أنا سُنيّ حسينيّ، جعلت ترحّمي عليه مكان أنيني، أنا أحب السبطين، لكني أُقدّم الشيخين، ليس من لوازم حبّ الشمس أن تكره القمر، وموالاة الحسن والحسين تقتضي موالاة أبي بكر و عمر ، لأنه يحبّهم ويحبّونه، ويحترمهم ويحترمونه.
قاتل الله عبيد الله، يحرّج على رؤوس العظماء في سوق المزاد. الحسين لا يُمجّد بضريح، ولا بالإسراف في المديح، لكننا نصدق في حبّه، إذا اتّبعنا جدَّه، وحملنا ودَّه، وليس بأن نعكف عنده.
بعض الناس ذُبابة، يجفو القرابة، ويسبّ الصحابة.
عظماؤنا ما بين مقتول ومذبوح، ومسجون ومبطوح ومضروب ومجروح.
يا صاحب الفِطن، تريد أن تدخل الجنة بلا ثمن، يا من يريدون الغروس والعروس، ابذلوا النفوس، وقدموا الرؤوس.
تريد شراء الجنة بصاع من شعير، وهو لا يكفي علوفاً للعِير، ولا فطوراً للبعير، إذا ناداك المسكين، كأنه طعنك بسكّين، وأنت تتمنى على الله الأماني، وتشتاق لمثل تلك المغاني. أنت من سنين، تبكي على الحسين ، من يحبّ الحسين بن علي ، فليُطع الوليّ، هذا هو الحبّ الجليّ.
أنت مثل شيخ فزارة، حينما قطع أزراره، قالوا ما لك؟
قال: أفدي بها أخي أبا عمارة .
أنا أُعلن صرخة الاحتجاج، ضدّ ابن زياد و الحجاج ، يا أرض الظالمين ابلعي ماءك، ويا ميادين السفّاحين اشربي دماءك.
آه ما أطوله من يوم للقَتَلَة، إذا جاء المقتول ومن قتله، في يوم لا يكون الحاكم فيه إلا الواحد، ولا المُلك إلا للماجد، وقد خاب فيه الجاحد المُعاند. الحسين شهيد، على رغم أنف العنيد، ما قتل وما نهب، وما ظلم وما سلب.
وقد أخطأ ابن خلدون حينما نقل أن الحسين قتل بسيف الشريعة، وهذا النقل من الأمور الشنيعة، بل قال شيخ الإسلام ، علم الأعلام: قُتل الحسين بسيف الظلم والعدوِان، وقتله مصيبة يُؤجر عليها من استرجع من أهل الإيمان: ((إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ))، وإنا لرسوله عند المصائب لتابعون.
إن كان قَتل الحسين من العدل، فقد ألغى مدلول النقل والعقل، وما عاد في الدنيا ظلم، وما بقي في الأرض إثم، وإذا احتاج إثبات النهار إلى كلام، فقل على الدنيا السلام.
الحسين ليس بحاجة إلى مآتم وولائم، تزيد الأُمة هزائم إلى هزائم. الحسين على نهج جدّه محمد صلى الله عليه وسلم وعلى مذهب أبيه المسدّد، تقوى تمنع من الانحراف، وعدل يحمل على الإنصاف.
ولو أن الحسين صاحب دُنيا، لمَا بكينا، ولو أنه طالب جاه ما اشتكينا، ولكنّه من البيت الطاهر، صاحب النسب الباهر، أمانته رصينة، وأخلاقه حصينة.
صحّ الخبر في السُّنَّة، أن الحسن و الحسين سيِّدا شباب أهل الجنة، فإذ قتل السيد كيف حال المَسود، ضحية الحاسد هو المحسود، وقال جدّهما المعصوم: (هما ريحانتاي من الدنيا)، فهم بهذه التزكية في الدرجة العليا، والريحانة تُشَمّ ولا تُقطَع، وتمسح ولا تُقلع، جاؤوا بالرأس إلى ابن زياد في العراق، والدم مهراق، ثم لم تبك للظَلمة عيون، ولم تتحرّك شُجون، وهذا برهان على أن قلوب الظَّلمة كالحجارة، وأن نفوسهم مُلِئت بالمرارة.
لمّا أُغمد سيف الجهاد، سلَّه ابن زياد، على العلماء والعباد. لو كانت الأُمة شاركت في قتل الحسين لكانت ظالمة، ولو رضيت بذلك لأصبحت آثمة، وقعت الأمة بين فكّي زياد ويزيد، يدوسون الجماجم ويقولون: هل من مزيد، وتصفّق له أراذل العبيد. ليل الحسين صلاة وخشوع وبكاء، وليلهم رقص وطرب وغناء، نهار الحسين تلاوة وذكِر وصيام، ونهارهم لهو وعِشق وغرام. ولهذا وقع الخلاف وعدم الإنصاف.
يا أهل العقول، إن قتل سبط الرسول، وابن البتول، أمر مهول، فلا تُخبروا أعداء المِلّة، بهذه الزّلةّ، فإنها للأُمة ذلّة. الحسين ليس بحاجة إلى وضع أشعار، ولكن إلى رفع شِعار، دعنا من ترديد القصيد، والتباكي بالنشيد، ولكن تابع الحسين في تجريد التوحيد، وتوقير الشيخين أهل الرأي الرشيد.
العظماء يقتلون بالسيف أعزّاء، والظلمة يموتون على فُرشهم أذلاء جبناء. فالعظيم قتل بتذكية شرعية، والجبان مات ميتة بدعية. ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)).
فاتت الحسين الشهادة في بدر لأنه صغير، فَعَوضهُ الله بها في صحراء العراق وهو كبير، الرجل يريد أن يكتب اسمه بدم، وهو يحب البيع لا السَّلم، ومن يشابه أبَه فما ظلم.
الذين ينوحون على الحسين ويقولون قتل وهو مظلوم، قلنا: هذا أمر معلوم، ولكن كفاكم بالنِّياحة جهلاً. فهل كان قتل عمر و عثمان و علي عدلاً؟
النّياحة في الدين غير مُباحة، لأنها مخالفه للمأمور، وفِعل للمحظور، وتسخط بالمقدور، لو لم يُقتل الحسين لمات.
أفتنوحون عليه وقد كسب عزّ الحياة، وسعادة الوفاة.
من أحبّ الحسين فليفعل فِعله في حِفظ الدين، وكراهية الظالمين، وحبّ المساكين.
قَتل الحسين دليل على عظمة الإسلام، لأن مَهره رؤوس تُقطع، وأرواح تُدفَع، وضريبته دم يسيل، ورأس في سبيل الله يميل، الإسلام كالأسد هِمّته ليست سخيفة، ولذلك لا يأكل الجيفة، لعظمة الشمس أصابها الخسوف، ولجلالة القمر رُمِيَ بالكسوف، والعظَماء غرض للحتوف.