بقلم : عاهد ناصرالدين آلاف الأسرى والمعتقلين في فلسطين والعراق وأوزباكستان تعلو صيحاتهم من داخل السجون , ومن قلوب أمهاتهم وأبنائهم وزوجاتهم وعائلاتهم وهم ينتظرون خروج ذويهم من المعتقلات وأقبية التحقيق المختلفة ,كلما يأتي عيد الفطر أو الأضحى أو يأتي عرس بل عزاء أو دفن لأب أو أم أو أخ أو ابن لأسير . وآلاف من الأرامل والثكالى والفقراء والمساكين لا يجدون طعاما إلا في الحاويات، ومثلهم لا يجدون سكنا إلا في عبَّارات المجاري أو المقابر أو الطرق؛ لا يجدون لباسا جديدا أو حتى قديما . والناس من حولنا من شتى الأجناس،ينعمون ويفرحون ويرقصون على أشلاء أمتنا التي سُرقت من على شفاه أطفالها البسمة والسرور والفرح،فلسان حال أمتنا الآن: كل الناس مسرور إلا أنا. فأطفال فلسطين والشيشان وأفغانستان وكشمير والبوسنة وكوسوفو وبورما وتايلاند والفلبين لا يمكنهم الفرح والسرور واللعب . تخرج صيحاتهم كتلك الرسالة القصيرة التي خرجت من المرأة العجوز" يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا" لتسطر الحقيقة ، أن آلاف الأسرى بحاجة إلى المعتصم يحررهم ويفتح لهم أبواب المعتقلات ، بحاجة إلى الحاجب المنصور الذي حدَّث بعض رواة التاريخ الإسلامي أنه كان شغوفاً بالجهاد فى سبيل الله، لا ينقطع عنه صيفاً ولا شتاءً،وقد انزوى الصليبيون فى عهده فى أقصى شمال الأندلس وأقصى أمانيهم أن يكف المنصور عن غزو بلادهم،وذات مرة خرج للجهاد فى سبيل الله،وبعد أن حقق النصر كعادته على الإسبان، عاد إلى قرطبة ووافق رجوعه صلاة عيد الأضحى والناس فى المصلى يكبرون ويهللون، وقبل أن ينزل من على صهوة جواده، اعترضت طريقه امرأة عجوز، وقالت له بقلب متفطر حزين : يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا، قال المنصور:وما ذاك؟ قالت:ولدى أسير عند الصليبيين فى حصن رباح ،فإذا بالمنصور الذى لم ينزل بعد من على ظهر جواده، والذى يعلم قدر المسئولية الملقاة على عاتقه تجاه أمة الإسلام، والذب عن حياض الأمة والدين، إذا به يلوى عنق فرسه مباشرة وينادي فى جيشه ألا ينزل أحد من على فرسه ثم ينطلق متوجهاً إلى حصن رباح ويظل يجاهدهم حتى يجبرهم على إطلاق سراح أسرى المسلمين عندهم ومنهم ولد العجوز . ويذكر التاريخ الإسلامي أيضا أن امرأة ممن وقعت في أسر الروم قالت: وامعتصماه، فنُقلت الصيحة إلى المعتصم ، وفي يده قَدَح يريد أن يشرب ما فيه، فوضعه، ونادى بالاستعداد للحرب. خرجت تلك الصيحة من المرأة الأسيرة المكبَّلة إلى المعتصم وهي تدرك بمن تستنجد؛ فتجد أذنا صاغية تقوم بدورها في تحمل المسؤولية، يجرد لها جيشا لإنقاذها من الأسر . إنها حياة المسلمين الصعبة ؛ يذبحون ويقتلون ويوضع آلاف الأسرى منهم في السجون والمعتقلات والأبراش والزنازين، من الفلسطينيين والعراقيين والأوزباكستانيين وغيرهم يمضون أكثر حياتهم إن لم يكن جُّلها في اعتقالهم ,يتجسد فيهم صبرهم وصبر أمهاتهم . إنها صيحات مدوية دخلت إلى قلب المعتصم وإلى قلب الحاجب وإلى قلب كل خليفة يعرف معنى المسؤولية والرعاية ليعمل بها وليحافظ على الأمانة وعلى الرعية وعلى بلاد المسلمين . وإذا استطاع المعتقلون وآباؤهم وأبناؤهم وزوجاتهم أن يبعثوا بتلك الصيحات الممزوجة بالصبر والثبات، فإن الأمة لا شك تستطيع أن ترد عليها ؛ فأمة هكذا أسراها لن تنتظر طويلا حتى ترد على الرسالة ولن تعدم رجالا كالمعتصم والمنصور . إن الأمة الإسلامية تفتقد خليفة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبا بكر الصديق ومعاونه عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- إذ خرج يبحث عن حال الرعية ويتفقدها ،هل هنالك أحد لا تصله خدمات الدولة، فوجد امرأة عجوزاً في طرق المدينة وهي كفيفة البصر فسألها عمر رضي الله عنه كيف تأكلين وكيف تشربين وأنت لايوجد لك جارٌ قريب أو قرابة لك فقالت له العجوز، إن شيخاً يأتيني في الصباح الباكر بالطعام والماء وينظف خيمتي ويذهب، فسألها عمر هل تعرفينه فقالت لا، فتأكد رضي الله عنه من موعد حضوره وبعد أن صلى الفجر مع خليفة المسلمين أبي بكر الصديق أسرع خلف الخيمة لينظر من هذا الذي يرعى هذه المرأة فإذا بخليفة المسلمين أبي بكر الصديق يحمل طعاماًُ وماءاً لهذه المرأة فقال عمر: ماهممت بخير إلا وجدت أبا بكر سبقني إليه. إن الفقراء والمساكين واليتامى والأرامل يفتقدون عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - الخليفة الثاني الذي جاء إليه رجل إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله ومعه زوجه وبناته الست فقال: (يا عمر هؤلاء بناتي ست وأمهن، أطعمهن واكسهن وكن لهن من الزمان جُنَّة) قال عمر: (وماذا إذا لم أفعل؟) قال الأعرابي: (سأذهبن) قال عمر: وماذا إذا ذهبت؟ قال: (عن حالهن يوم القيامة لتسألن، الواقف بين يدي الله إما إلى نار وإما إلى جنة)، قال عمر:" لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء". مآسي المسلمين كثيرة ومتنوعة ومتعددة وتتفطر لها القلوب؛ فأطفال دارفور الذين تم بيعهم قصتهم ليست بعيدة عن أذهاننا.
وما كان هذا يحدث لولا تقاعص المسلمين –إلا من رحم ربي - عن الواجب الملقى على عاتقهم بإقامة سلطانهم ودولتهم التي تقوم بواجب الرعوية ، وهو واجب من أهم واجبات الراعي؛ فدين الإسلام يهتم بالإنسان ورعاية شؤونه، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ…ِ} فهذا واجب الرعوية الذي يميز الأمة الإسلامية بعظمة القيم التي تؤمن بها وتعمل بها، فكان منه قول الرسول صلى الله عليه وسلم (… وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمُ امْرُؤٌ جَائِعٌ، فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) وقال عليه الصلاة والسلام: ( ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به)، وقد أوجب الإسلام علينا حفظ هذه الأحكام وقيمها، وجعل وجود السلطان واجباً لرعاية شؤون الأمة ليحفظ لها حقوقها الشرعية، ويسد حاجاتها الأساسية كلها، عَن سَلَمَة ابْن عُبَيْد الله بْن محصن عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَصْبَحَ آمِناً فِي سِرْبِه ، مُعَافى فِي بَدَنِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيا بِحَذَافِيْرِهَا) ، وقد حضّ الإسلام على توفيرالحاجات الأساسية من المأكل والملبس والمسكن لكل فرد من أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين مع توفير الأمن والتطبيب والتعليم مجانا للجميع ؛ فالجائع يجب أن تطعمه الدولة، والذي ليس له مسكن يجب على الدولة أن توفره له ، فكلها مربوطة بالرعاية على سبيل الوجوب ؛ توفره لمن عجز عن سد حاجاته الأساسية، لذلك نجد الأعرابي وهو فقير قادم من البادية أمر خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه أن يسُدّ حاجاته وحاجة بناته وزوجته، وكعادة ابن الخطاب كان يمتحن رعيته ليعلم أين تقف الأمة في فهمها للإسلام، وكان يقول للمسلمين: (من رآى فيّ اعوجاجا فليقومه ) طالباً النصح منهم، لذلك عندما حاسبه الأعرابي وذكّره بأن الله سيسأله عن عدم رعايته لهم، فرح الخليفة عمر وقال: "لن تضيع هذه الأمة ما دام فيها أمثال هؤلاء". وفي هذه الأيام وبعد غياب حكم الإسلام أصبح العالم كله محكوماً بالنظام الرأسمالي القائم على الجشع والطمع والإحتكار والذي يحرص على مصالح الرأسماليين فيه، فيملأ جيوبهم على حساب باقي الناس، وقسم العالم إلى فئتين: فئة لا تصل إلى 5% من الناس تملك أكثر من 80% من مقدرات العالم وثرواته، والأخرى 95% من الناس، ولا تكاد تملك 20% من الثروة، بل إنه يحرم الملايين من لقمة العيش ليحقق الرفاهية للرأسماليين. النظام الرأسمالي الذي ليس فيه مسؤولية الرعاية من قبل الدولة، لذلك وُجدت المنظمات التي تعمل لسد النقص من الغذاء والدواء والمسكن وغيرها فكانت أكبر المنظمات منظمة الأمم المتحدة بكل فروعها الأمنية والطبية والتعليمية وغيرها مثل اليونسيف واليونيسكو والفاو ومجلس الأمن وغيرها، وأصبحت هذه المنظمات الراعي الفعلي لكثير من الناس في بلدان العالم الإسلامي، وقد صرحت مسؤولة في المجلس القومي للطفولة في السودان قائلة: "إن أطفال دارفور وغيرهم أصبحوا تحت رحمة هذه المنظمات وليس تحت رعايتنا" . إن الأسرى بحاجة للمعتصم لإخراجهم من أسرهم ،وإن الفقراء والمحتاجين والأرامل والثكالى بحاجة إلى الرعاية الحقيقية التي يجب على المسلمين إقامة من يطبقها وهو خليفة المسلمين وبأسرع وقت ممكن ، وهي الرعاية التي أوجبها الله على الحاكم وهي التي جسدها عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال :" واللـــه لو أن شاة عثرت بأرض العراق لكنت مسؤولا عنها ولخشيت أن يحاسبني الله عليها يوم القيامة". ورد في كتاب العقد الفريد الجزء الأول (كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي الخلافة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب إليه بصفة الإمام العادل فكتب إليه الحسن رحمه الله: اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق بها الذي يرتاد لها أطيب المراعي ويذودها عن مراتع الهلكة ويحميها من السباع ويكنها من أذى الحر والقر. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحاني على ولده يسعى لهم صغاراً ويعلمهم كباراً يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها ووضعته كرها وربته طفلاً تسهر بسهره وتسكن بسكونه ترضعه تارة وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته وتغتم بشكايته. والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم). سيأتي اليوم الذي ترتسم البسمة فيه على شفاه كل المسلمين شيوخهم وعجائزهم وشبابهم وأطفالهم ،وتُدَق فيه الطبول وتعلو فيه صيحات "الله أكبر" في كل مكان في الأرض، وترتفع راية دولتهم ،راية الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة, راية دولة قرآنهم, راية دولة نبيهم لأنها هي حصنهم, وهي التي تخرج أسراهم وتنتقم لشهدائهم ،وهي التي تطعم الفقراء والمحتاجين ،وهي التي تدخل السرور على كل طفل وشيخ وأرملة ويتيم،وهي التي تنهي الأزمات, وتقمع وتقهر الأعداء. {فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ }،{بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }.
hgud] ud]kh çgXdï Xdïkç
توقيع : عاهد ناصر الدين
إن الأفكار في أية أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها الأمة في حياتها إن كانت ناشئة ،
وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة في الفكر المستنير.