منذ فترة وأنا أشاهد الأخبار خرج عليّ مشهد أبكى القلب فأبكى معه الحواس ...فاستللت قلمي علّي أجد مايخفف عني آلام القلب ويمسح دمعة العين ... ولكن بداية أحب أن أهدي كلامي :
- إلى كل غيور على أمته ...
- إ لى من فاضت عينيه حزنا على أخوة له في الأسر...
- إلى الصادقين في هذا المنتدى وكل مكان ...
- إلى أغلى إنسان على نفسي ...
- إلى منبع التفاؤل في حياتي...
كان المنظر أمام محكمة أعلن فيه الحكم على أحد مظلوميها بالموت ... هذا المسكين هو رجل صدق ماعاهد الله عليه ...لو نظرت إليه طار قلبك إليه ليحط في ميادين أخوته معلنا بداية الحب الذي تنتهي فيه الأرواح إلى ظلال عرش الرحمن ...خلق في مزاجه وعصبه من المادة المشتعلة حتى إذا التهب قلبه لله وفي الله رأت منه الحياة شكلها القوي الجميل في الرجل المشبوب يرسل فروعه النارية على الباطل فإذا خمد رأى منه الموت شكله العنيف الجميل في الجمرة العليلة الذابلة حين تمر أنفاس الهواء عليها ...رجل طويل إذا انتصب رأيت امتداد القامة ..مجذول الذراعين .. قد تباعد منكباه وترامى بينهما صدر مصفح يجمع قوة الأسد...
نظرت إليه فإذا به يترك ضجيج القاعة وصراخ الحاضرين ويفتح كتاب الله سبحانه ليعيش في ظل وريف بين نسمات النعيم المقيم وكأن لسان حاله يقول : دعوني أناجي ربي فقد اشتقت إليه ... ليت شعري ماهذه الشجاعة التي تجعل منه مطمئنا إلى غاية الحياة لايبالي بكل وسائل هذه الغاية المحتومة...سوى أنه اشتاق لربه ...وبعد انتهاء تأمله نظر إلى السماء بابتسامة وكأنه لمح حورية من الجنة قد أنارت الدنيا ببسمتها فقال لها : أتدرين ماالشوق ؟؟ ماهو إلا صاعقة تنشئها كهرباء الحب في سحاب الدم يمور ويضظرب ويصدم بعضه بعضا من الغليان فيرجف فيه حين الرعد القلبي يتردد صوته :: آآه آآآه ...أنت ممزوجة بآلامي ...وآلامي منك هي أشواقي... وأشواقي إليك هي أفكاري ... وأفكاري فيك هي معانيك في نفسي ...ومعانيك هي الحب ...ولكن ماهو الحب إلا أن يكون آلامي وأشواقي وأفكاري ومعانيك في نفسي؟؟؟؟
أمه ,, زوجه ,, أخوه ,, طفلته ,, طفله الرضيع ,,, جاؤوا يودعونه ويستودعونه وحسبوا أن ليس بين رجلهم وبين الموت إلا هذا القاضي الذي مثل أمامه ...
رأيت أمه المفجوعة جالسة لا تحملها رجلاها وعلى صدرها ذلك الرضيع تضمه وكأنه قطعة من قلبها رجعت إليه وتشدّ عليه بيديها شدة الجزع والحنان كما لو كانت تحسبه صلة بينها وبين ابنها ...تنقل هذه الشدة إليه بعينيها كما تنقل الكهرباء حركة المتحرك وقد انطلقت دموعها ...وفي كل نظرة إلى نكبة وحيدها مادة جديدة للبكاء ...وهي تنحني على قلبها حتى تداني وجهها الأرض كأنها شعرت به ينكسر فمالت ليلتئم صدع منه على صدع ثم تعود فتعتدل فيكاد يتشقق قلبها فتضغطه بانحناءة أخرى ... وهي في كل ذلك مرسلة عينها تمطر مطرا وكانت حين تمسح دمعها وتنحيه عن خدّيها يتساقط من فروج أصابعها كأنه عدد أيام شقائها ...
وحسب الرضيع أن هذه الحركة هدهدة من أمه لينام فنام هنيئا على صدرها وأدفأه غليان هذا الصدر فضاعف لذة أحلامه !!!!
أما زوجة بطلنا :: فهي شابة جزلة الخلق ناضرة الصبا تركها الحزن كالمرأة المهملة تدل أنوارها عليها من سواد خمارها الذي جعلها لؤلؤة تضئ سواد الظلم بنور الإيمان ... لبست خمارها أمام الحشود وكأنها تريد من ذلك الخمار رسالة حبّ بين نفسها ونفسه ترسلها مفعمة بأريج الصبر إليه في سجنه ... ولما استقرت عينه عليها أرسلت عواطفها في مجاري دمعها وقد أيقنت أنه قطع بينها وبين عمادها وزوجها ووالد ابنتها وكنزها الذهبي الذي لاتملك غيره ... فكانت لكل معنى من هذه المعاني بكاء بعينه فتبكي على قدر وفائها الذي لاحدّ له... وحبها الذي لا صبر معه ...ومصيبتها التي لا سبب فيها من أسباب العزاء... وكل نظراتها كانت تقول له ::: لك ماأبكي!!!
وكانت إلى جانبها طفلتها لها من جمال القمر نصيب ... وجهها منقبض منكسر من هول ماترى ... كانت عيونها حائرة على أنها في حالة غير مفهومة فأبوها لم يمت وعيونها تكتحل برؤيته من بعيد فلم لا تصل إليه وتقبّل خده ؟؟ ولم لا يقترب منها ليلاعب شعرها الذهبي الجميل ؟؟؟ولم المناحة ؟؟ ولم الجمع كلّه؟؟ أخذت تدرس الحياة في معضلتها الأولى من حيث لاتفهم شيئا وبدأ العدل الإنساني الرحيم يخشن صدرها ليعلمها ذات يوم معنى الظلم الذي سيكون في النهاية باعثا على العدل ....!!
صورة بشعة على تلوينها ... إذ لا سواد فيها إلا من الخطوط ... ولابياض إلا من الدموع ... ولاصفرة إلا من الوجوه ... ولاحمرة إلا من لهب القلب ...سيمضي كل شئ في سبيله فينسى ولاتنسى لأنها مادة علمية مصورة كرسم تعليميّ في جغرافيا الجريمة !!!
هي اليوم طفلة فهي للحفظ... وغدا صورة فتاة شابة فهي للتعلم ... وبعد غد هي صورة امرأة خنساء فهي للعمل...
أما أخوه فوقف ناحية من النساء وجعل يبكي ويعصر عينيه ,, ولاأدري إن كانت الفطرة هي التي أبعدته عنهن حتى لا يشبههنّ بوجه من الشبه ولو كان خيطا من الدموع ؟؟ أم انتحى جانيا كيلا تتصل به عدوى الضعف ويستطيع أن يبكي على أعين الرجال بكاء رجل في دمعه شئ من القوة ؟؟؟ أم أنه انتبذ مكانه ليتكلم مع آلامه فإن الآلام تتكلم ولكن بأحاسيسنا ... وكان له مع أوجاع قلبه حديث طويل ..!!
وجاء السجانون ليأخذوا رجلنا إلى غير عودة .. فانهار أخوه من الصدمة ... ووقفت الطفلة مذهولة من الضعف كا،ما توقف قلبها ... أما جدتها فارتمت بنظراتها إلى ابنها فلما غاب عنها ارتمت إلى السماء ...وأما الرضيع المسكين الذي ابتدأ تاريخه بجريمة لا يد له فيها ... هذا الضعيف الذي لايزال جلده أرقّ من ديباجة من ورق الزهر .. ومع ذلك تدّق فيه من الان مسامير اليتم والضياع وكان وحده دليلا على الأمل الإنسانيّ في رحمة الله إذ فتح عينيه للنور وابتسم !!
نزت كبدي عندما رأيت الحب الهالك يستنفض زوجة البطل ويسوقها جامحة في عنان الحزن يترامى على وجهها ... وكانت غريقة في بأسها وكان شاطئ الأمل يفرّ أمام عينيها فرارا لأن بينها وبينه موجة دمعها!!
لقد صدع الحب في قلبها صدعا ليفرز فيه الشوكة المستحدّة من ألم الفراق لمن نحبّ...تلك الشوكة التي مانفدت إلى القلب فاستقرت فيه إلا جعلت الحياة كلها معاني شائكة حتى تحطم أو تنتزع ...
امرأة معذبة وفي نفسها رجلها المعذّب وبين هذين طفليهما يطلب منها أن تظل حانية عليه حنو أبوين ... فهي تجمع على قلبها عذاب ثلاثة قلوب ...وتتألم بنفسها الواحدة ألم الرثاء لحبيبها الذي نزلت به عقوبة الموت ...وألم الإشفاق على تاريخ أمتها الذي نصب له المقتل على أعين الشامتين في مقتل الذلة ... وألم اللوعة لحياتها التي لم تعد الأيام تناجيها إلا بلغة الدمع!!
ألا يا ماء البحر بماذا أصبحت زعافا لاتحلو ولاتساغ ولا تشرب ؟؟؟ إنك لست على أرض من الملح ولكنك يا ماء البحر ذابت فيك الحكمة المالحة ...
ماالفراق إلا أن تشعر الأرواح المفارقة أحبتها بمس من الفناء لأن أرواحا أخرى فارقتها ...وإنما الحبيب وجود حبيبه لأن فيه عواطفه ... فعند الفراق تنتزع قطعة من وجودنا فنرجع باكين ونجلس في كل مكان محزونين كأن في القلوب معنى من المناحة على معنى من الموت !!
وكل مافي الحب هو وحده الحياة كأن الحبيب يتخذ من وجودنا صورة معنوية من القلب والقلب على صغره يخرج منه كل الدم ليعود إليه كل الدم ...
في الحب يتعلم القلب كيف يتألم بالمعاني التي يجردها من أشخاصها المحبوبة وكانت كامنة فيهم ...وبالفراق يتعلم القلب كيف يتوجع بالمعاني التي يجردها هو من نفسه وكانت كامنة فيه ....فنرى العمر يتسلل يوما فيوما ولكن متى فارقنا من نحبهم نبّه القلب فينا بغتة معنى الزمن الراحل ومعنى الفراغ فكان من الفراق على أكبادنا ظمأ كظمأ السقاء الذي فرغ ماؤه فجف وكان الفراق جفافه...
يارب : إن القلوب لأضعف من الضعف فلا تجعل الدنيا تحطم أعمدة الحياة بفراق من نحب...
يارب : إن الدمع استنفر معلنا قصة الحزن الأبديّ الذي أبى إلا المكوث في القلوب المعذبة...
يارب : لنا أخوة في الأسر قد أثقلهم الحديد وأتعبهم الظلم ...اللهم إنهم في حاجة عاجلة إلى رحماتك ...فأنزل عليهم رحماتك يا رحمن يا رحيم...
يارب : إن قلوبنا أحبت دينك ونبضت شوقا إليك ... فلا تحرمنا لذة النظر إلى وجهك الكريم...
hgHsdv çglQdR
توقيع : سيف الدين الكناني
وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام كما نصرها باستشهاده، وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي يكتبها بدمه، فتبقى حافزًا محركًا للأبناء والأحفاد، وربما كانت حافزًا محركًا لخطى التاريخ كله مدى أجيال
والله لم أعد أعرف دموعي على من تسيل على أخي الأسير أم عى أهله أم على نفسي
أسأل الله تعالى أن يمكننا من عباد الصليب
وأسأله تعالى أن يرزقنا ركعتين في المسجد الأقصى غير خائفين ولا وجلين
وأسأله تعالى أن يفرج عن كل أسير مسلم وأن يحفظ عوائلهم وعوائل الشهداء كما حفظ أمنا هاجر بواد غير ذي زرع
في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رباط يوم في سبيل الله، خير من الدنيا وما عليها، وموضع سوط أحدكم من الجنة، خير
من الدنيا وما عليها، والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة، خير من الدنيا وما عليها))([1])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم، وتكفل الله للمجاهد في سبيله: إن توفاه أن يدخله الجنة، أو يرجعه سالماً مع أجر أو غنيمة))([2]). أخرجه مسلم في صحيحه.وفي لفظ له: ((تضمن الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسلي، فهو علي ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه، نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة))([3])، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مكلوم يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة وكَلْمُه يدمي، اللون لون الدم والريح ريح المسك))([4]). متفق عليه
والله يعلم أحبتي أني لم أكن أبدا أتمنى أن تتأثروا لدرجة أني شعرت أني أثقلت عليكم لكن والله هو الغيرة وكلمات عبرت عنها والأسى ودموع نطقت به..
غفر الله لي ولكم وبارك فيكم
دعواتكم
توقيع : سيف الدين الكناني
وكم من شهيد ما كان يملك أن ينصر عقيدته ودعوته ولو عاش ألف عام كما نصرها باستشهاده، وما كان يملك أن يودع القلوب من المعاني الكبيرة ويحفز الألوف إلى الأعمال الكبيرة، بخطبة مثل خطبته الأخيرة التي يكتبها بدمه، فتبقى حافزًا محركًا للأبناء والأحفاد، وربما كانت حافزًا محركًا لخطى التاريخ كله مدى أجيال