد قال رضي الله عنه: "كان له أزيز كأزيز المِرْجَل"، والمِرْجَل القدر المملوء بالماء والموضوع فوق النار، فعندما يصل لدرجة الغليان يتحرك الماء بداخله ويُصْدِر صوتًا، فصدر رسول الله يصدر صوتًا تأثرًا بتلاوة القرآن. فحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلنا مرتقين وجدانيًّا وروحيًّا متذكرين حالنا في القبر والآخرة.
(5) حب المسلمين أجمعين:
أثمر حب رسول الله صلى الله عليه وسلم محبتنا لأمهات المؤمنين رضي الله عنهن والصحابة رضي الله عنهم، كما أثمر حب التابعين رحمهم الله وحب جميع المسلمين الذين سبقونا بالإيمان، كما أثمر حب المسلمين الذين يعيشون معنا الآن، قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنفسه"، وتلك المحبة الأخوية أثمرت التكافل الاجتماعي.. فعلى سبيل المثال مسلمو الكويت يتصدقون لإخوانهم المسلمين في إفريقيا وأفغانستان، فأعانوا إخوانهم مسلمي إفريقيا على توفير المواد الغذائية والقضاء على الجهل ومحاربة الأمية بفتح المدارس والقضاء على الأمراض بفتح المستوصفات، كما أعانوا إخوانهم في أفغانستان بتوفير المال اللازم لهم لشراء السلاح وتوفير الأجهزة الطبية والمستشفيات كمستشفى الفوزان الذي يقوم بإجراء العمليات للجرحى المجاهدين.. فكل ذلك يدعونا للتساؤل.. ما سبب تلك المساعدة ؟! أهناك رابط دنيوي أو مصلحة مادية لا ورب الكعبة.. إنها المحبة التي أمرنا بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فأثمرت تلك الثمار اليانعة التي شملت المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها..