سورة السجدة
مكية
وآياتها ثلاثون آية
وتسمى سورة الم السجدة، وتنزيل السجدة وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلى بها الصبح يوم الجمعة يقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة والسجدة والثانية بالفاتحة وسورة الإنسان كما ورد أنه كان يقرأها مع سورة الملك عند النوم وفي كل منهما ثلاثون آية.
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم(1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ(3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ(4)}.
شرح الكلمات:
الم : هذا أحد الحروف المقطعة يكتب آلم، ويقرأ ألف لام ميم.
لا ريب فيه : أي لا شك في أنه نزل من رب العالمين.
أم يقولون افتراه : أي بل أيقولون أي المشركون اختلقه وكذبه.
قوما ما أتاهم من نذير : أي من زمن بعيد وهم قريش والعرب.
لعلهم يهتدون : أي بعد ضلالهم إلى الحق الذي هو دين الإسلام.
في ستة أيام : هي الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة.
ثم استوى على العرش : استوى على عرشه يدير أمر خلقه.
من ولي ولا شفيع : أي ليس لكم أيها المشركون من دون الله وليّ يتولاكم ولا شفيع يشفع لكم.
أفلا تتذكرون : أي أفلا تتعظون بما تسمعون فتؤمنوا وتوحدوا.
معنى الآيات:
قوله تعالى {الم} هذه الحروف المقطعة في فواتح عدة سور الأسلم أن لا تؤول ويكتفى فيها بقول الله أعلم بمراده بها. وقد اخترنا من أقاويل المفسرين أنها أفادت فائدتين: الأولى أنه لما كان المشركون من قريش في مكة يمنعون من سماع القرآن مخافة أن يتأثر به السامع به فيؤمن ويوحد فكانت هذه الحروف تستهويهم بنغمها الخاص فيستمعون فينجذبون ويؤمن من شاء الله إيمانه وهدايته والثانية بقرينة ذكر الكتاب بعدها غالبا: أن هذا القرآن الكريم قد تألف من مثل هذه الحرف الم، طس، حم، ق، فألفوا أيها المكذبون سورة من مثله وإلا فاعلموا أنه تنزيل من الله رب العالمين فلما عجزوا قامت عليهم الحجة ولم يبق شك في أنه تنزيل الله وكتابه أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} أي القرآن الكريم {لا رَيْبَ فِيهِ} أي لا شك في أنه من رب العالمين على محمد صلى لله عليه وسلم وليس بشعر ولا بسجع كهان، ولا أساطير الأولين وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل يقولون افتراه محمد واختلقه وأتى به من تلقاء نفسه اللهم لا إنه لم يفتره {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} أي جاءك من ربك وحياً أوحاه إليك، {لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ(4) مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} وهم مشركوا العرب لتنذرهم بأس الله وعذابه إن بقوا على شركهم وكفرهم، وقوله {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} أي رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا فيهتدوا إلى الحق بعد ضلالهم فينجوا ويكملوا ويسعدوا وقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي من مخلوقات {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من مثل أيام الدنيا أولها الأحد وآخرها الجمعة ولذا كانت الجمعة من أفضل الأيام {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} عرشه سبحانه وتعالى استوى استواء يليق به يدبر أمر مخلوقاته. الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما وهو الذي أنزل الكتاب وأرسل الرسل وهو الإله الحق الذي لا إله غيره ولا رب سواه ما للعرب ولا للبشرية كلها من إله غيره، وليس لها من غيره من ولي يتولاها بالنصر والإنجاء إن أراد الله خذلانها وإهلاكها، وليس لها شفيع يشفع لها عنده إذا أراد الانتقام منها لشركها وشرها وفسادها وقوله: {أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} فتعلموا أيها العرب المشركون أنه لا إله لكم إلا الله فتعبدوه وتوحدوه فتنجوا من عذابه وتكملوا وتسعدوا في دنياكم وآخرتكم.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير النبوة المحمدية بتقرير أن القرآن تنزل الله ووحيه أوحاه إلى رسوله.
2- إبطال ما كان المشركون يقولون في القرآن بأنه شعر وسجع كهان وأساطير الأولين.
3- بيان الحكمة من إنزال القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو الإنذار.
4- بيان الزمان الذي خلق الله فيه السموات والأرض وما بينهما.
5- إثبات صفة الاستواء على العرش لله تعالى.
6- تقرير أنه ما للبشرية من إله إلا الله وأنه ليس لها من دونه من وليّ ولا شفيع فما عليها إلا أن تؤمن بالله وتعبده فتكمل وتسعد على عبادته.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ(5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(6)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ(7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ(8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ(9)}
شرح الكلمات:
يدبر الأمر من السماء إلى الأرض : أي أمر المخلوقات طوال الحياة.
ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره : أي يوم القيامة حيث تنتهي هذه الحياة وسائر شؤونها.
ألف سنة مما تعدون : أي من أيام الدنيا.
عالم الغيب والشهادة : أي ما غاب عن الناس ولم يروه وما شاهدوه ورأوه.
بدأ خلق الإنسان من طين : أي بدأ خلق آدم عليه السلام من طين.
من سلالة من ماء مهين : أي ذرية آدم من علقة من ماء النطفة.
ثم سواه ونفخ فيه من روحه : أي سوى الجنين في بطن أمه ونفخ فيه الروح فكان حياً كما سوى آدم أيضاً ونفخ فيه من روحه فكان حيا.
والأفئدة : أي القلوب.
قليلا ما تشكرون : أي ما تشكرون الله على نعمة الإيجاد والإمداد إلا شكراً قليلا لا يوازي قدر النعمة.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء بذكر مظاهر القدرة والعلم والرحمة والحكمة الإلهية، فقوله تعالى {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ} أي أمر المخلوقات {مِنَ السَّمَاءِ} حيث العرش وكتاب المقادير {إِلَى الْأَرْضِ} حيث تتم الحياة والموت والصحة والمرض والعطاء والمنع، والغنى والفقر والحرب والسلم، والعز والذل فالله تعالى من فوق عرشه يدبر أمر الخلائق كلها في عوالمها المختلفة، وقوله ثم يعرج أي الأمر إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما يعد الناس اليوم من أيام هذه الدنيا. ورد في سورة الحج قوله تعالى {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون} وفي هذه الآية {ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون} وفي سورة المعارج {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة}، وقد كثرت أقوال أهل التفسير في تحديد هذه الأيام حتى قال ابن عباس أيام سماها الله سبحانه وما أدري ما هي؟ فأكره أن أقول فيها ما لا أعلم وأحسن ما يقال فيها أن اليوم الذي ذكر في سورة الحج هو عبارة عن الزمان وتقديره عند الله وأن يوم سورة المعارج هو يوم القيامة يوم الحساب وأن هذا اليوم هو آخر أيام الدنيا حيث ينتهي التدبير والتصرف لانقضاء الحياة وهو كما ذكر تعالى.
ومعنى {يَعْرُجُ إِلَيْهِ} في يوم القيامة أي يرد إليه حيث عم الكون الفناء ولم يبق ما يدبر في هذه الأرض لفنائها وفناء كل ما كان عليها.
وقوله {ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أي ما غاب عن الناس وما حضر فشاهدوه أي العالم بكل شيء
وقوله {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}: أي الغالب على مراده من خلقه الرحيم بالمؤمنين من عباده، وقوله {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} أي أحسن خلق كل مخلوق خلقه أي جوّد خلقه وأتقنه وحسنه.
وقوله {وَبَدَأَ خَلْقَ الْأِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} أي وبدأ خلق آدم من طين وهو الإنسان الأول، {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} أي نسل الإنسان {مِنْ سُلالَةٍ} وهي العلقة {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} وهو النطفة،
وقوله {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} أي سوّى آدم ونفخ فيه من روحه، كما سوّى الإنسان في رحم أمه أي سوى خلقه ثم نفخ فيه من روحه فكان إنساناً حيا،
وقوله {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي القلوب أي لتسمعوا وتبصروا وتفقهوا لحاجتكم إلى ذلك لأن حياتكم تتطلب منكم مثل ذلك ومع هذه النعم الجليلة {قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ} أي لا تشكرون إلا قليلاً.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان جلال الله وعظمته في تدبيره أمر الخلائق.
2- بيان صفات الله تعالى من العلم والعزة والرحمة.
3- بيان كيفية خلق الإنسان ومادة خلقه.
4- شكر العباد - إن شكروا - لا يوازي نعم الله تعالى عليهم.
5- وجوب شكر النعم بالاعتراف بها وذكرها وحمد الله تعالى عليها وصرفها في مرضاته.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم الثالث من تفسير سورة السجدة ))
{وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ(10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ(11) }.
شرح الكلمات:
أئذا ضللنا في الأرض : أي غبنا فيها حيث فنينا وصرنا ترابا.
أئنا لفي خلق جديد : أي أنعود خلقا جديدا بعد فنائنا واختلاطنا بالتراب.
بل هم بلقاء ربهم كافرون : أي لم يقف الأمر عند استبعادهم للبعث بل تعداه إلى كفرهم بلقاء ربهم، وهو الذي جعلهم ينكرون البعث.
قل يتوفاكم ملك الموت : أي يقبض أرواحكم ملك الموت المكلف بقبض الأرواح.
ثم إلى ربكم ترجعون : أي بعد الموت، وما دمتم لا تمنعون أنفسكم من الموت سوف لا تمنعونها من الحياة فرجوعكم حتمي لا محالة.
معنى الآيتين:
ما زال السياق في تقرير أصول العقيدة فأخبر تعالى عن منكري البعث فقال {وَقَالُوا} أي منكروا البعث الآخر {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ} أي غبنا فيها بحيث صرنا ترابا فيها {أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي لعائدون في خلق جديد.
وهذا منهم إنكار للبعث واستبعاد له، فقال تعالى مخبراً عن علة إنكارهم للبعث وهي أنهم بلقاء ربهم كافرون إذ لو كانوا يؤمنون بلقاء الله الذي وعدهم به لما أنكروا البعث والحياة لذلك،
وقوله تعالى {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المنكرين للبعث ولقاء الرب تعالى: يتوفاكم عند نهاية آجالكم {مَلَكُ الْمَوْتِ} الذي وكله ربّه بقبض أرواحكم، {الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} بعد ذلك وما دمتم لا تدفعون الموت عن أنفسكم فكيف تدفعون الحياة عندما يريدها الله منكم؟ وهل دفعتموها عندما كنتم عدماً فأوجدكم الله وأحياكم.
هداية الآيتين:
من هداية الآيتين:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء.
2- الذنب الذي هو سبب كل ذنب هو الكفر بلقاء الله تعالى.
3- بيان أن لقبض الأرواح ملكاً وله أعوان من الملائكة وأن الأرض جعلت لملك الموت كالطست بين يديه يتناول منها ما يشاء.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم الرابع من تفسير سورة السجدة ))
{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ(12) وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ(13) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(14)}.
شرح الكلمات:
إذ المجرمون : أي المشركون المكذبون بلقاء ربهم.
ناكسوا رؤوسهم : أي مطأطئوها من الحياء والذل والخزي.
ربنا أبصرنا : أي ما كنا ننكر من البعث.
وسمعنا : أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا.
فارجعنا : أي إلى دار الدنيا.
لآتينا كل نفس هداها : أي لو أردنا هداية الناس قسراً بدون اختيار منهم لفعلنا.
ولكن حق القول مني : أي وجب وهو لأملأن جهنم من الجِنة والناس أجمعين.
إنا نسيناكم : أي تركناكم في العذاب.
عذاب الخلد : أي العذاب الخالد الدائم.
بما كنتم تعملون : من سيئات الكفر والتكذيب والشر والشرك.
معنى الآيات:
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر أحداثها وما يجري للمكذبين بها في الدار الآخرة قال تعالى {وَلَوْ تَرَى} يا رسولنا
{ إِذِ الْمُجْرِمُونَ} وهم الذين أجرموا على أنفسهم فدنسوها بالشرك والمعاصي الحامل عليها التكذيب بلقاء الله، {نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ} أي مطأطئوها خافضوها عند ربهم من الحياء والخزي الذي أصابهم عند البعث.
لرأيت أمراً فظيعا لا نظير له. وقوله تعالى {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} هذا قول الجرمين وهم عند ربهم أي يا ربنا لقد أبصرنا ما كنا نكذب به من البعث والجزاء وسمعنا منك أي تصديق ما كانت رسلك تأمرنا به في الدنيا. {فَارْجِعْنَا} أي إلى دار الدنيا {نَعْمَلْ صَالِحاً} أي عملا صالحا {إِنَّا مُوقِنُونَ} أي الآن ولم يبق في نفوسنا شك بأنك الإله الحق، وبأن لقاءك حق، وقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} وذلك لما طالب المجرمون بالعودة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً فأخبر تعالى أنه ما هناك حاجة إلى ردهم إلى الدنيا ليؤمنوا ويعملوا الصالحات، إذ لو شاء هدايتهم لهداهم قسراً منهم بدون اختيارهم، ولكن سبق أن قضى بدخولهم جهنم فلابد هم داخلوها وهو معنى قوله: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} أي وجب العذاب لهم وهو معنى قوله {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ} أي الجن {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أي من كفار ومجرمي الجن والإنس معا.
وقوله {فَذُوقُوا} أي العذاب الخزي {بِمَا نَسِيتُمْ} أي بسبب نسيانكم {لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} فلم تؤمنوا ولم تعملوا صالحاً إنا نسيناكم وتركناكم في العذاب. {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الشرك والمعاصي هذا يقال لهم وهم في جهنم تبكيتاً لهم وتقريعاً زيادة في عذابهم، والعياذ بالله من عذاب النار.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
1- التنديد بالإجرام والمجرمين وبيان حالهم يوم القيامة.
2- بيان عدم نفع الإيمان عند معاينة العذاب.
3- بيان حكم الله في امتلاء جهنم من كل من مجرمي الإنس والجن.
4- تقرير حكم السببية فالأعمال سبب للجزاء خيراً كان أو شراً.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم الخامس من تفسير سورة السجدة ))
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ(15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)}.
شرح الكلمات:
إذا ذكروا بها : أي وعظوا بما فيها من أمر ونهي ووعد ووعيد.
خروا سجداً : وقعوا على الأرض ساجدين بوضع جباههم وأنوفهم على الأرض.
وسبحوا بحمد ربهم : أي نزهوه وقدسوه وهم ساجدون يقولون سبحان ربي الأعلى.
وهم لا يستكبرون : أي عن عبادة ربهم في كل أحايينهم بل يأتونها خاشعين متذللين.
تتجافى جنوبهم : أي تتباعد عن الفرش من أجل قيامهم للصلاة في جوف الليل.
خوفاً وطعما : أي يسألونه النجاة من النار، ودخول الجنة.
ما أخفي لهم من قرة أعين : أي لا تعلم نفس ما أخفى الله تعالى لهم وادخر لهم عنده من النعيم الذي تقر به أعينهم أي تسر به وتفرح.
معنى الآيات:
لما ذكر تعالى جزاء المجرمين وهم المكذبون بآيات الله ولقائه ذكر جزاء المؤمنين وهم الذين آمنوا بآيات الله ولقائه ذكرهم بأجمل صفاتهم فقال: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا} حق الإيمان {الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} أي قرئت عليهم وكانت من الآيات التي فيها السجدات {خَرُّوا سُجَّداً} أي وقعوا على الأرض ساجدين بوضع جباهم وأنوفهم على التراب، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} أي نزهوه وقدسوه أثناء سجودهم بقولهم سبحان ربي الأعلى، والحال أنهم لا يستكبرون عن عبادة الله مطلقاً بل يأتونها متذللين خاشعين.
وقوله {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} هذه بعض صفاتهم أيضا وهي أنهم يباعدون جنوبهم عن فرشهم في الليل لصلاة التهجد.
وقوله {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً} أي في حال صلاتهم وفي غيرها وهو دعاء تميّز بخوفهم من عذاب ربهم وطمعهم في رحمته فهم يسألون ربهم النجاة من النار ودخول الجنة.
وقوله {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} هذا وصف آخر لهم وهو أنهم يتصدقون بفضول أموالهم زيادة على أداء الزكاة كتهجدهم بالليل زيادة على الصلوات الخمس.
وقوله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} يخبر تعالى عن جزائهم عنده فيقول: فلا تعلم نفس ما خبّأ الله تعالى لهم من النعيم المقيم الذي تقر به أعينهم أي تُسر وتفرح وقوله {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي جزاهم بذلك النعيم بعملهم الخيري الإسلامي الذي كانوا في الدنيا يعملونه وقد ذكر بعضه في الآيات قبل كالصلاة والصدقات.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- فضيلة التسبيح في الصلاة وهو سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود.
2- ذم الاستكبار وأهله ومدح التواضع لله وأهله.
3- فضيلة قيام الليل وهو المعروف بالتهجد والدعاء خوفاً وطمعاً.
4- بشرى المؤمنين الصادقين من ذوي الصفات المذكورة في الآيات وهو أنه تعالى [ أعد لهم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر كما جاء في الحديث عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( قَالَ اللهُ تَعَالَى : أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ ، وَاقْرَؤُوا إنْ شِئْتُمْ : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ السجدة : 17 ] )) . متفق عَلَيْهِ .
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم السادس من تفسير سورة السجدة ))
{أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ(18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ(20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون(21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ(22)}.
شرح الكلمات:
أفمن كان مؤمناً : أي مصدقا بالله ورسوله ولقاء ربه.
كمن كان فاسقا : أي كافراً لا يستوون.
جنات المأوى نزلاً : النزل ما يعد للضيف من قرى.
من العذاب الأدنى : أي عذاب الدنيا من مصاب القحط والجدب والقتل والأسر.
العذاب الأكبر : هو عذاب الآخرة في نار جهنم.
لعلهم يرجعون : أي يصيبهم بالمصائب في الدنيا رجاء أن يؤمنوا ويوحدوا.
ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها : لا أحد أظلم منه أبدا.
إنا من المجرمين منتقمون : أي من المشركين أي بتعذيبهم أشد أنواع العذاب.
معنى الآيات:
قوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً} أي كافرا ينفي تعالى استواء الكافر مع المؤمن فلذا بعد الاستفهام الإنكاري أجاب بقوله تعالى
{لا يَسْتَوُونَ} ثم بين تعالى جزاء الفريقين وبذلك تأكد بُعد ما بينهما فقال: {أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا} بالله ربّاً وإلهاً وبمحمد نبياً ورسولا وبالإسلام شرعا وديناً {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بأداء الفرائض والنوافل في الغالب بعد اجتناب الشرك والمحارم {فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً} أي ضيافة لهم {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وأما الذين فسقوا عن أمر الله فلم يوحدوا ولم يطيعوا فعاشوا على الشرك والمعاصي حتى ماتوا {فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ} أي مقرهم ومحل مثواهم وإقامتهم لا يخرجون {كُلَّمَا أَرَادُوا} أي هموا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها من قبل الزبانية تدفعهم عن أبوابها، {وَقِيلَ لَهُمْ} إذلالا لهم وإهانة {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} إذ كانوا مكذبين بالبعث والجزاء.
وقالوا {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}.
وقوله تعالى { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى} وهو عذاب الدنيا بالقحط والغلاء والقتل والأسر {دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ} وهو عذاب يوم القيامة {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} يخبر تعالى أنه فاعل ذلك بكفار قريش لعلهم يتوبون إلى الإيمان والتوحيد فينجوا من العذاب وينعموا في الجنة وفعلاً قد تاب منهم كثيرون وقوله { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا}
أي وعظ بها وخوِّف كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ عليهم القرآن وكان بعضهم يعرض عنها فلا يسمعها ويرجع وهو مستكبر والعياذ بالله فمثل هؤلاء لا أحد أشد منهم ظلما .
وقوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} يخبر تعالى أنه لا محالة منتقم من أهل الإجرام وهم أهل الشرك والمعاصي، وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أصناف من أهل الإجرام الخاص وهم:
1) من اعتقد "عقد" لواء في غير حق أي حمل راية الحرب على المسلمين وهو مبطل غير محق.
2) من عق والديه أي آذاهما بالضرب ونحوه ومنعهما برهما ولم يطعهما في معروف.
3) من مشى مع ظالم ينصره رواه ابن جرير عن معاذ بن جبل رضي الله عنه.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- بيان خطأ من يسوي بين المؤمن والكافر والبار والفاجر والمطيع والفاسق.
2- بيان جزاء كل من المؤمنين والفاسقين.
3- بيان أن الله تعالى كان يأخذ قريشاً بألوان من المصائب لعلهم يتوبون.
4- بيان أنه لا أظلم ممن ذكر بآيات الله فيعرض عنها مستكبراً جاحداً معانداً.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم السابع من تفسير سورة السجدة ))
{وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ(23) وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ(24) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ(25) أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ(26)}.
شرح الكلمات:
ولقد آتينا موسى الكتاب : أي أنزلنا عليه التوراة.
فلا تكن في مرية من لقائه : أي فلا تشك في لقائك بموسى عليه السلام ليلة الإسراء والمعراج.
وجعلناه هدى لبني إسرائيل : أي جعلنا الكتاب "التوراة" هدى أي هادياً لبني إسرائيل.
وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا : أي وجعلنا من بني إسرائيل أئمة أي قادة هداة يهدون الناس بأمرنا لهم بذلك وإذننا به.
وكانوا بآياتنا يوقنون : أي وكان أولئك الهداة يوقنون بآيات ربهم وحججه على عباده وما تحمله الآيات من وعد ووعيد.
إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة : أي بين الأنبياء وأممهم وبين المؤمنين والكافرين والمشركين والموحدين.
فيما كانوا فيه يختلفون : من أمور الدين.
أو لم يهد لهم : أي أغفلوا ولم يتبيّن.
كم أهلكنا من قبلهم من القرون : أي إهلاكنا لكثير من أهل القرون من قبلهم بكفرهم وشركهم وتكذيبهم لرسلهم.
يمشون في مساكنهم : أي يمرون ماشين بديارهم وهي في طريقهم إلى الشام كمدائن صالح وبحيرة لوط ونحوهما.
إن في ذلك لآيات : أي دلائل وعلامات على قدرة الله تعالى وأليم عقابه.
أفلا يسمعون : أي أصمّوا فلا يسمعوا هذه المواعظ والحجج.
معنى الآيات:
قوله تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ} أي أعطينا موسى بن عمران أحد أنبياء بني إسرائيل الكتاب الكبير وهو التوراة.
إذاً فلم ينكر عليك المشركون أن يؤتيك ربك القرآن كما آتى موسى التوراة، وفي هذا تقرير لأصل من أصول العقيدة وهي الوحي والنبوة المحمدية.
وقوله {فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ} أي فلا تكن يا محمد في شك من لقائك موسى ليلة الإسراء والمعراج فقد لقيه وطلب إليه أن يراجع ربّه في شأن الصلاة فراجع حتى أصبح خمساً بعد أن كانت خمسين وقوله {وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائيلَ} أي الكتاب أو موسى كلاهما كان هادياً لبني إسرائيل إلى سبيل السلام والصراط المستقيم.
وقوله {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} أي قادة هداة يهدون الناس إلى ربهم فيؤمنون به ويعبدونه وحده فيكملون على ذلك ويسعدون وذلك بأمره تعالى لهم بذلك.
وقوله {لَمَّا صَبَرُوا} أي عن أذى أقوامهم، {وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} الحاملة لأمرنا ونهينا، ووعدنا ووعيدنا {يُوقِنُونَ} أي تأهلوا لحمل رسالة الدعوة بشيئين: الصبر على الأذى واليقين التام بصحة ما يدعون إليه ونفعه ونجاعته وقوله تعالى {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} يخبر تعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بأنه سبحانه وتعالى الذي يفصل بين المختلفين من الأنبياء وأممهم، وبين الموحدين والمشركين والسنيين والبدعيين فيحكم بإسعاد أهل الحق وإشقاء أهل الباطل وفي الآية تسلية للرسول وتخفيف عليه مما يجد في نفسه من خلاف قومه له.
وقوله {أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ} أي أعموا فلم يبيّن لهم إهلاكنا لأمم كثيرة {يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ} مارّين بهم في أسفارهم إلى الشام كمدائن صالح، وبلاد مدين، وبحيرة لوط إنا قادرون على إهلاكهم إن أصروا على الشرك والتكذيب كما أهلكنا القرون من قبلهم. وقوله {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} أي في إهلاكنا أهل القرون الأولى لما أشركوا وكذبوا دلالات وحججا وبراهين على قدرة الله وشدة انتقامه ممن كفر به وكذب رسوله
وقوله {أَفَلا يَسْمَعُونَ} أي أصموا فلا يسمعون هذه المواعظ التي تتلى عليهم فيتوبوا من الشرك والتكذيب فينجوا ويسعدوا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد قصة الإسراء والمعراج.
2- الكتاب والسنة كلاهما هاد للعباد إن طلبوا الهداية فيهما.
3- بيان ما تنال به الإمامة في الدين. وهو الصبر وصحة اليقين.
4- كل خلاف كان في هذه الحياة سينتهي بحكم الله تعالى فيه يوم القيامة.
5- في إهلاك الله تعالى للقرون السابقة أكبر واعظ لمن له قلب وسمع وبصيرة.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .
((القسم الثامن والأخير من تفسير سورة السجدة ))
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ(27) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(28) قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ(29) فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ(30)}.
شرح الكلمات:
أو لم يروا أنا نسوق الماء: أي أغفلوا ولم يروا سوقنا للماء للإنبات والإخصاب فيدلهم ذلك على قدرتنا.
إلى الأرض الجرز : أي اليابسة التي لا نبات فيها.
تأكل منه أنعامهم : أي مواشيهم من إبل وبقر وغنم.
أفلا يبصرون : أي أعموا فلا يبصرون أن القادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على البعث.
متى هذا الفتح : أي الفصل والحكم بيننا وبينكم يستعجلون العذاب.
ولا هم ينظرون : أي ولا هم يمهلون للتوبة أو الاعتذار.
وانتظر إنهم منتظرون : أي وانتظر يا رسولنا ما سيحل بهم من عذاب إن لم يتوبوا فإنهم منتظرون بك موتاً أو قتلاً ليستريحوا منك.
معنى الآيات:
ما زال السياق في تقرير عقيدة البعث والجزاء التي عليها مدار الإصلاح الاجتماعي فيقول تعالى:
{أَوَلَمْ يَرَوْا} أي أغفل أولئك المكذبون بالبعث والحياة الثانية ولم يروا {أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ} ماء الأمطار أو الأنهار {إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ} اليابسة التي ما بها من نبات فنخرج بذلك الماء الذي سقناه إليها بتدابيرنا الخاصة {فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ} وهي إبلهم وأبقارهم وأغنامهم {وَأَنْفُسُهُمْ} فالأنعام تأكل الشعير والذرة وهم يأكلون البر والفول ونحوه {أَفَلا يُبْصِرُونَ} أي أعموا فلا يبصرون آثار قدرة الله على إحياء الموتى بعد الفناء والبلى كإحياء الأرض الجرز فيؤمنوا بالبعث الآخر وعليه يستقيموا في عقائدهم وكل سلوكهم.
وقوله {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} حكى تعالى عنهم ما يقولونه للمؤمنين لما يخوفونهم بعذاب الله يقولون لهم متى هذا الفتح أي الحكم والفصل يستعجلون لخفة أحلامهم وعدم إيمانهم.
وهنا أمر تعالى رسوله أن يقول لهم.
فقال {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ} أي إذا جاء يوم الفتح بيننا وبينكم لا ينفع نفساً كافرة إيمانها عند رؤية العذاب {وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ} أي يؤخرون ويمهلون ليؤمنوا ويستغفروا فيتاب عليهم ويغفر لهم إذ سنة الله أن من عاين العذاب لا تقبل توبته. وقوله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أي فأعرض يا رسولنا عن هؤلاء المكذبين {وَانْتَظِرْ } ما سينزل بهم من عذاب {إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} ما قد يصيبك من مرض أو موت أو قتل ليستريحوا منك في نظرهم. كما هم منتظرون أيضا عذاب الله عاجلا أو آجلا.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
1- تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر الأدلة المقررة لها.
2- استعجال الكافرين العذاب دال على جهلهم وطيشهم.
3- بيان أن التوبة لا تقبل عند معاينة العذاب أو مشاهدة ملك الموت ساعة الاحتضار.
وَصَـلـَّى اللهُ عَـلـَى سَيـِّدِنـَا مُحَمَّدٍ النـَّبـِيّ الأمِيِّ وَعَلى آلِهِ وَصَحْبـِهِ وَسَـلـَّمَ ومن استن بسنته الى يوم الدين .